أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال شاكر - العراق. والعراقيون. أزمة القيم والتكوين..؟















المزيد.....


العراق. والعراقيون. أزمة القيم والتكوين..؟


طلال شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 3655 - 2012 / 3 / 2 - 20:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العراق. والعراقيون. أزمة القيم والتكوين..؟
(المجتمع العراقي) كان قبل قيام (الدولة العراقية) 1921كياناً راكداً مشتتاً تتنازعه اعتبارات وقيم ومصالح متضاربة تستوحي ديمومتها وبقاءها من مراجع مختلفة.. قيم البداوة .. العشيرة. الدين الطائفي. المحلة.. السلطة العثمانية. العزلة.. ولم يتغير الكثير في بنية المجتمع وقيمه ورغم النقلة النوعية الكبيرة التي أحدثتها نشأة الدولة في حياة العراقيين، بقى التحدي الاكبر مرهوناً برؤية ومنهج هذه الدولة الوليدة التي فشلت في المحصلة بتكوين واعداد شعب عراقي متحضر وتهذيبه في سياق قيمي تنويري وأنساني.. أن هذا الخلل التاريخي الكبير لايمكن معالجته ألا من خلال مواجهه ومكاشفة ونقد معرفي شامل دون التواري خلف منجزات الماضي والعظمة المتورمة في محاولة لتخطي الفشل والنكوص والتمسك بأذيال هوية ملفقة وسراب الوهم المريح..

المخاض العصي:
منذ تأسيس الدولة الوطنية 1921 والعراق يعيش مخاضاً شاقاً وعصياً لحد هذه اللحظة، لم تستقر فيها ماهية ألثقافة ألوطنية التي يتحدد فيها مضمون ومعنى الهوية الوطنية بصورة واضحة كقيمة تستأثر بولاء العراقيين, وانتمائهم وتأييدهم من خلال دولة وطنية حقيقية تتيح لهم بناء قيمهم وثقافتهم الوطنية والانسانية والمعرفية، فالدولة العراقية ومنذ لحظة التأسيس أرتكزت على اعمدة متخلخلة سواء ما تعلق بالارض، الشعب، النظام السياسي،السيادة أوبالعقائد والقيم، والوعي، المؤسسات، ورغم كل التغيرات وتوالي مختلف الانظمة السياسية على حكمه بقي العراق جغرافية متصدعة وسائبة ونظاماً سياسياً هشاً الى حد كبير، وبعد كل استقرار قصير وشكلي يعود مرة اخرى الى الانفلات والتشظي والاختلال رغم وجود هيكلية للدولة برمزيتها ألملتبسة . كان تأسيس (الدولة العراقية) حدثاً بالغ الاهمية بل هو الاهم في القرن العشرين، ففي ظلال هذه الدولة التي اسسها الانكليز تشكلت وتأسست فكرة الوطن والمواطنة والشعب والوطنية في ذهن العراقيين لكنها بقيت مفاهيم نخبوية من حيث ادرالك عمقها وقيمتها ،ترافق ذلك بتكوين بنى اساسية من مؤسسات مدنية ومعرفية وخدمية التي تشكل عماد اية دولة حديثة في ظروف قياسية، وكما اسلفت، فأن هذه الدولة أخفقت في بناء مواطن حر ومتحرر في سياق قيمي متوازن واختارت هذه الدولة الوليدة العقيدة الامنية الصرفة نهجاً لحل التحديات التي واجهتها في مختلف المواضع والمضامير في سياق القوة ألمفتوحة كما جسدتها التجربة السياسية للملكية رافضة فكرة الاختلاف واحترام الاخر وتعاملت بقسوة من وجدتهم نداً لها اومخالفين لرؤيتها، وكان نهج احتكار السلطة ورفض التعددية السياسية في الحياة السياسية العراقية عموماً أوجد مواطناً مثلوماً مشتتاً، مقهوراً يعيش في أجواء الاستبداد والمصادرة كداعيات ونتائج لهذا النهج رغم تباين المراحل السياسية... وقد اظهرت الوقائع التاريخية أبان تلك الفترة المضطربة استعصاء فك الارتباط بين ارث الماضي الكالح و حاضر قلق هش عائم لم تتبلور فيه بعد قيم السمو الانساني عند العراقيين في صورتها الاولية.. وجرى تقاسم ادوار النكوص والتردي بين النظام والشعب في احداث تاريخية مختلفة أوضحت بجلاء أن فكرة التهذيب الروحي والمدني والقانوني لم يدرك قيمتها لاالشعب ولا النظام وقدأظهرت جريمة الفرهود مثلا ً.. لاحصراً.. والتي جرت بحق اليهود العراقيين في بغداد وتحديداً في يومي 1-2 حزيران من عام 1941 تفككاً أخلاقياً وسلوكياً ونفسياً مركباً كامناً في روحية العراقيين تفجر في لحظات مبهمة وفراغ سلطوي، حين اجتاحت جماهير بغدادية غفيرة منفلتة حارات اليهود وفتكت بالعوائل اليهودية بطريقة همجية مشينة قتلاً ونهباً واغتصاباً فخلال يومين قتل الالاف من اليهود بكل عنف وقسوة دون اي اعتبارات انسانية اواخلاقية أو وطنية. ولاقى ذلك الحدث المشين صمتاً مطبقاً من الجميع تقريباً سواءً كان نقداً أوتقويم أوادانة، وتناقلته الذاكرة العراقية كحدث عابروفرهوداً قدمر، لكنه في النتيجة كان مؤشراً بالغ الدلالة على هشاشة الدولة والمجتمع. في المعيار العملي لم يظهر لذلك البناء (الملكي) أية قيمة ومكانة عملية ومعنوية في نفوس العراقيين وتلاشى بلحظة جموح وعنفوان وقسوة أمام أستحقاقات مركبة ليتهاوى كل ذلك التأسيس وكأنه عار وخطيئة في يوم الرابع عشر من تموز 1958على يد قوة عسكرية منحها العراقيون تأييدهم ليجرى تبادل الادوار في تصفية الخصوم الواهنين بمشهد همجي مرعب بين الجيش والشعب رغم محدودية الفعل ونطاقه، لكنه كان يحمل معاني اوسع واشمل من مجرد مشاهد قتل وتمثيل وسحل بشعة جرت في بعض شوارع بغداد، لكنها تجلت كرسالة قاتمة أخرى تشي بغربة الضوابط والسجايا القيمية الانسانية عن مجتمع عجز عن ردع عناصر القسوة والتوحش الكامنة في روحه بحق خصوم عاجزين ومستسلمين في لحظة تساوى فيها الجاهل الفاتك والسياسي والمعرفي والديني سواءً كان ذلك في نطاق حزب أومؤسسة أومرجعية في تبرير وفلسفة تلك القسوة المتفجرة، الاغلبية لاذت بصمتها المخجل والمهين بلا رأي ولاموقف ازاء ماجرى، في ذلك اليوم المفجع دون أن يفهم مني القارئ بأني ادافع عن نظام فاسد كالملكية.
جمهوريات القلق والخوف:
ألجمهورية الفتية الاولى وثورتها المدوية في 14 تموز عام 1958 رغم صورتها البهية وشعاراتها التحررية ومنجزاتها لم تتخطى عتبة القسوة والعنف التي افتتحتها وتواجهت مرة اخرى مع مجتمع لم تؤثر فيه قيم الثورة، ولوفي حدها الا دنى، فسالت الدماء مرة أخرى ,انتهك الانسان في وقائع معروفة في توثب فوضوي غير منضبط.. ،استكملت فصوله الاشد بشاعة ودونية في 8 شباط يوم سقوط الجمهورية الاولى عام 1963 كانت القسوة اشد وقعاً والعنف أوسع شملاً وارادة الانتقام والبطش فاقت كل تصور ومرة أخرى ظهر عمق الخلل في المنظومة القيمية للمجتمع العراقي الذي تقطعت أوصاله بصورة مفزعة سلطة، وناس. تواصلت النظم السياسية والبلاد تئن تحت جروح وتداعيات السنين منذ 1963 الى حد مجيئ البعث ثانية عام 1968 حيث دخل العراق في اخطر المراحل وأشدها انحطاطاً ليلج في نفق التوحش والعبودية ،تحطمت فيها ماتبقى من قيم وسجايا نبيلة افلتت من التلاشي خلال العهود المنصرمة لتسود المجتمع ثقافة الرعب والخضوع والعبودية والنفاق والانتهازية وبخاصة في فترة التسعينيات التي أستجمعت فيها كل مستنقعات ألتردي والدونية والانحطاط ، ويظهٌر ماجرى في كردستان العراق من قسوة وأنتقام 1996 عمق التواشج والتماهي مع كوامن التوحش والقسوة ليترامى كعنوان وخلل لتلك المنظومة القيمية التي سيجت ثقافة أغلب العراقيين عقوداً، وعقوداً شمالاً، جنوباً وغرباً لتقدم هذه الحوادث المرعبة مثالاً حياً أخر يتجاوز حكاية ..ألخصوصية.. وبرهان متواتر على غرابة هذه الارض وساكنيها حين جرى تذابح استئصالي شرس وقاسي بين الاكراد العراقيين تحت راية الاتحاد الوطني الكردستاني وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني يقودهما جلال الطالباني ومسعود البارزاني ليعيد هذا المشهد الدامي أستنساخ الصورة النمطية لمسلك العراقيين عوماً سواءًا كانوا اكراداً اوعرباً وهم في لحظة انفلاتهم وقسوتهم . وقد تجنبت ذكر الكثير من الحوداث والانتهاكات أختصاراً، وجاءت عملية اسقاط النظام على يد الامريكان عام 2003 كأجهاز على نظام ساقط اصلاً وعلى بلد راقد في غرفة الانعاش وصدمة لشعب كان مشتتاً منهكاً مغيباً، عليلاً، ودولة مزعومة.. لندخل ونتواصل مع مخاض اخر سافل بنماذجه، ودونيته وعنفه وفساده ,وارثه وقسوته الى حد هذه اللحظة دون القدرة على لجم روح التهاوي القيمي الذي تفشى ويتفشى في ثنايا المجتمع العراقي طولاً وعرضا ، ليوجزه ذلك التأمل العميق والموجع لماذا حدث وجرى ويجري كل هذا ومن المسؤول... هل متعلق الامر بأرث قيمي مركب عجزنا عن تجاوز منظوماته المتخلفة ام بتكوين جيني تشفر في ذاكرتنا يظهر في اخلاقياتنا وسلوكنا كلما تردت بقايا المنظومة الانسانية والمدنية في المنعطفات الحادة ام بظروف ومحتدمات موضوعية تتعلق بهشاشة العلاقة بين مكوناته القائمة على التناقض في المعتقد والصراع على السلطة والبقاء...؟ من كان له الدور الحاسم في عدم ثبات ونمو وترسخ القيم الانسانية .. وعن اي سبب تحديداً تعود كل هذه الشرور و هذا التردي القيمي الذي يجتاح المجتمع العراقي سلطة. وناس. بيئة. معتقدات. جغرافية..؟ هل هي توارث قيم البداوة وازدواج الشخصية العراقية وولائيتها وتعصبها كما حددها العالم العراقي علي الوردي ام نباهةالعراقيين وفطنتهم كما خمنها الجاحظ كسبب للاختلاف والتمرد هل هو الاستبداد والظلم هل هو الدين الطائفي.... من الممكن القول بلا تردد أن كل الاسباب التي ذكرتها تحمل قدراً مؤثراً وحاسماً على الحصيلة القيمية التي تتحكم في المسار الاخلاقي للعراقيين وسلوكهم المهتز . بيد انني من الناس الذين يعتقدون ان هنالك سبباً رئيسياً فاصلاً في تفسير وتحديد ذلك العامل الحاسم في اضطراب وتردي المنظومة القيمية للعراقيين لعلي وجدته في أخفاق الدولة الوطنية العراقية وانحطاط دورها في اداء رسالتها الوطنية التنويرية وفشلها المريع في بناء الانسان العراقي الحر وبدلاً من ذلك سعت وعملت من اجل وضع العراقي في دائرة الخنوع والاستلاب والخوف والاغتراب وتجلت في مختلف ممارساتها كدولة شكلية مترهلة، رخوة غير جامعة... فمنذ بواكير تأسيس الدولة العراقية كانت نوازع الاستبداد والتمييز والهشاشة ترافق منهجها وأداءها وتكفل المسار اللاحق لهذه الدولة التي هي في حقيقتها سلطة استبدادية أختزلت مفهوم الدولة في صيغة شمولية ساحقة ليجري في ظلها تواصل تفكيك وتحطيم بقايا القيم النبيلة وتدمير السجايا الاخلاقية وتهميش الضمير الوطني والاجتماعي الفعلي للعراقيين عبر منظومة امنية وفكرية عقائدية ونفسية متشابكة، وهنا سأضع تجليات وتجسيدات تلك الحصيلة التاريخية الملموسة لذلك الخراب والتدمير الذي تلازم وحياة العراقيين جراء ذلك الاستبداد والتغريب الذي تتحمله بشكل رئيسي ومباشر الدولة العراقية وسلطتها التي صنعت كل ذلك الخراب والتخلف عند العراقيين دون اغفال العناوين والمؤسات الاخرى خارج النسق الرسمي للدولة. كالحزب. العشيرة. المرجعية الدينية ..العائلة.... متعرضاً لاهم محطاتها وعناوينها وسأتواجه مع تلك الاراء التي تجد في بعض الفواصل التاريخية كالخمسينيات وألستينيات والسبعينيات منارات ومحطات بهية ويجري ذكرها بتوقير مبالغ فية في التقويم والمراجعة كجزء من أستشكالات الجزع الممزوج بالحنين والدفء .... في التجارب التاريخية لمختلف الامم لم يظهر أن شعباً أوأمة تطورت وارتقت وتحضرت خارج وجود وقيادة الدولة الوطنية الرصينة أو تلك الامم التي انتكست وتخلفت جراء حكمها من قبل دولة استبدادية جاهلة ،وكل الاصلاحات والثورات الرئيسية والحاسمة التي جرت في التاريخ كانت أما لاصلاح النظام السياسي الحاكم أو تغييره لصالح نظام مختلف من المفترض ان يكون اكثر عدلاً ورقياً ، فالدولة ونظامها السياسي هما عقدة المشاكل وبؤرتها وهذا في المعنى الواسع والمباشر للكلمة هو اعادة بناء الدولة الوطنية على اسس ديمقراطية ومؤسساتية صحيحة، مستقرءاً اهمية تلك المؤسسات المفصلية للدولة ودورها في تنوير شعوبها وبناء وعيها ، وسأتناول ايجازاً ألبعض من تلك المؤسسات المحورية التي يتفاخر بها البعض الى حد التقديس كالجيش مثلاً كيف لعبت دوراً تخريبياً وتغريبياً وكانت سبباً، في خلخلة القيم وتهميش الكرامة للعراقيين في مجرى موقفها وتعاملها معهم بوصفها جزءاً موثراً من النظام السياسي وعقيدته وسأختار الى جانبها اثنتين من تلك المؤسسات الاقوى ارتباطاً بالمجتمع العراقي وتأثيراً على حياته وكرامته ويمكن لدورها وتوازنها أن يصوغا رؤية متماسكة لبناء المنظومات القيمية التحضيرية وخلق أسس واستقرارالامن الوطني بمعناه الواسع الذي في رحابه تنهض الامم وتبدع، وسأختار تلك المؤسسات التي أجدها الاكثر تأثيراً على اي مجتمع وهي ابتداءً .الجيش. التعليم. الصحة.
الجيش:
لااريد التحدث عن مكانة الجيش العراقي الفائق الاهمية في تاريخ العراق، بل سأشير الى دوره المباشر كمؤسسة عسكرية خطيرة كيف تعاملت مع المواطن العراقي الذي انخرط في خدمتها بأسم خدمة العلم أوالوطن وسأتناولها ايجازاً كمنظومة قانونية سياسة وقيمية اي كبنية مترابطة دون الدخول في تفصيلات اللوائح والقوانين ومضمون العقيدة السياسية التي تسيرها . يمكن القول بلا تردد ان هذه المؤسسة المؤثرة قد امتهنت كرامة العراقي وسحقته وأذلته بحجة الوطن والوطنية الزائفة.. ففي هذه المؤسسة العتيدة جرى التعامل مع الجندي المكلف والمطوع كأعداد رخيصة لاقيمة انسانية لها في دفع فواتير الحروب العبثية لتلك النظم المستبدة وكأدوات مسخرة للقمع الداخلي وحماية النظام، وكان الضبط والحزم العسكريين المزعومين عبارة عن مراسيم امتهان واحتقار وتجلت فترة الخدمة الالزامية كزمن استرقاق واستعباد يباع فيها ويشترى المجند العراقي بلا أعتبار ولا كرامة كسلعة رخيصة فائضة يمتلكها المحتكرون. أن الحديث عن الجيش كمدرسة للوطنية هو ضرب من النفاق والتزلف، فالمرء الذي يفقد كرامته في اية مهمة أوعلاقة،اوخدمة، تسحقه روح الغربة والامتهان وهذا ماكان تصنعه اليات الخدمة الالزامية في العراقي المغلوب. دون أن يجري تقويم أونقد منهجي علني لاداء هذه المؤسسة ودورها في ارباك وتنافر القيم الوطنية والروحية بسبب الاستبداد والظلم والخوف والعواقب، وفقط نسمع على الارجح عبارات الاشادة والتوقيروالاحتفال بيوم تأسيسها وأن فكرة نقدها واصلاحها (خطوط حمراء محذورتجاوزها) ومن خدم فيها يعرف مقدارالعذاب والقسوة والامتهان الذي تعرض لها وبأي استعلاء وغطرسة جرى التعامل معه من قبل الضباط والامراء ، ومهمة الدفاع عن الوطن كمبدأ وواجب يجري العامل معها وفهمها بموقف مغاير تماماً، فالجنود الذين توكل اليهم مبدئياً مهمة الدفاع عن الوطن كانوا في الحقيقة مرعوبين ومضطربين ومهانين بل ومجبرين بقوة العقوبات الشديدة والموت ، ناهيك عن الوان الفساد والتخلف، والتمييز، والطبقية المقيتة كجزءاً من هشاشتها الداخلية وتصدعها ، زد على ذلك نظام الامتيازات التي يتمتع به الضباط من مختلف المراتب كعامل أفساد وتهاوي اخر ..أن ملايين العراقيين مازالت ذاكرتهم طرية ويحتفظون باسوء الذكريات عن هذه المؤسسة المرعبة والممقوتة التي تعاملت معهم بمنتهى الازدراء والقسوة، مسثنياً من هذا ألتقويم بعض ماوجدته من مواقف أولئك الضباط المخلصين الذين حاولوا تقديم مايغاير اساليبها الفظة وأنضباطها المتخلف سواء في التضحية أوفي السلوك ،بيد أن ذاك كان محدوداً وغير ذي تأثير.. لقد كانت هذه المؤسسةالمتخلفة بمثابة محرقة للعراقيين.. هدرت وضيعت شبابهم وعرضته وباعته بابخس الاثمان وأوجعت عوائلهم بأعز وأغلى مايحبون.. ولحد الان لم يجر بناء رؤية واضحة عن دور وعقيدة هذه المؤسسة الخطيرة في البناء الوطني...

التربية والتعليم:
أن النظام التعليمي هوعماد اية امة حية فمصيرها ومستقبلها يتوقف بصورة حاسمة على نوعية هذا النظام واسسه، وتطور اي مجتمع ونهضته مرتبط بنجاح نظامه التربوي والتعليمي ومؤسساته المختلفة مدارس، معاهد، جامعات...، ففي مجاله الرحب يجري تنشئة المواطنين وتربيتهم بما يبني ويرسخ روح المواطنة ويعززها بين مختلف أطياف المجتمع، فالمنهج التربوي والتعليمي يغدو ملهماً للمجتمع ومرجعية معرفية وقيمية لاطيافه المختلفة ، فيها تتفاعل وتتظافر اركان العملية التربوية والتعليمية والوطنية والانسانية، لتبنى وتهذب السجايا والقيم الاخلاقية وتنشأ المسارات السامية لبناء الضمير الانساني والوطني من خلال قيمة الترابط الحي بين العقيدة التربوية، والمنهاج العلمي، والمعلم، في ظل احترام استقلالية التعليم وحرمة صروحه ومناهجه العلمية، بعيداً عن الادلجة والتطييف، والمصادرة، واعلاء صوت المعرفة والعقل النقدي في رحابه. هذه بأيجاز الرسالة التعليمية العظيمة له. ألنظام التعليمي في العراق تاريخياً كان نظاماً متردياً يعاني خللاً بنيويا ومنهجياً في اغلب مسيرته رغم تخريجه مئات الالاف من الاطباء والمهندسين والمعلمين والمهنيين، لكنه في المحصلة أخفق في ادراك الهدف الجوهري من تنشئة متعلمين مؤثرين وأحرار نابهين،فمنذ الصغر وثقافة الخوف والضعف تلازم شخصية التلاميذ الصغار والشباب منهم بمختلف المراحل الدراسية وهم يخضعون لنظام تربوي يعاني من الركاكة والسطحية مقرون بالغلظة والشدة، يتداخل معهما السعي الى أشاعة الادلجة واعدادهم كجزء من امتدادات الفكر الشمولي الحاكم وأغراضه وفقاً لمناهج انتقائية وتميزية في ظل رداءة المنشأت التعليمية ومناهج عقيمة متخلفة وتعليميين يفتقدون للكفاءة التربوية والعلمية، وبدلاً ان تكون فترة التربية والتعليم في مختلف مراحلها ودرجاتها العليا فترة اعداد مواطن متوازن يعي هويته الوطنية ودوره العلمي والمهني فأنه يجتاز هذه الفترة الحساسة بوعي محايد سلبي نحو تلك الاهداف الوطنية والعلمية التي هي الاساس في حياة اي مجتمع مفترقاً عن سياق الضرورات المطلوبة في البحث والانتاج العلمي، وسوق العمل، وعلى الاغلب يجري ضمه الى الدورة الاستهلاكية البيروقراطيةالعقيمة التي تجترها دولة ريعية كسولة مترهلة مسرفة .، وتغدو تلك الفترة الحاسمة في حياة المجتمع بلا اهمية ويجري تجاهل قيمتها ودورها لتتواصل كأية عملية مكانيكية نمطية دون ان تشكل اية نقلة نوعية أو أبداعية موثرة في سلم التطور المعرفي للبلد.. كانت العملية التربوية والعلمية في بلادنا تحبو بسياق كمي وهي ترزح تحت مؤثرات الادلجة والتحكم والتدخل، والتخلف، ربما هنالك تفاوت في مقدار الضرر في مراحل تاريخنا، لكن يمكن القول أن الفترة الاشد ضرراً كحصيلة ونتيجة هي من بداية 1968الى فترة 2003 لتلي ذلك فترة أخرى مترعة بسوئها وانحطاطها وهي تعاني من الهبوط العلمي و الفساد التربوي المريع والمفزع الى حد هذه اللحظة ليتماهى فساد الماضي بفساد الحاضر. عموماً لم يتملك التعليم في العراق مستلزمات الصرح العلمي الاصيل وأسسه فهو في أغلب مراحله وتجلياته المفصلية بناء قلق ، منتكس، سهل الاختراق لخضوعه لاملاات ألاهواء السياسية والمنهاج العقائدي للنظام السياسي المستبد وهو مؤسسة مستعبدة لاتملك الاستقلالية العلمية الحرة وبالتالي لايمكنها تنشئة متعلمين وطنيين احرار رغم حصولهم على الدرجات العلمية الرفيعة فهي لاتساوي شيئاً عندما تقتضي مصلحة الحاكم المستبد مقايضتها، بدواعي هواجزه ورؤيته السياسية المضطربة ،وبقيت تعاني من تداعيات عهود الظلام مسلوبة لتعود في النتيجة متقهقرة الى الوراء بلا أبداع ولامنجزات كما نراها الان في ظل التحاصص الطائفي والقوماني وأختلالاته المدمرة . من الانصاف القول والتذكير بكفاح أولئك التربويين البواسل في مختلف الدرجات والمراحل الذين قدموا للعملية التربوية كل جهودهم واخلاصهم، لكن الامر لايتعلق بالهمة والاخلاص، بل باًختلال جوهري مستشري ومديد في جوهر وعقيدة هذا الميدان الحيوي الحاسم.
النظام الصحي:
انه الميدان الاكثر انسانية وقيمية في حياة اية امة وهو جزء لايتجزأ من الامن الوطني لاي بلد، فيه تتجسد كرامة المواطن واحترامه ويتعالى شأنه عندما يسمو ويفخر بصحته عزيزاً غالياً في وطن وهبه العناية الصحية والحماية من الاوبئة والامراض وأعتنى به طفلا ورعاه شيخاً كبيراً بضمانة صحية قانونية هو وعائلته ومواطنيه، هذا هو دور المؤسسة الصحية ورسالتها الوطنية والانسانية في البلد الذي تديره دولة المواطنة الحقيقية ويشعربها الانسان بقيمته وعظمة وطنه. بيد ان هذه الرسالة مع الاسف تناست وتجاهلت قيمة الانسان العراقي وتعاملت معه بأستعلاء وغطرسة وجشع وأذلته كثيراً وكان أغلب العاملين في هذه المؤسسة الخطيرة من أطباء وممرضين وموظفين أداريين يتعاملون بكبرياء وانوف مستعلية ينقصهم الاعداد الانساني والوطني والمهني في التعامل مع المواطنين البسطاء، وكانت المستشفيات بجهازها الطبي والاداري غير معنية بقيمة رسالتها وعظم مهمتها، كان التصاغر والتذلل سلوكاً مستديماً في روح المواطنين أثناء تعاملهم ومراجعتهم للمستشفيات وكان الطبيب (مهيباً) ليس بوصفه (حكيماً) بل لانه كان متعالياً متغطرساً يخشاه الناس، ولعل الذكريات المهينة للكرامة والحس الانساني التي تحملها تلك الامهات عن ساعات المخاض المذلة وهن يولدن في المستشفيات الحكومية ممدات مدميات وصراخهن من الم المخاض يوجع شغاف القلب في ارضية الغرف وحتى بعض الممرات والشتائم البذيئة تنهال عليهن من لدن أولئك الممرضات القاسيات بلارحمة أوانسانية، وأني أمللك العشرات والعشرات من الامثلة الحية لتلك المعاملة القاسية وبخاصة في مستشفيات بغداد دون اية رقابة أووقفة تساءل مسؤولة عن تلك الانتهاكات المشينة.. عموماً كانت المؤسسة الطبية متخلفة ولاتملك توازن قيمي يتماهى ورسالتها الانسانية والوطنية ولم تتطور بماينبغي لها،، وكان في ادائها بعض نوازع وسلوك النظام السياسي وموقفه الاستعلائي من المواطن العراقي كمستلب لكرامتة الانسانية والهادر لحقوقه، وكان الريف والاطراف الفقيرة هي اكثر الميادين معاناة وتضرراً وأهمالاً.لكن لايمكن نكران تلك الانجازات الصحية ولادور أولئك الاطباء النبلاء في التضحية والمعاملة وشرف القيام بالواجب، لكنها في التقويم العام تبقى منجزات قلقة هشة غير أصيلة سرعان ماتتلاشى تأثيراتها في ظل التردي والانحطاط السياسي وأرتباك وضبابية العقيدة الاخلاقية والمهنية في فهم ووعي دور هذه المؤسسة الخطيرة في حياة المجتمع. أما الان فالوضع سيئاً للغاية ومهيناً بما ينطوي عليه من جشع، وفساد، وتخلف، وأنحطاط قيمي مترامي وهو في استقرائه حصيلة مرة متواصلة لبناء لايملك قيمه واعرافه الانسانية والوطنية وهو يتعامل مع مواطن مغلوب على امره مستلب الكرامة والحقوق غريباً في احساسه نحو مؤسسة وطنية أوجعته قبل أن توجعه الام مرضه ...
في خاتمة هذا العرض المؤلم،بدا لي أن هذه المجالات الثلاثة التي تناولتها لعبت دوراً أستثنائياً في تحطيم البنية القيمية وعرقلة تطورها وتساميها،ولا استثني طبعاً المجالات الاخرى بمؤسساتها التي تعاملت بغطرسة وقسوة وأزدراء مع المواطن العراقي كالقضاء، وجهاز الشرطة والامن والمؤسسات والدوائر الحكومية المختلفة، وكان اختلالها جزءاً من اختلال النظام السياسي وشكلية الدولة ورخاوتها. أن تنشئة شعب وتهذيبه بروح القيم المدنية والحضارية والانسانية والمعرفة والكرامة والاحترام هو في النتيجة حصيلة سامية لقيم الدولة التي تدير شؤونه سواء في نوعية المؤسسات القانونية والتربوية والصحية والامنية والمالية والقضائية.. أوفي نوعية رجالها المخلصين الذين يؤدون واجباتهم بكل شرف ومسؤولية، تظافراً مع مؤسسات المجتمع المدني بكل امتداداتها ترابطاً وتفاعلاً مع مراكز التفكير والتنوير، خارج سياق التنظيمات الضيقة كالمراجع الدينية الطائفية وقيم وتقاليد الارث القبلي المتخلف للعشيرة، استناداً على بناء الترابط العائلي والهامه بروح الحضارة والتمدن والوطنية. ان الوعظ والخطابات الحماسية لايقدمان سوى الشعارات والاهابة بينما المطلوب هو التنوير المقرون بالعمل من قبل تلك القوى الحية في المجتمع . ان المهمة شاقة ورحلتها مضنية طويلة وليس امام العراقي ألا مسلكين لاثالث لهما أما التهاوي في ركاب النكوص والتخلف والتبخر بسديم الاوهام المخدرة, او التفاعل مع التغييرواختيار الافق الحضاري المفتوح في التنمية الاقتصادية والقيمية وبناء الضمير الوطني والانساني واخلاقية العمل والواجب. وأحترام قيمة الزمن رافضاً أن يكون جزءأ خاملاً من الدورة الاستهلاكية الطفيلية الفاسدة لدولة ريعية فاشلة. أن اصلاح النظام السياسى في بلادنا يبداً من اصلاح النظام التعليمي الذي هو عماد تطور ورقي اية أمة وطنياً ومعرفياً وحضارياً وقيمياً فعلى هذا الميدان الحاسم يتوقف مصير ومستقبل العراق....

طلال شاكر سياسي وكاتب عراقي



#طلال_شاكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارطة طريق طائفية : وراء موقف المالكي من الانتفاضة السورية.. ...
- القادة الأكراد يستغفلون شعبهم...؟
- صدر الدين القبانچي.. بين أزمة المنطوق الديني ولسان التضليل . ...
- تباً لبرلمان نائبه حسن العلوي.. وسحقاً لجمهورية رئيسها جلال ...
- المالكي.. أما خروج متحضر..أو أمارة حجارة
- دروس من مظاهرات25 شباط ومغزى رعب المالكي منها...؟
- مستعمرة العبيد في الناصرية...؟!
- المالكي...وثمن كرسي الوزارة..؟
- شهر رمضان..بين سطحية الفهم... وغلو الاعتقاد..؟
- رمضان: شهراً للتبذير. والاسراف. والتخلف..؟
- مناقشة لبحث الدكتور عبد الخالق حسين عن دور الطائفية في تاريخ ...
- سكان معسكر أشرف: بين المقايضة السياسية.. والحل الانساني العا ...
- فدائيي صدام: وغرائب الموت في معسكر بسمايا..شهادة طبيب..؟
- في ضوء انتخابات 2010 الحزب الشيوعي العراقي: امام تحديات مركب ...
- الحوار المتمدن: في مقدمة المواقع الاعلامية..وبعد..!
- العربي.. يتلوى.. بين سياط... الأفتراءات ... وطعن ألاقلام.... ...
- البعثيون.. والعرب السنة.. في أشكالية تبادل الولاء...؟!
- أزمة التفكير القوماني الكردي المتطرف..وسُعار سدنة السلطان..؟
- منذر الفضل..يستغفل..الدستور..تهافتاً.. وترويجاً..للنهج القوم ...
- مغزى..أستذكار قناة الشرقية...لواقعة أعدام الكتاتور...؟


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال شاكر - العراق. والعراقيون. أزمة القيم والتكوين..؟