أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حوار مع السيد نزار رهك حول تعقيبه على مقالي إيران وعروبة العراق وعن الموصل / حلقات ثلاث في آن واحد















المزيد.....



حوار مع السيد نزار رهك حول تعقيبه على مقالي إيران وعروبة العراق وعن الموصل / حلقات ثلاث في آن واحد


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1077 - 2005 / 1 / 13 - 11:08
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


المقدمة
قرأت بعناية مقال السيد نزار حسين رهك المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 11/1/2005 الذي يناقش فيه مقالاً لي نشر في موقع الحوار المتمدن حول تجنب اجتياح مدينة الموصل كما حصل في الفلوجة, كما يتطرق حول مقال آخر لي تحت عنوان "إيران وعروبة" العراق. سأحاول إبراز المسائل التي حاول مناقشتها في مقاله الموسوم "تعقيب على موضوع كيف نواجه قوى الإرهاب في الموصل" ثم مناقشتها في ضوء مواقفي الفكرية والسياسية. يمكن صياغة القضايا التي أثارها في مقالته على شكل أسئلة لتسهيل مهمة القارئة والقارئ في فهم اعتراضاته, كما تسهل علّي الإجابة عنها بسبب فقدانها المنهجية العلمية في طرح أفكاره:
1. هل الإساءة الشخصية غير المبررة والتشهير غير المسئول اللذين مارسهما السيد نزار رهك هما الطريق لمناقشة المشكلات الفكرية والسياسية المختلف بشأنها والرد على الآخر؟
2. هل الاختلاف مع قيادة الحزب الشيوعي العراق أو أي حزب وطني آخر تسمح بالإساءة للحزب الشيوعي أو الحقد عليه ونشر الكراهية حوله أو حول غيره, أم أن الطريق السليم هو المناقشة الفكرية والسياسية؟
3. وهل تبني القضية الكردية من مواقع مبدئية يعتبر تأييدا لهذا الحزب الكردي أو ذاك أم لهذه الشخصية أو تلك أم أنها تبني قضية شعب عادلة ومشروعة ديمقراطياً ودولياً؟
4. وهل أن ما يجري في العراق هو مقاومة شعبية مسلحة حقاً, أم أنها عمليات إرهابية ضد شعب بأكمله, وهل ما أطرحه من أفكار يدفع إلى نشوب حرب أهلية أم العكس هو الصحيح؟
5. وهل الدفاع عن الحرس الوطني أو الجيش العراقي والشرطة العراقية خيانة وجريمة أم الطعن بهما هما الإساءة بعينها لهذه القوى الجديدة التي نأمل أن تتطور لصالح العراق؟
6. وهل الحديث عن الهوية العراقية وعن الفيدرالية خدمة للإمبريالية الأمريكية وإسرائيل؟
7. وهل الحديث عن تجنيب الموصل الموت والخراب الواسعين كما وقع في الفلوجة هو إساءة لأهل الموصل وترويج للقتل أم العكس هو الصحيح؟
8. وهل مشاركة البيشمركة في الدفاع عن الشعب العراقي زعزعة للوحدة الوطنية أم العكس هو الصحيح؟
سأحاول معالجة هذه المسائل في ثلاث حلقات متتالية لكي أوفي الموضوع حقه.

**********************
الحلقة الأولى

1. يبدأ السيد نزار رهك مقاله بتعريفي إلى القراء, رغم أن المسألة ليست شخصية بل هي مرتبطة بالفكر الذي يفترض مناقشته, واعتقد السيد رهك بأن قارئات وقراء الحوار المتمدن أو غيره من المواقع لا تعرف كاظم حبيب ولا بد من تعريفه لهم. يقول الكاتب بأن "الدكتور كاظم حبيب كان قائداً سياسياً وكان أحد منظري الحزب الشيوعي العراقي, وعضو في لجنة عزيز محمد التي قادت الحزب الشيوعي العراقي إلى الهزيمة السياسية والتمزق وتسببت بفقدان المئات من المناضلين, وبقي في قيادة الحزب لا هو مع اليمين ولا هو مع اليسار الذي كانت تمثله قاعدة الحزب...". (الصفحة الأولى من المقال) ثم يعبر عن اعتزازه بي واحترامه إلى حين وقوع الحرب, إذ تغير موقفه مع تغير موقفي إزاء الوضع في العراق. ثم يبدأ بشن حملة ض الأفكار والتحليلات التي أطرحها لفترة ما بعد الحرب. وهو يريد بذلك أن يشجع الشباب الذين يترددون في نقدي على ممارسة النقد, وعجز عن إدراك تهافت نقده أولاً, وكأن هناك من يخشى حقاً مناقشتي أو توجيه النقد لي ثانياً, ونسي بأن الشابات والشبان أجرأ, ولكنهم أكثر تعقلاً في نقدهم ويرفضوا توجيه الاتهامات جزافاً ولا يمارسوا التشهير, بل يناقشوا الأفكار وبجرأة عالية ويطرحون الجديد من الأفكار ولا يجترون الشتائم والاتهامات الباطلة. وكثيراًُ ما تعلمت من الشباب, سواء أكانوا في الجامعة أم في الحزب الشيوعي أم في الحركة الوطنية العراقية بشكل عام أم في حركة الأنصار حين كنت ألتقي بهم محاضراً أو مناضلاً معهم؟
وهنا أشير إلى ثلاث قضايا يؤخذ عليها كمناضل سابق في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وكنصير وكسياسي وكإنسان يفترض فيه أن يتميز بالترفع عن الافتراء والتشهير, وهي:
أ?. اتهامي الهروب من الأنصار. وهو لا يستحق الرد إذ أنها بدعة من عندياته, وكل نصير في كردستان يعرفني ويعرف فترة وجودي في كردستان ومتى غادرتها ومتى عدت إليها ثم غادرتها من جديد وفق قرارات واضحة. وكانت أخر مغادرة لي لإقليم كردستان وحركة الأنصار في حزيران/تموز من عام 1988, إذ عدت بعدها إلى موقع عملي السابق كممثل للحزب الشيوعي العراق في هيئة ومجلس تحرير مجلة قضايا السلم والاشتراكية (الوقت) في براغ. وكنت ما أزال عضوا في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.
ب?. اتهامي بالركض وراء الأمريكيين والحلول الأمريكية وهو يعرفني جيداً, وهي مشابهة لاتهامات سابقة باطلة بتسلمي مائة ألف دولار من وكالة المخابرات الأمريكيةCIA (الولايات المتحدة الأمريكية), مما اضطر الشخص الذي أساء لي إلى الاعتذار علناً ومن على شاشة قناة شبكة الأخبار العربية ANN.
ت?. الاتهام بأني أتحرك يمنة ويسرة بين السادة علاوي والطالباني والشيوعيين ومن ثم مع الأمريكيين, وهو اتهام باطل. كما أن هذا الأسلوب بالنقاش بعيد كل البعد عن الحوار والمحاجة العقلانية. فهو يعرف أيضاً باستقلالية أفكاري, وهذا لا يتعارض مع احتمال حصول توافق أو اختلاف فكري أو سياسي مع هذا الإنسان أو ذاك ومع هذه الجهة أو تلك.
لا يشك أي إنسان في أن للسيد نزار رهك الحق في توجيه النقد الذي يراه مناسباً لكتاباتي وآرائي, إذ ليست كل آرائي بالضرورة صائبة أو لا تحتمل الخطأ ولم ادع ذلك يوماً, ولكني اطرح اجتهاداتي في مجال الفكر والسياسة, وللآخرين اجتهاداتهم أيضاً ومنهم السيد رهك. وكم كنت أتمنى له أن يلتزم جانب العلاقات الإنسانية في التعامل مع النقد بدلاً من محاولات الإساءة بكلمات لا تعزز رده بل تضعفه, خاصة وأنه يتحدث عن كونه كان تلميذاً لي وأنا الذي علمته ...الخ. كان حرياً بالطالب عندما يختلف مع أستاذه أن يحترم نفسه بما يوجهه من كلمات بدلاً من الإساءة لأستاذه, إذ أنها إساءة لشخصه قبل أن تصل إلى أستاذه, إن صح أني كنت أستاذه يوما ما. ليس هذا هو المهم, بل المهم الأفكار التي تعرض لها والتي سأحاول مناقشة أهم ما جاء فيها.
2. أتفق مع السيد نزار رهك في أن السكرتير الأول للحزب الشيوعي العراق, عزيز محمد, واللجنة المركزية ومكتبها السياسي, وأنا معهم, قد ارتكبوا جميعاً الكثير من الأخطاء ووقعوا في مطبات سياسية غير قليلة, وخاصة في فترة حكم البعث الثانية, أي الفترة الواقعة بين 1972-1979. وأنا مسؤول عن تلك الأخطاء أيضاً بحكم وجودي في اللجنة المركزية للحزب حينذاك ولا أتهرب من مسؤوليتي بأي حال من الأحوال. وقد أصدر الحزب الشيوعي تقييماً فكرياً وسياسياً انتقادياً لتلك الفترة وافق عليه المؤتمر الرابع للحزب الذي عقد في كردستان العراق في عام 1984. ولو كان السيد رهك قد اطلع على كتاباتي أو الكتب التي أصدرتها حتى الآن لأدرك مدى انتقادي لنفسي وبقوة أكثر بكثير مما أشار إليه السيد نزار رهك. ولكن الأخطاء ليست سوى جانباً واحداً من المسألة, إذ أن لكل مسألة وجهان. وكان على السيد نزار رهك أن يحترم تاريخ الحزب الشيوعي الذي عمل فيه ونضاله أيضاً, فلم يكن تاريخ الحزب الشيوعي العراق كله أخطاء ومطّبات سياسية, بل كان حزباً مناضلاً وجريئاً وباسلاً في الدفاع عن مصالح الشعب العراقي وقضاياه العادلة, وكان الحزب واعياً لأخطاء قيادته وحاسبها على ذلك. لقد خرَّج الحزب الشيوعي مناضلين شجعان, وكان هو أحدهم, دافعوا بضراوة عن الشعب ومصالحه ولعبوا دوراً متميزاً في تنويره وتعميق الوعي السياسي والاجتماعي بين الفلاحين والعمال والطلبة والكسبة والحرفيين وفي صفوف المثقفين, بل حتى بين علماء ورجال الدين, وناضل بعناد من أجل الأخوة العربية الكردية ومع بقية القوميات في العراق وقدم الكثير من التضحيات على هذا السبيل. ولم يكن وجود السيد نزار رهك في كردستان عبثاً, بل كان يشارك في النضال من أجل قضايا عادلة ومشروعة وكان يمكن أن يكون هو وغيره من شهداء الشعب, كما حصل لآخرين. ولهذا لا بد من احترام هذا التاريخ بغض النظر عن علاقة الفرد حالياً بهذا الحزب. وعليه أن يعود إلى تاريخ والده, حسين رهك, وأخوته الذين شاركوا في النضال مع الحزب الشيوعي سنوات طويلة وهو يعرف جيداً تضحياتهم الغالية على هذا الطريق. من يهرب من تاريخه السلبي والإيجابي لا يحترم نفسه في كل الأحوال. لهذا فأنا مسؤول عن أخطاء تلك الفترة سواء عندما كنت عضواً في قيادة الحزب, في لجنته المركزية أم في مكتبه السياسي, أم عضواً وكادراً في الحزب. وأنا فخور بتلك الفترة ولا أجد ما أندم عليه سوى الأخطاء التي ارتكبتها. وكم كان حرياً به أن يتجنب ويخجل من الإساءة لي دون مبرر من خلال الإدعاء الباطل بأني هربت من الأنصار. فتاريخ الأنصار شاهد على موقفي وموقعي وعملي هناك وهو بحاجة جادة إلى إعادة النظر بهذا الفرية, فحبل الكذب قصير جداً, ولا يجوز الكذب أبداً في مثل هذه الأمور فنشر إشاعة للتشهير يصعب إعادتها ويحاسب عليها. والسيد رهك يعيش في ألمانيا والتشهير المتعمد والافترائي مرفوض ومحرم يخضع مرتكبه على سلطة القانون. فالسيد رهك يمتلك كل الحق في انتقاد أفكاري وسياساتي, ولكن لا يحق له الاعتداء على سمعة الشخص والتشهير به وهو ما ينبغي الاعتذار عنه علناً. ويمكن لعدة ألاف من الأنصار الشيوعيين والديمقراطيين, ولعدة ألاف من ?يش مر?ة القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى الكردية منها وغير الكردية, الرد على هذه الفرية بأنفسهم, إذ أنهم عرفوني طيلة أعوام في حركة الأنصار المناضلة في كردستان العراق في ناوزنك وبشت آشان وبادينان ولولان وخواكورك وأحمد آوه وغيرها من مناطق كردستان, سواء عندما كنت معهم أحمل السلاح أم مسؤولاً حزبياً عن قطاع بهدينان أم عندما كنت معلماً في المدرسة الحزبية في بشت آشان, أم عندما كنت مسؤولاً للإعلام في لولان. لم أخرج من كردستان إلا وفق قرار, حتى عندما قدمت استقالتي من قيادة الحزب الشيوعي العراقي لأسباب لست بمعرض البحث فيها, كنت مستعداً للعودة والنضال في صفوف الأنصار أو في الوسط والجنوب. وعندما أكتب هذا معناه أني أتحداه أن يبرهن عكس ذلك أو يأتي بدليل واحد ليبرهن على صحة ما يدعيه زوراً وبهتاناً. لقد التقيت مع السيد نزار رهك أكثر من مرة وكان مثالاً للأدب والاحترام, وكان آخر مرة التقيت به في اجتماع الجالية العراقية في برلين, وتحاورنا بشكل محدود وأبديت له وجهة نظري ولم يتحدث عن وجهة نظره, ولكني كنت أعرفها من كتاباته أو من خلال أخيه الفنان طه حسين رهك. إن الاختلاف في وجهات النظر لا تضيع للود قضية. إن السيد نزار رهك حاقد على قيادة الحزب الشيوعي ويتهمها بالتسبب في فقدان عشرات أو مئات المناضلين, ولكنه ينسى تماماً الجلاد الذي قتلهم, ينسى نظام صدام حسين وطغمته العدوانية, وينسى أن للأحزاب السياسية العراقية الأخرى شهداء أيضاًُ. صحيح أن الأخطاء تتسبب في عواقب سلبية, ولكن السؤال الذي كان عليه أن يطرحه على نفسه ويجيب عنه: هل كانت تلك الأخطاء متعمدة أم نتيجة ظروف وقدرات معينة في التحليل والاستنتاج؟ وهي ملاحظة ليست لتبرير الأخطاء بل من أجل التحري عن العوامل الكامنة وراء تلك الأخطاء وعن الجلاد الذي مارس القتل ضد مناضلي الحزب الشيوعي وغيرهم من مناضلي الأحزاب الأخرى والحركة الوطنية العراقية. إذا كان حقده على الحزب الشيوعي هو الذي يدفعه إلى هذا الموقف المتشنج, فهذا شأنه, ولكني لا أحقد على الحزب الشيوعي ولا على قيادته ولا أجد أي مبرر للحقد على أحد, رغم اختلافي مع قيادة الحزب في جملة من الأمور, ولي وجهات نظري الخاصة التي لم أخفها على أحد. ولكني أحترم الحزب الشيوعي العراقي باعتباره أقدم حزب في العراق ناضل ويناضل من أجل مصالح هذا الشعب وسعادته واستقلاله. ومن يعمل في السياسة في ظروف العراق المعقدة على مدى 70 عاماً يمكن أن يخطئ وأن يصيب. وبدلاً من توجيه النيران ضد الحزب الشيوعي العراقي يفترض أن يوجه تلك النيران ضد أعداء الشعب العراقي وإلى الإرهابيين الذين يقتلون يومياً العشرات من بنات وأبناء هذا الشعب.
3. يؤاخذني السيد نزار رهك على موقفي من الشعب الكردي والقضية الكردية. لقد كتبت مقالاً عن موقفي والعوامل الدافعة لمثل هذا الموقف إزاء القضية الكردية. وليس هذا الموقف غريباً لمن يلتزم في حياته مبدأً أساسياً هو حق الشعوب في تقرير مصيرها, ومنها الشعب الكردي, إضافة إلى من يلتزم النهج المادي الجدلي والمادي التاريخي في تحليله للأحداث والظواهر وحركة المجتمع بشكل عام. كم كان الرجل غير منصف في الموقف من القضية الكردية. لقد نسى تماماً مواقف الحزب الشيوعي العراق منذ تأسيسه والتي كان يلتزم بها, كما يقول هو أيضاً, ولم تكن خاطئة إزاء القضية الكردية. ولم يكن الحزب يلهث وراء مواقف السيدين مسعود البارزاني أو السيد جلال الطالباني, بل كان يعبر عن موقف مستقل وثابت, وعندما اختلف معهم عبر عنه بوضوح, بغض النظر عن وجهة نظر هذا الشخص أو ذاك. وهذا لا يعني أيضاً أن لم تكن هناك بعض الأخطاء في هذا المجال. عليك وعلى غيرك أن يفهم بأني أقف إلى جانب قضية الشعب الكردي منذ ما يقرب من 50 عاماً لأنها قضية عادلة ومشروعة واتخاذ أي موقف أخر غير ذلك يعرض العراق إلى مخاطر جسيمة لا مبرر لها وتقود إلى ضحايا جديدة, العراق في غنى عنها. بعض الناس, وهذا من حقهم, يتخذون مواقف قومية متشنجة أو متعصبة أو حتى شوفينية, وهم بذلك يقودون المجتمع إلى كوارث لا معنى لها. كم كان حرياً بالسيد نزار رهك أن يقرأ مقالاتي كلها ولا يختار واحداً أو أثنين منها وينسى ما جاء في المقالات الأخرى, إذ لا يمكن للكاتب أن يعيد كتابة كل آرائه في جميع مقالاته. القضية الكردية عادلة وستحقق ما تصبو إليه بإرادة شعبها وبدعم القوى الديمقراطية العربية والرأي العام العالمي. من يدافع عن قضية معينة يعني أنها قضيته في الوقت نفسه, ولا يمكن أن تدافع عن قضية أنت واثق من صحتها بنصف قلب أو نصف عقل أو نصف حمية. أما عن مدينة ومحافظة كركوك. فهي الأخرى جزء من القضية الكردية ولا أجد ما يبرر عدم وقوفي إلى جانبها. من تخلى عن الفكر الديمقراطي والفكر التقدمي أو المواقع الماركسية بشكل عام, هو الذي يصعب عليه قراءة الواقع والتعرف على الحقائق والإقرار بها والنضال من أجلها. وأملي أن لا يكون السيد نزار رهك أحد هؤلاء. أشرت في أحد مقالاتي عن موقفي إزاء المسالة الأمازيغية في دول شمال أفريقيا ودافعت عن حقوقهم المشروعة والعادلة ورفضت فكر وأساليب عمل القوميين العرب الشوفينيين إزاء قضية الأمازيغ. وهكذا كان موقفي من قضية شعب جنوب السودان وحقه في تقرير مصيره وإيجاد الحل السلمي للقضية. وكذا الحال مع شعب غرب السودان (دارفور), حيث كتبت عن شعب غرب السودان وحقه في الحصول على حقوقه المشروعة والعادلةً. إن الانتقال من موقع فكري إلى آخر يخص صاحبه, ولكن ليس من حقه أن يفرضه على الآخرين, إذ من حقي أن أقف على أرضية الواقع وأدافع عن وجهة نظري إزاء القضية القومية في العرق.

حوار مع السيد نزار رهك حول مقالي عن الموصل
الحلقة الثانية
4. من تابع مواقفي السياسية منذ سنوات إزاء الحصار والضربات الجوية وحرب الخليج الثانية والأخيرة يعرف بأني كنت ضد كل تلك الإجراءات والسياسات وضد الحرب الأمريكية في العراق. وقد تحدثت بهذا الموقف بوضوح لا يقبل الالتباس, وكتبت الكثير من المقالات وقدمت سلسلة من المحاضرات في الكثير من العواصم الأوروبية باللغتين العربية والألمانية, وكذلك في كردستان العراق عندما زرتها في ربيع عام 2002 , كما تحدثت مع من التقيت به من المسؤولين الكرد بهذا الرأي. وقد أيدني الكثير من الناس وانتقدني آخرون رأوا في الحرب خلاصاً من الدكتاتورية الغاشمة, ووجدت فيها عملاً مرفوضاً من حيث المبدأ, إضافة إلى تداعياتها اللاحقة وضحاياها وعواقبها التي لا يمكن لأحد تقديرها, وخاصة سقوط العراق تحت الهيمنة الأمريكية التي تعتبر جزءاً من إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم. وأجد نفسي حتى الآن بأني لم أكن مخطئاً في هذا الموقف, بل تؤكده الحياة, رغم أننا قد تخلصنا من أبشع دكتاتورية عرفها العراق في كل تاريخه الحديث. وقد كتبت عشرات المقالات بهذا الصدد ونشر الكثير منها. كان هذا قبل الحرب. وهو الذي يقدره ويحترمه السيد نزار رهك, لأنه يتفق مع وجهة نظره. وليس في هذا الموقف أي غرابة, ولكن الغرابة تبدأ عندما عجز عن احترام الرأي الآخر بسبب الاختلاف في وجهات النظر. وهو تعبير واضح عن عجزه عن فهم الحق في الاختلاف كجزء من حقوق الإنسان. وعلينا طرح السؤال التالي: ماذا حصل مع نهاية الحرب؟ سقط العراق تحت الاحتلال الأمريكي- البريطاني كما توقعت وتوقع الكثيرون أيضاً, وكنا ندرك بأن الحرب ستنتهي إلى هذه العاقبة, وكان النظام الاستبدادي الصدّامي مسؤولاً عن هذه العاقبة المؤلمة, وليس بعض أطراف المعارضة العراقية التي اتفقت مع شن الحرب الخارجية للخلاص من الدكتاتورية المجرمة, رغم عدم اتفاقي معها عندما أيدت الغالبية منها شن الحرب ضد النظام الاستبدادي خشية على الشعب لا على النظام الدموي الفاجر. ولكن الظروف التي دفعتني إلى اتخاذ الموقف ضد الحرب قد تغيرت وبرزت عوامل أخرى على أرض الواقع تفترض بالمفكر والسياسي أن يأخذها بنظر الاعتبار لكي يتسنى له فهمها والتعامل الواعي معها في سبيل تحقيق المصالح العراقية لا غير, وهو ما لم يؤخذ بنظر الاعتبار من جانب بعض الأخوات والأخوة الذين يشاركون في تحليل الوضع السياسي في العراق, ومنهم السيد نزار رهك.
سقط العراق تحت الاحتلال مع سقوط النظام الاستبدادي. ولكن العراق كان قد فقد استقلاله وسيادته الوطنية في فترة وجود صدام حسين على رأس السلطة بسنوات طويلة, وبالتالي لم تعد هناك ورقة توت تستر عورة النظام وادعائه بالاستقلال والسيادة الوطنية. أصبحنا أمام قوات الاحتلال في البلاد وأمام قوى وأحزاب سياسية عراقية تناضل في سبيل استعادة السيطرة على الوضع وإنهاء الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية. ولم يكن أمام الشعب سوى طريقين أما المقاومة المسلحة أو النضال السلمي في سبيل ذلك. الغالبية العظمى اختارت طريق النضال السلمي لتحقيق المنشود, في حين اختارت مجموعة صغيرة جداً سبيل المعارضة المسلحة, وهي التي تراجعت عن مواقفها في الواقع العملي في العراق. فمن يمارس إذن هذه العمليات العسكرية الجارية في العراق؟ أنها عصابات صدام حسين يا سيد رهك التي شكلها قبل سقوط النظام بفترة استعداداً لمواجهة ما بعد السقوط. إنها مجموعة من هيئة علماء المسلمين السنة ذات الوجهة الطائفية التي فقدت مواقعها في الحكم وخسرت الامتيازات والمنافع الاستثنائية التي كانت تتمتع بها أثناء حكم صدام حسين, إنها الفئة الطائفية التي تعتقد بأن أتباع المذهب السني قد فقدوا مواقعهم في الحكم. وأنها جمهرة من القوميين اليمينيين والشوفينيين الذين تعاونوا مع نظام صدام حسين ودافعوا عنه طيلة سنوات وعقدوا المؤتمرات القومية العربية في ظل حكمه, وهم أيضاً جماعات القاعدة وأنصار الإسلام الكرد وجماعة بلاد الرافدين من أتباع الزرقاوي الذي نصب من قبل أسامة بن لادن أميراً لبلاد الرافدين, وقد وهب الأمير ما لا يملك! كما أنهم جماعة غير كبيرة من الشيعة المتطرفة التي اعتقدت بأن الفرصة قد حانت للاستيلاء على السلطة وإقامة حكم إسلامي سياسي طائفي متطرف وإرهابي. وقد عشنا نشاطها في النجف ومدينة الثورة ببغداد وفي البصرة مثلاً. هذه الجماعات هي التي اختارت طريق العنف والإرهاب والقتل بالصورة التي بعيشها اليوم الشعب في العراق. لم يكن في مقدور الشعب أن يقاوم الاحتلال عن طريق السلاح, إذ أن ذلك عدم تقدير سليم لميزان القوى والطاقة الفعلية لدى الشعب, وكان من حق الشعب المتعب من سياسات وحروب الدكتاتورية أن يأخذ بنظر الاعتبار الأوضاع الجديدة ويقرر النضال السلمي, وهو ما حصل ويحصل حالياً, خاصة وأنه يحظى بدعم الرأي العام العالمي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في هذا النضال. وهو ما وجدته مناسباً, رغم كتاباتي الكثيرة ضد الاحتلال وبشاعة السياسات الأمريكية والأخطاء الفادحة التي ما تزال ترتكبها في العراق, التي لم ينتبه إليها السيد رهك أو لا يريد الانتباه إليها, وهو أمر متروك له. ولكن الجهل بمواقفي لا تعفي الأخ من مسؤولية الكتابة بشكل دقيق وصادق ليعبر عن الموقف الذي التزم به في هذا الصدد. ليس هناك أي إنسان سوي العقل والبصيرة وأمين لشعبه يقبل بالاحتلال, ولكن السؤال الذي نختلف في الإجابة عنه هو: كيف نواجه الاحتلال وكيف نتخلص منه بأي فرب فرصة ممكنة؟ إن التطرف, كما أرى, لن يعالج الوضع السياسي في العراق بل يعقده في غير صالح الشعب ومستقبله.
إن ما يجري في العراق ليس مقاومة, هذا لا يعني أن لا يوجد هناك من يقاوم بالسلاح أيضاً. ولكن علينا توضيح ما يلي: أن الجماعات الإرهابية هي التي تشكل الغالبية العظمى من القوى التي تمارس العمليات العسكرية بمختلف صورها, إنها ليست سوى أعمالاً إرهابية ضد الشعب العراقي وضد الخلاص المعجل من الاحتلال. أما القليل الذي يقاوم الاحتلال بروح وطنية فهم القلة القليلة التي نختلف وإياها في الأسلوب, وهو ما أشرت إليه أكثر من مرة. لا يمكن بأي حال تسمية فلول قوى الأمن البعثية وقوى فدائيي صدام حسين وفلول الحرس الجمهوري وفلول جيش القدس أولاً, وفلول القوميين اليمينيين الشوفينيين ثانياً, وقوى القاعدة وأنصار الإسلام الكرد وأنصار الإسلام السنة العرب وجيش بلاد الرافدين للزرقاوي ثالثاً, بقوى المقاومة الشعبية, فهؤلاء جميعاً إرهابيون سفاحون من قاطعي رقاب الناس, أنهم كانوا قتلة قبل الحرب, وهم قتلة بعد الحرب حتى يومنا هذا. ولا يجوز التفكير بغير ذلك, إذ نقع في أحضان أعداء الشعب الذين يريدون إعادة النظام السابق إلى بلادنا أو تسليمه لقوى ظلامية من أمثال جماعة القاعدة وجيش بلاد الرافدين للزرقاوي وغيرها من التنظيمات الإرهابية, وهم غير قادرين على ذلك في كل الأحوال. والأعمال التي يقومون بها تكشف عن ذلك. والناس الذين يقتلون يومياً بأيدي هؤلاء القتلة المجرمين هم ضحايا ليس من يقتلهم فحسب, بل من يدعي أنهم مقاومة ويدافع عنهم أيضاً. فمن هم الذين يقاتلون باعتبارهم مقاومة. هم مجموعة صغيرة لم يعد لها أي وزن يذكر وضائعة في خضم أعمال الإرهاب الجارية وربما انتهت بعد أن لاحظت عقم العملية التي يقومون بها في العراق. إن العمليات الإرهابية الجارية تعيق النضال السلمي وتعطل مسيرة التخلص المعجل من الاحتلال ومن الهيمنة الأمريكية على القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية في البلاد والتي يفترض أن نتخلص منها بأسرع وقت ممكن.


حوار مع السيد نزار رهك حول مقالي عن الموصل
الحلقة الثالثة
5. ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية حماقة كبيرة حين حلت الجيش العراقي بالطريقة المعروفة وبالتالي فسحت في المجال إلى عدم السيطرة على العناصر التي كانت في القوات المسلحة, ومنحت القوى الإرهابية فرصة تعبئة الكثير من هؤلاء حولها واستخدامهم ضد الشعب العراقي وفي عمليات التخريب. وكان لا بد من تشكيل قوات الشرطة وقوات الجيش العراقي., ويعتبر مشاركاً, شاء ذلك أم أبى, في ارتكاب غير مباشر للجريمة. وهذه القوات هي السبيل الوحيد والعملي لمساعدة الشعب في التصدي للإرهاب, وهي التي يفترض أن نعجل باستكمال قوامها وتسلحها لكي نتخلص من وجود قوات الاحتلال كلها دون استثناء. وما يجري اليوم من قتل للشرطة وقوات الحرس الوطني التي أصبحت منذ 6/ كانون الثاني / يناير 2005 جزءاً من الجيش العراق الجديد, ليس سوى جريمة وخيانة لقضية الشعب ومصالحه, ومن يعتبر هذه العمليات ضد هذه القوات أعمال مقاومة شعبية سليمة يرتكب خطأً فادحاً بحق شعبه ووطنه. إننا أمام واقع جديد, إذ ستقع على عاتق هذه القوى, رغم ضعفها في الوقت الحاضر, تحمل العبء الأكبر من مسؤولية مواجهة الإرهاب وقوى الإرهاب الداخلي والمستورد.
6. يبدو أن السيد نزار رهك فقد البوصلة التي تساعده على رؤية الأمور بمنظار الإنسان السياسي الواعي. فإدانتي لوكيل وزير خارجية إيران الذي تحدث عن عروبة العراق كانت تهدف إلى توضيح ثلاث حقائق مهمة لم ينتبه لها, وهي:
أ?. حقيقة أن هذا المسؤول وغيره يريد تأجيج الصراع العربي الكردي بطريقة فجة وبالية من خلال الحديث عن الهوية العربية للعراق, وهي لا تدغدغ إلا مشاعر القوميين الشوفينيين, وليس القوميين الديمقراطيين والتقدميين أو الماركسيين.
ب?. وهي محاولة لتجاوز إشكالية النموذج الذي تقدمه كردستان العراق بفدراليتها إلى كل الكرد في المنطقة, وخاصة على إيران وتركيا, أي إثارة الناس العرب ضد الفيدرالية.
ت?. وهي في ذات الوقت محاولة لتعبئة الدول العربية والقوى القومية في العالم العربي لمواجهة ورفض الحل الديمقراطي الفيدرالي للقضية الكردية في العراق.
والسؤال هل في مقدور الماركسيين القدامى المتحولين إلى مواقع القومية الشوفينية فهم ذلك؟ هذا ما لا يبدو واضحاً حتى الآن. ويصعب على الإنسان فهم هذه العلاقة التي حاول السيد رهك ربطها بين حديثي عن موقف إيران والهوية العراقية وبين إسرائيل. إليك ومن معك في الرأي تصوري حول موضوع الهوية العراقية. جزء من العراق عربي بطبيعة الحال والجزء الآخر منه كردستاني. فالجزء العربي من العراق جزء من الوطن العربي والجزء الآخر, أي كردستان العراق جزء من الوطن الكردستاني الكبير, بغض النظر عن رغبتنا في الاعتراف بهذه الحقيقة أم إنكارها. أن السيد رهك الذي ناضل في صفوف الأنصار واحتك ببقية القوى الكردستانية لا بد له وأن أدرك ولو بحدود معينة قضية الشعب الكردي, ولا بد وأنه أدرك وجود شعبين في العراق لا شعب واحد, إضافة إلى وجود قوميات أخرى هي التركمانية والكلدانية والآشورية. كما لا بد وأنه يدرك وجود منطقة اسمها كردستان لا في العراق فحسب, بل في إيران وتركيا وسوريا.وأرمينيا أيضاً. وليس في هذا أي تجاوز على الحقيقة بل هو واقع قائم, وهذه الأرض موزعة منذ عقود أو حتى قرون, أولا بين دولتين ثم بين دول أربع. وعلى هذا الأساس فالهوية العراقية, هي هوية متعددة القوميات والثقافات واللغات, عربية وكردية وآشورية وكلدانية وتركمانية في آن واحد, وبالتالي فليس العراق كله جزء من الوطن العربي بل جله, أي العربي منه, ولكن العراق عضو كامل الحقوق والواجبات في الجامعة العربية وليس في هذا أي مأخذ. إن تصريح السيد وكيل وزير خارجية إيران كان يريد الوقوف ضد الفيدرالية, وهي جزء من حق تقرير المصير للشعب الكردي. وليس الحزب الشيوعي العراق وحده اعترف بذلك, بل غالبية الأحزاب السياسية العراقية, حتى الإسلامية السياسية وبعض القوى القومية منها التي كانت لا تؤمن بحقوق القوميات قبل ذلك, بل تدعو إلى دولة واحدة بلا فيدراليات, كما عليه الحال المزري في إيران, وهو ما كان يقصد منه ذلك الوكيل للخارجية الإيرانية. هل الفيدرالية تقسيم للدولة العراقية أم أنها الحل العملي لتعزيز تلاحم نضال الشعبين العربي والكردي وبقية القوميات, ووحدة القسم العربي والقسم الكردستاني في العراق الموحد؟ يمكن لإسرائيل أن تستفيد من أوضاع العراق وغير العراق عندما تكون شعوب هذه المنطقة غير حرة وتسودها الدكتاتورية وعدم التمتع بالحقوق القومية العادلة والمشروعة. أي أنها قادرة على الاستفادة فقط عندما ينشأ الصراع ويبدأ القتال بين القوميات المختلفة أو بين الأديان والمذاهب المختلفة, وهذا ما خبرناه بتجربتنا الذاتية. فعندما تصارع قوى سياسة وطنية ضد حكومة بلادها بسبب سياساتها الاستبدادية, فهي مجبرة على الاستعانة بدول الجوار, ولكنك لن تحتاج إلى دعم دول الجوار عندما تتعزز الوحدة الوطنية ويتمتع الجميع بالحقوق المشروعة والعدالة للقوميات المختلفة. وستعجز إسرائيل عن الاستفادة لو استطعنا تمتين وحدتنا الوطنية على أسس سليمة. عندما نتوصل إلى إقامة عراق فيدرالي ديمقراطي موحد ومدني تعددي, عندها سيعجز الجميع عن الإساءة للعراق وشعبه ومستقبله.
7. والآن لنبحث في أمر الموصل الذي أثار غيظ السيد نزار رهك ودفعه للكتابة. لقد أشرت في أكثر من مقال إلى أن الفلوجة قد تحولت إلى بؤرة أساسية للإرهاب ضد شعب الفلوجة وضد العراق ككل وليس إلى مركز للمقاومة الشعبية. وفي الفلوجة قتل الكثير من النساء والرجال الأبرياء الذين اختطفوا ويصعب حصر عددهم. ولم يكن في مقدور الناس دفع البلاء عنهم, بل كانوا تحت ضغط وابتزاز وإرهاب تلك القوى الإرهابية. وكان المسؤول الأول عن هذا الانفلات الأمني والولوج الواسع وإعادة تنظيم القوى الإرهابيين هي قوات الاحتلال الأمريكية وليس غيرها, إضافة إلى أن الحكومتين السابقة والراهنة لم تتخذا في الوقت المناسب الإجراءات الكافية لحماية المواطنين في هذه المدينة وفي غيرها من المدن العراقية, وبالتالي لم يعد أمام نشاط القوى الإرهابية غير المواجهة. الغريب في الأمر أن السيد رهك ومن ماثله يدافع عن قوى الإرهاب لأنها تتعرض لمحاربة قوات الاحتلال وقوات الحكومة, ولكنه ينسى بالكامل ضحايا الإرهاب اليومي من الناس البسطاء ممن يتحرون عن عمل وخبز لعائلاتهم. إنهم يلطمون على الإرهابيين القادمين من وراء الحدود أو من فلول صدام حسين, ولكنهم لا يتحدثون بكلمة واحدة عن الضحايا التي تقتل يومياً بالانتحاريين وبالسيارات المفخخة وحرائق أنابيب النفط. لست معلماً في مجال حقوق الإنسان, فأنا ما أزال أتعلمها. ولكن الضحية هو الذي يفترض أن يتم الدفاع عنه وليس الجلاد الصدّامي وأتباعه ومن يمارس القتل المتعمد ضد الشعب يومياً ودون انقطاع يا سيد رهك. كم هي ساذجة وبائسة تقول المقولة التي تقول "دع نارهم تأكل حطبهم", إنها النعامة التي تدفع برأسها في الرمال عند رؤية العدو. أنه لا يريد أن يرى الموت الذي يحصد أبناء الشعب في كربلاء والنجف وأربيل والسليمانية وكركوك والموصل وبغداد واللطيفية وغيرها الكثير من المدن العراقية. إن الذين يقتلون هم نساء عراقيات ورجال عراقيون وليسوا قتلة الشعب!
كنت وما أزال أسعى إلى تجنيب الموصل ما حصل في الفلوجة وما كاد يحصل في النجف. ومن يسعى إلى منع وقوع الاجتياح السيئ عليه أن يفكر حقاً في كيفية الوصول إلى حلول مناسبة. وهي مسألة منطقية إلا من لا يفهم المنطق العلمي. لا يمكن إنقاذ المدينة من الاجتياح إلا بطرد الإرهابيين منها أو اعتقالهم. كيف يتم ذلك؟ هل يحتاج ذلك إلى أن يكون الإنسان مهيب ركن كأحمد حسن البكر, كما أراد تسميتي السيد رهك دون حتى أن يخجل من نفسه وهو يخاطب إنساناً يعرفه جيداً ويقارنه بأحمد حسن البكر وصدام حسين اللذين يحملان هذه الرتبة العسكرية. إن رغبتي في تجنيب الشعب العراقي سيل من الدماء هو الذي يحركني للتفكير بهذا الاتجاه, وليس من طبيعتي ترديد الكليشهات الثوروية التي عافها الزمن وطرح الحلول المتطرفة التي لم تعد قابلة للحياة, بل تجر على الشعب الكوارث دون مبرر. إذ أني أعرف القسوة والوحشية التي تتميز بها قوات الاحتلال, أي احتلال مهما كان. لكن علينا أن لا ننسى تلك الوحشية المنقطعة النظير لقاطعي رؤوس البشر وناحري النساء وقاتلي الأطفال من الإرهابيين الذين يمارسون صنعتهم الدموية في العراق يومياً. ليس هناك أي إنسان وطني شريف يرضى بأن تتعرض الدور السكنية على الهدم في الفلوجة أو الناس الأبرياء وهم يعيشون في المخيمات البائسة. ولكن لو بقي الإرهابيون في الفلوجة لتحولت المدن العراقية إلى مقابر جماعية جديدة مشابهة لمقابر صدام حسين الجماعية المنتشرة في أنحاء العراق.
الإرهاب الجاري في العراق هو الذي يمكن أن يقود إلى حرب أهلية بسبب سعي الإرهابيين إلى إثارة المذهبية والقتل المتعمد في كربلاء والنجف وضد المسيحيين أو ضد مساجد أهل السنة, وليس من يدين الإرهاب ويحتج عليه ويطالب بوقفه. لقد اختلطت الأوراق في أذهان المناضلين الأقحاح ضد الإمبريالية الأمريكية ولم يعودوا قادرين على رؤية الأمور بوضوح. وهم بذلك يخدمون من يريدون الكفاح ضده. النضال عملية علمية وعقلانية تدار وفق أسس ثورية سليمة وليس وفق الطريقة التي يدعو لها البعض ويخلط الأوراق بشكل فج لا يؤدي إلا إلى خسائر فادحة في صفوف الشعب العراقي.
يبدو أن السيد رهك يعتقد بأني حائر في أمري وموقف حين يقول بأني أتحرك يميناً ويساراً بين أياد علاوي وجلال الطالباني والأمريكان وبعض الخيوط مع الشيوعيين. ويبدو أنه يصعب عليه أن يرى رأياً مستقلاً عن هؤلاء أطرحه كما أرى الواقع المعاش في العراق ووفق اجتهادي, وفي الاجتهاد يمكن أن يخطئ الإنسان أو يصيب. لا أتحرك, وهو يعلم علم اليقين, إلا وفق ما أراه صحيحاً من وجهة نظري وزاوية الرؤية التي أنظر بها إلى الأحداث الجارية. أحترم أراء الآخرين من الناس سواء اتفقت معهم أم اختلفت, ولكني رفضت سياسات الولايات المتحدة قبل بدء الحرب حتى يومنا هذا, ليس عداءً للولايات المتحدة الأمريكية, بل بسبب سياساتها في منطقة الشرق الأوسط والعالم. ومن جانبي سأبقى أذكر في كل مناسبة القضايا التي تستوجب الذكر لترسيخ ذلك في أذهان الشعب الذي أكتب له والذي يعي تماماً ما أكتب.
8. إن مطالبتي بمشاركة البيشمركة في الدفاع عن مدينة الموصل وكركوك وحماية أهاليهما من نشاط الإرهابيين القتلة هو جزء من وعي بأن البيشمركة الكرد يشكلون جزءاً من قوات العراق والتي ناضلت في سبيل الحقوق المشروعة للشعب الكردي ولكنها كانت تناضل في سبيل الديمقراطية للعراق أيضاً. وكان الأنصار الشيوعيون من عرب وكرد يناضلون في سبيل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي أو الفيدرالية لكردستان العراق. ولهذا فأنها كأمر طبيعي أن تنتقل ليس فقط إلى الموصل وكركوك, بل يمكن استخدامها أيضاً في الوسط والجنوب لا لمواجهة الشعب, بل لمقاومة الإرهابيين أعداء الشعب. ومن المؤسف أن السيد رهك يتحدث دون أن يتذكر أو يقرأ ما كتبته منذ أشهر حول هذا الموضوع, وبالتالي فهو يربط بين تصريحات الأستاذ جلال الطالباني وبين مقالي حول الموصل. قوات البيشمركة هي جزء من القوات العراقية التي ستساهم في الحفاظ عن وحدة العراق وعلى الجمهورية الديمقراطية الفيدرالية العراقية وعن فيدرالية كردستان في آن واحد. كم أتمنى أن يعي هؤلاء السادة الوضع في العراق وفي كردستان العراق ويتخلون عن المواقع الجديدة التي حطوا فيها التي لا أرجوها لهم, إذ كنا معاً في موقع نضالي واحد في إطار القوى الديمقراطية والتقدمية العراقية. يبدو الماركسي وهو يستعير لغة القوميين الشوفينيين مشوهاً ومزيفا, سواء أكان عربياً أم كردياً أم من أي قومية أخرىً, وهو ما لا أرجوه للذين لم يعودوا قادرين على سماع كلمة كردستان العراق أو الشعب الكردي أو الأمة الكردية, ولا تسوغ في أفواههم سوى كلمات الأمة العربية والقومية العربية والعروبة بمضمونها الشوفيني المتعصب وليس بمضمونها الديمقراطي المتفتح. لم يكن في مقدور السيد نزار رهك إلا أن يشتمني ويشتم الأكراد. دعونا نسمعه ما يكتب:
"وما لعد ذلك (يقصد ما بعد الحرب) تغيرت مواقفه وتجلت تناقضاتها في العديد من المواقف التي بات يكتبها كل يوم وفي كم هائل من الموضوعات التي تنم عن إعلان الانحياز الواضح لمعسكر الحرب والاحتلال وربط المقاومة العراقية بالإرهاب المشبوهة المنشأ والوقوف إلى جانب الدكتاتوريين الأكراد وتقسيم العراق وأصبح أكثر تطرفاً من القوميين الأكراد أنفسهم.."(مقال السيد نزار رهك في الحوار المتمدن في يوم 11/1/2005. ص1). هل سمعتم أن شعباً بكامله أصبح دكتاتوريين! أرى بأن الرجل لا يعي ما يكتب, وهو مدفوع بحوار غير قادر على النهوض به, ولهذا لا أجد في ما يكتبه ما تعلمه مني, بسبب قوله أنه كان يتعلم مني..
اكتفي بهذه العينات من أفكار السيد نزار رهك وأملي أن يتعلم من الطبقة العاملة حصافة الفكر ودقة الملاحظة والمنهجية في طرح أفكاره وسلامة التقدير وأن يستفيد من المنهج المادي الجدلي في التحليل ولا يكتفي بشتم البرجوازية الصغيرة التي ينحدر منها. أنه ما يزال يعيش في أربعينيات القرن الماضي, رغم أنه ما يزال شاباً ويعيش في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
برلين في 12/1/2004 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ! العقلية الصدامية ما تزال فاعلة في بغداد
- !إيران وعروبة العراق
- كيف نواجه قوى الإرهاب المنظم في الموصل؟
- مقابلة صحفية بين السيدة فينوس فائق وكاظم حبيب
- مبادرة جديدة من المجلس العراقي للسلم والتضامن تستحق الدعم وا ...
- رسالة اعتذار وودٍ مفتوحة إلى الصديق والفنان المبدع والمتميز ...
- ما الموقع الذي يحتله العراق في قائمة الفساد في العالم؟ ومن ن ...
- هل من يمارس نشاطاً تآمرياً ضد استقرار العراق؟
- هل تدرك الحكومات الأوروبية ما يريده الإرهابيون في العراق؟
- هل من بديل غير المعركة الحاسمة مع أعداء الشعب عبر صناديق الا ...
- المستقبل المشرق والمستقل للعراق ليس بعيداً رغم أنف الإرهاب!
- نعم, هناك تدخل فظ ومتواصل من جانب إيران وغيرها في الشئون الع ...
- هل هناك تدخل من بعض دول الجوار في شئون الانتخابات العراقية؟ ...
- هل هناك تدخل من بعض دول الجوار في شئون الانتخابات العراقية؟
- ماهي طبيعة العلاقة بين القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي في ...
- ما الدور الذي يلعبه موقع الحوار المتمدن في الصحافة الإلكترون ...
- !إذا كان الإرهاب والموت لا يوحدان القوى الوطنية والديمقراطية ...
- ما الطريق لتحقيق الوحدة الوطنية العراقية في المرحلة الراهنة؟
- هل عصابات الإرهاب في العراق هم من مواطني شعبنا من أتباع المذ ...
- هل من حاجة لمعالجة جادة لقوى البعث في المجتمع العراقي؟


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حوار مع السيد نزار رهك حول تعقيبه على مقالي إيران وعروبة العراق وعن الموصل / حلقات ثلاث في آن واحد