أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 5















المزيد.....


الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 5


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 07:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




عن المراحل التاريخية

أسدلت إنتفاضات الشباب العربي الستارعلى مرحلة في الحكم وافتتحت مرحلة جديدة يمكن تسميتها بالأسلامية . صحيح انه لم يتم اهالة التراب على قبرها بعد ، فما زال القبر مفتوحاً لأستقبال رفات بقايا انظمتها . الآّ انّه يمكن القول بأطمئنان بأنّ تلك المرحلة التي يمكن تسميتها بالقومية [ 1952 الى 2011 ] غادرت مسرح الاحداث ولم تعد بقاياها تملك ما كانت تملكه من تأثير اقليمي [ في ما يخص الصراع العربي الأسرائيلي ، الذي تحكمت به اطروحة الممانعة لعقود تجّمد فيها الزمن ، اذ لا حرب ولا سلام . لكأنّ مرور الزمن لا يعني شيئاً بالنسبة لنظام الأسد ] ومن تأثير داخلي ، [ بعد ان استولت فكرة التغيير على وعي الغالبية العظمى من الشعوب العربية .] استمدت السلطات السياسية في المرحلة الجديدة شرعية وجودها في الحكم من صناديق الأقتراع ، وليس من السيف الذي تحكمت قوته بولادة وسقوط الدول في العالم العربي مدة 14 قرناً . ترتبط صناديق الأقتراع بدورية الأنتخابات ، التي يتحول فيها التداول السلمي للسلطة الى حقيقة من حقائق الممارسة السياسية . ولقد تم ذلك بالفعل في تونس ومصر والمغرب واليمن، فحولت هذه البلدان ولأول مرة في تاريخها التعددية السياسية والفكرية الى مفهوم امني . أي لم يعد هدف الأجهزة الأمنية والعسكرية مطاردة المعارضة بل حمايتها ، وذلك انجاز تاريخي كبير، إجتازت في ظله جماهيرهذه الأقطار حد الرعية الى فضاء المواطنة . وانطلاقاً من هذا الأنجاز صار بالأمكان الحديث عن بزوغ قوّة جديدة هي الشعب : تحكمت بآليات اشتغال مؤسسات الدولة وحوّرت أهدافها ، مثلما تحكمت بطرائق وصول السلطات الى سدة الحكم . وتشير احداث التاريخ العربي المعاصر الى انّ المراحل التاريخية ــ اذا جاز لنا ان نستخدم هذا التحقيب ــ التي مرّ بها العالم العربي [ المرحلة الليبرالية ، المرحلة القومية ، المرحلة الأسلامية القادمة ] لا تنضج وتتكامل ملامحها من غير ريادة مصر لها ، اذ قدمت مصر في هذه المراحل نموذجاً رائداً نسجت على منواله معظم الدول العربية . وهذه المسألة لا تتعلق بعبقرية خاصة ، بقدر ما هي استجابة لعوامل وشروط تاريخية وجغرافية وسكانية وثقافية ، تدفع بمصرلتكون السبّاقة الى افتتاح المراحل التاريخية . ومثلما دفعت هذه العوامل بمصر الى اجتراح معجزة الحضارة الزراعية في عصور ما قبل الميلاد ، دفعت بها في العصر الحديث { القرن/19 } ــ خاصة بعد حملة نابليون بونابرت ــ الى التصدي لمعالجة مسائل النهضة والتنمية وتحديث الدولة . وبعد الحملة البونابرتية لم تكتف مصر بمحاولة الأستقلال عن الحكم العثماني ، بل نازعت العثمانيين سلطة الخلافة في عهد محمد علي باشا ، في الوقت الذي كان فيه المشرق العربي غارقاً في صراعاته الطائفية والقبلية ... واذا ما تجاوزنا الكثير من الأحداث واشرفنا على المرحلة الليبرالية فستواجهنا زعامة سعد زغلول التي أجمع المصريون على قيادتها . وهي زعامة غير مسبوقة في العالم العربي . تجاوز نضج خطابها السياسي والفكري ، ثورات زمانها كثورة التنباك { المشروطة } التي قادت الى تأكيد الحضور السياسي لعلماء الدين الشيعة في الحياة السياسية في ايران ، مثلما تجاوزت في تلاحمها الوطني انجاز المؤسسة العسكرية التركية بقيادة أتاتورك في الغاء الخلافة وقيام الجمهورية 1924 التي ادت ــ رغم علمانيتها ــ الى بناء دولة لا حقوق تمثيلية فيها لغير العنصر التركي ، متنكرة لوجود الكرد والعرب ولباقي الطوائف كالطائفة العلوية . وفي بدايات تشكل المرحلة الليبرالية تبنت مصر المشروع النهضوي بدءاً من رفاعة رافع الطهطاوي ، وليس انتهاءاً بطه حسين ، اذ مايزال مشعل التنوير مضاءً باقلام الأجيال اللاحقة التي قدمت من أجله التضحيات لم تكن آخرها مأساة فرج فودة ، ولا محنة الراحل نصر حامد ابو زيد . ومصر هي التي سبق اسلاميوها غيرهم الى تأسيس تنظيم الأخوان المسلمون عام 1928 . أقول ذلك لأشير الى ان مسار الأحداث لم يحالف ستراتيجية بناء دولة حديثة في العراق التي اعلنت عنها ــ كهدف تاريخي لها ــ القوى السياسية التي جاءت بها الى سدة الحكم : الأنتخابات التي جرت بعد حدث السقوط والأحتلال 2003 . فشريط الأحداث الذي جرى منذ ذلك التاريخ لم يكن مفصلاً على مقاس هذه الرغبة الآيدلوجية . بل قدم ــ على العكس من ذلك ــ شهادة تاريخية أثبتت بان التخندق الطائفي او الحزبي الضيق لا يساعد على تحقيق هذه الستراتيجية المتقدمة تاريخياً . ثم جاء شريط احداث انتفاضات الشباب العربي ليؤكد على ذلك ، وليذكرنا بحقيقة التأثير الثقافي العربي المتبادل ، والذي تنقلت شرارته بسرعة البرق من شمال افريقيا الى سوريا في المشرق ، والى اليمن والبحرين في قلب شبه الجزيرة ، وهي تردد الشعارات ذاتها ضد الفساد والأستبداد . ماذا يعني ذلك ؟ انه يعني : بان الشعوب العربية تستطيع ان تتجاوز حواجز ثقافاتها الفرعية : الطائفية والقبلية في اللحظات الثورية ، اذا ما استولت على وعيها السياسي مقولات سياسية حديثة وليست موروثة . بعبارة اخرى ان شعوب العالم العربي تتوحد في اللحظات الثورية ، على اهداف داخلية تتعلق بتحسين شروط حياتها السياسية والأقتصادية ، وتنقسم وطنياً على نفسها الى جماعات متناحرة ، اذا كانت المقولات الموروثة هي التي تتحكم بوعيها السياسي [ حماس ، حزب اللّه ، احزاب الطوائف الحاكمة في العراق ] . وهذا ما حدث في بلدان الموجة الديمقراطية الأولى التي فرض الخارج عليها آلية الأنتخابات : فلسطين بعد اتفاقية أوسلو ، والعراق بعد السقوط والاحتلال عام 2003 ، وقبلهما لبنان . اذ تحولت الديمقراطية في هذه البلدان الى ديمقراطية أغلبية طائفية او قبلية او عرقية او مناطقية . وبأزاء هذه الحقيقة التاريخية الدامغة ورداً على انتفاضات الشباب ، تغنت الأجهزة الأعلامية لهذه الدول بأهزوجة : الأسبقية الزمنية في الممارسة الأنتخابية ، لتوحي وكأن الشباب العربي يسابق الزمن للحاق بهم ولمحاكاة تجاربهم الديمقراطية المزعومة. ان أطروحة الاسبقية الزمنية في اجراء الأنتخابات بما تحمله من غرور تاريخي لا يستحقه مدعيه ، تشي بالسعي الثابت لحكومات هذه البلدان الى تأبيد سيادة الوعي الطائفي والمناطقي ، وحرمان شباب بلدانهم من استعادة اللحمة الوطنية المفقودة . ومن غير العودة مجدداً الى الحديث عن تدويل الصراع الطائفي في سورية الذي تطرقنا له في حلقة سابقة ، سأشيرالى ان التدخل في الشؤون الأقليمية ، في اللحظات الثورية ، مغامرة غير مضمونة العواقب . وحري بحكومة العراق ــ الذي امضى نظامه السابق ربع قرن من تاريخه منغمساً بحماسة في محيطه الأقليمي : متآمِراً أو مُتآمَراً عليه ــ الأصرار على تجنب هذا الميل القوي لدى الدولة في العراق في كل أطوارها الملكية او الجمهورية . من الحكمة ان لا تكون الحكومة العراقية قد ربطت نفسها بأي تعهد للنظام السوري لكونه بحكم الساقط عسكرياً . واذا ما كانت قد فعلت ذلك ، تكون قد ربطت وجودها بموازين قوى خارجية . قد يقول البعض : ان هذا ربط غير منطقي . كيف يصبح مصير حكومة منتخبة داخلياً مرتهناً للخارج ؟ ونقول بأن وشائج الداخل بالخارج الأقليمي ــ العربي وغير العربي ــ أقوى الآن مما كانت عليه في العهد السابق . إلاّ أنها وشائج طائفية ، وهنا مكمن الخطر . فحكومة اغلبية طائفية في الداخل تصبح اقلية في محيطها الأقليمي السني ، الذي لم تكف بعض تياراته عن التدخل بالطريقة الهمجية المعروفة . فما الذي يمنع تياراته التي تدعي الأعتدال ، وقد اصبحوا في السلطة ، من التدخل انطلاقاً من مقولات طائفية ــ ترى في التدخل ضرورة من ضرورات حماية أبناء الطائفة أو أية اعذار اخرى تجيد بها قريحة التأويل الطائفي { كيف نفسر موقف الحزب الأسلامي الحاكم في تركيا والموصوف بالأعتدال ، مما يجري في سوريا من صراع ؟ } ــ ولنعد لحكاية المراحل ولنعزز ما نقول بمثال منها : ولنقل بأنّ المرحلة القومية كانت في بداياتها ثورية ــ وهوما يميز المراحل الجديدة في اي تاريخ محلي عما سبقها ــ ، قامت فيها بالكثير من الأنجازات الكبيرة ، في مجالات الزراعة والتعليم والصحة والسيادة وتحرير الثروات الوطنية . هيأت هذه الأنجازات الأرضية لبعث مفهوم الزعامة ، الاّ ان حضوره او تعريفه لا يتكامل في وعي الناس ـ كمفهوم موروث ــ ، من غير موقف بطولي . وجاءت الفرصة بعد اتخاذ قرار تأميم قناة السويس وما تبعه من عدوان ثلاثي . وكان صمود القيادة المصرية لذلك العدوان ، هو الفرصة التي رفعت جمال عبد الناصر في عيون الملايين الى مصاف البطل التاريخي ، والى زعيم لاينازع . ولو تمعنت الحكومة القائمة في العراق بما جرى في بدايات تلك المرحلة ، لتفادت اتخاذ موقف منحاز الى جانب النظام السوري في بلد تمتاز قضيته بالتعقيد الشديد وبتدخل الخارج المتصاعد في مجرياتها . اذ كلما تصاعد التدخل الخارجي الأقليمي والدولي ، كلما طلب من الحكومة العراقية ان تعلن عن انحيازها بوضوح ، وهذا ما سيكلف العراق ــ الذي توقفت فيه خطط التنمية والتحديث منذ عام 1980ــ كثيراً . وتقدم لنا السياسة الخارجية في السنوات الخمس التي حكم فيها الزعيم عبد الكريم قاسم ، مثالاً على مصائر حكومة لم تستوعب حقيقة تبادل التأثر والتأثير الثقافي السريع بين الشباب العربي في بدايات قيام المراحل . [ ينظر المؤرخون الى نظام الزعيم قاسم 1958 ــ 1963 والى شخصه نظرة ايجابية . فنظامه في رأيهم اكثر تسامحاً ، واقل قسوة من نظام الزعيم عبد الناصر في الموقف من المعارضة . كما انه كان الى حد كبير نظاماً منفتحاً على التعددية الفكرية والسياسية ، مقارنة بنظام عبد الناصر .] انتهج الزعيم قاسم سياسة اقليمية ذات بعد ستراتيجي معاكس في توجهاته لستراتيج الوحدة العربية الفورية التي انتهجها الزعيم جمال عبد الناصر، وطبقها في الوحدة مع سورية . وكانت تلك الوحدة في وعي الشباب العربي انجازاً تاريخياً جديداً يضاف الى انجازات الزعيم ناصر . فالتهب حماسهم ، وتعمق ايمانهم بصحة خطوات الزعامة الناصرية . هكذا تماهى وعي الشباب العربي بالزعيم ناصر كرمز عربي لمرحلة الأنبعاث القومي . وصارت خطابات الزعيم ناصر التي تصل عبر الهواء الى مختلف ارجاء الوطن العربي ، برنامجاً سياسياً يسترشد به الشباب في مختلف البلدان العربية ...... في لحظات الهيجان الثوري تفوز فكرة واحدة لا أكثر ، تصبح بمرور الزمن المفتاح الى لمنظومة فكرية متكاملة . لقد تصدر الشباب العربي المشهد السياسي في الساحات العامة بفكرة واحدة هي دورية الأنتخابات . لم تكن هذه الفكرة غير معروفة لعموم الناس . ففي عصر ثورة الاتصالات لم تعد القراءة والكتابة الطريق الوحيد للمعرفة . لقد وعى الناس اشكال الحكم ، واكتشفوا وجود طرق اخرى الى السلطة ، غير طريق الأنقلابات العسكرية . الاّ ان روح البطولة التي تحلى بها الشباب وهم يتحدّون الأجهزة الأمنية والعسكرية المجهزة بمختلف انواع الأسلحة ، ويحتلون الساحات العامة ، هي التي جعلت هذه الفكرة تنتصر في وعي الجموع الغفيرة التي بدأَت تلتحق بساحات الشباب ، محوّلة هذه الفكرة الى مفهوم سياسي ، ثم الى عقيدة سياسية ، سالت من اجلها الدماء . ولو تمعنا قليلاً بهذا المشهد لأكتشفنا بأن الدم العربي سال لأول مرة من أجل فكرة كانت الى وقت قريب مرفوضة ومبشّعة في وعي الشعوب العربية ، كفكرة مستوردة ولا تمت بأية صلة لموروثنا ، وهي حصان طروادة الغزو الثقافي الأوربي المسيحي الصهيوني ، في الداخل العربي .[ راجع المشهد السياسي لكافة البلدان العربية خاصة في اربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم ، وستكتشف ان السر وراء انصياع الجماهير لقيادة هذا الحزب او ذاك الزعيم ، كامن في ما كانا يضربانه من أمثلة في التضحية وروح والبطولة ، وليس في ما يقدمانه من افكار ونظريات لجماهير امية في الغالب الأعم . وحين تراجعت هذه الشخصيات والأحزاب عن هذه الروحية ، حل محلها الأسلاميون الذين نجحوا في اختبار امتحان البطولة .] ولو تأخر الأسلاميون عن الألتحاق بالساحات العامة ، وحقق الشباب الشئ نفسه الذي حققوه لاحقاً ما حققوه لاحقاً ، لتحولت انتفاضاتهم الى ثورة بكل ما تحمله كلمة الثورة من معنى كلاسيكي . ولخرجت علينا دساتير جديدة فيها الكثير من الشطب للحقوق وللتشريعات القديمة ، ولتبوأت المرأة مركز الصدارة في التشريعات الجديدة . قد تساعدنا هذه الصورة التي رسمناها لأنتفاضات الشباب العربي في المرحلة الثورية الجديدة على تصور المد الثوري للفكرة القومية في نهاية الخميسنسات وبداية الستينيات . ولسهل علينا تصور موقف الزعيم عبد الكريم قاسم في سياسته الخارجية على المستوى العربي ، وكأنه سباحة ضد التيار . وكانت النتيجة ان خسر العراق مرتين : مرة بما تسبب به النشاط المناوئ لنظام قاسم المدعوم من الزعيم ناصر ، من اضطرابات ومواجهات دموية في مدينتي كركوك والموصل [ وهذا ليس نقداً ولا يتضمن أية إدانة ، لأن الزعيم ناصر كان يعتقد بأنه يسعى لهدف ثوري ، يقف نظام الزعيم قاسم عقبة في طريقه . ولا نريد ان نقول أكثر مما قالته وقائع الاحداث اللاحقة من ان ناصر وغيره من زعماء التيار الوحدوي البسماركي ، قد عادوا لاحقاً الى العمل عربياً بالسياسة نفسها التي انتهجها الزعيم قاسم . مما يؤكد لنا بأن العامل الثقافي وحده لا يقطع بوجود القومية الواحدة . وهو ما يفسر لنا الفشل الذي اصاب الوحدة المصرية السورية او أي شكل آخر من اشكال الوحدة .] ومرة حين سقط نظام قاسم نفسه بانقلاب عسكري كان مدعوماً أيضاً من الزعيم ناصر . هذا مثال نسوقه لتوضيح كيف تمت الأطاحة بنظام سياسي كان يحوز على شعبية لما حققه من انجازات وطنية ، عززها سلوك قاسم الذي كان اقرب في حياته اليومية من حياة المواطن البسيط . ونسوقه لتوضيح قوة التأثير الثقافي العابر لحدود الأقطارالعربية في المراحل الثورية . واذا كانت المرحلة الجديدة التي وصفناها بالأسلامية [ تمثل حركة الأخوان المسلمون السنية دور الفاعل السياسي الأساسي الذي سيحل تأثيره تدريجياً ــ في الوسط المعتدل ــ محل تأثير حزب العدالة التركي . ] قد شرعت ابوابها ، فأنّ السياسة الخارجية للعراق على المستوى العربي يجب بالضرورة ان تأخذ هذه الحقيقة السياسية مأخذاً جدياً ، لكي يتفادى العراق الأحتكاكات وعمليات التآمر . ونحن نرى بأن المرحلة الأسلامية ابتدأت في العالم العربي ما ان اقترع المصريون لصالحها ، حتى وان كانت المبادرة فيها انطلقت من تونس . لقد سبقت تونس مع حكم الزعيم ابو رقيبة غيرها من البلدان العربية في التأسيس لنهضة حداثية على مستوى التشريع ، ولكن تأثيرها ظل معزولاً ، ولم تستطع ان تمده خارج الحدود التونسية . في الوقت الذي لم تستطع هي والمغرب والجزائر صد رياح الفكرة القومية الهابة بقوة عليها من الحدود المصرية ، والتي تجلى تأثيرها المباشر في حملة التعريب في البلدان الثلاثة ، وفي ما مارسته من تأثير على آفاق التطور السياسي الداخلي لهذه البلدان . بالمثل لم يستطع اي بلد عربي ان يسبق مصر في التأسيس لصناعة السينما والمسرح . لقد اصّلت مصر اصول الثقافة العربية الحديثة في الموسيقى والرواية والنقد الأدبي والقصة القصيرة بأسبقية زمنية وابداعية . ولم ينس العالم لها هذا الدور الريادي ، فكرمها بتكريمه لنجيب محفوظ ــ مؤصل أصول السرد الروائي الحديث في اللغة العربية ــ بجائزة نوبل [ تظل نوبل ــ مهما قيل عنها ــ دلالة على ما يتمتع به الكاتب او الشاعر من اهمية استثنائية في عالم الأبداع الأدبي . والأهمية الأستثنائية لنجيب محفوظ تتمثل في ريادته لهذا الفن على مستوى التكنيك والأسلوب في الأدب العربي ، ولا يضير ريادته وجود هذه الرواية او تلك ، في هذا البلد العربي او ذاك . فليست المسألة مسألة سبق زمني . نجيب محفوظ حول هذا الفن الى ظاهرة في الثقافة العربية وهنا تكمن اهميته . وليس من الموضوعية في شئ القول بأن نجيب محفوظ استولد فنه الروائي مباشرة من المقامات { فكرة قومانية ضيقة } ، من غير ان يطلع على الأدب العالمي ] افتتحت مصرعربياً المرحلة القومية عام 1952 وعممت من خلالها شكلاً خاصاً من اشكال الأنظمة السياسية ، هي أنظمة مجالس قيادة الثورات العربية . وهي تعمم الآن طريقاً جديداً الى الحكم ، منهية دورة تاريخية من الأنقلابات العسكرية . وكان يمكن لنا ان نؤرخ لبداية هذه المرحلة بحكم الأسلاميين في العراق عام 2003 . الاّ ان المراحل التاريخية لا تسمى كذلك إلاّ اذا كانت قد تخلّقت داخلياً ، تلبية لضرورات داخلية لا خارجية ، وحملت بين حناياها كتجربة شيئاً من الأشعاع الثوري . قبل 2003 كان التغيير مطلب داخلي شعبي . كان ضرورة داخلية ملحة ، لشمولية الضرر الذي تسببت به سياسات النظام السابق لكل اوجه الحياة . الآّ انه لم يتم انجازه بأداة داخلية متماسكة ، حازت قبل الضربة العسكرية على شبه اجماع وطني . [الفرصة بالفوز ببطولة ما زالت عظيمة امام الأحزاب الحاكمة في العراق ، بالعمل الجاد والمسؤول في الميادين الأقتصادية والأجتماعية ، وستكون فرصتهم اكبر لو استطاعوا ان يجتثوا الفساد ] فانشطر العراقيون في الموقف من التغيير ، وما يزال هذا الأنشطار ينعكس سلباً على كل اوجه الحياة الأقتصادية والأجتماعية والثقافية ، ويتعمق مجراه مع الزمن حتى وصل تأثيره الحاد الى تخوم الخطاب السياسي الرسمي . الذي رفع الى السطح ما كان غاطساً من علاقة بين التجمعين الحاكمين بقيادة السيد رئيس الوزراء والدكتور أياد علاوي . وبسبب من هذا الأنشطار الوطني افتقد التغيير في العراق فعاليته التاريخية ، ولم يشكل طوال عقد كامل من السنوات نموذجاً مشعاً تغري اضواؤه شباب العالم العربي أو شبيبة العالم . ومن المعروف ان التجارب التاريخية المشعة تفرز نتاجاً فكرياً ونظرياً محايثاً لها ، يمكن ان يضيف شيئاً الى الوعي السياسي للشعوب الأخرى . ولكن الطرفين : امريكا والأحزاب التي شاركت في الحكم في الدورتين الأنتخابيتين ، لم تقدما تنظيراً يعكس تجربة فريدة او خلاّقة ، مما يوحي بأن التجربة تعاني من الأنسدادات الكثيرة . وطالما ان لا احد من طرفي الصراع من القائمتين الفائزتين بالانتخابات يفكر بمزاولة نقد ذاتي ، فليس في الأفق ما يلوح ببادرة أمل في اصلاح او في تغيير في الستراتيجية السياسية المتبعة . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ــ تواصلاً مع الحلقة الرابعة ــ هل سينجح الأسلاميون فيما فشل في تحقيقه القوميون ، ويقدموا في الممارسة لا في التصريحات ، اجوبة ناجعة حول مسائل : التنمية والتحديث والحريات ، التي ما زالت تشير الى نفسها كمهمات راهنة . طاما ان التيارين القومي والأسلامي ينطلقان من منظومة فكرية واحدة ؟ هذا ما سنحاول مناقشته في المقالة القدمة .



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن قضية المرأة
- الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 4 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسالة الأقليات 3 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 2 من 6
- خارطة الشرق الأوسط ومسألة الأقليات 1 من 6
- الرحلة الى العراق


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الشرق الأوسط ومسألة الأقليات / 5