أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بشير الصاري - أنماط التعبير الأدبي















المزيد.....

أنماط التعبير الأدبي


عادل بشير الصاري

الحوار المتمدن-العدد: 3655 - 2012 / 3 / 2 - 23:07
المحور: الادب والفن
    


قبل أن أُعدِّد لك أنماط التعبير الأدبي يحسن بك أولا أن تعرف الفرق بين الكلام الأدبي وغير الأدبي كالكلام العلمي والفلسفي والصحفي وغيره ، فالكلام الأدبي يتميز عن غيره بأنه كلام صادر عن الذات بما تحمله من مشاعر وأحاسيس ورؤى ، فحين تقول مثلا لي هذه الجملة : ( إني سعيد ) فأنتَ بهذا تخبرني عن حالتك النفسية فقط ، ولا تعبر لي أو تكشف لي أو تشير إلى أي مظهر من مظاهر سعادتك ، إذن فجملتك ليست تعبيرا أدبيا ، بل هي مجرد جملة إخبارية .
ولكن لو قلتَ لي : ( أحس أن نفسي تولد من جديد هذا الصباح ) فإن هذا التعبير ـ مع بساطته ـ هو تعبير أدبي ، لأنه لا ينقل إليَّ خبرا بأنك سعيد ، بل يشير ويوحي إلي بأنك لست حزينا .
كذلك حين تقول : ( الطريق متعبة ، وتبعد عن وسط البلد خمسين كيلو مترا ) كلام إخباري مباشر ليس فيه أي قدر من الطاقة التعبيرية الصادرة عن الشعور، ولكن حين تعبر عن ملَلَك من طول الطريق لرفيقك ، فتقول له : ( يا صاحبي الطريقُ تُقطع بالحديث ) ، فإن كلامك هذا تجاوز الإخبار إلى التعبير عما في نفسك من رغبة في نسيان تعب الطريق بمتعة الحديث مع رفيق سفرك .
وأنت إذا هممتَ بالتعبير عن أفكارك أو مشاعرك فإن تعبيرك سيأتي إما منثورا أو موزونا ، ولا يوجد نمط ثالث تعبر به، وهذا يعني أن الكلام البشري كله من حيث الكم هو منثور أو موزون ، ومن حيث النوع فإنه لا يتعدى أربعة أنماط هي :
أ ـ تعبير نثري ، مثل :
( الربيع من أجمل فصول السنة ، فيه يعتدل الجو ، وتخضر الأرض ، ويخرج الناس للاصطياف والتنزه ، يستنشقون الهواء العليل ، ويقضون أمتع الأوقات) .
هذا التعبير نثري مباشر ومعناه عقلي واضح ، فالمفردات استخدمت استخداما معجميا بحيث لم تتجاوز دلالاتها العرفية المتداولة .
ب ـ تعبير نثري موزون ، مثل قول أحمد شوقي :
آذارُ أقبل قمْ بنا يا صاحِ .... حيِّ الربيعَ حديقةَ الأرواحِ
تعبير هذا البيت لا يكاد يختلف في شيء عن التعبير السابق سوى في الشكل والإطار الذي صيغ فيه وهو الوزن ، فالمعنى عقلي واضح ، ودلالة المفردات لم تتجاوز الحدود المعجمية ، لذلك فإن تعبير البيت هو نثري خالص صيغ في إطار وزني ، ولم يكن الوزن فيه سوى حلية وزينة .
ت ـ تعبير شعري منثور ، مثل :
( ها هو الربيع أقبل فأقبلت معه الحياة ، ولبست الأرض أجمل ثيابها ، حيث زهَّر الفل والياسمين في المزارع ، واستعاد البحر زرقته ، والسماء استعادت صفاءها ، واستفاقت أسراب النورس من غفوتها ، فأخذت تقبِّل المياه بمناقيرها ، وتعانق السماء بأجنحتها ) .
لاحظ جيدا ... في هذا التعبير تخطت المفردات والتراكيب دلالاتها المعجمية ، فجاءت المعاني تخييلية غير عقلية ، فارتداء الأرض ثيابها الجميلة ، واستعادة البحر زرقته ، والسماء صفاءها ، وتقبيل النوارس للمياه ، كلها معان تخييلية تتعارض مع العقل والمنطق ، وقصد بها كاتب التعبير نقل إيحاء إلى المتلقي يشعره بجمال الطبيعة في فصل الربيع .
فهذا التعبير إذاً شعري وإن لم يأتِ موزونا ، لأنه لم يُعنَ بنقل معانٍ وأفكار واضحة ومباشرة ، بل عُني بنقل إيحاءات وإشارات عن أحاسيس ومشاعر انتابت كاتب التعبير وأراد من المتلقي أن يشاركه فيها ، وهذا هو الشعر الحقيقي الأصيل الذي يعتمد على الإيماءة والإشارة والإيحاء بالأحاسيس وخلجات القلوب ، وليس من شأنه أن يحمل أفكارا ومضامين وقضايا عقلية .
ث ـ تعبير شعري موزون ، مثل قول البحتري :
أتاكَ الربيعُ الطلقُ يختال ضاحكـا .... من الحسنِ حتى كاد أن يتكلما
وقد نبَّه النيروزُ في غسـقِ الدجـى .... أوائلَ وردٍ كنَّ بالأمسِ نُـوَّما
في هذا التعبير أفرغ الشاعر المفردات من شحناتها أي دلالاتها المعجمية ، وشحنها بمعانٍ تخييلية صادرة عن عاطفته لا عقله المحض ، وصاغها في قالب وزني ، ولو نثرها لما نقص من شحنتها الدلالية شيء ، وهذا يؤكد أن الشعر قد يأتي منثورا وموزونا ، فالوزن قد يكون زائدا وليس ضرورة شعرية ، وهذا لا يعني ضرورة الاستغناء عن الوزن في كل عمل شعري ، فلا شك أن الوزن في بعض القصائد له قدرة على التأثير العاطفي والنفسي في المتلقي .
ولعلك فهمت مما قلته لك أن التعبير الأدبي هو تعبير مجازي متخيل ، لكن عليك أن تعلم أن هذا الرأي ليس محل اتفاق بين النقاد ، لأن منهم من يرى أن أدبية النص أو شعريته ليس من الضروري أن تتحقق بالمجاز والأخيلة ، بل يمكن أن تتحقق إذا أحسن الأديب أو الشاعر اختيار الألفاظ والتراكيب ووضعها في نسق فني مطابق لمشاعره ، ويستدل من يقول بهذا الرأي بنصوص من الشعر والنثر خلت من المجاز والأخيلة والرموز ، لكنها استطاعت التأثير في متلقيها ، ومن هذه النصوص قول الإمام علي بن أبي طالب :
( من كثُر كلامهُ كثُر خطؤه ، ومن كثُر خطؤه قلَّ حياؤه ، ومن قلَّ حياؤه قلَّ وَرَعَهُ ، ومن قلَّ وَرَعَهُ مات قلبهُ ، ومن مات قلبهُ دخلَ النار ) .
وقول الجاحظ :
( الحسدُ ـ أبقاك الله ـ داءٌ ينهكُ الجسدْ، ويفسد الأودْ، علاجهُ عُسرٌ، وصاحبهُ ضَجِرٌ، وهو بابٌ غامضٌ، وأمرٌ متعذرٌ، فما ظهر منه فلا يُداوىَ، وما بَطَنَ منه فمداويهِ في عناء ) .
وقول عباس محمود العقاد :
صغيرٌ يطلبُ الكِبرا وشيخٌ ودَّ لـو صغُـرا
وخالٍ يشتهي عملاً وذو عملٍ به ضَـجِرا
وربُّ المالِ في تعبٍ وفي تعبٍ من افتقَـرا
فهل حاروا على الأقدارِ أم همْ حيَّروا القدَرا
شَكاةٌ ما لها حُكمٌ سوى الخصمينِ إنْ حضَرا
لم تتجاوز كثيرا ألفاظ هذه النصوص دلالاتها المعجمية ، لكن حسن اختيارها وحسن صياغتها جعلها تنقل إلى المتلقي مشاعر وإيحاءات كتَّابها ، ففي نص الإمام علي إيحاء بأن المرء يجني على نفسه بثرثرته وإدعائه الفهم والفطانة ، وفي نص الجاحظ إيحاء بأن الحسد مرض خطير يضر بالحاسد قبل المحسود ، وفي أبيات العقاد إيحاء بأن الإنسان ذو طبيعة مزاجية وقلقة .
لذلك فإن هذه النصوص لم تكتسب أدبيتها بانحرافها عن معانيها القاموسية بل بحسن نظمها في السياق المناسب للحالة الشعورية ، لكن مع هذا فأنا أرى أن أعلى درجات أدبية وشعرية النص تتحقق بالمجاز والخيال ، فهما أكثر تأثيرا في نفس المتلقي ، وأقدر على الإيحاء .



#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطر تضخم الهاجس الديني
- مفهوم الأدب وغايته
- الأمة التي تكره نفسها
- خطر الإدمان على تعاطي المخدِّرات الأدبية والفنية
- اللغة العربية كما تُدرَّس في الجامعات الليبية
- اللغة العربية كما درسْتُها في الجامعة
- عيدٌ .. ولكنْ لا أقولُ سعيدُ
- أما آن لهؤلاء الأيتام أن يعتذروا ؟
- أمنيات عربي أهبل
- لبنان .. دولة أم منتجع سياحي ؟
- أدونيس .. الشاعر الجائع
- نساء الصعيد وهوانم Garden city
- لو كان الإسلام رجلا لقتلته
- وصية ابن الراوندي
- انتظروا الزحف المليوني نحو القدس
- إشكالية وصول الكلام إلى المتلقي
- عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء
- فاكهة صغار الملحدين
- مراتب المؤمنين بالله
- نبي المسلمين بين محبيه وشاتميه


المزيد.....




- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بشير الصاري - أنماط التعبير الأدبي