أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)















المزيد.....



الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3655 - 2012 / 3 / 2 - 15:44
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الفصل الثانى
المدخل الادائى لفهم الظاهرة
__________________________________________________________

مقدمة
بعد أن فرغنا من بيان أدواتنا الفكرية ومرتكزاتنا النظرية على النحو السالف، كان لنا أن نتقدم متسلحين بهذه الادوات، وإعتماداً على تلك المرتكزات نحو طرح منهجنا المقترح لدراسة الاشكاليات المختلفة فى بلدان أمريكا اللاتينية وافريقيا؛ بفحص الظاهرة التى طرحت نفسها على الاراضى الفنزويلية (ومن بعدها السودان ومسألته) تحديداً فى الفترة من (2000-2010) وليس هناك من ضرورة إلى إعادة القول بأن الهدف الاساسى من وراء المساهمة ككُل هو رسم خطوطاً منهجية بمعنى الاهتمام بتقديم طريقة للاجابة على الاشكاليات التى تطرح نفسها على الصعيد الاجتماعى، وليس الاجابة نفسها، وذلك ببساطة شديدة لأن الاجابة ستتبدى فى الطريقة إذ ما كانت صحيحة؛ الامر الذى سيكون هو المرشد الرئيسى لنا لا فى درس المسألة الفنزويلية فحسب؛ وإنما بحكم المنطق والضرورة سيكون قائدنا حين تناول المسألة السودانية؛ للبرهنة على صحة المنهج المقترح.
ونحن حين نذهب لترسيم خطوط منهجية أو إقتراح طريقة تفكير، إنما نأخذ فى إعتبارنا فهم الحاضر دوماً على ضوء الماضى لفائدة المستقبل، الامر الذى ينعكس على توجهنا النظرى بوجه عام، فلن نُغرق أنفسنا فى التاريخ، كما لن نكون أسرى الواقع، إذ حددنا وفقاً لما سبق علاقتنا بالتاريخ، وأعلنا أن حقل تحليلنا التاريخى دوماً فى الاقتصاد السياسى يتحدد بتاريخ نمط الانتاج الرأسمالى، ولا يتعدى ذلك إلى البرديات والحفائر كما يفعل البعض ويحاولون إقناعنا أنهم يبحثون فى الاقتصاد السياسى، أما الوقائع فقد حددنا كذلك موقفنا منها من جهة كوننا نتعامل معها دائماً كذلك بوعى ملازم أساسه القيام برد الظاهرة إلى الكُل الذى تنتمى إليه على الصعيد الاجتماعى فى تطوره عبر الزمن.
وفى الفصل الحالى، سوف نعمد، أولاً، إلى الذهاب إلى الواقع على الصعيد الداخلى والدولى، برصد الاحداث التى أعربت عن إنقلاب خائب على رأس السلطة فى الدولة البوليفارية،"هوجو تشافيز" مع تتبع الوقائع التى شكلت أحداثاً مرتبكة وفوضى لم تكن لتنبىء إلا عن عودة فنزويلا سنوات وسنوات إلى الوراء، وعقب ذلك يكون من المهم أن ننتقل إلى رصد ردود الافعال على الصعيد الدولى بشأن هذا الانقلاب. وذلك فى المباحث الثلاثة الاتية:
المبحث الاول: الانقلاب الخائب.
المبحث الثانى: الاحداث المرتبكة.
المبحث الثالث: ردود الفعل على الصعيد الدولى وتصاعد الازمة

المبحث الاول : الانقلاب(1) الخائب
مقدمة :
فى يوم 12/4/2002 بدأت الانظار، واليسارية على وجه الخصوص، تتجه نحو هذا البلد الواقع فى الشمال مِن قارة أمريكا الجنوبية. فنزويلا.
فى هذا التاريخ تم إعلان تنحية رئيس الدولة المنتَخب،"هوجو تشافيز" (1954- ) وتولية رجل المال "بيدرو كارمونا" (1942- )بيد أن هذا الاعلان لم يسرْ مضمونه القاضى بإقصاء الرئيس المنتَخب لأكثر مِن يومين؛ففى 14/4/2002 عاد"هوجو تشافيز"إلى"ميرا فلوريس"القصر الجمهورى، مرة أخرى رئيساً شرعياً لفنزويلا البوليفارية وتم نفى "كارمونا" إلى كولومبيا.
ولا يمكن القول، بحال أو بآخر، أن تلك التنحية، التى أعلنتها قوى المعارضة، ثم العودة بإرادة الشعب كانت سلمية، وجاءت دون إراقة لدماء المئات، بل كانت تنحية ثم عودة صاحبتهما مذبحة، إنفردت ببث أحداثها، بعد التشويش على قناة التليفزيون الحكومية، إحدى الشبكات التلفزيونية، التى يمتلكها الملياردير"جوستافو سيسنيروس" أغنى رجل فى فنزويلا، وأحد أغنى الرجال فى العالم، وهو صاحب أحد الادوار الرئيسية فى الرواية سنراه لاحقاً، المهم أن قناة هذا الملياردير عرضت شريطاً مصوراً يظهر فيه أنصار "تشافيز" وهم يُطلقون النار من جسر "لاجونو" على مسيرة المتظاهرين!! وهو ما ثبت تلفيقه وتزيفه فيما بعد لصالح المعارضة والانقلاب.
وعبر شاشات التليفزيون، كذلك، صرح بعض ضباط الجيش بأنهم لم يعودوا يعترفون بالرئيس "تشافيز" رئيساً للدولة، وتبعهم فى ذلك إلى الشارع: رجال الاعمال، وكبار ملاك الاراضى، والمعلمون، وعمال الالمنيوم، وموظفو شركات الهاتف، والاطباء والممرضات، وعمال النقل، وطبعاً وعمال النفط، وفى النهاية إضطر"تشافيز"أن يُسلم نفسه للمتمردين العسكريين، والذين منحوه مهلة زمنية محدودة كى يخلى "ميرافلوريس" القصر الجمهورى، وكان التحذير واضحاً إما أن يُسلم "تشافيز" نفسه وإما أن يتم قصف القصر الجمهورى والاستيلاء عليه.
لم يجد"تشافيز" أى مخرج لتلك الازمة سوى الخروج والاستجابة لطلب المتمردين بإلقاء القبض عليه؛ الامر الذى معه ظهر أحد الجنرالات كى يُعلِن أن الرئيس إستقال من منصبه بإرادته إستجابة لرغبة الشعب، الذى "ثار ضد الرئيس الطاغية" !!
لقد بدا الوضع كما أراد المتمردون الذين إتخذوا من الاعلام المسيطَر عليه وسيلة فعالة جداً فى سبيل صياغة وعى الشعب على نحو يُمكّن معه تقبل ما يُبَث لهم من فظائع"تشافيز"ومن ثم إستقالته، بل وجعهلم يرغبون هم فى ذلك بالاساس!! وهكذا صار الوعى الجمعى مستقراً تقريباً بأن الرئيس المنتَخب"هوجو تشافيز" وقد أدرك سوء فعله تجاه شعبه وأراد تصحيح ما يُمكن تصحيحه فقام بالاستقالة تاركاً منصبه لأحد أعضاء تحالف القوى الوطنية المعارضة له ولسياساته القمعية!! هذا ما إبتغت المعارضة بقيادة "كارمونا" و"أورتيجا" تحقيقه. ولقد نجحت إلى حد ظهور "بيدرو كارمونا" وهو يؤدى القسم الدستورى بصفته الرئيس الجديد للبلاد.إختفى رئيس البلاد المنتَخب "هوجو تشافيز" لمدة يومين، ولم يكن أحد من الشعب ليعلم بمكانه، وكما رُوى بعد ذلك، أنه كان يُنقل بين أربعة مواقع مختلفة، من بينها جزيرة نائية فى الكاريبى، وفى ساعة متأخرة من الليل، أخذه المتمردون إلى طريق مظلم معزول فى محاولة بدت وكأنها التمهيد لإعدامه.لم يكن ليمر وقت كبير حتى تسربت الاخبار، من بعض صغار جنود الجيش الموالين "لتشافيز" دون إفصاح ، بأن الرئيس تم إختطافه وإعتقاله وأنه لم يقم على الاطلاق بالتنحى عن السلطة، وكل ما يُبث ويُقال عبر شاشات التليفزيون، التى هى تابعة بالاساس للمعارضة والمتمردين، محض أكاذيب هدفها الاطاحة بالرئيس المنتَخب والسيطرة على السلطة والثروة، فلم تنصت الجماهير الغفيرة المناصرة للرئيس هذه المرة، لأوامره الشخصية بعدم الاشتباك مع المعارضة أو التصدى لها؛ فنزلت إلى الشارع كالسيول الجارفة تُريد رئيسها المنتَخب، والقبض على منتهِك الدستور ومغتصب السلطة "بيدرو كارمونا" وأعوانه.
بعد يومين من إختفائه، عاد الرئيس المنتخب "هوجو تشافيز" مرة أخرى بإرادة شعبية طاغية، ولكن أشد ضراوة وأكثر جماهيرية، فقد نزل عشرات الالاف من أنصاره الغاضبين إلى الشوارع، فى الوقت نفسه الذى قام الموالون له من كبار ضباط الجيش، وبصفة خاصة فى ماراكاى بقيادة "راؤول بادويل" بإنقلاب مضاد بغية إنقاذ الرئيس وإرجاعه إلى "ميرافلورس". كان ذلك الانقلاب الذى لم يدم أكثر من يومين من أكثر الفصول دراماتيكية فى حياة "هوجو تشافيز" والتى شهدت الانعطافات الحاسمة الواحدة تلو الاخرى، فى الوقت نفسه تحول إلى شخص بارز ومؤثر فى تاريخ القارة اللاتينية الحديث؛ فإن "تشافيز" ومن دون شك بتقديرى، أكثر زعماء المنطقة إثارة للجدل والاهتمام منذ بزوغ نجم أستاذه وإبيه الروحى زعيم كوبا، "فيدل كاسترو".
وعلى ذلك سنقوم بتقسيم هذا المبحث المنشغل بالاساس بمسألة الانقلاب على "تشافيز" وحكومته، إلى مطلبين: الاول: وهو يهتم برصد وقائع هذا الانقلاب، أما الثانى: فهو يفتش فى الماضى القريب الذى كون إقتصاداً مشوهاً تسلمه "تشافيز" فى زمن أزمة طاحنة من أزمات النظام الاقتصاد الرأسمالى الدولى.
المطلب الاول: الاقصاء والعودة
المطلب الثانى: فنزويلا قبل تشافيز
المطلب الاول: الاقصاء والعودة
مقدمات الانقلاب
بدأ الانقلاب فعلياً وصراحة، بمقدمات واضحة، ضد رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية المُنتَخب "هوجو تشافيز" مع بدايات عام 2002، بأن ظهر أربعة من كبار ضباط الجيش على شاشات التليفزيون المملوك لحليفهم الملياردير"جوستافو سيسنيروس" وهاجمو "هوجو تشافيز" هجوماً عنيفاً، وفى أشد التصاريح عنفاً، وهو تصريح العميد البحرى "كارلوس مولينا تامايو" والذى سيلقى القبض عليه فيما بعد، تبدت رغبة واضحة فى إقصاء الرئيس "تشافيز "عن رأس السلطة فى البلاد.
إستند هؤلاء الضباط وفى مقدمتهم"كارلوس مولينا"، إلى مجموعة من المواقف السلبية والمضرة بمصالح البلاد من قِبل "هوجو تشافيز"؛ ومن أهمها أنه يعمل على إرباك العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية مع أهم وأكبر الدول الحليفة (الولايات المتحدة الأمريكية) بسبب علاقاته مع التمرد اليسارى المسلح فى كولومبيا (ربما يذكرنا ذلك بالتحالفات التى تعقدها الانظمة الحاكمة فى السودان وليبيا وأوغندا وأثيوبيا مع القوات المتمردة فى الدول الحدودية لكل منهم) كما كان من ضمن قائمة مساوىء "هوجو" تلك العلاقات الودية والتى كان يقيمها مع كل الدول تقريباً التى تعتبرها الولايات المتحدة دولاً إرهابية أو راعية للارهاب. كما أنه يعمل كذلك، من وجهة نظر "مولينا" ومَن يمثلهم، على تشويه دور القوات المسلحة، بإرساله الجنود كى يبنوا المدارس ويوزعوا الاطعمة بدلاً من الدفاع عن حدود البلاد!!
وفى خضم أحداث متسارعة وسلسلة متصلة من المظاهرات والاضرابات التى نظمتها المعارضة فى الشوارع وجد "تشافيز" نفسه أمام مشكلة أكبر؛ وهى مشكلة الشركة الوطنية للنفط، "بتروليوس دى فنزويلا" والتى "تمثل دولة داخل دولة" كما قال "تشافيز" فى أحد تصريحاته، ولم يجد "تشافيز" مفراً من التحرك صوب السيطرة على تلك الشركة التى بلغت فيها مرتبات الجنرالات إلى 25000 دولار شهرياًً، فى بلد لا تتجاوز فيه الأجور 180 دولاراً فى الشهر.
وبالفعل إستبدل "تشافيز" مدير الشركة "جوايكايبور لاميدا" بالخبير الاقتصادى اليسارى "جاستون بارا" والذى تعهد بمواصلة السياسة النفطية التى يتبعها الرئيس "هوجو تشافيز" كما تعهد بأن يلتزم بفتح تحقيقات موسعة وشاملة مع المديرين السابقين. ولم تكن تلك الإستبدالات والتعيينات التى قام بها "تشافيز" لتمر دون إحداثها لعاصفة شديدة من الاضرابات والمظاهرات المحتَجة على فرض السيطرة على الشركة التى دائماً ما كانت تعتز بإستقلاليتها شبه الكاملة عن الحكومة!!
توترات غير مسبوقة فى الشارع الفنزويلى منذ زمن بعيد، ذلك هو عنوان المشهد الرئيسى فى كاراكاس على وجه الخصوص، ولم تتوقف تلك التوترات عند حدود المظاهرات والاضرابات والمسيرات والكتابة على الجدران المطالبة بإعدام "تشافيز"، بل تعدى الحال ذلك إلى حد الاعلان الإعلامى عن قرب حدوث إنقلاب يُطيح "بتشافيز" وحلفائه، وهو الامر الذى تجلى مع ما قال به "ألفريدو بيينه" رئيس بلدية كاراكاس، والذى كان حليفاً "لتشافيز" وما لبث أن تحول إلى عدو له، من أن الرئيس ربما كانت تسكنه الارواح الشريرة. وطلب من الكنيسة الكاثوليكية التدخل كى تطرد تلك الارواح التى سيطرت على "تشافيز" المستبد، فقد قال ألفريدو:" هناك شياطين فى جسده، وهى تعمل على تحويل كل شىء إلى جحيم. سيقوم الشارع بإزاحة تشافيز؛ فهو حاكم مستبد".
وكالة الاستخبارات الامريكية (CIA) كانت بطبيعة الحال على دراية بما يحدث وبما سوف يحدث، إذ أصدرت بيانها قُبيل الانقلاب بأشهر معدودة وقامت بتوزيعه على كبار المسئولين فى الحكومة، والذى يقول، وفقاً لبارت جونز، وكما جاء بموقعها الالكترونى:" ربما سيتحرك الجيش للاطاحة بهوجو تشافيز، تُشير التقارير إلى أن الضباط الساخطين داخل الجيش لا يزالون يخططون للقيام بعملية إنقلاب . . . من أجل التحريض على القيام بعمل عسكرى، ربما يسعى المخططون إلى إستغلال الاضرابات التى ستثيرها المظاهرات التى ستنظمها المعارضة فى وقت لاحق أو الإضرابات المستمرة فى الشركة النفطية بتروليوس دى فنزويلا التى تملكها الدولة . . . إن إحتمالات القيام بإنقلاب ناجح فى هذه المرة محدودة؛ فالمخططون يفتقرون إلى الغطاء السياسى للقيام بإنقلاب، وقاعدة الدعم الأساسية لتشافيز بين أوساط الفنزويليين الفقراء لا تزال سليمة. . . . "
وعملاً، فقد إنتقلت معارضة الرئيس المُنتَخب "هوجو تشافيز" فى شركة "بتروليوس دى فنزويلا" إلى مرحلة أكثر تطرفاً، فقد بدأ المديرون والعمال الاداريون بإقفال الشركة، وإمتنع العمال (الفنيون) عن الذهاب إلى أعمالهم، وقاموا بإغلاق البوابات التى تؤدى إلى المنشأت النفطية، فى الوقت نفسه الذى قاموا فيه بمنع تسليم كميات من المنتجات النفطية، وإعاقة حركة ناقلات النفط، وبالجملة يُمكن القول، كما ذكر بارت جونز، بأن الشلل الكامل قد أصاب إثنين من أصل خمس محطات تصدير رئيسية للنفط الخام والمنتجات المكررة والمشتقة فى فنزويلا.
إستمر غياب العمال (الفنيين) فى حين أعلنت أكبر النقابات العمالية فى البلاد، وهى إتحاد العمال الفنزويليين بزعامة "كارلوس أورتيجا" عن إضرابات عامة لمدة أربع وعشرين ساعة لتدعيم المحتجين فى شركة بتروليوس دى فنزويلا، فى الوقت نفسه الذى أعلنت فيه غرفة التجارة، وهى ذات شأن، "فيديكمارس" بقيادة "بيدرو كارمونا" بأنها سوف تنضم إلى الاضرابات أيضاً، وبمباركة الكنيسة الكاثوليكية، كما سنرى، عقد كلٌ من "كارلوس أورتيجا" و"بيدرو كارمونا" فى جامعة "أندريز بيلو" الكاثوليكية، إتفاق إدارة البلاد عقب الإطاحة بالرئيس"هوجو تشافيز". وإذ يتحدد يوم 9/4/ 2002 موعداً لتنظيم إضراب شامل من خلال الاتفاق بين إتحاد العمال بقيادة "كارلوس أورتيجا" وغرفة التجارة بقيادة "بيدرو كارمونا" يقوم "هوجو تشافيز" فى 7/4/2002 بإصدار قرارات مباغتة تقضى بإقصاء جماعى لمجموعة من مديرى الشركة الوطنية للنفط، بتروليوس دى فنزويلا، ما بين الطرد وبين الاحالة إلى التقاعد. وفى نفس اليوم جمع "هوجو تشافيز" كبار رجال الحكومة والجيش الموالين له؛ لمناقشة الاستعدادات لمواجهة ما عسى أن تنبىء به الايام المقبلة من أحداث ربما قد تبلغ حداً من التعقيد يستلزم التدخل الحاسم للقوات المسلحة. وعملاً فقد تم وضع الخطة التى عرفت بإسم (أفيلا) وهى تقوم على فكرة إستعراض القوة، دون إستخدامها، إذ ستقوم القوات المسلحة بنشر قوات فى أهم المواقع الحيوية والاستراتيجية فى الدولة، إبتداءً من "ميرا فلوريس"، القصر الجمهورى، ومروراً بالكونجرس، وإنتهاءً بالمحكمة العليا.
فى يوم 9/4/2002 تبدت بوضوح أهم مظاهر الاضراب، فقد توقف العمال (الفنيون) وتبعهم فى ذلك العمال(اليدويون) عن الانتاج فى منشأة من أهم المنشأت النفطية فى فنزويلا، وهى منشأة "باراجوانا" وأغلقت معظم المصانع والمحال التجارية والمدارس والمنشأت أبوابها وإمتنعت الصحف عن الصدور، وقامت المحطات التليفزيونية التابعة للمعارضة بإلغاء جميع برامجها كى تقوم ببث وقائع الاضراب ومعه طبعاً سيلاً من الانتقادات العاصفة "لهوجو تشافيز" والموالين له، والذى لم يتوقف فى اليوم التالى 10/4/2002 على الرغم من أن حدة المظاهرات بدت وكأنها تتجه نحو الهدوء نسبياً، إذ فتحت العديد من المدارس أبوابها، وكذلك فعلت معظم المؤسسات التجارية، ورجعت حالة حركة المرور إلى طبيعتها نسبياً.
فى يوم 10/4/ 2002 أعلن قائد إتحاد العمال "كارلوس أورتيجا " وقائد "فيديكمارس" " بيدرو كارمونا" تمديد حالة الاضراب إلى أجل غير مسمى، حتى يترك الرئيس "هوجو تشافيز" رأس السلطة فى الدولة ويتنحى عنها لأحد أشخاص المعارضة، والتى كان من الواضح أنها تميل نحو تولية "بيدرو كارمونا".
خطة الإنقلاب
تضمن إعلان"كارلوس أورتيجا"و"بيدرو كارمونا" بتمديد حالة الاضراب، توجيه دعوة لعمل مسيرة حاشدة تتجه نحو الشركة الوطنية للنفط بتروليوس دى فنزويلا، ولكن خطة "أورتيجا" و"كارمونا" الحقيقية هى تغيير خط سير المسيرة المليونية من بتروليوس دى فنزويلا إلى "ميرا فلوريس" حيث الرئيس "هوجو تشافيز".
فى وقت مبكر من صباح يوم 10/4/2002 ظهر العميد "نيستور جونزاليس جونزاليس" فى وسائل الاعلام كى يُطالب بإستقالة "هوجو تشافيز" فقد ظهر "جونزاليس جونزاليس" فى حديث أمام المراسلين وسط عدد هائل من كاميرات التليفزيون فى مؤتمر صحافى تم تنظيمه فى فندق"كاراكاس" قائلاً:" سيدى الرئيس، لقد خنت البلاد. أرجوك أن تحترم القوات المسلحة. ينبغى على القيادة العليا فى الجيش أن تقول للرئيس، سيدى الرئيس، أنت سبب كل ذلك. وقد آن الاوان لكى تتنحى. إن القيادة العليا فى الجيش عليها فهم هذا الموقف لأنها إذا لم تفعل ذلك، فإن جهة أخرى سوف تقوم بذلك نيابة عنها". وما أن أنهى "نيستور جونزاليس" حديثه وهم بالمغادرة، حتى وجّه له أحد المراسلين السؤال: سيدى الجنرال، هل تعنى القيام بعملية إنقلابية؟" عندئذ إرتسمت على وجه " جونزاليس" إبتسامة عريضة هى فى الواقع أبلغ من الرد!!
ولم تكن إبتسامات وإيماءات العميد "نيستور جونزاليس" وما تركه من إنطباعات توحى بالإنقلاب على رأس الدولة، لكى تمثل أمراً جديداً على الحكومة وبعض كبار رجال الجيش الموالين "لهوجو تشافيز" فى "فورت تيونا" فقد كان من المعروف إلى حد ما ان الاحداث تتجه نحو حركة عصيان مدنى شاملة كما قال وزير الدفاع "خوزيه فيسينته رانجل" قد تصل إلى إنقلاب، ولكن الشك لم يكن ليمثل يقيناً لدى الحكومة وكبار رجال الجيش، والرئيس "هوجو تشافيز" نفسه. وفى "ميرافلوريس" كان الرئيس، بعد أن ألغى رحلته إلى كوستاريكا، يعد نفسه لأمرين، أولهما الاجتماع مع حكام الولايات، وثانيهما الاحتفال بعيد ميلاد شقيقه الاكبر"أدان"، وهو صاحب دور مهم جداً فى حياة الرئيس كما سنرى فيما بعد، وحيث كان فى القصر الجمهورى حينذاك والد الرئيس ووالدته"إيلينا"وبطبيعة الحال كان فى قصر الرئاسة، كذلك، زوجة الرئيس ماريزابيل، وإبنائهم"روزينياس"و"هوجو رافاييل"و"روزا فيرجينيا" و" مارياجابرييلا".
فشل خطة أفيلا
كان من المتفق عليه بين "هوجو تشافيز" وبين الجنرال "مانويل روزيندو" أن تقوم القوات المسلحة، وكما ذكرنا، بنشر قواتها كنوع من إستعراض القوة، ودون إستعمالها، فى الاماكن الاهم والاكثر إستراتيجية وهى القصر الجمهورى ومبنى الكونجرس ومبنى المحكمة العليا، بيد أن الخطة التى إعتمد عليها "تشافيز" فى الخروج من المأزق، وظن كفايتها؛ كان مصيرها الفشل بعد أن إنقلب الجنرال "روزيندو" نفسه عليه.
وحينما عَلِم الجنرال "جورج لويس جارسيا كارنييرو" بموقف الجنرال الخائن "روزيندو" الذى كان مسئولاً عن قيادة خطة "أفيلا" فقد عرض على الرئيس أن يُوافق على توليه تنفيذ "أفيلا" بدلاً من الجنرال "روزيندو" إلا أن الواقع كان يُنبىء عن إنهيار الخطة من أساسها إنهياراً مطلقاً دونما سبيل لتنفيذها، وبصفة خاصة أن أوامر الرئيس كانت الامتناع عن إستخدام القوة تحت أى ظرف من الظروف، وعدم الاشتباك نهائياً مع المتظاهرين من المعارضة.
وفى الوقت الذى كان الرئيس يُفكر فى تنفيذ الخطة بقيادة الجنرال "جارسيا كارنييرو" كانت الاحداث تتسارع بشكل كبير فى "فورت تيونا" إذ قام الجنود التابعون للمعارضة وكبار رجال الجيش المنشقون بقطع الطريق العام، وبدأت الحافلات والشاحنات تتوافد لسد الطريق تماماً فلم يعد فى الامكان بحال أو بآخر تنفيذ "أفيلا" وأصبح من المؤكد، فى ضوء أوامر "تشافيز" بعدم الإشتباك مع المعارضة، أن قصر "ميرافلوريس" فى مرحلة الحصار، وصار قاب قوسين أو أدنى من فرض قوى المعارضة سيطرتها عليه.
الشروط الاربعة
لم تكن الساحة كما قد يُظن لأول وهلة حكراً على المعارضة وأنصار "كارمونا" و"أورتيجا" وإنما شهدت، كذلك، تجمع غفير لأنصار الرئيس، ففى الطريق العام أمام "ميرا فلوريس" تجمع الألاف من أنصار "تشافيز" وهم فقراء فنزويلا الجوعى والمرضى القاطنين الاطراف والهوامش ومدن الصفيح، والملفت أن السكان الاصليين"الهنود" كان لهم وجود ملاحظ فى الجبهة الموالية "لتشافيز" وذلك وكما سنرى كان نتيجة إعتبرها طبيعية للسياسات التى إتبعها معهم "تشافيز" وفى مقدمتها الاعتراف بهم بعد عهود من نسيانهم، وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنين.
لقد بات الأن من المؤكد أن "تشافيز" وأسرته بدءً من أبيه وأمه، ثم زوجته وأبنائهم فى موقف الحصار، وإقتحام القصر والاستيلاء عليه من قبل المتمردين صار وشيكاً، والمفاوضات بينه وبين المعارضة لم تسفر عن شىء، المعارضة تريد من "تشافيز" التنحى وترك السلطة، وفى المقابل يشترط "تشافيز" أربعة شروط كى يُنفذ طلبات المعارضة، وقد كان "تشافيز" لديه الوعى الكامل بأن إشارة واحدة من إصبعه لأنصاره من الشعب ومن كبار رجال الجيش معناها بحور من الدم، وهو الأمر الذى رفضه "تشافيز" رفضاً تاماً. . . المهم، إشترط الرئيس شروط أربعة كى يُنفذ طلبات المعارضة، وكانت شروط "تشافيز" كالأتى:
الشرط الاول: ضمان سلامته الشخصية وسلامة عائلته وسلامة جميع أفراد حكومته. الشرط الثانى: تطبيق أحكام الدستور بأن يقوم بتقديم الاستقالة للجمعية الوطنية، وبأن يخلفه، وفقاً لأحكام الدستور كذلك، نائب الرئيس، إلى حين الدعوة إلى إجراء إنتخابات جديدة. الشرط الثالث: أن يُسمح له بإلقاء خطاباً إلى الشعب عبر البث التليفزيونى الذى تحتكره تقريباً المعارضة. الشرط الرابع: ضمان خروجه الامن من البلاد هو وعائلته ووزراءه وحراسه الشخصيين.
لم تكن شروط "تشافيز" هذه لترضى المعارضة والتى هى منقسمة بالاساس على نفسها بسبب الصراع على توزيع المواقع السيادية والمناصب القيادية على الكبار الذين خططوا للانقلاب، ولا يخلو كذلك الصراع من الرغبة الجامحة فى السيطرة على الثروة، نقول لم تكن ترضى المعارضة التى بدأت التصرف بهستيرية شخص عصابى فرغ صبره، فأطاحت بالمفاوضات وبالشروط وأعطت "تشافيز" إنذاراً لتسليم نفسه، وبإنقضاء المدة دون ذلك يكون قصف "ميرا فلوريس" هو الجزاء المترتب.
فى الوقت نفسه كانت الامور تزداد سوءً إذ بلغ عدد القتلى عدداً ينبىء عن مذبحة جديدة فى التاريخ الفنزويلى فى الطريق، المهم أن القتلى لم يكونوا من جبهة أنصار المعارضة فقط وإنما وقع قتلى من أنصار "تشافيز" بما يفوق قتلى المعارضة، بما يُفهم منه أن الخطة الان قد بدت مكتملة، والان فقط أصبح لدى المعارضة ما يُكسبها الشرعية، وبصفة خاصة وهى تحاول إقصاء رئيس مُنتَخب عن السلطة، فلا ضير لدى "كارمونا"، و"أورتيجا"، و"نيستور جونزاليس"، و "مانويل روزيندو" ، و" ألفريدو بيينه"، و"كارلوس مولينا تامايو"، و"فرانشيسكو أرياس كارديناس"، وباقى العناصر فى جبهتهم من وقوع عدد من القتلى من الطرفين فى سبيل تشويه صورة نظام "تشافيز" وبروز عناصر الصورة قاتمة لا تعكس إلا حالة من الفوضى ومحاربة الشعب الأعزل وضربه بطلقات البنادق والدبابات، وهو الذى يتظاهر مظاهرات سلمية!!
إلقاء القبض على الرئيس
لم يجد الرئيس بداً من تسليم نفسه، بعد أن إطمئن على هرب أفراد أسرته إلى الساحل الكاريبى، وعقب (إلقاء القبض) على رئيس البلاد، وبمعنى أدق، لمن تابع الموقف حينذاك، عقب إختطاف رئيس البلاد، جُيشت المحطات التليفزيونية كى تُعلن أن الرئيس"هوجو تشافيز" قد حَملَ لتوه لفظ رئيس سابق، إذ أنه قد إستجاب لمطالب الشعب وقرر التنحى عن السلطة، وأن "بيدرو كارمونا" هو الأن الرئيس!!
وكان "فرانشيسكو أرياس كارديناس" من ضمن الذين ظهروا على الشاشات التليفزيونية مُعلناً بإبتهاج عن تنحى الرئيس"هوجو تشافيز"وتولى"بيدرو كارمونا" مقاليد الحكم فى البلاد.ومن المعروف أن "فرانشيسكو أرياس كارديناس" كان من أصحاب "تشافيز" القدامى ولهما معاً الكثير من الذكريات الثورية، وأيام فى السجن أمضوها سوياً كثوار!!
ظهرت الصحف الصباحية مليئة بالانتقادات اللاذعة التى تتهكم على "تشافيز" السفاح (سافك دماء الشعب الاعزل!!)فيذكر"بارت جونز"إن صحيفة"إل ناسيونال"قالت على صدر صفحتها الافتتاحيية :"لقد خصصنا لك قبراً بجانب الرؤساء الفنزويليين كافة الذين يُذكرون بسبب الفظاعات التى ارتكبوها". وقالت"أسى إل نوتيستا" فى عنوان رئيسى كُتب بحروف حمراء كبيرة:" لقد سقط السفاح". وكتب "روبرتو جويستى" وهو من كبار مساعدى الرئيس السابق" أندرياس بيريز" مقالاً تحت عنوان: الجريمة الاخيرة للديكتاتور:" إذ كان يوجد لدى أحد فى أى وقت ما شك فى الطابع الفاشى والدموى لهذا النظام، ينبغى أن يكون هذا الشك قد تبدد أمس بعد سنوات وسنوات من حلف اليمين بأنه لن يأمر كرئيس بإطلاق النار على الشعب، عاد هوجو تشافيز أمس ولطخ يده بالدماء. فى النهاية، رفع قناع الديمقراطية وكشف عن طبيعته الحقيقية كقاتل لا يعرف التردد فأمر مناصريه بإطلاق النار على حشد سلمى ومن دون سلاح، كان تشافيز على إستعداد للاحتفاظ بالسلطة على جبل من الجثث إذا تطلب الأمر".
ولم يقتصر الدعم الموجه "لكارمونا" على الصحف الصادرة فى فنزويلا، وإنما إمتد، بطبيعة الحال، إلى الصحف الصادرة فى الولايات المتحدة الامريكية. فقد تعامت أمريكا عن الانقلاب، ووجهت الانتقادات العنيفة "لتشافيز" ونظامه على بحور الدم فى كاراكاس، وأصدرت البيانات التى ترحب "ببيدرو كارمونا" وإستعادة الديمقراطية. قالت صحيفة ذى نيويورك تايمز(2):" مع إستقالة الرئيس هوجو تشافيز بالامس، لم تعد الديمقراطية الفنزويلية مهددة بعد اليوم بحاكم يتحول إلى ديكتاتور"، إن هوجو تشافيز ديماجوجى هدام" وتحاشت تماماً إستخدام لفظ إنقلاب، وقالت :" ان رجل المظلات السابق تنحى عن الحكم بعد أن تدخل الجيش وسلم السلطة إلى رجل أعمال محترم إسمه بيدرو كارمونا، وسوف تكون الامور فى نصابها الصحيح خلال سنة حيث سيتم إجراء إنتخابات، ويتعين لذلك أن يتم وضع جدول زمنى". وأوضحت كذلك:" إن للولايات المتحدة الامريكية مصلحة أكيدة فى تحسن الاحوال فى فنزويلا، إذ تستقبل الولايات المتحدة نحو 15% من واردات النفط"
بعد أن سلم الرئيس نفسه، أخذ خاطفوه المتمردون يتنقلون به من مكان إلى أخر، حتى بات من المؤكد فى صدر "تشافيز" أن الخطة لإغتياله قد أمست جاهزة، إذ يتم قتله ثم يُسوق إعلامياً إنتحاره كنتيجة لإعترافه بخيانته للامة الفنزويلية، وان تأنيب الضمير هو الذى دفعه إلى الانتحار. . . . هكذا كان تفكير "تشافيز" حين تم إقتياده إلى "فورت تيونا" مقبوضاً عليه. إذ أن قتله هو أنسب حلول مختطفيه لمسألة إستقالته، فطالما هو على قيد الحياة فهو يستطيع تكذيب خبر الاستقالة تلك، ومن جهة أخرى سيكون قتله، كما تبادر إلى ذهن "تشافيز" ، هو أنسب الحلول لمسألة أخرى ربما تكون أكثر أهمية، وهى تلك المتعلقة بإنتهاك الشرعية الدستورية، والقبض على رئيس الجمهورية المنتََخب وتنحيته، وتولية غيره، دون إتباع الاجراءات المنصوص عليها فى دستور البلاد.
وعلى الصعيد الرسمى، فقد أصدرت الولايات المتحدة الامريكية بياناً على لسان المتحدث الرسمى بإسم وزارة الخارجية، جاء فيه:" رفض الجيش الفنزويلى على نحو يدعو إلى الاطراء إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وأبقت وسائل الاعلام الشجاعة الشعب الفنزويلى على إطلاع بمجريات الامور، لكن الاعمال المنافية للديمقراطية التى قامت بها إدارة تشافيز أو شجعت عليها أشعلت الازمة التى وقعت فى فنزويلا أمس . . . لقد حاولت حكومة تشافيز قمع مظاهرات سلمية. وقام أنصار تشافيز بإطلاق النار، بعد تلقيهم أوامر بذلك، على متظاهرين مسالمين وغير مسلحين مما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من مائة شخص، وقد رفض الجيش والشرطة الفنزويليين دعم دور الحكومة فى مثل هذه الاعمال التى تنتهك حقوق الانسان".
وفى "فورت تيونا" حيث الرئيس المنتَخب (والمعتَقل) طلب "تشافيز" هاتفاً كى يطمئن على زوجته وباقى أفراد أسرته، كما طلب تليفزيون كى يُشاهد الاحداث المؤسفة التى تمر بها بلاده وقد نُسبت إليه جميع الفظائع والمجازر التى راح ضحيتها مواطنين عُزل، وكل ذلك من أجل بقاءه فى السلطة، كما صاغت المعارضة وعى الناس، وربما فلحت إلى حين!!
ولقد كان من الواضح أن كثيراً من صغار الضباط والجنود فى حيرة شديدة ، وبصفة خاصة الذين يقومون بحراسة الرئيس المخطوف، فهم لن يستطيعوا تحويل مشاعرهم الحقيقية فجأة تجاه الرئيس الذى أعجبوا به وأحبوه، وبدا الامر لهم وكأنه تصفية حسابات بين الكبار ولا شأن لهم به، ومع ذلك فقد كانوا ظاهرياً ضد الرئيس، وهم فى الواقع لا يستطيعون أن ينسوا أو يتناسوا أن من طلب الهاتف والتليفزيون هو رئيس البلاد المنتَخب من الشعب، والذى يسعى لصالح الاغلبية المسحوقة؛ ولذا حينما أتى صغار الضباط بالهاتف للرئيس كان من لوزم الامر الانصراف كى يتحدث الرئيس لأسرته فى جو من الخصوصية دون إهانته بالوقوف أمامه أو الانصات لحديثه إلى زوجته وباقى أفراد أسرته.
كان الاتصال الاول الذى أجراه "تشافيز" هو مع زوجته "ماريزابيلا" وطلب منها سرعة الاتصال بأى صحافى أو إعلامى، وأن توضح له أن الرئيس "هوجو تشافيز" لم يتنح ولم يقدم إستقالته، وهو الان مُعتقل بالتصادم مع النصوص الدستورية، وأن حياته مهددة. إذ ينتظر الموت لحظة بعد أخرى
وكان الاتصال التالى مع إبنته "ماريا" ولم يكن الحديث بينهما ليخرج عن مضمون الحديث الذى تم بين "تشافيز" و"ماريزابيلا" إلا فى أمر واحد إذ طلب "تشافيز" من "ماريا" ليس فقط الاتصال بصحافى أو إعلامى، كى تُخبره بالحقيقة، وان إستقالته ليس لها أى أساسى من الواقع، وإنما طلب منها الاتصال بأستاذه وأبيه الروحى "فيدل كاسترو" فى كوبا، وأن تخبره بأن أباها الرئيس "هوجو تشافيز" فى الأسر مُعتقلاً، وإنه لم يتنح ولم يقم بتقديم إستقالته، وأن قتله بات مؤكداً كى لا يفضح "كارمونا" وزمرته، على الاقل بشأن فتح النيران على المتظاهرين، إذ من قام بذلك، كما ثبت بعد ذلك، هم قناصة تابعون لتحالف "كارمونا" و"أورتيجا".
لم تتردد "ماريا" لحظة فى تنفيذ طلبات إبيها، وبالفعل هاتفت الرئيس "كاسترو"، وأخبرته حرفياً بما أراد الرئيس المعتقل توصيله إليه، فما كان من "كاسترو" إلا أن طلب منها إنهاء المكالمة على أن تنتظر إتصالاً منه بعد ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير.
وبالفعل عاود "فيدل" الإتصال "بماريا" كى يُخبرها أنها الان تستطيع أن تُكلم العالم؛ فهى الآن فى بث مباشر مع التليفزيون الكوبى. كان إتصال "فيدل" السريع"بماريا" بلاشك بمثابة ثقباً فى جدار الظلام، فراحت "ماريا" تحكى للعالم، على الاقل نصفه الجنوبى فى القارة اللاتينية، عن حقيقة الوضع الانى فى فنزويلا، وأن أباها الرئيس المنتَخب "هوجو تشافيز" لم، ولن يتنحى أو يقدم إستقالته، وأن ما يحدث الان هو خرقاً صريحاً للدستور، من قبل مجموعة متواطئة من رجال الاعمال وكبار ملاك الاراضى والمتمردين من رجال الجيش، والذين فى تحالفهم، والذى هو فى الحقيقة تحالف بين رأس المال وبين السلطة، إنما يريدون الاستيلاء على السلطة الشرعية للرئيس وإقتسام ثروات البلاد. ولكن للأسف وحيث أن القنوات التابعة للمعارضة فقط هى المهيمنة على المشهد، فاللاسف وصل صوت ماريا إلى العالم ولكنه لم يصل إلى الشعب فى فنزويلا!!
خرق الدستور
بعد أن تحدث "تشافيز"إلى زوجته وإبنتهما، فى ساعة مبكرة من صباح يوم 12/4/2002 وصلت محاميتان، كما ذكرت وسائل الاعلام الامريكية، من الادارة القانونية للقوات المسلحة، وذلك طبعاً لإضفاء نوعاً ما من الشرعية على إختطاف رئيس جمهورية منتخب إنتخاباً دستورياً صحيحاً.
وقد وجد الرئيس المنتَخب، والذى سلم نفسه درءً لمفسدة عظيمة كانت ستجر البلاد نحو أنهار من الدم، فى تلك المقابلة إحتمالية إبلاغ الشعب من خلال إحدى هاتين القانونيتين أو كلاهنا، أن الرئيس لم يتنح ولم يُقدم إستقالته وانه قيد الاعتقال بالمخالفة الصارخة لنصوص الدستور.
وبالفعل حالف الحظ "تشافيز" إذ أرسلت المحققتان نسخة من التقرير عن المقابلة مع الرئيس إلى النائب العام "إساياس رودريجيز"، وقد كتبن فيه:" قال بأنه لم يقدم إستقالته".
إن موقف المحققتين إنما يؤكد ثانية ما سبق وأن ذكرناه بشأن صغار الضباط والجنود الذين كانوا مكلفين بحراسة "تشافيز" والذين لم ينسوا لحظة أنهم أمام رئيس البلاد، فكما كان الحال بالنسبة لهؤلاء كان الامر بالنسبة للمحققتين واضحاً؛ فهن الان أمام الرئيس "هوجو تشافيز" رئيس دولتهم البوليفارية، وقد بدا لهن أن ثمة خدعة إنطلت عليهن شخصياً كواحدتين من أفراد الشعب المخدوع. فالرئيس لم يعلن إستقالته.
بعد أن تسلم "رودريجيز" التقرير، فى نفس اليوم 12/4/2002، وجده من الاهمية بمكان أن يُعلَن للشعب أن رئيسه المنتَخب لم يُقدم إستقالته كما أشاعت قوى المعارضة المعززة بسلطة الاعلام، ولنفس السبب سيكون من الصعب جداً إستخدامه هذا الاعلام فى إعلان ما يود قوله من أن الرئيس لم يُقدم إستقالته وأن ما يحدث الآن لا يُمكن أن يُعد سوى خرقاً صريحاً لأحكام الدستور الفنزويلى، الأمر الذى حدا به إلى التفكير فى خدعة هو الآخر، وهى دعوة وسائل الاعلام كى يُعلن عن إستقالة "تشافيز"، ويستطيع حينئذ أن يُعلن ما يريد وأن يُعرف الشعب حقيقة الموقف.
وعكس ما كان متوقعاً تماماً، قال النائب العام:"وردتنا معلومات من المحاميتين العسكريتين اللتين أجرتا مقابلة معه بأن الرئيس لم يُقدم إستقالته. فى الواقع الرئيس لم يَستقل ولم يرد حتى هذه الساعة دليل مكتوب يُشير إلى إستقالته إلى مكتب المدعى العام؛ وبالتالى فإن الرئيس هوجو تشافيز هو رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية حتى الان، وفى الحالة المفترضة التى تُفيد أن الرئيس قدم إستقالته، فإنه يتعين تقديم هذه الاستقالة إلى الجمعية العامة. وعندما تقبل الجمعية العامة هذه الإستقالة، يمكن فى هذه الحالة فقط إعتبار الاستقالة مقبولة، وبناء على ذلك، وحتى فى الحالة المفترضة التى تفيد بأن الرئيس قدم إستقالته، لايزال تشافيز رئيس الجمهورية؛ لأن الجمعية الوطنية لم تقم بالتصديق على الإستقالة المفترضة للرئيس".
نحو الديكتاتورية
تزامن حديث "رودريجيز" والذى لم يتم بثه كاملاً بالطبع عقب إنكشاف خدعته، مع ظهور الرئيس الجديد "بيدرو كارمونا" بمظهر جديد تماماً؛ كى تُعلن تصرفاته وقراراته عن عودة الحكم الديكتاتورى، فلقد قام "كارمونا" وبمنتهى التسلط بشطب جميع المؤسسات الديمقراطية فى البلاد ونصب نفسه ديكتاتوراً؛ إذ قام بإغلاق الجمعية الوطنية، وأوقف أعمال المحكمة العليا، بعد أن تخلص من نصف أعضائها، وعطل الدستور، وجمد إختصاصات وسلطات جميع المسئولين الذين يتقلدون مناصب عامة، بدءً من المدعى العام ومروراً بحكام الولايات وإنتهاءً برؤساء البلديات، وكل تلك الديكتاتورية كانت بحجة أن إنتخابات جديدة سوف تجرى فى البلاد خلال عام.
بل أضف إلى كل هذا الطامة الكبرى فعلاً: جمهورية فنزويلا البوليفارية، هذا هو الإسم المعتَمد دستورياً للبلاد، والمحبب فى نفس الوقت فى قلوب أفراد الشعب والجوعى منهم بوجه خاص، تلك حقيقة واقعية، بيد أنها كانت كذلك قبل تولية "كارمونا" لماذا؟ لأنه أصدر، بإرادته المنفردة، مرسوماً يقضى بأزالة، كلمة "البوليفارية" وهو الأمر الذى يعنى العمل على طمس تاريخ طويل من أجل الحرية، إذ أمر بإزالة صور المحرر"سيمون بوليفار" من جميع حوائط "ميرا فلوريس" تمهيداً لتعميم نفس قرار الطمس على الميدانين العامة والشوارع والمدارس التى تحمل إسم المحرر!! أحسب أنه من المتعين الذهاب للتعرف على هذا الرجل أكثر والذى صار بين عشية وضحاها ديكتاتوراً يَحكم فنزويلا، وقد أطاح بحلفائه!!
فمن هو كارمونا؟
ولد "بيدرو كارمونا" عام 1942، ودرس فى فنزويلا، ثم فى بلجيكا عِلم الاقتصاد على طريقة ميلتون فريدمان والفكر الحدى. وتقلد العديد مِن الوظائف المهمة والحساسة، ويُمكن القول بأنه عمل أغلب حياته فى القطاع الخاص كما مَثل فنزويلا فى بعض التظاهرات الاقتصادية المالية فى الخارج. ومِن أبرز الوظائف التى تقلدها "كارمونا": رئاسة إتحاد غرف التجارة والزراعة والصناعة والخدمات المعروفة باسم"فيداكمراس"والتى تَضم كبرى المؤسسات الاقتصادية الفنزويلية.
وكذلك قام برئاسة الجمعية الفنزويلية للصناعة والبتروكيمياء مِن 1992 إلى 1995. ومِن 1995 إلى 1997: أيضاً شَغل منصب رئيس الكونفدرالية الفنزويلية للمصنعين. كما عُين مندوباً خاصاً لفنزويلا لدى مقر الاتحاد الاوروبى ببروكسل وكذلك مندوباً لدى جمعية أميركا اللاتينية للتجارية الحرة بمونتفيديو. ويُعد "كارمونا"، مِن أهم المناهضين لسياسات "تشافيز"، ويرى فيها تهديداً صريحاً لطبقة رجال الأعمال وكبار ملاك الاراضى.
وفور أن عُين "كارمونا" فى حكومة الانقلاب على "تشافيز" إستبعد حليفه "كارلوس أورتيجا" وعَين مباشرة فى إدارته بعض الوجوه الفنزويلية ذات التوجه اليمينى المتطرف، والموالين له، إذ قام بتعيين العميد البحرى "كارلوس مولينا تامايو" أميناً عاماً للقصر الرئاسى، كما أعاد "لاميدا" إلى منصبه كرئيس لشركة بتروليوس دى فنزويلا، كما رشح الجنرال "هكتور راميريز بيريز" لمنصب وزير الدفاع. وعلى الرغم مِن قِصر مدة ولايته فقد ألغى "كارمونا" 49 مرسوماً صادراً عن الحكومة الشرعية شملت قطاعات حساسة منها الزراعة والاراضى والنفط.
الرئيس يعود إلى القصر الجمهورى
إختفى " هوجو تشافيز" كما ذكرنا وبدا الامر بالنسبة إلى أغلب الناس، ومنهم صغار الضباط الذين أتوا له بالهاتف، والمحققتين اللتين أرسلتا تقريرهن إلى النائب العام، كما لو أنه رحل بإرادته، بعد الفظائع التى إرتكبها فى حق الشعب، تاركاً خلفه فراغاً فى السلطة، وبمجرد إعلان "كارمونا" رئيساً للبلاد خرج الالاف من الطبقة الثرية والطبقة الوسطى إلى الشوارع إبتهاجاً بذهاب "تشافيز" وتولية "كارمونا" .
وفى الوقت نفسه الذى يشهد الاحتفال بذهاب "تشافيز" كانت الجموع الغفيرة المناصرة "لتشافيز" تزداد، وبعد الساعات الأولى من بعد ظهر ذلك اليوم الجمعة 13/4/2002، إنتشرت أخبار مفادها أن الانقلاب بدأ ينهار، وأن بعضاً من وزراء "تشافيز" قد عادوا إلى القصر، وبعد يوم شاق مع الشعور بضياع الامل، عادت الجماهير لكى تقاتل من جديد، وفى الاقاليم، وكما روى عبر الاعلام وهو غير محايد بطبيعته، لم تكن هناك جملة سوى" فليتوجه الجميع إلى فلوريس"، وبالفعل خرج الناس من منازلهم وإحتشدوا فى السيارات والحافلات، ومنهم من مشى عدة كيلومترات، ويذكر أحد شهود العيان فى الايكونومست:" كان أشبه بنهر بشرى ينحدر من سفوح الجبال".
ولم تعد الشرطة التى تسيطر عليها المعارضة تستخدم العنف وأعمال القمع بعد أن بدت الامور تسير فى الإتجاه العكسى لما هو مرسوم تماماً بهذا الهجوم الجارف لأنصار "تشافيز".
وفى ماراكاى، تولى الجنرال"رؤول إيسياس بادويل" قائد الوحدة العسكرية، وهو من أشد الموالين "لتشافيز"، مهمة الإتصال المكثف بالقادة المخلصين لنظام "تشافيز"، بمن فيهم العقيد "جيسوس ديل فالى موراو كاردونا" الذى كان قائد حرس الشرف فى"ميرا فلوريس" بعد أن تولى كارمونا السلطة، وكان الجنود التابعون "لمروا كاردونا" متمركزين فى أحد الثكنات العسكرية التى لا تبعد كثيراً عن القصر الجمهورى. تقدم جنود "موراو" عبر الانفاق المحفورة تحت الارض وإندفعوا نحو القصر بغية القبض على "كارمونا" وحلفائه؛ بيد أن سيطرة جنود "موروا" على القصر قد تزامنت مع نجاح "كارمونا" و"مولينا تامايو" و"لاميدا" من الهرب إلى "فورت تيونا" طلباً لحماية الجيش.
وفى نفس الوقت الذى كان يهم فيه "كارمونا" للهروب من القصر، دعا بعض العسكريين المنشقين بقيادة "إفريان فاسكويز فيلاسكو" والذى تجاهله"كارمونا" تماماً فى توزيع المناصب، على الرغم من كونه قائد الجيش وواحد من أهم الاشخاص المناوئة "لتشافيز" وحكومته. كان الهدف الرئيسى للاجتماع والذى تم فى"فورت تيونا" فى نفس لحظة هروب كارمونا وأعوانه هو مناقشة الحقيقة!! ومعرفة ما الذى يحدث فعلاً!! بعد أن بدأ الشك يتسرب إلى قلوب صغار الضباط، وقد تسرب فعلاً إلى بعضهم من قبل عقد هذا الاجتماع، وعدم إقتناعهم بتنحى "تشافيز"، وعدم إقتناعهم كذلك بما نسبته المعارضة إليه من تسببه فى بحور الدم فى كاراكاس. تزامن هذا الشك، وبلا شك، مع إستياء غالبية الضباط، بل المعارضين منهم "لتشافيز" من قيام "كارمونا" بحل المؤسسات الديموقراطية وتعطيل الدستور وتنصيب نفسه حاكماً أوحد للبلاد، وهو الامر الذى أعلن عن الإرتداد إلى الخلف سنوات وسنوات نحو الديكتاتورية.
بدت المحاولة الانقلابية فى ضوء تلك الاوضاع التى إختلت معها جميع الحسابات والتوازنات، كمحاولة فاشلة لاقصاء رئيس البلاد المنتَخب، ومن ثم صار القبض على "كارمونا" وعلى قادة الإنقلاب الاخرين من الامور الواجب فعلها. وبالفعل توجهت القوات التى بدت تهيمن على المشهد تماماً إلى "فورت تيونا" وقامت بإلقاء القبض على "كارمونا"، و" مولينا تامايو" ، وآخرين من قادة الانقلاب. ومع القبض على "بيدرو كارمونا"، وغياب الرئيس الفعلى للبلاد، وبدون مبرر سوى تذكرة الجميع بوجود دستور وقانون يحكمان الاجراءات الدستورية وينظمان السياسة العامة وليس الانقلابات المغتصبة للسلطة، فقد رغب وزراء "تشافيز" فى إعادة تفعيل الحكومة الشرعية، الامر الذى يعنى قيام "ديو زدادو كابيلو" نائب الرئيس، بأداء اليمين الدستورية كرئيس شرعى جديد للبلاد. وهو ما تم فعلياً فى الساعة العاشرة مساءً من يوم 13/4/2002. وأصبح "كابيلو" رئيساً لفنزويلا البوليفارية، حتى يعود الرئيس!! وفى نفس الوقت وفى ماراكاى، كان يجرى الاعداد لخطة لانقاذ "تشافيز".
وبحلول مساء السبت عرف "بادويل"وضباط موالون آخرون بأن المتمردين يحتجزون "تشافيز" فى مقاطعة "لا أورشيلا"، فكان القرار بالاعداد لمهمة إعادته إلى العاصمة بقيادة الجنرال"على أوزكاتيجوى دوكوى" وأطلقوا عليها إسم عملية "إنقاذ الكرامة الوطنية". أقلعت ثلاث طوافات إلى" لا أورشيلا" على متنها فريق من الكوماندوز، وبعض كبار رجال الجيش أنصار "تشافيز" وما أن حطت الطوافات على أرض "لا أورشيلا" إلا وبدت العملية. عملية إنقاذ الكرامة الوطنية وكأنها إنتهت بنجاح، دون أى معركة أو أدنى مقاومة.
ويحكى "بارت جونز" مشهد رجوع الرئيس إلى القصر الجمهورى رئيساً شرعياً لفنزويلا البوليفارية، بقوله: ". . . . فعندما وصل " الجنرال على" وفريقه، أصيب "تشافيز" بالذهول. تعانقوا، وبكى العديد من فريق الإنقاذ. لم يتحدث "تشافيز" كثيراً . أقلعت الطوافات متجهة إلى كاراكاس . . . . . ومع دخول الطائرات المجال الجوى لكاراكاس، رأى الرئيس أعمدة الدخان ترتفع من كاتيا ومن الاقاليم الأخرى. سأل مرافقيه عما كان يجرى. شعر بالقلق من أن المدينة تشتعل كما حصل فى بوجوتا فى العام 1948، عندما اغتيل الزعيم السياسى الشعبى"جورج جايتان"، مما أطلق موجة من أعمال الشغب الدموية أدت فى وقت لاحق إلى إندلاع حرب أهلية لا تزال مستعرة إلى الان. وفى كاراكاس، كان الالاف من مناصرى تشافيز الغاضبين ينهبون المتاجر التى أُضرمت النيران فى بعضها. . . لقد بدا المشهد سريالياً لحفلة موسيقية لبينك فلويد. غنت الحشود: لقد عاد، لقد عاد. وتعانق الناس وبكوا ورقصوا. حطت الطوافات عند الساعة 2,45 بعد منتصف الليل، ترجل "تشافيز" مرتدياً سترة جلدية قصيرة وحذاءً رياضياً. بدا عليه التعب الشديد. إلتفت مجموعة كبيرة من الجنود والحلفاء حوله فيما كان يمشى بعيداً عن مهبط الطوافات، ثم وصل إلى سلم يؤدى إلى باحات القصر التى صارت تعج الان بالمناصرين. إرتسمت على وجهه إبتسامة عريضة ورفع يده اليسرى فى الهواء. إلتهبت حماسة الحشود فكانوا يغنون ويرقصو، صلى بعضهم، وسقط آخرون مغشياً عليهم؛ كانوا فى حالة من الانفعال الشديد. بدا كما لو أن "تشافيز" بُعث من الموت" (3). ولقد ألقى "تشافيز" خطاباً بعد مضى ساعة من وصوله، كانت كلماته الاولى:" دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وما للشعب للشعب . . . . كنت واثقاً، كنت واثقاً تماماً بأننا سنعود. لكنى لم أعتقد بأن عودتى ستكون سريعة إلى هذا الحد".
أسئلة منهجية لا تحتاج إجابة، إنما طريقة إجابة.
فى يومين إذاً إنتهت أحداث الانقلاب، ولكن تظل هناك بعض التساؤلات، والتى لا يعنينا، بحكم مذهبنا الفكرى، تقديم إجابة عليها، بقدر ما يعنينا تحديد معالم الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله إلى تقديم الاجابة على هذه الأسئلة أو غيرها، ومن ثم فأسئلتنا المنهجية لا نطرحها من أجل إجابة، وإنما من أجل طريقة إجابة، إذ من أجل ذلك كانت أطروحتنا التى نطمح إلى تعميمها، كما قلنا سلفاً، بإستخدام منهجها (الذى يتركب من حزمة من الخطوات الفكرية كما سنرى) فى درس كُل الاحداث المضطربة والوقائع المرتبكة (إضرابات، إنقلابات، حروب أهلية، مجاعات، إبادة جماعية،......) على الصعيد العالمى بوجه عام، وعلى الصعيد القارى، وهو ما ننشغل به، تحديداً فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية بوجه خاص. نقول تظل بعض التساؤلات التى يمكن تلخيصها فى:
- مَن الذى خطط للانقلاب؟ ومَن الذى نفذه؟ ومن الذى أجهضه؟
- ولماذا؟
- ولماذا رحبت الولايات المتحدة الامريكية، والاتحاد الاوربى، الدائر فى فلكها، بعد غزوه فكرياً وإقتصادياً وثقافياً، بهذا الانقلاب على لسان "آزنار"، ممثل أوروبا آنذاك؟
- بل ولماذا تورطت الولايات المتحدة الامريكية، كما أُعلن، فى هذا الانقلاب؟ إذ أكدت المصادر، والمصادر الرسمية الفنزويلية بوجه خاص، على تورط كُل مِن: "جيمس روجرز"، و"رونالد ماك كامون"، وهما، كما قيل، من قادة الجيش الامريكى فى تدبير الانقلاب منذ التحضير له وحتى تنفيذه، إذ كانا متواجدين فى"فورت تيونا" ساعة الانقلاب. وقد رفض"جون لو" الناطق الرسمى بإسم الخارجية الامريكية فى كاراكاس الحديث عن هذا التورط؛ متحججاً بإنشغاله فى إجتماع بمكتبه!!
كما أن نبرة التصاريح الامريكية بوجه عام ، عقب فشل الانقلاب، لم تتمكن من الاستمرار طويلاً فى ستر إستيائها الشديد من هذا الفشل؛ إذ أعلن "بوش" الابن، الرئيس الامريكى آنذاك، فى إجتماعه مع "باسترانا" فى 18/4/2002، "أن "تشافيز" يجب عليه أن يتعلم مما حدث، ويستوعب الدرس جيدا" كما صرحت "كوندوليزا ريس"، مسئولة الامن القومى فى تلك الفترة، بأن :" واشنطن تأمل فى أن يستثمر تشافيز الفرصة لتعديل سير سفينته، التى سارت، وبصراحة كاملة، بإتجاه خاطىء"
وإزاء الشكوك التى تضاعفت أثر تراخى الادارة الامريكية فى إعلان إدانتها الفورية للانقلاب، فقد طلب السناتور "كريستوفر دود" رئيس أحد لجان مجلس الشيوخ، والمنتقد الدائم للسياسات الامريكية فى أمريكا اللاتينية، بسرعة إجراء تحقيق عاجل فى هذا التورط.
ولعل تلك التساؤلات، الاولية بطبيعة حالها، تثيرنا ذهنياً كى نكون الوعى بنظام مؤسسة الحكم فى فنزويلا، فلابد لتناول الاسئلة المطروحة من القيام برصد الاحداث بداخل فنزويلا، وطبيعة تعامل مؤسسة الحكم معها، وذلك من خلال فحص أحداث العشر سنوات الماضية (2000 - 2010)بالتركيز وتسليط الضوء على الفترة (الحرجة والحساسة) التى تشكلت معها المعالم الحقيقية والواضحة كذلك لمؤسسة الحكم بقيادة "هوجو تشافيز"، وهى الفترة من (12/4/2002 وحتى 3/2/2003) أى بداية من الانقلاب وحتى إعلان إنتهاء حالة الاضراب واللجوء إلى مائدة المفاوضات وجمع التوقيعات.
خطوتنا الفكرية الاولى إذاً إنما تنشغل بالتعرف على معالم وخصائص ومحددات نظام الحكم فى فنزويلا بقيادة "هوجو تشافيز" منذ تغلبه على منافسته "آيرين ساييز" ملكة جمال العالم السابقة، ورئيسة بلدية أغنى منطقة فى العاصمة والموطن المفضل للبعثات الدبلوماسية، وهى مقاطعة "جليتزى تساكاو". نقول بعد تغلبه على "آيرين ساييز" فى الانتخابات التى أجريت فى 6/12/1998(بعد ست سنوات من الانقلاب الفاشل الذى قاده تشافيز هذه المرة على "كارلوس إندرياس بيريز" أثناء حضور الاخير مؤتمر دافوس) وفوزه بواقع (56,2%) والتى بلغت (56,92%) فى إنتخابات الاعادة فى 30/7/2000، وهو الفوز الذى أعلن فى نفس الوقت إنتهاء إحتكار السلطة من قبل الحزبين الكبيرين:
الاول: حزب العمل الديموقراطى (AD) والذى تأسس فى عام 1946، وإنفرد بالسلطة خمس مرات، منذ "روميليو بتانكو" فى الفترة من 1959 إلى 1964، وحتى "كارلوس بيريز" فى الفترة من 1988 إلى 1993 للمرة الثانية.
أما الحزب الثانى: فهو الحزب المسيحى الاجتماعى (COPEI) والذى إنفرد كذلك بالسلطة فى الفترة من 1969 إلى 1974، ومن 1994 إلى 1998. حيث تولى مؤسس الحزب الديمقراطى المسيحى"رفائيل كولديرا" رئاسة فنزويلا خلال فترتين كانت الأولى من 1969 إلى 1974 وكانت الثانية من 1994 إلى 1998.
كذلك يمكن القول بأن فوز "هوجو تشافيز" ممثلاً لحركة الجمهورية الخامسة (MVR) التى كونها كى تُعبر عن الحركة الثورية البوليفارية، قد صاحبه تهميش باقى التيارات السياسية الأخرى، كالحركة نحو الاشتراكية (MAS) الذى تحول إلى حزب شيوعى(غرب/مركزى)بعد خلاف أيدلوجى مع موسكو، وحزب العدالة أولاً (PJ) الذى يُعد من أشد الحركات المعارضة لحركة الجمهورية الخامسة، وكذلك تحييّد حزب الوطن للجميع(PPT) المنشق على "تشافيز" .
وتثور هنا أهمية منهجية تتعلق بضرورة تكوين الوعى حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة حين تَسلَم تشافيز السلطة. أى التعرف على فنزويلا قبل "تشافيز"؛ إذ تُُعتبر فنزويلا، وكما سنرى بمزيد من التفصيل، مِن أغنى دول العالم فى النفط، وطبقاً لأرجح الارقام، تُقدر إحتياطياتها النفطية بـ78 مليار برميل من النفط الخام، فهى بذلك تحتل المرتبة الخامسة من حيث إمتلاك أكبر إحتياطى نفطى فى العالم. ونسبة الغاز من هذا الاحتياطى هى 30%، ولذلك تمتلك فنزويلا أكبر احتياطى للغاز على مستوى أميركا. وقد بلغت عائدات الشركة عام 2001 مبلغ 6.2 مليارات دولار. ويضمن النفط أكثر من 75% من عائدات فنزويلا.
الفساد
إلا أن هذه الارقام الكبيرة، وكما سنرى عبر مراحلنا الفكرية، لم تعط نتيجة تنموية على أرض الواقع يمكن ذكرها، إذ وفقاً لأرجح ومعظم التحليلات؛ ففنزويلا كأحد أجزاء الاقتصاد الرأسمالى الدولى المتخلف، كغيرها من دول الأجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر؛ ظلت، تتميز بالفساد السياسى والادارى، وظل إنعدام العدالة فى توزيع ثروات البلاد بارزاً. وتظهر بعض مؤشرات الفساد فى فنزويلا فى:
- الديمقراطية كانت تعنى، فى كاراكاس، قيام الساسة بحماية مصالح النخب، فبالاضافة إلى السيطرة على الميزانية الوطنية، كان الرئيس وحزبه (وسيكون بالطبع واحد من الحزبين المهيمنين (AD) أو (COPEI)) يعينان حكام الولايات، ويتحكمون فى جميع المناصب من أعلاها إلى رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية فى القرى الصغيرة. الديموقراطية كانت تعنى حكم النخب ورجال المال والنفط.
- لم يكن أعضاء البرلمان يُنتخبون حسب الاسم أو المقاطعة، وإنما كان الناخبون يَختارون لا ئحة يضعها الحزب، كما لم يكن بالامكان محاسبة أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ من قِبل الشعب، والذين كانوا فى الاغلب الاعم لا يعرفون أسماء ممثليهم.
- كان الحزب الحاكم ينتقى بنفسه أعضاء المحكمة العليا، والتى لن تحكم ضد مصالح الحزب، وكما كان الحزب كذلك يختار سائر أعضاء الهيئات القضائية، الامر الذى يعنى إستشراء الفساد القضائى.
- لم يتوقف التدنى والفساد إلى ذلك الحد بل إستشرت الوساطة والمحسوبية وبيع الوظائف العامة لمن يدفع دولارات أكثر، فقط المهم الوصول إلى أحد المسئولين فى الحزب الحاكم وسداد المبلغ المطلوب، وفى غضون أيام قليلة يكون المنصب فى إستقبال جنرال جديد، ومن ثم يصبح الطريق معبداًً نحو النهب والاختلاس وتبديد الثروة. يمكن بسهولة مقارنة ذلك بما يحدث فى السودان وباقى بلدان الاجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى المعاصر.
- تَملُُك نسبة 10% من السكان 60% من ثروات البلاد بينما لا تَملُك نسبة الـ10% الأكثر فقراًً من السكان سوى 1.6% من هذه الثروة.
- نحو بين 23,000 سجين هو العدد الاجمالى للسجناء فى فنزويلا، خضع 9,700 سجين فقط للمحاكمة.
- تقع نسبة 40% تقريباً من السكان تحت خط الفقر.
- توجد نسبة 60 % من الاراضى الصالحة للزراعة تحت سيطرة 2% من كبار ملاك الأراضى.
- يتقاضى كبار المسؤولين السابقين فى شركة نفط فنزويلا "بتروليوس دى فنزويلا"( PDVSA) مِن 20 إلى 50 ألف دولار شهرياً تضاف إليها تكاليف مأموريات السفر وغيرها من العلاوات. وتهيمن النُخب السياسية على إدارتها.
- تُهيمن الطبقة الاوليجارشية على مصادر البلاد الاقتصادية، والطبقة الاوليجارشية هى القلة المسيطرة على الثروات، التى تتصف بالفساد وإتباع طرق غير مشروعة لإحكام سيطرتها على ثروات الدولة.
- أضف إلى كُل ذلك ما حدث من تهريب نحو 90 مليار دولار (تقريباً ضعف دين فنزويلا الخارجى) إلى الخارج، وخاصة إلى ولاية فلوريدا الاميركية حيث يُوجد كبار الاثرياء الذين لجؤوا إليها على مدار السنين.
ويمكن فى هذا الشأن، شأن الفساد المنتشر فى فنزويلا، إستعراض مجموعة هائلة من الارقام الدالة والتى تشير وبقوة إلى كون فنزويلا لا تختلف فى أى شىء عن باقى بلدان الاجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، فى الفساد بدءً من الفساد على الصعيد الادارى وإنتهاءً بالفساد على صعيد مؤسسة الحكم نفسها، ومن ثم سيكون مشروعاً التساؤل عما إذ ما كانت الاحوال تبدلت عقب تولى الحركة البوليفارية السلطة بقيادة شافيز؟ أم تحول الحال من فساد رأس المال، إلى فساد من نوع آخر فى السلطة؟ من الأفضل أن نتعرف أولاً على فنزويلا قبل "تشافيز".
المطلب الثانى: فنزويلا البوليفارية قبل تشافيز
فنزويلا قبل تشافيز
تسلم "هوجو تشافيز" رئاسة البلاد من الرئيس السابق "كارلوس أندرياس بيريز" ، والذى صاحب مراسم توليته إبتهاج شعبى جارف، فقد فاز فى الانتخابات الرئاسية لعام 1988 بشكل كاسح، وبدا إنتخابه كأنه إستغاثة من الشعب الذى قهره المرض والجوع والفقر، وفى المقابل يوجد نفط لا يستفيد منه سوى النخب، ولا يغتنى منه إلا الاغنياء، فقد كان ملايين الفنزويليين يأملون فى عودة الايام الأولى من السبعينات، وكانت أيام جيدة بطبيعة حالها، والتى كان فيها كذلك "كارلوس أندرياس بيريز" رئيساً منتخباً فى أول إنتخابات رئاسية ديمقراطية منذ عام 1958. فلنتعرف على"كارلوس أندرياس بيريز" .
فمن هو كارلوس أندرياس بيريز ؟
ولد فى 27/10/1922، وتوفى فى 25/12/2010. تسلم فنزويلا من "لوسينتشى" الرئيس الاسبق الذى بدد الاحتياطات الاجنبية من أجل خدمة الدين التى بلغت مبالغ مروعة، وقد دخل "بيريز" عالم السياسة فى سن مبكرة، وأصبح وهو فى سن الثالثة والعشرين سكرتيراً "لروميلو بيتانكورت" ثم هرب من البلد فى 1949 وظل فى المنفى لمدة تسع سنوات بعد تولى الجنرال "ماركوس بيريز جيميز" الحكم، ثم عاد كى يصبح وزيراً للداخلية فى بداية الستينات عندما أصبح "بيتانكورت" رئيساً للبلاد، وظل فى فنزويلا يسعى إلى تكوين قاعدة شعبية عريضة تمكنه من خوض إنتخابات الرئاسة، وبالفعل تمكن من تحقيق ذلك عبر عشرين عاماً، تعاقب فيها ثلاثة رؤساء على حكم البلاد (روميلو بتانكور، راؤل ليونى، رفائيل كلديرا )إلى أن أعلن عن فوزه الكاسح بالحكم فى 1974 وبقائه حتى 1979.
قام"كارلوس أندرياس بيريز" بتأميم النفط، فى زمن السبعينات الذى كان يسمح بذلك تماماًً، كما أقام علاقات دبلوماسية مع كوبا، ويروى أنه قام بالضغط على الكونجرس الامريكى، من خلال النفط، من أجل تسليم السيطرة على قناة بنما إلى بنما، كما زود الساندينيين(4) بالسلاح عندما كان نظام "ساموزا" المدعوم بقوة من الولايات المتحدة الامريكية يترنح فى أيامه الأخيرة.
ومن خلال السى أى آيه إنتهت رئاسة "بيريز"، والذى كان محاطاً بمجموعة لا بأس بها من رجال المال والنُخب، بفضيحة كبرى عندما تم إتهامه بتلقيه مبالغ مالية على سبيل الرشوة فى عملية شراء فرقاطة عسكرية Sierra Nevada بضعف قيمتها الحقيقية، ومن ثم إهدار المال العام الناضب بالاساس، وإعطائها لبوليفيا التى كانت واقعة تحت حصار شديد، فعاقبته اللجنة المعنية بالمسائل الاخلاقية فى حزبه(العمل الديمقراطى) وبلغت الأمور حد إصدار اللجنة توصيتها بطرد "كارلوس أندرياس بيريز" من الحزب"؛ ولكن بعض الضغوط التى مارسها بعض كبار رجال المال والاعمال فى الحزب حالت دون إمضاء التوصية بطرده من الحزب. فمن مصلحة رجال رأس المال بقاء "كارلوس" فى الحزب، وبصفة خاصة وأنه على رباط وثيق برجالات البيزنس ودوائر المال، ومن ثم تم التغاضى عن جزاء الطرد، ومرت السنين وبدا كل ما حدث ونُسب إلى "بيريز" من فساد وإهدار الاموال العامة والتربح وكأنه صار طى النسيان كما تغاضى الشعب له أيضاً عن حسابه المصرفى الكبير الذى تمكن من تكوينه بطرق لا يشك أحد فى كونها نتيجة فساد سياسى على أعلى مستوى. . . أصبح ذلك كله طى النسيان عندما سقطت فنزويلا فى مستنقع إقتصادى عميق، ووجد الناس فى "بيريز" المنقذ المحتَمل، وبصفة خاصة وأن تجربتهم السابقة معه لم تكن بالتجربة السيئة والتى بدت، آنذاك، وكأنها خطوات نحو التنمية وإن كانت بطيئة نوعاً ما، وهكذا إكتسح "كارلوس بيريز" كمخلِص يملك أدوات الخروج من الازمة الطاحنة التى تمر بها البلاد على جميع الاصعدة، مختلف أنحاء البلد مثل الاعصار خلال حملته الانتخابية فى 1988 حيث مشى فى الاحياء الاشد فقراً وأطلق الوعود، وأقسم للجماهير أنه سوف يحقق الرخاء والرفاهية والخروج من مستنقع الازمة الاقتصادية العاصفة.
التتويج
أراد "بيريز" مع توحش ديون العالم الثالث، فى الثمانينات من القرن الماضى، وعلى وجه الخصوص فى دول أمريكا اللاتينية أن يقوم بدور مهم، أَعتقد أنه كان مؤهلاً له، هذا الدور هو وضع نفسه فى مركز المتحدث الرسمى عن تلك الاجزاء البائسة من العالم التى وقعت فريسة للديون الضارية التى لا فكاك منها فى ضوء تضخم زاحف، وإنفلات فى الأسعار مصاحب لإحتكار السلع الاساسية، وخلل هيكلى عميق فى موازين المدفوعات وموازين التجارة وإنخفاض أسعار النفط، وبمفهومنا الذى وضعناه للتخلف فإن "بيريز" أراد لعب دوراً بطولياً إلى حد ما فى ضوء هيمنة عملية ديناميكية متكاملة القوى والاطراف والعناصر مؤداها الارتفاع فى حجم إنتاج القيمة الزائدة المتناقض مع ضعف ألية إنتاجها وهو الأمر الذى يولد تناقضاً يجد حله فى تسرب ما يُنتَج منها فى الداخل إلى الخارج لتغذية كما ذكرنا أجزاءً متطورة ومعقدة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر. المهم أن بيريز كان فى تلك الاوقات هو مَن يجوب العالم من أجل قضية الديون التى تكبل بلدان العالم الثالث، وأعتقد أنه لم ينجح سوى فى تقديم نفسه كثائر قادم من قارة الثوار !!
أطلقت وسائل الإعلام على حفل إستلامه مقاليد الحكم فى فنزويلا (تتويجاً) حيث تضمنت قائمة الضيوف 24 رئيس دولة، وستة رؤساء سابقين من بينهم "جيمى كارتر" و" جوليوس نيرير" من ألمانيا، وخمسة وزراء نفط "أوبك" ومئات الشخصيات الرفيعة من مختلف أناء العالم.
وكان"فيدل كاسترو" من بين الرؤساء الحاضرين، كما أوفدت الولايات المتحدة "دان كوايل" فى أول زيارة دبلوماسية له بصفته نائباً للرئيس. كما حضر قادة "الكونترا" فى نيكاراجوا، ورئيس البلاد الساندينى "دانيال أورتيجا" معاً، على الرغم من كونهما فى حالة حرب.
لم يتخل "بيريز" طوال الايام الاولى من رئاسته، الأولى والثانية، عن نبرته الحادة الواثقة ضد رأس المال الاجنبى، وكان مناصباً صندوق النقد الدولى العداء على طول الخط، رافضاً سياساته التى كان يردد دوماً أنها سياسات إستعمارية ليس لها من هم سوى إبادة الشعوب الفقيرة أصلاً، وإن القائمين على إدارة الصندوق ما هم سوى رجال يقومون على تنفيذ تلك الابادة. فالصندوق بنظر "بيريز" هو قنبلة تهلك الشعب وتبيده ولا تترك سوى المبانى، وكانت تلك العبارات وأشباها لا تفارق "بيريز" أينما حل أو رحل.
إلا أن"بيريز" فى الوقت نفسه كان غاية فى التناقض، وله العذر عند بعض الاتجاهات، فقد كان يصب جام غضبه على صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فى الصباح ويراسلهما سراً فى المساء، بعد أن تأكد من أن خياراته باتت ضيقة جداً، بما مؤداه أن فنزويلا ستلتزم بشروطهما القاسية مقابل حصولها على قرض بالغ الضرورة، كما ذكر"بيريز" فى أحد مراسلاته الرسمية إلى صندوق النقد بقيمة 4,3 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات من تاريخ الاقراض، بما فيه مبلغ فورى بقيمة 1,5 مليار دولار.
كانت تلك الشروط القاسية جزءً مما كان يُعرف بإسم "إجماع واشنطن" والذى يعنى أن الدولة التى تُقدم على القرض تكون ملتزمة، وبصرامة، بتقليص دور الحكومة فى الاقتصاد، وتخفيض النفقات العامة والاعانات الحكومية، ورفع الضوابط الحكومية عن الأسعار، أى إطلاق قوانين العرض والطلب بلا أى رابط أو ضابط، والحد من البيروقراطية الحكومية، وخصخصة المشاريع المملوكة من قبل الدولة، وفتح الاقتصاد أمام الاستثمار الاجنبى بجميع أنواعه وأشكاله، وتعويم معدلات صرف العملة فى السوق الحرة، وتخفيض التعريفات الجمركية وتحرير الاقتصاد. تلك هى شروط الصندوق كى يمنح القرض للدول المتخلفة ((كى تصبح متقدمة!! )) مع أن الدول المتقدمة نفسها لا تقوم بعمل كل تلك الاجراءات دون ضوابط ودون تتدخل من قبل الدولة.
ضمت إدارة "بيريز" الجديدة وزيرين لوزارتين فى غاية الاهمية تم تدريبهم بعناية فائقة فى الولايات المتحدة الامريكية فى مدرسة السوق الحر، والعرض والطلب، والمنفعة الحدية. . . . من أجل تطبيق خطط صندوق النقد الدولى الذى لا يعرف سوى وصفات المدرسة النيوكلاسيكية كطريق أوحد للتنمية فى دول الأجزاء المتخلفة، الوزيران هما: "موسيس نعيم"، وزير التجارة والصناعة، و"ميشيل رودريجيز"، وزير التخطيط. وكان لهما الدور الرئيسى فى توجيه الاقتصاد الفنزويلى نحو إقتصاد السوق، من أجل، كما قيل، ترويض التضخم المفرط، ودفع النمو الإقتصادى، والتصدى للدين الخارجى!!
إجراءات تقشفية
فى 1989، قرر "بيريز" مجموعة من الإجراءات على صعيد الاقتصاد القومى، وكان تحرير الاثمان، ورفع يد الدولة عن التحكم فيها، وعدم تدخل الدولة للسيطرة على إنفلاتها، وإلغاء الدعم الحكومى للسلع الاساسية بل وتقرير رفع أثمانها إلى الضعف، وتعويم البوليفار بجعله حراً فى التبادل غير خاضع لسعر صرف محدد أمام الدولار الامريكى، وإستهداف حصيلة أعلى من الضرائب، والتى عادة ما تتحملها الشرائح الفقيرة من السكان وصغار الممولين بوجه عام، كان كل ذلك على سبيل المثال من لوازم الإذعان لشروط صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ولم يكن "بيريز" أو معاونيه ليهتموا بمدى مفاجأة الشعب وصدمه، دون سابق إنذار، بالاجراءات التقشفية الجديدة. ربما تجاهلاً للشعب أو جهلاً بما سوف يفضى إليه الحال.
ولقد كان إرتفاع أثمان البنزين(فى بلد تعوم فى النفط) سبباً أساسياً ومباشراً فى ثورة شعبية عارمة، ضد "بيريز" ومؤسسة حكمه، فقد أدى هذا الارتفاع فى أثمان البنزين(والذى خضع كسلعة لإعتبارات السوق كما طلب صندوق النقد الدولى) إلى تدهور القيمة الشرائية فى أجور سائقى الشاحنات، فعلى حين إرتفعت الأجور بنحو 30%، تم رفع ثمن اللتر الواح من البنزين بنسبة 100%. أدى ذلك، وبسرعة، إلى إحتجاجات هستيرية بلغت ما هو أبعد من الثورة إلى النهب والتخريب وإشعال النيران فى إطارات السيات بل والمبانى، والسطو على محلات المواد الغذائية والادوات المنزلية. وكان ذلك (دون تدخل من الشرطة) بمعرفة أفراد الشعب، وعلى وجه الخصوص الطبقة الفقيرة المعدمة، إذ أدى توقف الشاحنات عن النقل إلى توقف مصاحِب فى نقل السلع الغذائية الاساسية، والمواد التموينية، وأدى توقف النقل هذا بدوره إلى قيام كبار التجار وأصحاب المتاجر والمحلات بحبس السلع وتخزينها رغبة فى الربح الفاحش فى زمن الازمة!!
الثورة على إجراءات "بيريز" فعلاً كانت ثورة جياع بالمعنى الحرفى لكلمة جوع. الجدير بالاشارة إليه هو أن الاقتصاد الفنزويلى فى نفس الوقت التى إندلعت فيه الثورة وما صاحبها من مذابح مروعة، إنما كانت فنزويلا تحقق معدلات نمو مرتفعة(طبقاً لمعايير صندوق النقد الدولى) بيد أن التخلف يظهر هنا بمعانيه كافة، كما أن تسرب القيمة الزائدة يُزيح الستار عن نفسه بمنتهى الفجاجة، فكل ما تحقق من إرتفاع فى الدخول من عوائد النفط على سبيل التحديد كان يذهب للنُخب الغنية والمرتبطة مصالحها بمصالح كبار جنرالات الجيش، إذ تقوم فنزويلا، كدولة ريعية غير مُنتِجة إلا فيما ندر، بتصدير النفط ومشتقاته دون أدنى مساهمة، كما سنرى، فى أى مرحلة من مراحل تجارته، إلا فى مرحلة واحدة فقط هى مرحلة الاستهلاك!! أما المراحل الاخرى من إنتاج وتسويق ونقل وتوزيع فهى محل نظر، فالبنسبة للانتاج فهو يُنتَج لها بأدوات إنتاج(أجنبية المنشأ) وخبراء أجانب (أسبان، أمريكان، روس، . . . ) والتوزيع تحتكره شركات إمبريالية محددة تفرض هيمنتها على صعيد التجارة العالمية للنفط مثل "شل" و"إكسون موبل" وغيرهما من الشركات دولية النشاط القائمة، كما سنرى على إعتبارات التغلغل وبسط الهيمنة على الاجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى، وفنزويلا لا شك أحد تلك الأجزاء التى تتألف منها الصورة الكبيرة لنصف سكان الكوكب المريض والجائع والفقير. فالقيمة الزائدة التى تُنتج فى فنزويلا لا تُستخدم فى الداخل، وإنما تتسرب خارج الحدود من أجل الحصول على سلع إنتاجية وأخرى إستهلاكية منتَجة فى الاتحاد الاوروبى والولايات المتحدة، وبصفة خاصة الولايات المتحدة.
فلنعد إلى الثورة: كان رد الفعل من جانب "بيريز" على ثورة الشعب هو الاعلان عن تطبيق صارم لقانون الطوارىء، وحظر التجوال، وإصدار الاوامر للجيش بالنزول إلى الشارع وقصف كل شىء يتحرك على الارض. فكانت مجزرة دامت ثلاثة أيام من القمع والقهر والرعب، فقد كانت دبابات كبار جنرالات الجيش الموالين "لبيريز" تقتلع الرؤوس وتحصد الارواح، وقدرت الخسائر بنحو 15 مليار دولار، و277 قتيلا(طبقاً لإحصاء الحكومة) ولكن منظمات حقوق الانسان أعلنت أسماء الضحايا بالاسم فبلغ العدد 399 قتيلاً.كما تم الكشف عن مقابر جماعية، تضم 68 جثة مشوهة موضوعة فى الاكياس المخصصة للقمامة، ومعظمها مقطوع الأيدى والازرع والارجل حتى تتناسب مع حجم الكيس، كما وجدت مجموعات من الشباب أيديهم مقيدة من الخلف ورؤوسهم مصابة بأعيرة ناريةـ فبدا الوضع كحرب إبادة جماعية، لا تصدى لمظاهرة شعب نهبه وجوعه حكامه!!
لم يتمكن "تشافيز" من المشاركة فى الثورة على "بيريز" مع أى جبهة من الجبهات المتصارعة الجيش بحكم موقعه المهنى، أو الشعب إذ ما إتيحت له فرصة الاختيار، فقد كان مصاباً بالجدرى. بيد أن مذبحة كاراكاس مثلت له ولمئات الألاف من الفنزويليين صدمة فى غاية القوة، وأعلنت عن قرب نهاية النظام الحاكم بقيادة "بيريز"، كما شكلت تلك المذبحة نقطة تحول فى تاريخ الحركة البوليفارية "لهوجو تشافيز" حيث عملت على تقوية عزيمة المتمردين وإصرارهم على قلب نظام كانوا يعتبرونه سلفاً فاسداً وشريراً.
وبالنسبة "لتشافيز" فقد فقدت حركته واحد من أربعة رجال هم نواة الحركة البوليفارية التى تأسست بقيادة "تشافيز" فى 1982، إذ قتل "فيليب أكوستا كارلوس" فى المذبحة.
الرئيس"بيريز" نفسه أشار إلى حادثة مقتل "أكوستا كارلس" وأعلن حزنه الشديد، وأرجع السبب الرئيسى للعنف الذى بدأت به مجموعة من الراديكاليين غير المسؤلين الذين أشعلوا فتيل الاضطرابات، غير أن الناس ومن بينهم"تشافيز" كانوا على قناعة تامة بأن الحكومة كانت وراء مقتله، إذ إنهم كانوا يظنون بأن الامن السياسى كان على عِلم باشتراك "أكوستا كارلوس" فى المؤامرة البوليفارية، فإستغل الفوضى الحاصلة وقتله؛ ظاناً بأن المسؤولية ستلقى على عاتق المحتجين.
صار من المؤكد الان أن النظام الحاكم لن يتمكن من الاستمرار فى حكم الشعب أكثر من ذلك وأن مدة صلاحيته قد إنتهت حتى من قبل مذبحة كاراكاس البشعة، إذ أمسى نظاماً فاسداً لا هم لديه سوى حماية مصالح النُخب وجنرالات النفط. فحدث فى 1992 تعديل طفيف ولكنه هام وذو دلالة، فلم يكن التحرك هذه المرة من الشعب المعزز بالجيش، بل العكس فقد بادر الجيش بالتحرك وإنضم إليه الشعب، وتم وضع ثلاث خطط للاطاحة بالرئيس "ببيريز" أثناء حضوره مؤتمر المنتدى الاقتصادى العالمى المنعقد فى سويسرا، هدفت الخطط الثلاث إلى إحكام السيطرة على "بيريز" منذ وصوله مطار كاراكاس، ومروراً بموكبه حتى"ميرافلوريس" وإنتهاءً "بميرافلوريس" نفسه.
بيد أن الخطط الثلاث كان مصيرها الفشل، على الرغم من النجاح الذى تحقق على صعيد فرض السيطرة على بعض المناطق والوحدات العسكرية الاخرى وإعلان أفرادها التمرد، وفرار "بيريز" بأعجوبة من أيدى المتمردين، وكان الفشل مرجعه الاساسى، كما شرح "تشافيز" فيما بعد، إلى تمكن القوات الموالية للرئيس"بيريز" من قطع الاتصالات عن المجموعات المتمردة، وكانت النتيجة القبض على "تشافيز" نفسه ، ومجموعات أخرى من عناصر التمرد.
ويمكن القول بأن "هوجو تشافيز" قد كُتبت له شهادة ميلاد جديدة حين تم إلقاء القبض عليه، فلم يكن معروفاً من قبل لدى رجل الشارع البسيط، ولا لدى القادة الحكوميين، فحينما تم إلقاء القبض عليه لم تكن المجموعات الثائرة تُسيطر على العديد من الوحدات العسكرية ، وإن تمكنت من بسط سيطرتها الكاملة على مدينة النفط العالمية ماراكيبو بقيادة "أرياس كارديناس"، الامر الذى وجد "تشافيز" معه فرصة ذهبية كى يظهر على الرأى العام، وبصفة خاصة وأن الانقلاب قد فشل ولم تعد المسألة سوى مسألة وقت حتى تتساقط باقى المجموعات، وإما مذبحة كاراكاس أخرى، فعرض "تشافيز" على الحكومة أن يطلب من باقى المتمردين التسليم من خلال البث التليفزيونى، وبالفعل سُمِح له بذلك فكان الموقف تقريباً كما أراد "تشافيز" فعلى الرغم من فشل الانقلاب إلا أن مكاسباً أخرى قد حققتها الحركة الثورية البوليفارية على أرض الواقع؛ فقد إكتسب "تشافيز"وحركته الاحترام والتعاطف فى نفس الوقت وأصبح من القادة الشعبيين الذين سوف يتوسم فيه الفقراء فيما بعد خلاصاً من القهر والمرض والجوع. قبض على "تشافيز" وتم سجنه، ولم يتم الافراج عنه إلا بعد عامين من إعتقاله كما سنرى بعد قليل.
لقد بات الوضع فى الشارع الفنزويلى يشير إلى تغيير حتمى، وبصفة خاصة وأن الحزب الذى ينتمى إليه "بيريز" أخذ نفسه يتجه نحو الهاوية، إذ صار من المؤكد أن"بيريز"ما هو سوى أداة طيعة للنُخب وجنرالات النفط والدم، وانه جلاد يقود البلاد إلى الخراب. الامر الذى بشر بالنهاية السياسية "لبيريز" قبل الموعد المقرر للانتخابات، وفى الوقت نفسه إستغل الرئيس الأسبق "رافائيل كالديرا" الوضع المتردى والغضب العارم الذى لن يطفئه سوى رحيل "بيريز" بل ومحاكمته، وهو ما تم فعلاً فى 1993، حينما أقرت المحكمة العليا بمحاكمة "بيريز" ومعه مجموعة من الوزراء الذين أمعنوا فى نهب البلاد وإستنزاف مواردها، ومن ضمن جرائمهم، وفقاً لرواية "خوزيه رانجل" أن "بيريز" قام بسحب 250 مليون بوليفار من حساب مصرفى سرى مخصص للأمن القومى بعد أيام قليلة من تأديته القسم الرئاسى خلال حفلة تتويجه فى 1989، ثم حول المبلغ إلى 17,2 مليون دولار، وبعد أسبوعين، وبعد أن قامت الحكومة بتخفيض قيمة البوليفار بنسبة 88% كأحد الاجراءات التى طلبها صندوق النقد، وأدت إلى أحداث المجزرة فى كاراكاس، فقد قام "بيريز" وأعوانه بتحويل الدولارات مرة ثانية إلى العملة الوطنية على أساس من تلك النسبة المرتفعة الجديدة، محققين ربحاً(مضاربياً) صافياً بلغ حدود العشرة مليون دولار امريكى.
فى ضوء تلك الاوضاع المرتبكة قام"رافائيل كالديرا"بإعادة تقديم نفسه كمنقذ للشعب من المستنقعات التى قذف "بيريز" بداخلها فنزويلا دون رحمة. بيد أنه، أى كالديرا، فى الواقع قد تلقى تركة ثقيلة من سلفه"بيريز" فلم تزل الذكريات المريرة للمذبحة تحتفظ بوجودها وبكل قوة فى عقول وقلوب الجماهير الغفيرة، كما كانت الاجراءات التقشفية تعتصر الغالبية العظمى، ومعنى الاقتراب من تلك الاجراءات التقشفية فى محاولة لتحسين الاوضاع المعيشية، هو إنهيار كامل يتبع غضب صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، أضف إلى ذلك تلك الازمة الضخمة التى تمثلت فى إفلاس بنك هو الاكبر فى البلاد وهو "بانكو لاتينو" والذى مثل أحد نماذج الفساد فى عهد الرئيس"بيريز" فقد كان المديرون التنفيذيون إما تابعين كلية له، وإما لعائلة "سيسنيروس" إمبراطور الاعلام فى فنزويلا، وواحد من أغنى أغنياء العالم. إستصحب وقوع "بانكو لاتينو" حدوث أكبر إنهيار مصرفى عرفته أمريكا اللاتينية فى تلك الفترة، وربما عبر تاريخها.
تسلم "كالديرا" الحكم فى 1993 بعد إنتخابات عبرت عن حجم جماهيريته الكاسحة والتى تعكس مدى رغبة الجماهير فى الخلاص من الحكم بالحديد والنار، والتلهف على عدالة إجتماعية، وقد ظنوا أن بإمكان "كالديرا" تحقيقها؛ بيد أن الوهم، كالعادة، كان حليف الجماهير الغفيرة مع الرئيس الجديد، فلقد بدا "كالديرا" عاجزاً تماماً عن التعامل مع تلك الازمات المتفاقمة، إذ أن سلسلة الخطط الاقتصادية المتغيرة بإستمرار، وكان عددها 8 خطط، لم تنجح فى التخفيف من حدة المأزق الاقتصادى، بل إزدادت الاوضاع سوء، فإرتفع التضخم بنسبة 71% فى العام 1994 و57 %فى العام 1995، وهما النسبتان الاعلى فى القارة بأكملها، وفى 1996 فعل "كالديرا" ما كان السبب الرئيسى فى تأجج الثورات ضد سلفه؛ إذ أعاد عقد نفس الصفقات مع صندوق النقد الدولى، ومن ثم نفس الاجراءات، فكانت الاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات فى كل مكان فى البلاد، ونفس الحالة من حالات الفوضى التى سبق وأن عاشتها فنزويلا مراراً أتت مرة أخرى كى تغلق المحال والمنشأت والمصانع والمدارس. وفى تلك اللحظات المرتبكة والحرجة كان "هوجو تشافيز" يعد نفسه لإنقاذ فنزويلا.
تلك، وبإختصار، الاوضاع والاحوال التى عاشتها فنزويلا ولم تزل، والتى تسلم "تشافيز"من خلالها السلطة، الأمر الذى يقودنا إلى خطوتنا الفكرية الأولى المتعلقة بتكوين الوعى حول نظام مؤسسة الحكم فى فنزويلا بقيادة "هوجو تشافيز"، والكيفية التى تعاملت بها تلك المؤسسة مع مظاهر الفساد السياسى والادارى التى إجتاحت فنزويلا، وهو الامر الذى نعالجه فى المبحث التالى، ولكن دون أن ننسى أننا نسعى للاجابة، بالأدق لطريقة إجابة، على التساؤلات المعنية بالانقلاب ومن الذى قاده، وما هو دور الولايات المتحدة فى هذا الشأن. وهذا كله بالطبع بداخل المنهج المقترح لدراسة الاقتصاد السياسى للتخلف.
المبحث الثانى : الاحداث المرتبكة
إن الوعى(5)بنظام مؤسسة الحكم الفنزويلية بقيادة "هوجو تشافيز"، يمكن تحقيقه من خلال رصد المعالم الهامة والبارزة، والتى تعكس بالتبعية مظاهر الحركة الثورية البوليفارية، ممثَلة فى حركة الجمهورية الخامسة التى كونها "تشافيز" كرد فعل إجتماعى لحالة الفساد التى سادت مُجمل الاحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى البلاد.
تغييرات جذرية
بدأ "تشافيز" ولايته الرئاسية بما لا يمكن توقعه من مؤيديه قبل أعداءه؛ إذ فى اليوم المحدد لأدائه القسم الرئاسى، وأمام سياسيين من شتى دول العالم، وكان منهم بالطبع "فيدل كاسترو" وأمام الملايين من الفنزويليين عبر شاشات التليفزيون، قام "تشافيز" بوضع يده على الدستور، وقرر أمام العالم بأسره أنه يقسم أمام شعبه أنه لن يحترم هذا الدستور المحتضر، وإنه سوف يضع دستوراً جديداً يكتبه الشعب بيده، من أجل الاجيال القادمة.
كما قام بالمطالبة بحل المحكمة العليا التى كانت تفوح منها رائحة الفساد إذ كان ربع قضاة المحكمة العليا فقط يشغلون مناصب دائمة، أما البقية فكان من السهل جداً عزلهم بقرار سياسى، الامر الذى جعل القضاء أحد أدوات السلطة التنفيذية الرئيسية والتى تستخدمها مؤسسة الحكم ورجال الاعمال فى سبيل تحقيق مصالحهم على حساب الجماهير الغفيرة.ولم يتوقف الأمر عند الإطاحة بالدستور، وطلب حل المحكمة العليا، وإنما تعدى ذلك إلى حل الكونجرس نفسه، وتكوين مجلس رئاسى يتولى إدارة شئون البلاد.
مع الدستور الجديد تم إدماج مجلس الشيوخ والكونجرس فى جسم واحد سمى المجلس الوطنى، كما ظهر ولاول مرة منصب نائب الرئيس، كما مدد الدستور الجديد الولاية الرئاسية من خمس إلى ست سنوات. ومن ناحية أخرى تضمن الدستور كذلك ولأول مرة فى تاريخ فنزويلا الاعتراف بالحقوق المشروعة للسكان الاصليين، بعد تاريخ طويل من تهميش وقمع للقبائل الهندية. أعلن "تشافيز" كذلك، بأن فريقاً من القضاة والمدعين العامين ورجال الكنيسة وناشطى حقوق الانسان سيتوجهون إلى أربعة من أخطر السجون فى فنزويلا من أجل تسريع تطبيق العدالة على المساجين الذين ينتظرون المحاكمة؛ إذ، كما ذكرنا، نحو 23,000 سجين لم يتم التحقيق إلا من 10,000 سجين فقط تقريباً، والباقى قيد الاعتقال دون تحقيق.
كما قام "تشافيز" بإصدار صحيفة بإسمه ويتولى تحريرها بنفسه، بالاضافة إلى ظهوره على الشاشات التليفزيونية صباح كل يوم أحد فى برنامج خاص (ألو يا ريس) وفى هذا البرنامج يتلقى مكالمات المواطنين مباشرة ويستمع إليهم بصبر عجيب فعلاً، كما كان له برنامج إذاعى له نفس مضمون برنامجه التليفزيونى الشهير (ألو يا ريس) وفى النهاية قام "تشافيز" بدمج برنامجه التليفزيونى مع برنامجه الاذاعى فى برنامج واحد جعله يوم الاحد ولكن خارج الاستوديو؛ فقد كان يبث البرنامج من أماكن مختلفة كالمدارس والقرى الفقيرة والمزارع وغيرها من الاماكن التى يتمكن فيها من التواصل مع مختلف فئات الشعب.
زيارة الصين
فور أن تولى "تشافيز" رئاسة البلاد فقد بدأت رحلاته المكوكية حول العالم، فقد قام وفى أقل من شهرين بزيارة إثنى عشرة دولة من بينها البرازيل والارجنتين والمكسيك واسبانيا وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة، حيث قابل الرئيس "بيل كلينتون"، الرئيس الامريكى حينذاك، كما قام فى أسبوعين فقط بزيارة اليابان وهونج كونج وماليزيا وسنغافوره والفلبين، مخلفاً وراءه أثراً عجيباً أينما ذهب، فلقد كان "تشافيز" يدرك أن مشروعه"اليسارى" ليس قاصراً على الداخل، وإنما يمتد إلى العالم بأسره، فقد قام "تشافيز" مع أول زياراته إلى الصين بتوقيع ست إتفاقيات غاية فى الاهمية مع الرئيس الصينى"جيانج زمين" مضمونها قيام الحكومة الصينية بشراء مليونين إلى أربعة ملايين طن سنوياً من وقود فنزويلى خاص مكون بشكل أساسى من القطران، يسمى"أوريموليزيون" وهو بديل ناجح عن الفحم الحجرى.
زيارة العراق وإيران
وفى 10/8/2000 قام "تشافيز" مستخدماً الطريق البرى تجنباً لخرق الحظر الدولى، بزيارة العراق، بعد أن زار إيران، كما سنرى أدناه حين مناقشتنا سعى تشافيز فى سبيل تفعيل دور "أوبك"، وعند موقع المنذرية الحدودى بين إيران والعراق صرح "تشافيز":" إذا أردت أن أذهب لأتحدث مع الشيطان نفسه فإننى سأفعل هذا بمحض إرادتى لأننا أحرار ولسنا بحاجة لأحد كى يقول لنا أين نذهب ... ماذا يسعنا إذا غضبت الولايات المتحدة الامريكية... نحن دولة ذات سيادة يمكنها أن تتخذ الإجراءات المناسبة."فى الحال إنتقدت الولايات المتحدة تلك الزيارة، إذ صرح "ريتشارد باوتشر"، الناطق الرسمى بإسم وزارة الخارجية الامريكية :" إن واشنطن لا تتمكن من فهم هذه الزيارة؛ وإن المسألة ستطرح مع مسئولين فنزويلين مناسبين"!!
علاقات متوترة مع كولومبيا
وفى 12/2/2002 يخطو "تشافيز" خطوات أبعد نحو التحدى المعلَن لواشنطن، محذراً بشكل رسمى من التدخل الامريكى فى "بوجوتا" وقد جاء هذا التصريح متزامناً مع دراسة الكونجرس الامريكى زيادة تمويل الجيش الكولمبى ضد المتمردين اليساريين(والذين يسيطرون على الانتاج العالمى للكوكا فى المناطق الجنوبية)وتعد مسألة المتمردين اليساريين تلك، ومساندة "تشافيز" لهم من أهم المسائل الحرجة والشائكة بين بوجوتا وكاراكاس، الامر الذى بلغ حد التعقيد فى 13/9/2008 إذ طلبت الولايات المتحدة من سفير فنزويلا مغادرة أراضيها رداً على قرار الرئيس الفنزويلى "هوجو تشافيز" بطرد سفيرها فى كراكاس "باتريك دودى" تضامناً مع خطوة مماثلة أقدم عليها نظيره البوليفى"إيفو موراليس"(1959- )الذى إتهم كبير الدبلوماسيين الاميركيين بتأجيج إحتجاجات شعبية ضده، وإثارة الجماهير كى يقوموا بثورة أو إنقلاب يطيح به، وهو الرئيس المنتَخب للبلاد.
وقالت واشنطن إن "تشافيز" و"موراليس" يُحاولان بطردهما السفيرين الاميركيين التغطية على متاعب محلية وإقليمية، وطلب "تشافيز" فى خطابه الذى ألقاه يوم 12/9/ 2008 من سفير بلاده العودة إلى كاراكاس، قائلاً :" إن كاراكاس ستعيد مبعوثيها عندما توجد حكومة أمريكية تحترم شعب أمريكا اللاتينية".
وأثر بلوغ العلاقات الفنزويلية الكولومبية حداً بالغاً من التوتر بسبب التنظيم اليسارى المسلح فى كولومبيا، فقد أعلن "تشافيز" فى 31/7/2010، وذلك عقب قطع العلاقات السياسية، نشر وحدات مِن المشاة والقوات الجوية على حدود فنزويلا مع كولومبيا، بعد إتهامات كولومبية لكاراكاس بإيواء "متمردين.
وقال"تشافيز" فى مقابلة هاتفية مع محطة تلفزيون حكومية:" لقد نشرنا قوات وعناصر من سلاح الجو والمدفعية للدفاع عن سيادتنا فى حال التعرض لعدوان، لكن من دون ضوضاء، لأننا لا نريد أن نزعج أحداً من السكان". ولم يحدد "تشافيز" المكان الذى أرسلت إليه هذه القوات أو عدد الجنود الذين تم نشرهم، مكتفياً بأنه يعتقد أن الحكومة الكولومبية المنتهية ولايتها بزعامة الرئيس "ألفارو أوريبى" قد تهاجم فنزويلا. و"ان أوريبى قادر على فعل أى شىء فى الايام المتبقية له فى الحكم قبل ترك منصبه، وبات الامر تهديداً بالحرب، ونحن لا نريد الحرب".
وربما يكون تولى"مانويل سانتوس" (1951- )مؤخراً، رئاسة كولومبيا، فى 21/6/2010 خلفاً لألفارو أوريبى (1954- ) سبباً فى تعديل مسار العلاقات المتدهورة بين بوجوتا وكاراكاس؛ فلقد وعد "سانتوس" خلال حفل تنصيبه بإجراء الحوار مع فنزويلا لإنهاء القطيعة الدبلوماسية بين البلدين. وأعرب عن أمله فى إجراء "حوار صريح ومباشر بأسرع وقت ممكن مع فنزويلا"، مضيفاً: "إن كلمة الحرب لا وجود لها فى قاموسى عندما أفكر فى علاقات كولومبيا مع جيرانها".
وقد بادر "هوجو تشافيز" بالإفصاح عن الرغبة فى طى صفحة الماضى والبدء فى علاقات طيبة مع الحكومة الجديدة للرئيس "سانتوس". وعَرَض "تشافيز" خلال كلمة على الهواء مباشرة فى التلفزيون بعد ساعات من تنصيب "سانتوس"، الإجتماع معه وجهاً لوجه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى الاونة الأخيرة
الشيطان كان هنا
وفى خطاب تاريخى سجلته وثائق الامم المتحدة، ظهر "تشافيز" متفوقاً على الظهور الشهير للرئيس السوفيتى "نيكيتا خروتشوف" فى عام 1960 عندما ضرب بحذائه على المنضدة خلال أحد الخطب أمام الجمعية العامة للامم المتحدة؛ إذ قام "هوجو تشافيز" بالقاء كلمة أمام الجمعية العامة للامم المتحدة فى عام 2006، فى نيويورك بشأن ترشيح جمهورية فنزويلا البوليفارية إلى مقعد غير دائم فى مجلس الأمن وتنبأ مسبقاً برفض الولايات المتحدة الامريكية لهذه الإقتراح. وقال "تشافيز":" إن الولايات المتحدة الأمريكية قد أطلقت حملة بشعة لمنع فنزويلا من أن تُنتَخب بحرية كعضو فى مجلس الأمن. لقد وصفتنا أميركا بالمتطرفين، وإنما هى المتطرفة فهجومها المفتوح علينا أثّر على الكثير من بلدان أميركا اللاتينية وغيرها لأنها دعمت فنزويلا".
وفى نفس الإجتماع توجه"تشافيز" بالشكر إلى داعميه قائلاً: "إننى أشكركم بحرارة بالنيابة عن فنزويلا، وبالنيابة عن شعبنا وبالنيابة عن الحقيقية. فإنتخاب فنزويلا كعضو فى مجلس الامن لن يمكنها فقط من التعبير عن أفكار الفنزويليين، وإنما ستكون صوتاً قوياً يُمثل كُل شعوب العالم. إن أمريكا تعمل ما فى إستطاعتها للسيطرة على العالم. فإذا ما أنقذ العالم نفسه من مخالبها فعليه ألا يَسمح لهذه الدكتاتورية بالنجاح. فالرئيس الاميركى يدّعى نشر الديمقراطية ولكن أى نوع من الديمقراطية هذه التى تُُنشر بالقنابل والقوة العسكرية؟"
وفى نفس الاجتماع أطلق "تشافيز" لنفسه، كعادته، العنان كى يقذف بقنبلة من قنابله المعهودة إذ وصف الرئيس الامريكى بالشيطان حيث قال:" لقد جاء الشيطان إلى هنا بالامس . . . . لو سُمح للشعوب بالكلام بحرية فأعتقد أنها ستطالب برحيل الإمبريالية الأمريكية."
طبعاً لم يثر كلام "تشافيز" ممثلى الدول الحاضرين فقط، وإنما أثار كلامه، وبصفة خاصة(عبارة: لقد جاء الشيطان إلى هنا بالامس) الرأى العام الامريكى نفسه، كما سنرى حالاً.
إذ فى نفس الإجتماع إتهم"تشافيز" الرئيس الامريكى"بوش الإبن" بأنه "يتحدث وكأنه يمتلك العالم" وإقترح أن يقوم محلل نفسى بتحليل خطابه الذى أدلاه فى اليوم السابق. قال "تشافيز" :" البارحة كان الشيطان هنا. هنا بالضبط. هنا بالضبط" فضجت قاعة الامم المتحدة بالضحك، تلك القاعة التى تكون عادة هادئة ورصينة، ثم إستطرد بقوله:" وما تزال رائحة الكبريت تفوح منها حتى هذا اليوم، هذه الطاولة التى أقف خلفها الأن". وقام "تشافيز" برسم صليب بيده فى الهواء، وهى عادة مشهورة ليس فحسب من أجل إظهار الدين الكاثوليكى للمرء، بل لطرد الأرواح الشريرة أيضاً، ثم وجه نظره نحو السقف وشبك يديه معاً وكأنه يصلى. ثم كرر قوله:" فى الامس، سيداتى وساداتى، جاء إلى هذه المنصة رئيس الولايات المتحدة، الرجل الذى أشير إليه بالشيطان، جاء إلى هنا، وتحدث وكأنه يملك العالم".
لكن، وفى حين كسب "تشافيز" مودة نسبية من الحاضرين، وربما تعاطفاً، فإن تعليقاته قد أثارت الغضب فى أماكن أخرى من الولايات المتحدة. حيث لقيت تصريحاته الساخرة وتهكمه الشخصى على "بوش" إنتقاداً شديداً من معارضيه الذين وصفوه بأنه" ليس أكثر من مهرج؛ وديكتاتور مجنون، وليس لديه أدنى فكرة عن قواعد اللياقة"، فقد وصفت "كوندوليزا رايس" تصريحاته بأنها "لا تليق برئيس جمهورية" بينما نعت ممثل ولاية أوهايو وزعيم الاغلبية الجمهورية فى الكونجرس، "جون بوينر"،"تشافيز" "بالطاغية المتعطش للسلطة" أما السيناتور "جون ماكين" من أريزونا، فقد قال عنه بأنه"ديكتاتور رخيص" كما سخر رئيس تحرير جريدة لوس أنجلوس تايمز من "تشافيز" واصفاً إياه" بالرئيس المهرج وأمير كاراكاس المهرج" كما وضعت صحيفة ذى نيويورك دايلى نيوز صورة "لتشافيز" على الصفحة الاولى بكاملها تحت عنوان يشير إلى مقالة لرئيس تحريرها فى الداخل:" رسالة نيوز لزعيم فنزويلا المجنون".
ولم يَسلم "تشافيز" كذلك من إنتقادات الديمقراطيين الليبراليين ومنتقدى بوش أنفسهم. حيث قالت زعيمة الاقلية فى الكونجرس" نانسى بيلوسى":" يتخيل هوجو تشافيز نفسه وكأنه سيمون بوليفار هذا العصر لكنه ليس سوى مجرم " وإنضم الرئيس السابق"بيل كلينتون" إلى جوقة المنتقدين بقوله:" قال هوجو تشافيز شيئاً خاطئاً يوم أمس، شيئاً لا يليق برئيس دولة" وحتى "تشارلز رانجل" ممثل منطقة "هارلم" التى يفترض أنها تمثل قاعدة نفوذ "هوجو تشافيز" على الارض الاميريكية، فقد هاجم " تشافيز" بقوله:" إننا مستاؤون من حقيقة مجيئه إلى الولايات المتحدة وإنتقاده الرئيس بوش. . . إياك أن تأتى إلى بلدى، وإياك أن تأتى إلى دائرتى الانتخابية، وإياك أن تهين رئيسى" .
إمداد إيران بالبنزين
لم يتوقف "هوجو تشافيز" عند حدود إقامة علاقات سياسية طبيعية ومتعاونة مع بعض الدول المغضوب عليها من قبل الإدارة الامريكية، وبخاصة دول القائمة السوداء وعلى رأسها إيران وكوبا وسوريا، بل قام بتزويد الأولى بالنفط(53 ألف برميل يومياً لمدة 5 سنوات) بأسعار تفضيلية وفقاً لمعاهدة 30/10/2000. أضف إلى ذلك قيامه بعقد عدة إتفاقيات مع إيران فى مجالات الزراعة والصناعة والطاقة وإمداد إيران بخام البنزين، فقد أكد "فيلاسكويز" فى 19/8/2010 أن بلاده ستواصل إمداد إيران بالبنزين، رغم العقوبات المفروضة على طهران من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى والامم المتحدة, وذكرت وكالة الانباء الفنزويلية الرسمية فى بيان لها أن السفير الفنزويلى فى إيران "ديفيد فيلاسكويز" قال أن فنزويلا ستواصل إمداد إيران بالبنزين، قائلاً:" نحن فى خدمة إيران وسنمدها بالبنزين كلما إحتاجت".
وفى خطوة للتخفيف من وطأة العقوبات على طهران، أعلن سفير فنزويلا فى طهران "ديفيد فيلاسكويز" إستعداد بلاده لتزويد إيران بالبنزين حتى 20 ألف برميل يومياً. ونقلت وكالة أنباء "فارس" الايرانية عن السفير قوله: "نحن فى خدمة إيران فى أى وقت تعلن حاجتها، سنؤمن لها إحتياجاتها من البنزين". وقال السفير إن بيع فنزويلا البنزين لإيران لا ينتهك القوانين الاميركية ولا علاقة له بواشنطن. وأشار إلى تصريحات الرئيس الفنزويلى "هوجو تشافيز" خلال زيارته إلى إيران فى العام 2009 التي جاء فيها ان بلاده مستعدة لتصدير 20 ألف برميل من البنزين إلى طهران. وفى هذا الاطار، نقلت وكالة "مهر" عن "محمد على خطيبى" مندوب إيران فى منظمة "أوبك" قوله إن ارتفاع مخزونات النفط الخام الايرانية ناتج عن أعمال صيانة فى مصاف داخل البلاد وخارجها وليس بسبب العقوبات الدولية. ورأى أن الزيادة فى مخزون النفط الايرانى غير مرتبط بهذه العقوبات. وقال ان "العالم يحتاج للنفط الايرانى وفى الوقت الراهن لا إتجاه خاصاً أو غير عادى فى صادرات البلاد النفطية".
ولقد نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن "ستيوارت ليفى" وكيل وزارة النقل الاميركية، قوله أنه يتعين على كُل الحكومات زيادة يقظتها إزاء التعامل مع قطاع الملاحة الايرانى. وأضاف إن الاساليب الايرانية للتملص من العقوبات تتضمن إعادة طلاء إو إعادة تسمية السفن وتزوير وثائق الشحن وإعطاء ملكية السفن إلى شركات واجهة خارج ايران. وأشار إلى انه فى أحدث خطوة لها لمواجهة ذلك حددت واشنطن ثلاث شركات ملاحية تتخذ مالطا مقراً وتملكها بشكل مباشر أو غير مباشر شركة الخطوط الملاحية الايرانية الوطنية. وقال ليفى:"علينا أن نعيد مضاعفة يقظتنا إزاء خطوطهم الملاحية الداخلية ومحاولة إستخدام شاحنين ووكلاء شحن من أجل الشحنات غير القانونية". وتقول المصادر الرسمية الفنزويلية إن فنزويلا ترسل إلى إيران نحو 20 ألف برميل مِن البنزين يومياً, مما يسد بعض حاجة طهران لهذه السلعة الحيوية. الجدير بالذكر، إن العقوبات الجديدة قد سلطت الضوء على علاقات طهران مع كاراكاس التى تتزايد أهمية .
ملحوظة
يتعين علينا، بصدد العلاقة الفنزويلية/الايرانية، أن نوضح موقفنا الفكرى من التأسيس لهذه العلاقات المتسمة بالتوافق والتضحية "الظاهرية" أحياناً، بالتآخى ما بين الثورة البوليفارية "التشافيزية" والثورة الايرانية، وهى من الامور التى لم يتم تسويقها إعلامياً فقط، وإنما سادت فى خطاب بعض تيارات اليسار، التى عادة ما ترحب بكُل إنقلاب، أو ثورة، أو إنتفاضة، وربما عنف وإرهاب ونهب، تحت بند: التطور الجدلى للتاريخ والمجتمعات!! فكان من الطبيعى، بلا وعى، ذلك الترحيب، غير العِلمى، بتأييد مؤسسة الحكم فى فنزويلا للانتخابات الرئاسية الايرانية، والتى شهدت قمع حركة ثورية جماهيرية ضد مؤسسة الحكم الاسلامى فى إيران.
فأولاً وقبل كُل شىء، النظام الايرانى القائم ليس نظاماً ثورياً كما يتم تسويقه. لأن الثورة التى إنتصرت سنة 1979،كانت ثورة جماهيرية بالمعنى الحقيقى، إذ شهدت مشاركة جميع فئات الشعب من عمال إلى فلاحين وشباب وجنود ونساء، وجميع الأتجاهات من أجل إيقاف نزيف نهب الثروة القومية، والذى قام بالدور المحورى فى هذه الثورة هم عمال النفط حيث قام ملايين العمال بتنظيم أنفسهم على هيئة لجان المصانع والمعامل وأعلنوا فرض سيطرتهم على تلك المصانع والمعامل، فى الوقت نفسه الذى قام فيه ملايين الفلاحين بالدخول إلى أراضى كبار ملاك الاراضى وإعلان سيطرتهم عليها كذلك، والطلاب أيضا قاموا بفرض سيطرتهم على مدارسهم وجامعاتهم وعملوا على تسييرها بشكل ديمقراطى وأنهوا نظام التعيين الذى كان سائداً فيها، والجنود بدورهم شيدوا (مجالسهم) وبدءوا فى تطهير الجيش من الضباط الموالين للنظام النهبوى السابق. وتمكن الشعب الايرانى كُله من إسقاط الديكتاتورية.
بيد أن الملاحظة واجبة بأن تدعيم أسس النظام القائم حالياً فى إيران، لم يتحقق ما بين سنوات 1979 و1983، إلا على قاعدة السحق الفعلى لهذه الثورة من جانب التيار الدينى الاسلامى الاصولى ورجالاته (على الرغم من التطور الذى لحق لغة ومضمون الخطاب الدينى الشيعى) وخلال سنوات معدودة باتت الثورة ومنجزاتها هباءً منثوراً. فقد تم إعادة الارض إلى كبار الملاك، وتم طرد الفلاحين منها، والذين يبق وأن أعلنوا بسط سلطانهم عليها. وكذلك تم القضاء على مجالس المصانع والمعامل وحلت محلها المجالس الاسلامية، وتم قمع العمال وحرمت الطبقة بأكملها من جميع الحقوق، بما فيها طبعاً الحق فى التنظيم والاضراب. وتم فرض تفسير محدد للاسلام على جميع المواطنين، فوضعت أشد القيود على النساء، وخلق مناخ من القمع الايديولوجى للاغلبية الساحقة من السكان.
ويمكننا القول بأن إستيلاء رجال الدين الاسلاميين الاصوليين على ثورة العمال وباقى فئات الشعب وقمعها، لم يكن ممكناً إلا بسبب السياسات الخاطئة التى نهجتها المنظمات اليسارية ذاتها، التى إعتقدت فى إمكانية تشكيل جبهة متحدة مع رجال الدين الاسلاميين(كقوة إجتماعية) الذين كان يترأسهم أية الله الخمينى. وقد دفعت التيارات اليسارية على ما أظن ثمن أخطائها.
وهكذا تمكنت الجمهورية الاسلامية، خلال سنوات معدودة من القمع الهمجى ضد اليسار، بل وباقى الفصائل الوطنية التنويرية من تدعيم أركانها والاستيلاء على ما كانت فى البداية ثورة عمالية شعبية معادية للدكتاتورية وهيمنة الامبريالية ورأس المال على السلطة. ولكى يتمكن النظام المتأسلم من بسط نفوذه على الشعب قام رجال الدين برفع شعارات معاداة الامبريالية، وإستخدام نفس لغة اليسار تقريباً، ويستعمل الرئيس "أحمدى نجاد" مثله مثل رجال الدين، لغة معادية للامبريالية فى محاولة لكسب التأييد من جانب الجماهير، مع المزيد من السحق اليومى للعمال وباقى فئات الشعب.
الشراكة مع روسيا
وفى 18/10/2009 يعلن "تشافيز" ان إيران وروسيا تساعدان فنزويلا فى البحث عن اليورانيوم، مؤكداً ان بلاده لن تستخدم الطاقة النووية إلا فى الاغراض السلمية. وصرح فى مدينة كوشامبا بوسط بوليفيا أثناء قمة لرؤساء أمريكا اللاتينية:" اننا نعمل مع عدة دول ومع إيران ومع روسيا، ونحن مسئولون عما نفعل لأننا أحرار لا وصاية علينا من أحد . . . . .إن ما نقترحه هو التخلص من القنابل النووية وفنزويلا لن تصنع ابداً قنبلة نووية". متسائلاً:"لماذا لا يتم الضغط على حكومات فرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا للتخلص من قنابلهم النووية؟"
وفى 25/8/2010 وقع رئيس الوزراء الروسى "فلاديمير بوتين" مع الرئيس الفنزويلى "هوجو تشافيز" فى إطار زيارته إلى كاراكاس، سلسلة إتفاقيات فى مجالات حيوية عديدة، كالدفاع والطاقة ومكافحة الارهاب، كما وأن إتفقا على دراسة إمكانية دخول فنزويلا فى مجال السباق الفضائى، ونقلت وكالة "نوفوستى" الروسية عن "بوتين" قوله:"سنقوم بتعزيز التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب". والمقصود بذلك تعزيز التفاعل بين الاجهزة الخاصة وقوات حفظ النظام فى البلدين. ورداً على سؤال طرحه صحافى فنزويلى قال بوتين: "إن روسيا لم تحصل أبدا على معلومات تفيد أن فنزويلا تدعم الارهاب".
وبعد يوم طويل وشاق، كما أفادت وسائل الاعلام المختلفة، من المحادثات فى القصر الرئاسى الفنزويلى، وقع "تشافيز" و"بوتين" نحو ثلاثين إتفاقاً أهمهم ينص على: تأسيس شركة مختلطة للتنقيب عن النفط والغاز فى فنزويلا. وهذه الشركة التى ستملك فنزويلا 60% منها وكونسورتيوم روسى 40%، تأمل إنتاج حتى 450 ألف برميل من النفط يومياً فى (الحقل 6 فى حوض أورينكو) الغنى بالاحتياطيات النفطية فى شرق فنزويلا. ورصد "بوتين" 600 مليون دولار كأول دفعة من إجمالى مليار دولار فى إطار التنقيب فى هذا الحقل. ومن المفترض أن تستثمر الشركة المختلطة فى حقول أخرى فى المنطقة نفسها.
أما الاتفاقات الاخرى فشملت بناء ناقلات نفط وتزويد بالطائرات لتجديد الاسطول الجوى لفنزويلا ودول اخرى فى أمريكا اللاتينية. وأعلن "تشافيز" بإبتهاج أن فنزويلا دخلت فى السباق إلى الفضاء بدون أن يضيف مزيداً من التفاصيل فى مؤتمر عُقد عقب حفل توقيع الاتفاقات. ولقد قابل الاعلان عن المشروع الفضائى فى فنزويلا، ردٌ ساخر، وغير مؤدب كعادة الحوار ما بين كاراكاس وواشنطن، مِن قبل المتحدث بإسم وزارة الخارجية فى الولايات المتحدة، إذ قال "فيليب كراولى" إنه:"يتعين على حكومة تشافيز ربما أن يكون لديها أولويات أرضية أكثر منها فضائية ". وأياً ما كان من أمر، فإنه يمكن القول بأن فنزويلا، على هذا النحو، صارت شريكاً أساسياً لروسيا فى أمريكا اللاتينية التى كانت سابقاً منطقة نفوذ للولايات المتحدة الامريكية، وحيث تسعى موسكو لتعزيز وجودها السياسى والاقتصادى فى القارة اللاتينية.
وأكد "تشافيز" أيضاً أن كاراكاس مستعدة للبدء بإعداد أول مشروع لبناء محطة نووية، مؤكداً أنه بحث المسألة مع "بوتين". وكان قد أعلن عشية ذلك: "لن نصنع القنبلة الذرية لكننا سنطور الطاقة النووية لغايات سلمية. علينا أن نحضر لمرحلة ما بعد البترول".وبعد المؤتمر الصحفى المشترك إنضم إلى الرئيسين، الرئيس البوليفى "إيفو موراليس"، الحليف المقرَب مِن "تشافيز" فى القصر الرئاسى حيث تباحث بدوره مع "بوتين"، وبصفة خاصة بشأن قرض بقيمة مائة مليون دولار طلبته "لاباز" لشراء معدات عسكرية من روسيا. وفى إطار تلك الزيارة التى قام بها "بوتين" تسلمت كاراكاس شحنة مِن أربع مروحيات روسية. ولقد نُقلت المروحيات الاربع مِن طراز "مى- 17" التى يُمكن أن تُستخدم أيضاً كمروحيات مُقاتلة، على متن طائرة شحن جوى من طراز "أنتونوف".
تدعيم العلاقات مع سوريا
كما وأن قام "تشافيز" فى 4/9/2009 بتوقيع عدة إتفاقيات ومذكرات تفاهم مع سوريا، وهى من البلدان المغضوب عليها من واشنطن، لتعزيز التعاون المشترك بين كاراكاس وبين دمشق فى عدد من المجالات منها الاقتصادية والزراعية وذلك خلال الزيارة التى قام بها "تشافيز" إلى دمشق، وذكرت وكالة الانباء السورية"سانا" أن الاتفاقيات الموقعة بين دمشق وكاراكاس تضمنت مذكرتى تفاهم حول التعاون فى عدة مجالات منها الزراعة والرى, وإتفاقاً حول التعاون التجارى والاقتصادى, وإتفاقية حول إلغاء بعض الشروط بشأن جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية, وإتفاقية تعاون فى مجال حماية البيئة, وإتفاق إطارى للتعاون بين البلدين .
الاحداث الجارية فى سوريا
ذكرت وسائل الاعلام المختلفة أن الرئيس الفنزويلى "هوجو شافيز" ذو التوجهات اليسارية أعرب عن دعمه الكامل للرئيس السورى "بشار الاسد" فى الازمة التى تتعرض لها سوريا حالياً. وقال "شافيز" على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعى بشبكة الانترنت تعقيباً على الاحداث الملتهبة فى سوريا:"سوريا ضحية هجوم فاشى، وليساعد الله سوريا". كما صرح "شافيز"بوجود مؤامرة حيكت ضد الرئيس السورى الذى وصفه بأنه"مناضل صاحب نزعة إنسانية". وإتهم"شافيز"كالعادة الولايات المتحدة بأنها تقوم بإدخال الارهابيين إلى سوريا وتدعيمهم من أجل الاطاحة برئيس دولة يعرف تماماً مصلحة شعبه ويسعى إلى تحقيقها ويبغض الوجود الامريكى الاستعمارى فى المنطقة العربية من أجل بسط هيمنتها على العالم العربى من الخليج إلى المحيط من أجل النفط العربى.
الاحداث الجارية فى ليبيا
وبصدد الاحداث الدموية فى ليبيا؛ ففى 20/3/2011، وبعد أن شنت خمس دول (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وإيطاليا) الحرب على ليبيا، ذكرت وكالة (بى بى سى) أن الرئيس الفنزويلى "هوجو تشافيز" قال :" أن العمل العسكرى ضد ليبيا من قبل رجال الحرب من الغرب يهدف إلى السيطرة على إحتياطى النفط لذلك البلد"، وفى برنامجه الشهير(ألو يا ريس) قال "تشافيز" :" إن رجال الحرب يريدون السيطرة على نفط ليبيا، ولا يعنيهم إطلاقاً حياة الشعب الليبى".
الاحداث الجارية فى مصر
أما بشأن الثورة فى مصر، وفى 30 يناير2011 أعلنت "رويترز" أن الرئيس الفنزويلى "هوجو تشافيز" إتهم الولايات المتحدة بأنها لعبت دورا "مشينا" فى الازمة المصرية، فلقد قامت بعقد تحالفات مع الانظمة الديكتاتورية التابعة لها حول العالم بدعمها ثم التخلى عنهم بعد أن رأت أن دور هذه الانظمة قد إنتهى دورها تاريخياً. ولذلك أعلن سخريته من الرئيس التونسى المخلوع "زين العابدين" والذى، وعلى الرغم من إخلاصه لواشنطن، لم يستطع الحصول على تأشيرة للهروب إلى الولايات المتحدة التى خدمها طول فترة حكمه.
كما ذكرت "رويترز" أن "تشافيز" قد أعلن إنه تحدث مع الزعيم الليبى "معمر القذافى" والرئيس السورى "بشار الأسد" للإطلاع على الاحتجاجات التى تحدث فى مصر وفى مناطق أخرى بالعالم العربى. وأضاف "تشافيز" قوله: "فى مصر الوضع معقد...الان ترى تعليقات من واشنطن وبعض الدول الغربية. كما قال الرئيس القذافى إنه أمر مشين يجعلك تشعر بالغثيان أن ترى تدخل الولايات المتحدة بغرض السيطرة على ثروات الشعوب."وقد كان من الواضح مدى حرص"تشافيز" منذ إندلاع ثورة 25 يناير فى مصر، وحتى كتابة تلك السطور على أن لا يدلى بتصريحات أكثر من كون الأمر فى مصر معقد.
الادانة العلنية للرأسمالية المتوحشة
وإستكمالاً للصورة العامة لنظام "تشافيز" نرجع إلى بدايات حكمه ونرصد إعلانه فى 16/8/2002 فى كلمته أمام مؤتمر الاغذية والزراعة التابع للامم المتحدة، والمنعقد فى روما، إدانته"للرأسمالية المتوحشة وغير الأخلاقية" قائلاً:" إن جذور الفقر والجوع وتلوث المياه، تمثل النموذج المفروض على العالم". وقد سبق "لتشافيز" وأن لوح بالتحلل من المعاهدات الدولية التى أبرمتها فنزويلا، وعدم إلتزام فنزويلا بنصوص المعاهدات إلا بقدر إلتزام الدول الاخرى، إذ صرح فى 12/8/2002 أمام ممثلى صناعة الملابس فى فنزويلا بأن :"حماية الانتاج الوطنى أهم من الاتفاقيات الدولية، وإن فنزويلا لم تعد ملتزمة بنصوص إتفاقية الجات إلا بالشروط الجديدة"
الاصلاحات الداخلية
أضف إلى ذلك قيامه داخلياً بفرض المرسوم رقم 43/2001 والذى يقضى بنزع ملكية الاراضى غير المنتجة(بعد أن سيطر 2% على 60% من الارض كما ذكرنا) متهماً، يوم 15/2/2003 فى خطابه إلى إتحاد المزارعين ومربى الماشية، الطبقة الاقطاعية معتبرها شريكاً أساسياً فى الثورة المضادة، التى تقودها الطبقات البورجوازية والمتساقطين من القيادات العمالية(فى قطاع النفط)مصرحاً بأنه:"قرر إدخال تغييراً جذرياً شاملاً على النموذج الاجتماعى والاقتصادى فى البلاد، مع إعطاء الانتاج الوطنى الاولوية وخصوصاً قطاع الزراعة" الامر الذى أعلن معه أنه سيقوم بتوزيع مليون هكتار من الاراضى المهملة".
ولقد سبق"لتشافيز" فى حملته الانتخابة أن وعد، بإعادة توزيع ثروة البلاد النفطية لمصلحة المسحوقين، وانه لن يتهاون مع جنرالات النفط، وسيتصدى لهم بقيامه بتغيير إدارة الشركة الوطنية للنفط (بتروفن) أو بتروليوس دى فنزويلا التى أصبحت خلال تاريخها "دولة داخل الدولة" فتحكمت فيها اللوبيات المالية، وأصبحت مصدر ثراء لقلة قليلة من المديرين وأرباب العمل بل والعمال الذين يحاولون الدفاع بإستماتة عن المكاسب الاجتماعية التى تحققت على الصعيد الطبقى، إذ نشأت (البتروليتاريا) كطبقة محدودة، وظهرت شرائحها العليا كفئات ذات إمتياز نسبى، على حين، كما سنرى بالتفصيل، كانت الازمة الزراعية تبدو عبر الافقار المتواصل للفلاحين، وتعميق الانفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة.
ومع إعلان "تشافيز" عن إصلاحاته بدأ السخط والتذمر يظهر فى أوساط كبار المسؤولين الاداريين للشركة والفنيين العاملين بها من جراء تنامى الدلائل على إعتزام "تشافيز" إستخدام جزءً من رأسمال الشركة فى تمويل برامجه الاصلاحية ذات الطابع الاجتماعى. وقد أقال "تشافيز" العقيد "بيدرو سوتو" من رئاسة الشركة فى فبراير 2002 ووصلت إحتجاجات المعارضة الفنزويلية ذروتها فى الانقلاب العسكرى، كما أسلفنا، وتعيين رجل الأعمال "بيدرو كارمونا" رئيساً مؤقتاً للبلاد الذى دعى إلى التمرد على سياسة "تشافيز".
أثر ذلك فقد عين"شافيز"المحامى والاقتصادى والوزير السابق والامين العام لمنظمة أوبك "على رودريجز"، رئيساً لشركة البترول الفنزويلية منذ أبريل 2002.
وفى 28/8/2010 أعلن "تشافيز"أن حكومته ستشترى مجموعة من المزارع الكبيرة والالاف من رؤوس الماشية من شركة بريطانية، وذلك فى إطار مسعاه لاعادة توزيع الارض الزراعية فى البلد، وجعل "تشافيز" من إصلاح ملكية الاراضى الزراعية جزءً محورياً فى هدفه لاعادة تشكيل فنزويلا المجتمع، وعملاً فقد سيطرت الحكومة على ملايين من الافدنة فى الاعوام الخمسة الماضية. وقال "تشافيز": "سنسيطر قريباً على جميع المزارع التى تتبع منذ 1909 الشركة البريطانية أجروفلورا. لقد أعطيت الضوء الاخضر بالفعل".
"وأجروفلورا" هى الفرع الفنزويلى لمجموعة "فيستى" وهى شركة لمنتجات اللحوم مملوكة لأسرة "فيستى" البريطانية ويبلع حجم مبيعاتها السنوية 770 مليون دولار (500 مليون جنيه إسترلينى) وقال "تشافيز "سندفع لهم بالطبع... ما إستثمروه هنا على مدى أكثر من قرن".
وقد سيطرت فنزويلا على أربعة مزارع "لفيستى" فى 2005 وقال وزير الزراعة "خوان كارلوس لويو، إن عملية الشراء الجديدة ستشمل 740 ألف فدان من الاراضى الزراعية و120 ألفاً من رؤوس الماشية.
وفى 19/8/2010، وافق البرلمان الفنزويلى على تأميم شركة"سيجوروس لابريفيسورا" إحدى أكبر شركات التأمين فى البلاد والتى أغلقتها السلطات فى ديسمبر 2009، للاشتباه فى قيامها بأنشطة غير قانونية، وتوقفت الشركة عن ممارسة نشاطها منذ ذلك الحين عندما قال مسؤول إن وثائق "ذات دوافع إجرامية" عُثر عليها أثناء مداهمة لمقر الشركة، وقال "تشافيز" فى ذلك الوقت :"إن شركة التأمين سيجرى تأميمها".
ولقد أُغلقت "لابريفيسورا" فى نفس الوقت الذى أُغلِق فيه مصرف"كونفيدرادو" المملوك لها وستة مصارف أخرى أخرى بسبب أموال لم يتم تفسير مصدرها، وأُلقى القبض على ستة أشخاص لهم صلات بتلك المصارف فى ديسمبر2009 بعضهم لهم روابط بمسؤولين رسميين، وذكرت وكالات الانباء العالمية تعليقاً على الحدث أن "تشافيز" صعَّد وتيرة إصلاحاته الاشتراكية وزاد أيضاً دور الحكومة فى القطاع المصرفى، وقال مراراً إنه يخوض معركة ضد "بورجوازية طفيلية" بينما يستعد لإنتخابات برلمانيـــة فى 26سبتمبر2010، ووافق البرلمان الفنزويلى فى نفس اليوم أيضاً على جزءِ من مشروع قانون إصلاح القطاع المصرفى يحظر على البنوك إمتلاك شركات إعلامية.
النفط
وكما سنرى بشىء من التفصيل بشأن النفط الفنزويلى والصراع على النفط على الصعيد العالمى بوجه عام، فقد أكتشف النفط فى فنزويلا عام 1917، وبدأ إستغلاله عام 1922. وتقع حقول النفط الفنزويلية فى الشمال الغربى من "مدينة النفط" مراكايبو، على شاطئ خليج فنزويلا الذى يُشكل إمتداداً لبحر الانتيل، أو البحر الكاريبى.
ولقد بدأت الشركات الاميركية والبريطانية فى إستغلال النفط الفنزويلى حتى أممت الصناعات النفطية فى السبعينات من القرن الماضى، فى عهد الرئيس السابق كارلوس آندريه بيريز(1922- ).
تقوم شركة بترول فنزويلا المعروفة بإسم "بتروليوس دى فنزويلا" بإستغلال حقول النفط، وهى مِن كبرى شركات النفط فى العالم وثالث أكبر شركة تُصدر النفط للولايات المتحدة الامريكية، وتقوم بعض الشركات الغربية بإستغلال النفط الفنزويلى من أبرزها: شركة إكسون موبيل (أميركية) وشركة تشيفرون (أميركية) وشركة ربسول (إسبانية).
وتقدر إحتياطيات فنزويلا من النفط بـ 78 مليار برميل من النفط الخام، وتمتلك فنزويلا خامس أكبر إحتياطى للنفط فى العالم، ويُقدِر الفنيون نسبة الغاز مِن هذا الاحتياطي بنحو 30%، ولذلك تمتلك فنزويلا أكبر إحتياطى للغاز على مستوى القارة اللاتينية والشمالية كذلك، ويقدر إنتاج فنزويلا اليومى بـ3.9 ملايين برميل، ويُقدَر عدد الابار النفطية المستغلة بـ20 ألف بئر و300 حقل وستة آلاف خط أنبوب نفطى، وقد بلغت عائدات الشركة عام 2001 مبلغ 6.2 مليارات دولار، ولكى تحقق 162 مليار دولار مع حلول عام 2008.
وتقوم سياسة "هوجو تشافيز" النفطية على ضرورة إلتزام فنزويلا بنظم الانتاج المطبقة على الدول الاعضاء فى منظمة الاوبك من أجل الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مقبولة للمنتجين والمستهلكين.
وقد أكدت شركة النفط الفنزويلية الحكومية على موقعها الالكترونى أن مبيعاتها وأرباحها من تسويق النفط إرتفعت عام2008 مقارنة بالعام 2007 وعزت هذا الارتفاع إلى إنتعاش أسعار الذهب الاسود. وقالت"بتروليوس دى فنزويلا" فى تقرير سنوى أصدرته(2009) إنها كسبت فى العام الماضى 9.4 مليار دولار بزيادة 50% عن العام السابق. وكشفت فى هذا التقرير أنها باعت العام الماضى(2008) أيضا نفطاً بقيمة 126 مليار دولار بزيادة 31.3% عن 2007.
وقالت الشركة إن هذه البيانات تُبرهن على صلابة وضعها المالى. وأضافت أن النتائج التى حققتها العام الماضى تؤكد أنها دعامة أساسية لإرساء الاشتراكية فى فنزويلا وأنها من أكبر الشركات فى العالم. ووفقاً للارقام التى وردت فى تقرير بتروليوس دى فنزويلا لعام 2009 فقد بلغ الانتاج اليومى لفنزويلا من النفط الخام ثلاثة 3.2 ملايين برميل. وبإدخال الغاز المسال فى الاعتبار يُمكن القول بوصول الانتاج اليومى إلى أكثر من 3.4 ملايين برميل حسب التقرير نفسه. ولكن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تُقدِر إنتاج فنزويلا اليومى من النفط بـ2.1 برميل. وفارق المليون برميل تقريباً هذا بين ما أعلنته شركة بتروفن، وبين ما تُقدِره الاوبك، لا يُثير الدهشة على الاطلاق فى ضوء التضخم الرقمى الهائل والاحصائيات والتقارير المتخبطة والمتضاربة، للحد الذى لا تدرى معه تلك الاحصائيات والتقارير ما الذى تبحث عنه بالضبط، كما ذكرنا، ولذا تكون الارقام دوماً بتقديرى مؤشر يدل على الحالة أو الوضع وتقريبه نسبياً دون أن يتجاوز ذلك إلى التأكيد.
السلطة والزيت
أمران كانا من الاهداف الرئيسية التى وضعها "تشافيز" عقب إمساكه بزمام السلطة، أولهما: العمل على رفع أثمان النفط، وثانيهما: تفعيل دور "الاوبك" الذى صارت منظمة شائخة وعاجزة. وفى سبيل تحقيق الهدف الاول وهو المتعلق بالعمل على رفع أثمان النفط، قام "تشافيز" بإرسال" على رودريجيز" وزير الطاقة والتعدين(والذى سيتولى قيادة بتروفن فيما بعد) إلى كل من: المملكة العربية السعودية، والمكسيك، على الرغم من أن الاخيرة ليست عضواً بمنظمة الدول المنتجة"أوبك" إلا أنها تحتل موقعاً هاماً فى حجم التجارة العالمية.وتركزت مهمة "رودريجيز" فى: محاولة إقناع الدولتين وبصفة خاصة المملكة السعودية، أكبر منتج على الصعيد العالمى، بتخفيض مستوى الانتاج، على نحو يسمح لفنزويلا بالرجوع إلى سقف الانتاج الذى حددته لها "أوبك" والبالغ 2,72 مليون برميل يومياً، وبالفعل أتت مفاوضات "رودريجيز" ثمارها وتم الاتفاق على قيام الدولتين، السعودية والمكسيك، بخفض الإنتاج، وهو الأمر الذى إستتبع قيام باقى الدول الاعضاء بالالتزام بالحصص المقررة.
ولم يمر وقت طويل حتى تمكنت فنزويلا من تحقيق التقدم الملحوظ جداً فى الايرادات القومية، ففى مارس 2000، حقق النفط الفنزويلى عائداً لم يتحقق منذ تسع سنوات، فقد بلغ نحو 35 مليار دولار، جنت البلاد من هذا الارتفاع فى الاثمان مردوداً إيجابياً بلغ نحو 5 مليار دولار، وإرتفعت الصادرات بنسبة 33% لتصل إلى 16 مليار دولار، وقد ساعدت تلك الزيادة فى ثمن النفط على التخفيف من وطأة بعض المشكلات الاقتصادية التى تعانى منها البلاد، فبعد أن تقلص حجم الاقتصاد الفنزويلى بنسبة 7,2% فى عام 1999؛ أخذت مؤشرات النمو فى الارتفاع مع السنة التالية 2000، فقد حقق الاقتصاد نمواً بلغ 1,5% بحلول منتصف ذلك العام لترتفع هذه النسبة إلى 3,2% مع نهاية العام، كما تراجع معدل التضخم ليصل إلى 14,2% وهو أدنى مستوى له منذ خمس سنوات.
وبالنسبة للهدف الثانى من أهداف "تشافيز" وهو المعنى ببث الحياة فى منظمة الدول المنتجة"أوبك"، وتفعيل دورها، أخذ "تشافيز" على عاتقه مهمة الدعوة الشخصية لملوك وأمراء ورؤساء الدول المنتجة، وكان الرئيس الراحل"صدام حسين" ضمن قائمة الشخصيات المتعين دعوتها، إذ لا يمكن تجاهل أحد الأعضاء المؤسسين، على الأقل من وجهة نظر "تشافيز"، وقد كانت تلك الدعوة مدعاة لسخط واشنطن بلا شك، فإن زيارة العراق، لدعوة رئيسها المغضوب عليه، إنما تعنى، كما صرح "ريتشارد باوتشر" المتحدث بإسم وزارة الخارجية الامريكية:" تضفى صبغة الاحترام على صدام حسين الذى من الواضح أنه لا يستحقها، لقد غزا البلاد المجاورة، وإحتلها، وإضطهد شعبه وإنتهك حقوق الإنسان" وكان رد "تشافيز" جاهزاً على هذا التصريح، إذ قال:" إننى أعلم ما سيقوله المراؤون عندما يروننى مع صدام حسين".
فى الوقت نفسه التى أشعلت الولايات المتحدة الحرب الكلامية ضد "تشافيز" وزيارته للعراق وتوجيه الدعوة لرئيسها، كان نفس سبب تلك الحرب، هو الذى أضاف إلى رصيده لدى الجماهير فى فنزويلا، بل وخارجها، وبدت الولايات المتحدة نفسها كدولة ديكتاتورية، ودار النقاش حينئذ على الزاوية التى تنظر من خلالها الولايات المتحدة إلى أعدائها، كما تراهم هى كأعداء، وباتت المقارنات على أشدها بداخل فنزويلا وخارجها، فلطالما حافظت الولايات المتحدة على علاقات ودية مع أنظمة ديكتاتورية وعسكرية وشيوعية، متى وجدت أن ذلك يتلاءم مع مصالحها بغض النظر عن مصالح الشعوب المقهورة غالباً، حتى إنها ساعدت على بناء وتدعيم بعض أكثر الأنظمة وحشية فى أمريكا اللاتينية طوال القرن العشرين، ولقد كانت الولايات المتحدة حليفة "لصدام حسين" فى ثمانينات القرن العشرين عندما زاره "رامسفيلد"، وفى ثمانينات ذلك القرن كذلك، كان "أسامة بن لادن" أحد الحلفاء القريبين من واشنطن، إلا إنها قلبت التحالف إلى عداء وفقاً للمصلحة السياسية أيا ما كانت الإعتبارات والتوازنات.
وكما ذكرنا فقد إستخدم "تشافيز" فى رحلته من طهران إلى "المنذرية" على الحدود الإيرانية العراقية، طوافتين لم تتدخلا السماء العراقية، إذ هبطا على الحدود، كى يتجنب خرق الحظر الدولى، وإستقل سيارة دخل بها الاراضى العراقية، وبداخل الاراضى العراقية إنتقل بواسطة طوافة إلى مطار "صدام" الدولى فى بغداد حيث إلتقى صدام حسين، ويحكى "بارت جونز" بعض ردود أفعال تلك الزيارة، بقوله:" . . . فرش العراقيون السجاد الأحمر "لتشافيز" وعملوا على الإستفادة السياسية من هذا الخرق للحظر إلى أقصى حد، وجاء فى عنوان رئيسى تصدر إحدى الصحف العراقية التى تصدرها الدولة"أهلاً بالرئيس تشافيز" وكرست صحيفة قومية أخرى نصف صفحة لمدح القرار الشجاع الذى إتخذه تشافيز بزيارة العراق. أضافت الصحيفة بأن"الرئيس الفنزويلى يتحدى العقوبات ويقرر زيارة العراق حتى وإن إضطر إلى إمتطاء جمل" حتى إن صدام حسين نفسه إصطحب تشافيز فى جولة فى أنحاء المدينة، وترددت أصداء الصورة الفوتوغرافية لصدام وهو خلف مقود السيارة وبجانبه "تشافيز" فى مختلف الصحف العالمية"(6)
فى المحطة التالية من الرحلة المكوكية من أجل بعث "أوبك" من مرقدها؛ هبطت الطائرة الرئاسية فى جاكرتا، من أجل دعوة الرئيس الاندونيسى "عبد الرحمن وحيد" والذى أعلن هو الاخر، تأثراً بضيفه، انه يخطط جدياً لزيارة العراق.
وعلى الرغم من الجدل الذى أثير حول زيارة العراق، رأى العديد من المحللين فى جولة "تشافيز" نجاحاً سياسياً هائلاً؛ فلقد زار عشر دول فى عشرة أيام، إذ قام بزيارة كل من: إيران، والعراق، والسعودية، والامارات العربية، والكويت، وقطر، وأندونيسيا، وليبيا، والجزائر، ونيجريا، وبالفعل نجح "تشافيز" فى إقناع الجميع بأهمية عقد القمة، وليس عقدها فقط، وإنما عقدها فى العاصمة كاراكاس فى الفترة من 27 حتى 29 سبتمبر عام 2000، وهو ما حدث فعلاً إذ توافد الملوك والامراء والرؤساء وومثلوا الدول على العاصمة الفنزويلية كى يحضروا أول مؤتمر قمة تعقده "أوبك" منذ 1975، أى منذ خمس وعشرين عاماً.
ولعله من المناسب فى هذا الموضع، من رصدنا للاحداث وكيفية تعامل مؤسسة الحكم معها، أن نرصد دفع "تشافيز" بجزءٍ كبير من الجيش، البالغ طاقته الفعليه4,776,849 وفقاً لأرقام 2002 كى يُسهم فى إصلاح المستشفيات والطرق والمدارس، كذلك قيامه بتنظيم المجتمع فيما يسمى بالدوائر البوليفارية(11 شخص فى كل خلية) بهدف توحيد الشعب الفنزويلى ودفعه للمشاركة فى الحياة السياسية، مع إنشاء مؤسسات للقروض الشعبية، بالاضافة إلى قيامه بتخصيص 80 كيلومتر من الساحل الفنزويلى للصيادين التقليديين، مع إعادة النظر فى مسألة الاستغلال الاستنزافى الذى كان يُمَارس من قِبل أصحاب السفن الحديثة؛ على نحو أدى إلى المزيد من الافقار للصيادين (الفقراء).
التأميم
أما عن التأميم الذى كان مطلباً ملحاً، فقد أعلن "تشافيز" فى 4/4/2008 تأميماً فورياً وشاملاً لقطاع صناعة الاسمنت، مؤكداً دفع تعويضات للشركات الاجنبية وأهمها شركة "سيميكس" المكسيكية والفرنسية "لافارج". وأوضح "شافيز" الذى أمم عام 2007 قطاعى الطاقة والاتصالات وهدد، وفعل، بإمتداد عمليات التأميم إلى قطاعات البنوك والاسمنت والحديد، "ان هذا القرارإستراتيجى". وإتهم مراراً شركات الأسمنت العاملة فى فنزويلا بتصدير هذه المادة دون الاهتمام بتأمين حاجة فنزويلا، وأطلق تحذيرات بإجراءات ضد شركة"سيميكس"التى إتهمها السكان بتلويث البيئة. تأتى هذه الخطوة بعدما أخضع "شافيز" جميع حقول النفط لسيطرة الحكومة وأبعد شركتى "موبيل أويل" و"كونوكو فيليبس" عن العمل فى فنزويلا.
تأميم الحديد والصلب
كما أعلن فى 22/5/2009 تأميم عدة شركات للحديد والصلب، وقد أعلن من قِبل فى 10/4/2008 تأميم شركة "تيرنيوم سيدور" أكبر شركة لصناعة الصلب فى فنزويلا، ويبلغ رأسمالها المدرج فى بورصة نيويورك 7.7 مليارات دولار، ومركز عملياتها الرئيسى فى المكسيك وفنزويلا والارجنتين. وتبلغ مبيعاتها السنوية 10 مليارات دولار، بينما تبلغ حصة مبيعاتها السنوية فى فنزويلا 2.4 مليار دولار، حسب تصريحات "ريكاردو بروسبيرى". مدير فرع فنزويلا "تيرنيوم سيدور" .
وقال "تشافيز" فى خطاب بثه التلفزيون الرسمى:" إن عملية التأميم الجديدة لا تحتمل أى نقاش بشأنها" وأشار إلى أن فنزويلا بدأت تسير منذ وقت طويل فى طريق التأميم والاشتراكية. وأمر فى هذا الخطاب، الذى ألقاه أمام عمال المصانع فى ولاية "بوليفار" الواقعة فى جنوب البلاد، بالشروع فى عملية التأميم التى ستشمل خمس شركات للحديد والصلب, إثنتان منها ممولة كلياً أو جزئياً من قبل مجموعات أميركية ويابانية. وتُنتِج الشركات المؤممة أنابيب الصلب وقوالب الحديد, وتتركز فى ولاية "بوليفار". وقال "تشافيز" إن هذه الخطوة تأتى فى إطار خطة قومية شاملة من أجل إقامة مجمع صناعى إشتراكى واحد فى البلاد.
تأميم شامل
فى الوقت نفسه أعلن "تشافيز" تأميم شركة "سيراميكاس كارابوبو" لصناعة السيراميك. وكان "شافيز" قد أمم مطلع 2009 نحو 60 شركة للخدمات النفطية بينها شركة مملوكة لمجموعات أجنبية. وحسب قول "تشافيز" فإن "العمال الفنزويليين بصدد تقديم درس للعالم عن كيفية نهوض الطبقة العاملة لصنع الثورة".
وقبل هذا، شملت عمليات التأميم منذ 2007 شركات أجنبية أو ذات مساهمة أجنبية فى قطاعات مثل الاتصالات والكهرباء والاسمنت إضافة إلى المصارف. كما شملت عمليات السيطرة الحكومية مصانع أغذية لم تلتزم بالسياسات التى قررتها الحكومة بصدد أثمان بعض السلع الاساسية.
وفى 4/6/2009 أعلن"تشافيز" أن حكومته بصدد تأميم عشرات من وحدات ضغط الغاز إستكمالاً لعملية تأميم واسعة إستهدفت معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية ، وعلى رأسها قطاع النفط.
وقال "تشافيز" فى تصريحات أذاعها التلفزيون الفنزويلى إن حكومته شرعت فى السيطرة على سبعين وحدة لضغط الغاز فى 14 محطة فى عدة مناطق فى البلاد بما فى ذلك ماراكيبو وأورينوكو. وأضاف: "نواصل التقدم مستعدين للسيطرة على الممتلكات والادارة فى جميع هذه المحطات ووحدات الضغط، لا أحد سيوقفنا فى هذا". . . لدينا جدولاً زمنياً للسيطرة على محطات الانتاج فى حزام أورينوكو". ولم يقدم "تشافيز" تفاصيل عن الشركات التى ستسيطر عليها الحكومة.
وفى بدايات عام 2009 كثف "تشافيز" حملة التأميم التى بدأها قبل عامين فى فنزويلا بالسيطرة على شركات الخدمات النفطية بما فى ذلك شركة "وليامز" الاميركية.
وفى 2/7/2010إنتقلت إلى الحكومة الفنزويلية رسمياً ملكية 11 منصة نفطية كانت تابعة لشركة "هلميريتش آند باين" الأميركية.
وكان وزير النفط "رفائيل راميريز" قد صرح بأن بلاده ستؤمم الحفارات بعد نزاع إستمر عاماً حول مدفوعات معلقة من شركة النفط الوطنية الفنزويلية. وذكر "راميريز" أن الحكومة ستدفع لشركة "هلميريتش" القيمة الدفترية للمعدات التى صادرتها الحكومة وستتفق معها على سعر محدد خلال محادثات ستجريها معها.
وإستكمالاً لخطة تأميم المصارف، وفى 18/12/2009 فقد أقر وزير الاقتصاد الفنزويلى دمج أربعة مصارف لإنشاء مصرف عمومى واحد، وذكرت جريدة جازيت الفنزويلية على موقعها الالكترونى أن السلطات أطلقت على البنك الجديد إسم"بيسنتناريو" وأضافت أنه سينشأ من دمج أربعة مصارف هى "بنفوانديس"و"كونفيديرادو" و"بوليفار بنكو" و"سنترال بنكو". وأشارت ذات الجريدة إلى أن ثلاثة من المصارف الاربعة سبق وأن أغلقتها الحكومة بتهمة إقتراف تجاوزات فيما يتعلق بمصادر تمويلها والارباح المحققة على رؤوس أموالها, ومن ثم جرى تأميمها، كما وأن أغلقت الحكومة الفنزويلية ثمانية مصارف صغيرة ومتوسطة. وقامت بتصفية إثنين من تلك المصارف وتأميم أربعة مصارف أخرى. وفى الوقت الحالى تسيطر الحكومة على 25% من القطاع المصرفى.
طرد السفير الاسرائيلى من كاراكاس
ولعل أشهر ما سمع به العالم العربى وتأثر به تأثراً شديداً هو ما قد تناقلته وكالات الانباء العالمية فى يوم 6/1/2009 عن قيام الحكومة الفنزويلية بطرد السفير الاسرائيلى فى كاراكاس، وذلك احتجاجاً على الهجوم الاسرائيلى على قطاع غزة وتضامناً مع الشعب الفلسطينى، وفقاً لبيان الخارجية الفنزويلية. إذ جاء فى البيان، "ان الحكومة قررت طرد السفير الاسرائيلى وجميع العاملين فى السفارة رداً على الهجوم العسكرى الاسرائيلى على قطاع غزة". وإتهمت فنزويلا إسرائيل بخرق القانون الدولى ووصفت ما تقوم به فى غزة بأنه إرهاب دولة، وكان "تشافيز" قد أدان الحملة الاسرائيلية فى غزة وقال "إن قتل المدنيين جريمة ضد الانسانية ينبغى جر الرئيس الاسرائيلى إلى محكمة دولية ومعه الرئيس الاميركى، لو كان لهذا العالم ضمير حى. يقولون إن الرئيس الاسرائيلى شخص نبيل يدافع عن شعبه!! أي عالم عبثى هذا الذى نعيش فيه ؟!"
مطالبة البابا بالاعتذار
ولكى ننظر إلى الصورة الكبيرة، وكى نتعرف على مدى إنشغال "تشافيز" بقضايا أمريكا اللاتينية كَكُل؛ نرصد مطالبة "تشافيز" للبابا "بنديكت" السادس عشر بالاعتذار للهنود فى أميركا اللاتينية لتجاهله المذابح التى تلت إكتشاف "كريستوفر كولومبوس" القارة الأميركية عام 1492. وقال "تشافيز" موجهاً كلامه للبابا فى مراسم نُظمت بمناسبة حرية التعبير:"مع كُل احترامى لقداستك اعتذر لأن مذبحة حقيقية وقعت هنا وإذا كنا سننفى ذلك فإننا ننفى وجودنا ".
وتعليقاً على تصريح للبابا "بنديكت" بأن الكنيسة لم تفرض نفسها على سكان أميركا الاصليين، قال "تشافيز" : "كيف يمكنه القول إنهم جاؤوا يبشرون بدون أن يفرضوا شيئاً فيما كانوا مسلحين ببنادق".
ولقد قال البابا "بنديكت" فى كلمة لأساقفة من أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبى فى نهاية زيارة للبرازيل:"إن التبشير بالمسيح وإنجيله لم يتضمن فى أى وقت من الاوقات أى ضغينة لثقافات ما قبل كولومبوس كما لم تفرض أى ثقافة غريبة" معتبراً أن المسيحية طهرت شعوب سكان أميركا الاصليين. ولكن "تشافيز" رد على كلام البابا، قائلاً:"إن المسيح جاء منذ أمد بعيد إلى أميركا. فهو لم يصل مع كريستوف كولومبوس". وأضاف:" أن البابا قال أمراً من الصعب جداً قبوله.. لذلك فإن الكنيسة الكاثوليكية تفقد كُل يوم مزيداً من المؤمنين. ويبدو أن البابا قلق من إنخفاض عدد الكاثوليكيين فى أميركا اللاتينية. لكن مع تصريحاته أعتقد أنه تسبب بتفاقم الوضع".وإعتبر "تشافيز" أنه يشعر أنه نفسه هندى لأن الفنزويليين مزيج من الجنس الاوروبى والسكان الأصليين.
المبحث الثالث: ردود الفعل على الصعيد الدولى وتصاعد الازمة
كان من الطبيعى إذاً، إزاء تلك المواقف الثورية والراديكالية، أو على الاقل غير التقليدية التى رأيناها لتونا من قبل نظام "هوجو تشافيز" ونظامه السياسى، أن تُعلن هافانا على لسان وزير خارجيتها "فيليبى بيريز" فى 12/4/2002 يوم إنقلاب "كارمونا": إن كوبا تدين هذا الانقلاب أمام الرأى العام العالمى" وقبل ذلك بيومين وفى جويرا ميلينا الكوبية أعلن "برونو رودريجيز" سفير كوبا لدى الامم المتحدة:" الحقيقة إن ما يحدث فى فنزويلا هو إنقلاب، وإن مجموعة إستسلامية موالية للولايات المتحدة تقوم عبر إستخدام القوة بإغتصاب السلطة التى منحها الشعب الفنزويلى للرئيس "هوجو شافيز" على أمل محو عقود من الزمن من الظلم والفساد، على هدى أفكار سيمون بوليفار...".
وكان من الطبيعى كذلك أن تتخذ بغداد، وطرابلس، وطهران، ودمشق، نفس الموقف الرافض بشدة للانقلاب على نظام "شافيز".
ولم تترك الاحزاب الشيوعية والعمالية، الفرصة فى مؤتمرها حول الوضع العالمى الجديد، الذى عقدته فى أثينا بحضور 62 دولة، فى الفترة من 21/6/2002حتى 23/6/2002، بلا أن تُعلن إدانتها تخريب النظام الشرعى والديموقراطى فى فنزويلا البوليفارية، وذلك بالإضافة إلى إدانة عزل وإزالة الحركة اليسارية المسلحة فى كولومبيا.كما أعلنت دول أمريكا اللاتينية(مجموعة ريو) إعلاناً فورياً رفضها التام لمثل هذا الانقلاب. . . . حتى الان لا نستطيع أن ندعى (منهجياً) المقدرة على تقديم إجابة وافية على أسئلتنا المثارة، بشأن الانقلاب الخائب، ومفرداته، وأطرافه الفاعلة، وإن تمكنا ولو ظاهرياً من الإقتراب أكثر من بلوغ ضفافها. فلنساير إذاً خطوتنا الفكرية الاولى التى كونتها ذهنية تنشغل، بوعى، بالتعرف على طبيعة الاوضاع والاحوال وسير الأمور فى فنزويلا فى الفترة من (2000 وحتى 2010) بالتركيز الموضوعى على الفترة من(12/4/2002 وحتى 3/2/2003)
ويُمكن القول بأن الايام قد مضت بعد عودة "تشافيز"رئيساً شرعياً لفنزويلا ونفى "كارمونا"، وذلك دون أحداث تستحق الرصد ، بإستثناء بعض الاحداث المتفرقة ذات الصدى، ومنها:
- الاشتباكات التى تمت بين أنصار "تشافيز" ورجال الشرطة؛ بعد أن قررت المحكمة العليا فى 3/8/2002تأجيل الفصل فى قضية محاكمة كبار مسئولى الجيش المتهمين فى الانقلاب.
- وظهور 14 ضابط فى التليفزيون الفنزويلى يوم 23/10/2002 معلنين التمرد، فى مواجهة "هوجو تشافيز"، إلا أن "خوزيه رانجل" نائب الرئيس الذى تولى مهامه فى 28/4/2002، إستنكر تلك التصرفات، بقوله:" إن الرئيس موجود فى مكتبه يمارس عمله كالمعتاد، وان غالبية ضباط الجيش يعارضون موقف زملائهم بشدة"
- والمواجهات التى حدثت كذلك بين قوات الامن وأنصار "تشافيز" الذين تجمعوا فى 5/11/2002 أمام المجلس النيابى الوطنى بوسط كاراكاس فى محاولة لمنع وصول، كما تردد وهو محل شك، أكثر من مليونى توقيع من أجل الاستفتاء على إقالة "تشافيز".
- أضف إلى ذلك: مسيرة 7/11/2002، والتى بلغ عدد المشاركين فيها 600 ألف شخص.
نقول، ولتمضى الايام، حتى يأتى يوم 2/12/2002، كى يسفر التحالف الذى تم بين "كارلوس أورتيجا" (1941- )زعيم إتحاد العمال الذى تأسس عام 1933، وبين "كارلوس فرنانديز(1941- ) رئيس غرف التجارة والصناعة والزراعة والخدمات"فيداكمراس"عن واقع إعلان حالة إضراب شاملة وعنيفة فى أهم قطاع إقتصادى فى فنزويلا، قطاع البترول. عزز هذا التحالف. التحالف بين قوة العمل وبين رأس المال(فى حقل صناعة النفط) وباركه: ثالوث الاعلام(أقوى الاضلاع: 5 قنوات، و12 جريدة) والمحكمة العليا(أحياناً، ونحن هنا نخالف ما هو مُعلن بكونها صارت محايدة) وثالثاً: الكنيسة الكاثوليكية(التى ينتمى إليها دينيا 96% من السكان) بإستثناء الأب "أدولف روكاس" والذى عُرف عنه إلتزامه إلى جانب الفلاحين غير المالكين، وإلى جانب العمال الزراعيين، فقد إتخذ موقفاً واضحاً ومعلناً بدعمه "لتشافيز"، فى حملته الانتخابة فى كيبور، إذ أعلن:" إن السادة المطارنة لم يفهموا رهان هذه الثورة التى ستغير الاوضاع فى فنزويلا رأساً على عقب. أنى أشعر بكونى معنى كلياً بالمشروع الذى يقوده تشافيز سلمياً من أجل تضامن الفنزويليين وكرامتهم".
وإلى تلك الاضلاع الثلاثة يمكن إضافة "ألفريدو بينيه" محافظ كاراكاس، و"هنرى فيفاس" رئيس الشرطة، والذى نزع "تشافيز" منهما السلطة فى 16/11/2002، وردتها إليهما المحكمة العليا فى 19/12/2002.
إبتداءً من 2/12/2002 أى بداية الارتباك، تأخذ الأحوال فى الوضوح، وتبدأ الاجابات على الاسئلة المنهجية المتعلقة بالانقلاب وأطرافه، والتى فرضت نفسها فى لحظة تاريخية معينة، وإلى أن تستقر الاوضاع نسبياً فى أول فبراير2002، نتمكن أكثر من بلوغ شطآن الاجابة. يتعين هنا الوعى بإنعدام أى تعديل على نص السؤال المعنى بأطراف الصراع، إذ أن مَن قام بالانقلاب هو مَن قام بالتمرد والاضراب، ولنفس الاسباب. فإذ ما أخضعنا الفترة من 2/12/2002، بداية الأرتباك وحتى 1/2/2003 الاستقرار النسبى للرصد الواعى؛ فبإمكاننا ملاحظة عدة أحداث تسترعى الانتباه، وتؤهلنا لفحص المسألة الفنزويلية الراهنة برؤية أكثر دقة ووضوحاً:
فبعد أن بدأت الامور تسير من سيىء إلى أسوأ، تدخل البيت الابيض فى 15/12/2002، وطلب فى إجتماع لمنظمة الدول الامريكية(دول الامريكتين وجزر الكاريبى) سرعة إجراء إنتخابات حسماً للاضراب، لكنه الاقتراح الذى رفضه غالبية ممثلى الدول فى المنظمة، وإنتهوا، بل إكتفوا، بعبارة:" تدعيم المؤسسات الديموقراطية".
وفى 19/12/2002، حكمت المحكمة العليا، بإعادة فتح وتشغيل الشركة الوطنية للنفط. وتطبيقاً لهذا الحكم ؛ فقد قام "هوجو تشافيز" بنفسه، فى 23/12/2002 بقيادة حملة عسكرية لرد تمرد ناقلة البترول"بيلين ليون" مَعقل الاضراب، والتى أضرب عمالها على بعد نصف ميل غرب كاراكاس، وقام رجال البحرية بتفريغ شحنة الناقلة التى تصل إلى 280 ألف برميل.
تزامن ذلك مع رد تمرد الناقلتين" كورا" و" سوزانا دوجيم". وبعد المزيد من الاشتباكات الدموية، ومع المزيد من التدخل العسكرى، والتوسع فى إستخدام وسائل القانون العام القامعة لحركة التمرد، فقد أعلنت قوى المعارضة فى 2/1/2003، عزمها على التفكير فى وقف الاضراب الذى قادته منذ 2/12/2002، والإنتقال إلى وسيلة ضغط أخرى تتمثل فى العصيان المدنى، الأمر الذى دخل حيز التنفيذ الفعلى فى 7/1/2002. وهو أيضاً الإجراء الذى تصدى له "تشافيز"، معلناً فى اليوم التالى من مدرسة فى أحد الاحياء الشعبية غرب العاصمة:" انهم يسعون إلى التهجم على خزينة الامة عبر القضاء على حسابات مصلحة الضرائب، ولن نسمح بذلك وسنتخذ كل الخطوات التى تفرض نفسها".
ومن خلال إستخدام اللهجة التهديدية، ولغة الوعيد بإستخدام القوة العسكرية للسيطرة على المدارس والمصارف والمصانع وإغلاق القنوات التليفزيونية المعارضة، والقيام فعلياً بتجريد شرطة العاصمة من أسلحتها الثقيلة، والاستيلاء على أكبر مصنعين لإنتاج المياه المعدنية والبيرة، وعدة مصانع ومستودعات للاغذية، وفصل مئات العمال (الفنيين)من الشركة الوطنية للنفط، مع تسريح عدداً كبيراً جداً من المستخدمين فى الادارة المالية لهذه الشركة. بفضل كل ذلك، فقد تمكن "تشافيز" وعلى الرغم من الخسائر التى قدرت بنحو 4 مليار دولار، من إجبار المعارضة على التفاوض الذى بات مطلباً ضرورياً، بعد أن تحولت فنزويلا إلى دولة مستوردة للنفط، إذ إستوردت ولاول مرة فى تاريخها أول شحنة نفط من "بتروبراز" البرازيلية بلغ مقدارها 525 ألف برميل.
التفاوض إذاً كان حتمياً بعد أن ساءت الاوضاع بشدة وأنبأت الاحوال عن حدوث أزمة محققة على جميع الاصعدة، وهو الحال الذى لن تشهده فنزويلا مرة إلا بعد مرور عدة سنوات مثلها فى ذلك مثل العديد من الدول المرتبطة بالدولار الامريكى إرتباطاً وثيقاً حينما أصابتها بدورها أزمة الرأسمالية العالمية الراهنة.
بارك تلك المفاوضات، التى وكما سبق القول أصبحت ضرورة ملحة بعد أن إشتدت الازمة وأنذرت بما لا تُحمد عواقبه، كُل من الرئيس الامريكى السابق" جيمى كارتر" ومؤسسته، والذى تقدم بإقتراحين: إما تعديل الدستور على نحو يقلص فترة الرئاسة من ست سنوات إلى أربع سنوات، وإما الانتظار إلى شهر أغسطس من عام 2003؛ لإجراء إستفتاء طبقاً للدستور، وكذلك بارك ذلك التفاوض الأمين العام للامم المتحدة آنذاك" كوفى آنان" والخارجية الامريكية فى إجتماعهما يوم 12/1/2003 مع "كارلوس أورتيجا" و"تيموتيو زامبرانو"مفاوض المعارضة" كما توصل إليه إجتماع(كيتو) بحضور "أوريبى"، و"ريكاردو لاجوس" و"لوزادا" و"توليدو" و"لولا دى سيلفا" و"نينا باكارى" وزيرة الخارجية الاكوادورية" وسيزر جافيريا" الامين العام لمنظمة الدول الامريكية".
أثر هذا الاهتمام والتدخل الدوليين(وهو الامر غير المألوف بهذا الشكل بوجه عام) تشكلت مجموعة أصدقاء فنزويلا بتوليفتها المنطقية !! البرازيل وشيلى والجزائر، والتى تعد حليفاً نفطياً مهماً لفنزويلا والمملكة السعودية والمكسيك، إلى جوار كل من: الولايات المتحدة الامريكية والبرتغال وأسبانيا!! ومن الجدير بالذكر أن البرازيل رفضت، طبقاً لتصريح وزير خارجيتها، طلب فنزويلا بتوسيع نطاق المجموعة بإدخال (كوبا، والصين، وفرنسا، وروسيا، والدومينكان)بدعوى :" الحفاظ على التوازن الحساس"
ومهما يكن من أمر؛ فقد توصل(الاصدقاء) على ما يبدو إلى حلول جيدة، ومُرضية على الصعيد العالمى!! أدت إلى إعلان المعارضة فى أول فبراير 2003 الرفع الجزئى للإضراب فى قطاعى الصناعة والتأمين، دون قطاع النفط(مكمن الازمة نفسها) ولكى تُعلِن فى 3/2/2003 رسمياً إنهاء الإضراب واللجوء تارة أخرى إلى العرائض المطالبة بإجراء إنتخابات جديدة. ولتنتهى المسألة الفنزويلية على هذا النحو، ظاهرياً، بثلاثة أمور:أولاً: توقيع إتفاق وقف العنف بين الحكومة والمعارضة، من أجل الديموقراطية والسلام فى 19/2/2003، ولكى يلقى القبض على "فرنانديز" مع تحديد إقامته؛ بتهمة التحريض على الجريمة والعصيان المدنى، وذلك قبل مرور24 ساعة على الاتفاق المذكور. الامر الثانى: ويتمثل فى توجيه النقد، الرسمى، الحاد فى24/2/2003، لكُلٍ من الولايات المتحدة الامريكية، وأسبانيا؛ كأصدقاء غير مخلصين!! أما الامر الثالث: فقد تبدى بإسترداد فنزويلا لطاقتها الانتاجية"النفطية"وعودتها إلى الكمية المقررة لها فى الاوبك، وذلك طبقاً لتصريح "رانجل" فى سانتايجو فى24/3/2003، وهو التصريح الذى أثبتت الايام التالية صدقه.
لعل إنتظارنا حتى يوم 2/12/2002 ورصدنا لما بعده، كانا مفيدين فى سبيلنا للالمام بعناصر الاجابة على تساؤلاتنا الاولية، حول: أطراف الصراع، ودور الولايات المتحدة الامريكية والدائرين فى فلكها. وإلى هنا تنتهى خطوتنا الفكرية الاولى التى أردناها مدخلاً لفحص الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الراهنة فى فنزويلا، ومن هنا كذلك تبدأ خطوتنا الفكرية الثانية، التى تمثل إمتداداً منهجياً للخطوة الأولى، بهدف تقديم إجابة على الاسئلة المطروحة. بالتعرف ليس فقط على مسرح الاحداث ذاته، أى التعرف على شخصية فنزويلا "الدولة، والإقليم"، بل والتعرف كذلك على السلعة الدائر من أجلها الصراع المحموم. وهو ما ننشغل به فى الفصل القادم بمبحثيه.
هوامش الفصل الثانى
(1) فى سبيل تكوين الوعى بشأن وقائع هذا الانقلاب وتسلسل أحداثه وإستعراض نتائجه، إعتمدت على "وسائل الاعلام" الاتية، وهو الامر الذى يتطلب الحذر بطبيعة الحال:
الاهرام، البيان، البعث ، السياسة، الشرق الاوسط، العالم اليوم، الوطن. لأعداد مختلفة، وكذلك إستعنت، ولأعداد مختلفة أيضاً، ببعض أهم الصحف الصادرة فى أوروبا والولايات المتحدة الامريكية:
The Economist- Herald Tribune- The Independent- Le Monde- The New York Times.
كما إستعنت بالمواقع الالكترونية الأتية :
www.BBC.com,www.CNN.com,www.Aljazeera.net,www.UN.org,www.Mondiblor.com.
www.Bussines.com. http://www.Peopledaily.com Swissinfo.org. http://www.state.gov-hugo-chavez&spell
كما كان لنا مرجعاً رئيسياً للمقارنة والترجيح فى مقابل وسائل الاعلام(والتى تغير موقف البعض منها كلية خلال الفترة الممتدة من بدء الانقلاب وحتى عودة الرئيس إلى القصر الجمهورى، من النقد إلى النقد، وإنما ليس نقد الرئيس، كما كان الموقف فى البداية، وإنما نقد الانقلاب وقاداته) كتاب بارت جونز: "هوغو" قصة هوغو تشافيز من الكوخ الطينى إلى الثورة المستمرة" ترجمة: بسام شيحا، وأمين الايوبى، الدار العربية للعلوم ناشرون. بيروت 2009.ولعل الراصد للموقف سيلمس بسهولة الثراء النسبى للمسألة الفنزويلية، من جهتى التناول والتحليل على صعيد فعل الكتابة؛ إذ ظهرت وفى وقت وجيز جداً، وهذا فى الواقع مأخذ، مجموعة كتابات عالجت المسألة الفنزويلية، بيد أن (كُل) ما وقع تحت أيدينا منها، كان أسير النزعة الخطية والرؤية الادائية الميكانيكية، ولم يستطع أن يتحلل منهما إلى رحابة النظرة الجدلية وغنى المدخل الهيكلى، وبصفة خاصة وأن أكتنف هذا الانتاج النظرى على مستوى فعل الكتابة حالة، دون مبرر واضح، أقرب ما تكون إلى الاجهاض الفكرى. هذا الانتاج النظرى الناظر فى تحليل المسألة، بالنظر إلى طبيعته السطحية، كان يتعين أن يقف بمجرد إنتهاء الأزمة. وهو الامر الذى حدث فعلياً، وصار الانتاج النظرى التالى على التحليل السطحى لا يقل سطحية كما ذكرنا بالمتن.
(2)
" . . . . . .With yesterday s resignation of President Hugo Chávez, Venezuelan democracy is no longer threatened by a would-be dictator. Mr. Chávez, a ruinous demagogue, stepped down after the military intervened and handed power to a respected business leader, Pedro Carmona. But democracy has not yet been restored, and won t be until a new president is elected. That vote has been scheduled for next spring, with new Congressional elections to be held by this December. The prompt announcement of a timetable is welcome, but a year seems rather long to wait for a legitimately elected president Washington has a strong stake in Venezuela s recovery. Caracas now provides 15 percent of American oil imports, and with sounder policies could provide more. A stable, democratic Venezuela could help anchor a troubled region where Colombia faces expanded guerrilla warfare, Peru is seeing a rebirth of terrorism and Argentina struggles with a devastating economic crisis. Wisely, Washington never publicly demonized Mr. Chávez, denying him the Role of nationalist martyr. Rightly, his removal was a purely Venezuelan affair . . . . . ."
The New York Times, 13/4/2002
(3) بارت جونز، هوجو، المرجع السابق(ص 373- 375)
(4) الجبهة الساندينية للتحرير الوطنى (FSLN) حزب سياسى فى نيكاراجوا، سيطر على السلطة خلال الفترة من 1979 حتى 1990. سُمى الحزب بهذا الاسم تيمناً بسزار ساندينو (1895 - 1934) أحد أبطال المقاومة فى نيكاراجوا ضد الإحتلال الأمريكى (1927 إلى 1933) تأسس الحزب فى عام 1962، معادياً لدكتاتورية عائلة سوموزا. هاجموا الحرس الوطنى فى نيكاراجوا من قواعدهم المنتشرة من هندوراس حتى كوستاريكا. إنقسم الحزب لعدة فئات فى منتصف العقد 1970، ولكنهم توحدوا مرة أخرى إبان ثورة 1978 - 1979، ونجحوا فى الاطاحة بالرئيس أناستاسيو سوموزا. خسر الحزب الكثير من الشعبية مع حلول العام 1990 حتى فقد السلطة. لكن الحزب عاد للسلطة مع فوز "دانيال أورتيجا " بالانتخابات، وهو رئيس نيكاراجوا الحالى.
(5) إعتمدت فى سبيل تكوين هذا الوعى على نفس المصادر المذكورة فى الهامش رقم (1) بالإضافة إلى المواقع الالكترونية التالية:
www.infoplease.com/biography/var/hugochavez.html
www.notablebiographies.com/news/Ca-Ge/Ch-vez-Hugo.html
www.lcsc.edu/elmartin/historybehindthenews/mccoy/bio.html
(6) بارت جونز، هوجو، المرجع السابق(ص452)



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (5)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (6)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (7)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (2)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (1)
- خاتمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- مقدمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- ملخص كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- التكامل الاقتصادى العربى كإمكانية
- تسرب القيمة الزائدة وتجديد إنتاج التخلف
- موجز تاريخ الرأسمالية
- الأهم من الاجابة، هو الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لانتاج ...
- جذور التخلف الاجتماعى والاقتصادى، مصر، كنموذج
- جدلية القيمة الزائدة فى رأس مال كارل ماركس
- الديالكتيك فى رأس المال
- تطوير النظام التعليمى فى مصر، بقلم أستاذنا الدكتور محمد دويد ...
- من الفكر الإجتماعى والإقتصادى العربى فى شمال إفريقيا والأندل ...
- قبل أن نبتهج بالثورة إبتهاج البلهاء فى بلاد البله، لأن ربنا ...
- قبل أن نبتهج بالثورة إبتهاج البلهاء فى بلاد البله لأن ربنا ع ...
- تجديد إنتاج السلطة


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)