أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - رياض خليل - المفهوم الملتبس للقوة المدنية السلمية















المزيد.....


المفهوم الملتبس للقوة المدنية السلمية


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3656 - 2012 / 3 / 3 - 04:16
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


الجزء الثاني من المقال السابق
ثانيا : حول المفهوم الملتبس لسلاح السلمية والقوة المدنية
تتمة المقال السابق :" الثورة السورية مابين السلمية واللاسلمية "
مقدمة :
ببساطة يمكننا تطبيق قوانين الفيزياء على الصراع الجاري في سوريا مابين السلطة الحاكمة والمعترضين عليها الرافضين لها . ومن قال : إن الحركة الاجتماعية ليست حركة مادية أصلا ( طبقا للمادية التاريخية ) وهي موضوعية أكثر منها ذاتية : المهم يمكن تلخيص الصراع : بقانون الفعل ورد الفعل ، حيث لايمكن أن يسيرا في نفس الاتجاه ، بل هما متعاكسان في اتجاه حركتهما ومتضادان متناقضان . والمسألة ليست إرادية واعية بقدر ماهي عملية موضوعية وسياق إجباري ، لاتلغيه الإرادات والنوايا الطيبة والأحلام الوردية والتنظيرات اليوتوبية الخيالية المشوشة . وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية تصبح الدعوات للسلمية والحوار والاحتكام للعقل والمنطق مجرد نكتة فظة لاتغني ولا تسمن من جوع . وقد تكون نوعا من المناورة والتضليل والغدر والخيانة المقنعة والتواطؤ بأي اتجاه من الاتجاهات . ولو كان الحل السلمي ممكنا ومتاحا وسهلا ، لما وصلنا إلى ماوصلنا إليه ، لأن الحل ليس لغزا معقدا وملتبسا ، بل هو بسيط وواضح تماما ، ويتلخص بالتغيير الكفيل بإزالة الغبن السياسي طوال عقود ، وتصحيح البنية السياسية القائمة لتستوعب الاستحقاقات الديمقراطية التي غيبت لعقود . وهذا ليس بالأمر الغامض . ولكن تطبيقه ونتائجه لن تكون هي نفسها بالنسبة لطرفي الصراع في سوريا ، ومن هنا كان منطلق الأزمة والصراع الدموي المتنامي والدائر حتى اللحظة في سوريا ، والذي قد يستمر ويؤدي إلى المزيد من الخراب والدمار والفوضى القاتلة .
حول ردود الأفعال على الجزء الأول من المقال
من خلال ردود الفعل والتعليقات والملاحظات على المقال السابق ، أود التأكيد على أنني لست داعية للعنف بحال من الأحوال ، بل بالعكس أجد نفسي كليا في الجهة المعاكسة له تماما . وأنا من أشد المتعصبين للسلمية وتغليب لغة العقل والتسامح والحوار سبيلا لحل أي خلاف وصراع مابين الأفراد أو الجماعات وسائر مكونات المجتمع ، أي مجتمع كان . وإن الحضارات بنيت بالعقل والعلم لا بالسلاح والعنف ، ولو أن العقل والعلم اضطرا لاستخدام السلاح دفاعا عن السلم والمنطق والعقلانية في حالات كان يضر فيها إلى ذلك . وما الحضارة الأوروبية المتقدمة سوى انتصار لمنطق العقل والعقلانية والعلم في مجال السياسة والاجتماع . وإن العلم الاجتماعي والسياسي هو الذي وضع خطة الطريق السليمة للأمن الجماعي والتعايش السلمي الاجتماعي والدولي , من خلال وضع مشاريع ومبادئ وما يشبه الدساتير العامة العالمية التي تم التوافق عليها حتى الآن ، ولا يقلل من أهميتها أنها ليست كاملة أو هي ليست بمستوى الطموع الإنساني ، ولكن مايبعث على التفاؤل هو أنها مافتئت تتطور وتتحسن وتكتمل ، ومافتئ دورها يزداد ثقلا في حل النزاعات والمشاكل بين البشر والبلدان والأقاليم . وأعظم إنجازلها هو منظمة الأمم المتحدة التي تشترك في عضويتها الدول لثقتها بجدواها وفاعليتها وتأثيرها الإيجابي في حفظ النوع البشري ، وتجنيب العالم حربا عالمية مدمرة طوال مايقرب من سبعة عقود خلت .
وكم هو جميل لو أننا في سوريا نعيش في ظل نظام حضاري يفهم معنى الديمقراطية ويحترم القوة المدنية ، ويفعل الحياة السياسية العقلانية العادلة ، ويتعامل مع حركات الاحتجاج السلمية بنفس الطريقة التي تعامل بها البريطانيون مع حركة " غاندي " الذي كما تعرفون جميعا قد درس الحقوق في بريطانيا نفسها ، وجابه الاستعمار البريطاني بمنطقه نفسه وبأدواته نفسها ، ولم يواجه البريطانيون حركته بالقتل والتنكيل ، كما يحصل عندنا في سوريا . والأمر نفسه ينطبق على حركة " لوثر كينغ " في الولايات المتحدة الأمريكية .
لايوجد عاقل وحكيم لايحبذ الحلول السلمية الحوارية التفاوضية المتوازنة والمتكافئة والعادلة والنزيهة ، التي يتم فيها تغليب المصالح الوطنية العامة ، على المصالح الشخصية والفئوية والحزبية الضيقة والأنانية . ولايوجد عاقل لاينحاز للخير ، ولايجنح للسلم سبيلا لمعالجة الخلافات والتناقضات والاختلافات السياسية الاجتماعية . ولكن الأمور لاتسير دائما في هذا المنحى ، وكثيرا مايضطر العقلاء إلى اللجوء للعنف لإزالة عدوان ما لايمكن إزالته بغير العنف والقوة ، ويرفض أي عقلانية ومنطق وتحكيم ، ولايرى الأمور إلا من زاوية مصلحته غير الشرعية في فرض نفسه وحكمه ورؤيته وقانونه الخاص . وهنا يغدو اللجوء للدفاع حاجة ماسة وأخلاقية ، أخلاقية بقدر ماهي دفاع عن الحق لاعدوان عليه ، أخلاقية بقدر ماهي دفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، في الحياة والتعبير والاجتماع الخ . وبعد هذه المقدمة أنتقل لإكمال المقال في جزئه الثاني :
سياق الجزء الثاني من المقال
سلاح السلمية والقوة المدنية
. ليست الحركات المقاومة السلمية التي عرفها التاريخ الاجتماعي السياسي سوى استثناء للقاعدة العامة . وهي استثناء مرتبط بشروط تاريخية محددة ، وببيئة سياسية تملك حدا معينا من الأخلاق والخلفية والأرضية والسلوك الديمقراطي ، وحركة " غاندي " في الهند ضد الاستعمار البريطاني مثال ساطع على هذا السياق ، حيث أن البريطانيين كان لديهم إرث ديمقراطي فلسفي وسياسي على الصعيدين النظري والعملي . وكذلك حركة مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأعرق في مجال تأسيس وازدهار الديمقراطية وحقوق الإنسان فكرا وتطبيقا . وهنالك حالات أخرى حدثت في بعض بلدان أوروبا الشرقية ، وليس كلها ، تم فيها التغيير سلميا ، ولايمكن تعميم تلك الحالة في كل البلدان ، كما لايمكن اعتبادرها قاعدة مقدسة وجامدة ومفروضة في كل الظروف . حيث لاتصلح للتطبيق . ولايمكن مقارنتها بحالات مناقضة لها . ففي الحرب الأهلية اللبنانية لم يكن من الممكن تطبيق مثل تلك التجارب السلمية في التغيير والتفاهم ، حتى هذه اللحظة التي تحولت فيها الحرب الأهلية اللبنانية من حرب مشتعلة ساخنة إلى حرب سياسية باردة ومتأزمة في أغلب الحالات ، ومازال لبنان تحت وطأة الصراع المعقد الذي يتقاطع فيه الداخل بالخارج ، وهو مرشح في أي لحظة للاشتعال والتحول من الحرب الباردة إلى الحرب الساخنة . ذلك لأن ماحصل في لبنان هو مجرد تسكين وتجميد للصراع بفعل ميزان القوى المتحول لصالح فئة على حساب باقي الفئات نسبيا . مايعني أن الوضع في لبنان مرشح للانفجار مرة ثانية ، لاسيما وأن ميزان القوى اللبناني الداخلي مرتبط عضويا بميزان القوى الإقليمي والعربي والدولي ، فأي تغير باتجاه أو جهة سيخلق انعكاسه في اتجاه وجهة أخرى في المعادلة الكلية .
أعود وأؤكد على أن مارتن لوثر كينغ وغاندي واجها العدوان السياسي والمدني بالاعتراض والاجتجاج السياسي والمدني ، وكان الطرفان ينطلقان في مواجهاتهما من ذات المنطلقات القانونية والسياسية والفلسفية والديمقراطية ، التي ينطلق منها النظام والسلطة المجسدة له سياسيا ، أي أن الاعتراض والمواجهة كانت تستخدم نفس الأدوات التي تستخدمها السلطة في إدارة المجتمع : الأدوات المدنية الحضارية . ولم تلجأ الحكومتان البريطانية والأمريكية إلى استخدام السلاح والقتل لمجرد الاعتراض السلمي . لم يواجهوا الاعتراض السلمي بالقتل ، لأن ذلك كان تقليدا ديمقراطيا للطرفين . ولقد كان الطرفان المتنازعان في الجهة أو الخندق الديمقراطي ذاته ، أي أن المناخ الديمقراطي هو الذي مكن من الاعتراض السلمي وسمح به نظام يؤمن به ويتبناه عقيدة وفلسفة وسياسة ، ومن هنا لايمكن للاعتراض السلمي على الطريقة الديمقراطية أن ينجح في بلد ديكتاتوري فاشي متوحش ودموي لدرجة أنه يقتل الناس لمجرد أنهم يودون التعبير والاحتجاج والتظاهر ، ولايمكن للمحتجين والمتظاهرين أن يواجهوا القتل إلى مالانهاية ، وبردود فعل سلبية هي أشبه بالانتحار المجاني العبثي ، خاصة بعد أن يصبحوا مجرمين بنظر الحكومة ،وملاحقين ومهددين بالتصفية والقتل هم وأسرهم وكل من حولهم عقابا على ممارستهم حق التعبير بالتظاهر ، وفي ظل غياب كامل لتفعيل القوانين التي سنت لحمايتهم من بطش وطغيان السلطة المنفلتة من أي ضوابط ومساءلة وقواعد قانونية . وفي مثل تلك الحالة تصبح الدعوة لمواجهة العنف الحكومي بالمزيد من الاحتجاج المدني دعوة لامعقولة وعبثية ، ويمكن أن توصف إما بالغباء والجمود الفكري ، أو بالخيانة والتآمر ، أو بالانحياز للطرف المعتدي الرسمي . وبالتالي لن تلقى آذانا صاغية لدى الناس الذين يتعرضون للاضطهاد والتنكيل والقتل ، والذين لامخرج لهم من الأزمة سوى بالدفاع المستميت عن وجودهم الحيوي بكل مايملكون من قوة وإمكانية ، وسيلجأون إلى المقاومة بلا تردد ، وسيواجهون كل دعوات السلمية بالسخرية والاستهزاء وسيعتبرونها نوعا من التواطؤ السافر أو الحماقة والجنون والعبثية . ولايحق لأحد أن يطلب من المدافع مالايطلبه من المهاجم . والحق أن يطلب من المهاجم قبل أن يطلب من المدافع ، تطبيقا للقاعدة الفيزيائية الشهيرة : " الفعل يستدعي رد الفعل المكافي له بالقوة والمعاكس له بالاتجاه " . والفعل هنا هو السبب ورد الفعل هو النتيجة . ومعالجة الصراع يبدأ بالأسباب لابالنتائج . وأما وقد حصل الصراع ، فلابد من معالجة الأسباب والنتائج معا ، بمعنى ضرورة وقف الصراع من جهتي الصراع : الموجب المتسبب من جهة ، والسالب الناتح والمرتد من جهة ثانية ، وبغير هذا لايمكن لأي حل أن ينجح . لابد من وقف العنف من الطرفين ، ولابد من تشارك الأطراف في الحل ، وأما إن رفضت السلطة أو ناورت لطرح حل يكرس عدوانها فإن الحديث عن أي حل سياسي هو نوع من المستحيل والعبث . وبالتالي يتقدم الحل العنفي ويسيطر على الميدان إلى أن يفضي إلى هزيمة أحد الطريفين كليا أو جزئيا .
المعركة الدائرة لايمكن علاجها حسب تصوري حتى الآن سلميا وبالمفاوضات . ولاتنفع التمنيات والطوباويات والدعوات للحل السلمي في ظل غياب شروط ذلك الحل السلمي المأمول . لأن للحل السلمي شروطة وبيئته وعناصره الضرورية لإنجاحه . وهذا غير متوفر في الحالة السورية حتى الآن ، ولايبدو أنه سيتوفر في المستقبل المنظور ، في ظل تنافر المواقف المحلية والدولية والإقليمية حول الأزمة السورية المستعصية .
إن مطالبة الضحية بالسلمية لهو مطلب جنوني ومدعاة للسخرية والشك . لأنه من باب أولى أن يطالب المعتدي بالسلمية أولا . وإن مفهوم السلمية ليس مفهوما مجردا ، ولايمكن فهمه بمعزل عن مضمونه وظروفه الاجتماعية السياسية ، ومفهوم السلمية مرتبط بواقع معين . ولاقيمة ولامعنى له بحد ذاته مالم يخدم الناس والقضية المطروحة كحل لها .
مثال عن الحكومات الشرعية :
الحكومات لاتتخلى عن حقها في استخدام القوة والعنف لتطبيق القانون ضد منتهكيه ، وضد المعتدين عليه من الأفراد والجماعات ، حفاظا على الأمن والسلم الأهلي واستقرار الحياة الاجتماعية ، وهذا هو العنف القانوني الشرعي الذي يحفظ الذات الاجتماعية من الهلاك والموت وسائر أشكال العدوان . وهو بمثابة العلاج الطبي الذي يتنوع حتى يصل إلى درجة ضرورة استئصال ورم ما خبيثا كان أم حميدا من أجل الحفاظ على كامل الجسم سليما معافى ، وهو إنقاذ للحياة والروح من تهديد الورم له بالهلاك والموت المحدق به جراء وجوده . ولايستطيع أحد أن يحكم على الموقف الحكومي بأنه موقف عنفي مدان ومجرم ، ولا أن يطالبها باللجوء للسلمية والاحتجاج السلمي على المعتدين على النظام العام والمجتمع . سواء كان الاعتداء من الداخل أو من الخارج . ومثل تلك الدعوة تبدو نوعا من الكوميديا والكاريكاتور .
مثال عن الحكومة اللاشرعية
في البلدان والدول المحكومة ديكتاتوريا ، يصبح المثال السابق مقلوبا تماما ، حيث المجتمع هو الضحية ، والحكومة هي المعتدية أصلا وبداية ، لمجرد أنها موجودة وقائمة فهي عدوان موجود وقائم ودائم ومستمر مادام غير شرعي بالمعايير الديمقراطية وبمعايير حقوق الإنسان الأساسية المدنية والسياسية ، حيث النظام الاستبدادي يفتقد كل مقومات الشرعية التاريخية والشعبية والقانونية والأخلاقية والسياسية . إنه نظام مفروض بالقوة الغاشمة ، وغير مفوض سوى من قبل ذاته لا من الشعب . وفي مثل تلك الحالة تعتبر الحكومة عدوانا وعنفا قائما بقوة قانونها الخاص وبقوة السلاح الذي تملكه وتستخدمه ضد كل المعترضين الرافضين للنظام الاستبدادي . وتعتبر الحكومة في مثل هذه الحالة شارعة وماضية في العدوان والعنف ضد المجتمع ، وأغلبية المجتمع . وفي مثل تلك الحالة نجد من الأخلاقية والشرعية بمكان أن يعمل المجتمع والمتضررون منه على الاعتراض بالطرق السلمية المتاحة والممكنة ، ومن حقهم المطالبة بالتغيير بعيدا عن العنف ، بل بالحوار ماأمكن إلى ذلك سبيلا . أما إذا امتنعت الحكومة اللاشرعية عن تلبية المطالب ، وواجهت المطالبات الحديد والنار والرصاص والاعتقال والقتل ، فلن يكون مناص للمعترضين سوى المواجهة ، ولو كانت غير مضمونة النتائج . وسيطبقون مقولة الشاعر المتنبي الأشهر :( وإذا لم يكن من الموت بد -------- فمن العجز أن تموت جبان) وهذا مايحصل الآن .
ولقد دخل المجتمع السوري نفق العنف المسدود والأعمى ، ولايمكن لأحد أن يبرئ ساحة القيادة السورية كمتسبب أول ورئيس وأساسي في النتائج التي وصلت إليها القضية السورية ، ولايقلل من مسؤولية الحكومة السورية إلقاء اللوم على الأطراف الأخرى التي تحمل السلاح ، والتي ساهمت السلطة في صنعها وخلقها من خلال سياسياتها الفعلية بالأقوال والأفعال ،
هكذا هو الأمر على الصعيد الاجتماعي ، حيث قد .. بل وكثيرا مايتعرض الكيان الاجتماعي جسدا وروحا لمرض عضال حال ومهدد لحياته ولكينونته وأمنه وسلمه واستقراره ، ولايوجد حل آخر حينئد .. ولابد حينئذ من اللجوء لكل الوسائل التي تؤدي إلى إنقاذه مما ألم به ، ومن ضمنها خيار استخدام القوة والعنف . ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، تعرض المجتمع لأنواع وأشكال من الجريمة المنظمة التي تفتك به وبالناس الآمنين . ما يوجب أخلاقيا وقانونيا على المجتمع ممثلا بقواه المنظمة المختلفة التصدي لتلك الجريمة بالقوة والعنف المضاد ، والهادف إلى إنقاذ عموم المجتمع من مخاطره وآثاره وتبعاته . وهنا يصبح العنف حاجة ماسة لعموم المجتمع ، إي للشخصية الاجتماعية العامة المتكونة من مجموع أفراده وفئاته . وهنا أيضا تصبح السلمية كدعوة للحل موقفا عبثيا لاعقلانيا ومنافيا للطبيعة والفطرة والناموس الاجتماعي والفردي الذي خلقنا عليه . وأيضا يمكن أن تكون مثل تلك الدعوة نوعا من التواطؤ والغبن المرفوض من قبل أي شخصية سوية . والمسألة هنا ليست ثقافية ، ولاتتعلق بسوية ثقافية ، بل بسوية نفسية وعصبية وسلوكية , وهذه ليست مرتبطة كليا بالمستوى التعليمي والثقافي كما تؤكد الوقائع . وهنا نجد دعاة السلمية التي في غير محلها والتي تطلب السلمية من المجني عليه وتنسى الجاني ، نجد هؤلاء المدعين للسلمية أقلية مستهجنة ومنبوذة ومشكوك في مواقفها تجاه الصراع . وهم يصرون على مالايمكن الإصرار عليه ، وهو إمكانية الجنوح إلى السلمية من قبل الطرف المعتدي ، وإمكانية الاحتكام للحوار المتكافئ العقلاني والمنطقي . هؤلاء يمارسون نوعا من الترف الفكري المبتذل ، وفي حالات أخرى يمارسون نوعا من قلب الصورة وتشويشها والالتفاف عليها وتدوير القضايا والزوايا لشل قدرة أكبر عدد ممكن من الناس على الرؤية السليمة والتقييم السليم وبالتالي الخيار الصحيح لمواقعهم واصطفافاتهم في الصراع المحتدم . وفي الحالة السورية نجد العكس تماما ، حيث السلطة والقيادة السياسية هي التي تهدد الأمن والسلم الأهلي والكيان السوري بتعنتها وإصرارها وتطرفها في المضي قدما في الخيار العسكري/ الأمني/ الدموي ، ماخلق حالة من المقاومة المتنامية ضده في كل مكان . وهي مرشحة للنمو والتعاظم ، مترافقة بتفكك النظام والسلطة ومؤسساتها المدنية والحزبية والسياسية قبل العسكرية والأمنية ، وذلك بسبب الطبيعة الديمغرافية والإثنية والطائفية المعقدة للمجتمع السوري ، حيث بدا الصراع ظاهريا وشكليا نوعا من الحرب على فئة أو طائفة بعينها ، وهي الأغلبية السكانية السنية المعروفة ، ولكن الحقيقة هي خلاف ذلك بالتأكيد ، الحقيقة هي أنه في واقع الأمر صراع بين الديكتاتورية ، وسائر القوى الاجتماعية الرافضة والمقاومة له إيجابيا وسلبيا .. مدنيا وعسكريا . إنها أزمة مجتمعية عمودية وأفقية تمس جوهر الوجود الكلي للدولة والنظام والسلطة والوطن . وبات حلها بعد سنة من اندلاعها في مهب الريح والمجهول ، حسب تصوراتي المتواضعة .
السلمية سلاح ذو حدين : إن استخدم في سياقه الحضاري الصحيح كان فعلا حضاريا راقيا ومثمرا ونافعا ومطورا ومحققا لمعايير العدالة والانصاف . أما إذا حدث العكس واستخدم في غير سياقه المناسب .. كان ظلما وعدوانا وخداعا والتباسا مقصودا يهدف إلى تمكين ونصرة العدوان والمعتدي على الضحية . وبالتالي تكريسا للظلم وخرقا للعدالة وإمعانا بخراب المجتمع وهلاكه ودماره الملموس . وتكون السلمية في هذه الحالة دعما ومساندة للجرائم المرتكبة بشكل منظم على المجتمع ، ولا يمكن لذي عقل أن يدعو إلى السلمية مع قاتل يستمر في القتل ولايصغي إلى أية دعوات للتوقف عن القتل ، والحالة هذه لاسبيل إلى إيقافه بالدعوات السلمية ، بل بمقاومته بكل أشكال المقاومة المتاحة والكفيلة برده عن عدوانه وانتهاكه للقوانين والحقوق المتعارف عليها في التاريخ البشري . الحد الأدنى من المنطق يقول بضرورة الرد وحماية الناس وإزالة الخطر والضرر الواقع ، لابالنصائح التي فشلت ، ولا بالتمنيات والرومانسيات التي لاتنفع في مثل حالة من يواجه الموت والقتل والعدوان . بل بالمقاومة والضرب على يد المجرمين وأفعالهم الإجرامية المستمرة . والهدف الملح والأخلاقي والقانوني الوحيد هو : أوقفوا القتل والعدوان بأية وسيلة : ولتكن بالكلام والنصح والحوار إن أمكن إلى ذلك سبيلا . وأما إن كان ذلك مستحيلا كما أثبتت التجربة والتجارب والمحاولات كلها ، فلا يبقى سوى حل وحيد هو المواجهة والدفاع ، وهو القانون الطبيعي للصراع وسياقاته عموما ، وهو ماتأخذ به سائر الأمم والتاريخ قديمه قبل حديثه . وهو أيضا ما تأخذ به البلدان كافة في بناء قوتها العسكرة لتكون قوة كامنة جاهزة للتفعيل حين يحتاج الأمر لذلك التفعيل. ومايزال العالم بعيدا عن الأمن والأمان مادام هنالك استبداد وعدوان ونظم تحمي وتروج لثقافة الكراهية والعنصرية بأشكالها كافة . وبالتالي لاتزال الحاجة ماسة إلى امتلاك القوة الكفيلة بالردع السلبي في حالة السلم ، والإيجابي في حالة الحرب الحالة . والأمر كذلك بالنسبة للشأن الاجتماعي الوطني .
ومن ينكر الحق في استخدام العنف على الإطلاق وبكل الحالات ، فهو منفصل عن الواقع والمنطق . ويعيش يوتوبيا رومانسية معزولة ، وهو بالتأكيد سيتخلى عنها لحظة يحس بالتهديد المباشر لحياته ويجد نفسه يلجأ إلى العنف دفاعا غريزيا عن نفسه . ويصحو على حقيقة أخرى تختلف عن الحقيقة الموهومة التي تعشعش في دماغه الحالم أحلام اليقظة المريضة .
السلمية مع السلمية . هذا هو المبدأ الصحيح . ولاسلمية مع اللاسلمية ، وهو المبدأ العكس ، والعنف يستجر العنف المضاد عاجلا أم آجلا . وحينئذ يصعب وقف العنف من قبل أحد طرفي المعادلة ، لأن العنف يصير حينئذ ثنائية متداخلة ومعقدة ، ولاينتهي الصراع بين طرفيها غالبا سوى بانتصار وهزيمة .
إن تبريراتنا ودعواتنا السلمية المدنية الحضارية لاقيمة لها من الناحية الفعلية والواقعية والأخلاقية مادامت خارج سياقها الملموس ، ومادامت لاتلقى آذانا صاغية من قبل الأطراف ، ولاسيما من قبل البادئ والبادئ أظلم كما يقال . وأما وأن الصراع تجاوز مرحلة الدعوات للحوار والحل السياسي السلمي ، فلابد والحالة هكذا من التفكير بدعوات من نوع آخر أكثر عملية وقابلية للتطبيق ، لإنقاذ الجميع من الهلاك الذي بدأ يخرب البلد والمجتمع والدولة .



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية بين السلمية واللاسلمية
- سوريا : الجبهة الدولية المشتعلة
- حكايات صاحب الجلالة
- السلطة الأم: سلطة الشعب
- حتمية انتصار الثورة السورية
- جحا وساميل : (5) ، حلقة جديدة
- إضاءة على الحقبة الأسدية
- الأدب والثورة
- من قصائد الثورة (10)
- جحا وساميلا: الحلقة الرابعة :قصص قصيرة مسلسلة
- قصيدتان : ذاكرة للحب و نجوم الفرح : شعر نثري
- حيث يوجد الحب
- أنا ونعيمة والوحش : قصة قصيرة
- جحا وساميلا (3) : قصة قصيرة
- اليسار السوري: تاريخ فاشل ودعوة لإعادة البناء
- من خلف الغربة : شعر نثري
- تعقيبا على مكارم ابراهيم : حق تقرير المصير ......
- الأديب باسم عبدو: في
- جحا وساميلا وزائر الليل : قصة قصيرة (2)
- جحا وساميلا : قصة قصيرة


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - رياض خليل - المفهوم الملتبس للقوة المدنية السلمية