أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحسين أيت باحسين - الأمازيغية وعلاقة السياسي بالثقافي















المزيد.....

الأمازيغية وعلاقة السياسي بالثقافي


الحسين أيت باحسين

الحوار المتمدن-العدد: 3652 - 2012 / 2 / 28 - 08:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أولا: ما هي الإضافة النوعية للتناول السياسي للقضية الأمازيغية؟
بداية، أتمنى لك (سنة جديدة سعيدة) بمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة 2957 (الموافق ل 2007 الميلادية و 1428 الهجرية و 5767 العبرية).
ولنعد إلى سؤالك، إذا كان المقصود منه: "ما هي المكاسب التي يمكن انتزاعها للقضية الأمازيغية من خلال الممارسة السياسية؟" فدعني قبل الإجابة عنه، أحدد العلاقة بين "الثقافي" و"السياسي" أو بين"المطلب الثقافي" و"الممارسة السياسية" بصفة عامة، وعلاقة بالقضية الأمازيغية بصفة خاصة. انطلاقا من اقتناع ناتج من تجربة لأزيد من 37 سنة في النضال الأمازيغي؛ بل ومما يثبته الواقع أيضا؛ يستحيل تصور الفصل بين "ما هو ثقافي" و"ما هو سياسي" . فمن يستطيع أن يفصل بين"الفكر الأرسطي" و"المشروع السياسي للإسكندر المقدوني" في العصر اليوناني؟ أو بين "دار الحكمة" و"المأمون" في العصر العباسي؟ أو بين "الثورة الثقافية" و"الثورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسة" في عصر الأنوار الأوروبي؟! ولكن الدرس التاريخي و"الدِّييُّونتولوجي" (الأخلاقي المهني) الذي ينبغي أن نستنتجه من هذه التجارب المرتبطة بالعلاقة بين "الثقافي" و"السياسي"، يمكن أن نفصل فيه بين ثلاث مستويات:
التجارب التاريخية التي نجحت في تدبير علاقة "الثقافي" ب "السياسي" وأبدعت في تدبير هذه العلاقة؛ برهنت على أن هذه العلاقة تضافرية مشروطة بكون: "المثقف له عمق سياسي" و"السياسي له عمق ثقافي" بالمشروع الحضاري لمجتمعهما.
1 – المثقف هو قبل كل شيء مثقف، والسياسي هو قبل كل شيء سياسي؛ بديهية تثبتها الممارسة الواقعية؛ وتلك علاقة الفصل بينهما؛ أما علاقة الوصل بينهما فمعيارها هو الكفاءة أولا والكفاءة ثانيا والكفاءة ثالثا، كل في مجال اختصاصه وممارسته،
2 – المثقف واع ب"العمق السياسي" لاستراتيجية مشروع السياسي بل ومشارك – بشكل مباشر أو غير مباشر - في صنع تلك الإستراتيجية أو منخرط في تحقيقها؛ والسياسي واع ب"العمق الثقافي" بل وموظف لهذا العمق الثقافي في مشروعه السياسي وفي تدبير شؤون مجتمعه،
–3 التجارب التاريخية التي نجحت في تدبير علاقة "الثقافي" ب"السياسي" وأبدعت، في تدبير هذه العلاقة، برهنت على أن هذه العلاقة تضافرية.
أما بالنسبة للمكاسب التي يمكن انتزاعها للقضية الأمازيغية؛ لا من خلال الممارسة السياسية فقط، بل ومن خلال تعميق النقاش الثقافي مع مكونات المجتمع المدني؛ فسأختصرها في ثلاثة مكاسب مبدئية:
1 – المكسب الأول الذي ينبغي، في نظري ومن حيث المبدأ، انتزاعه للقضية الأمازيغية؛ هو ضرورة الوعي بأن تدبير الأمازيغية هو تدبير لقضية واقعية؛ وأن سياسات محاولة إماتتها وسياسات إخفاء الشمس بالغربال وكذا السياسات التأجيلية والانتظارية؛ التي انتُهِجتْ لأزيد من خمسة عقود - بعد استقلال المغرب - أثبتت فشلها ! ولن يشكل التمادي فيها إلا تأجيلا وتأخيرا لحل معضلات المجتمع المغرب برمته،
2 - المكسب المبدئي الثاني هو ضرورة تدبير الاختلاف والتعدد تدبيرا إيجابيا وملموسا؛ فمن يستطيع أن ينزع، بمجرد فنون الخطاب الإيديولوجي و الديماغوجي، عن المجتمع المغربي مظهره الأساسي المتمثل في الاختلاف والتعدد؟!
3 - أما المكسب المبدئي الثالث فهو ضرورة تغيير السياسيين وكذا الإعلاميين لنظرتهم تجاه القضية الأمازيغية؛ فلا يعقل – مثلا – أن تصدر من أعلى سلطة سياسية في البلاد إرادة سياسية واضحة في تدبير ملف الأمازيغية – مرة مع المرحوم الملك الحسن الثاني ومرة مع جلالة الملك محمد السادس– ونسمع، مع المرة الأولى، أصوات معارضة صريحة من أبواق بعض الأحزاب السياسية؛ ونلمس، في المرة الثانية، اللف والدوران والتبرير من أبواق بعض الأحزاب السياسية، بما فيها المنتمية للحكومة (كسلطة تنفيذية) أو المتواجدة في البرلمان (كسلطة تشريعية)!!!
كما لا يعقل الاستمرار -من طرف الإعلاميين- في توظيف عناوين قدحية ومستفزة، مثل مملكة المجوس و الفينيقيون الجدد ؛ بعد هذا الاعتراف الرسمي بضرورة إدماج الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، وبعد انطلاق ورش الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والقانونية، الشيء الذي جعل بلدنا في مأمن مما حدث وما يحدث في مختلف بقاع العالم منذ انهيار المعسكر الشرقي وانهيار حائط برلين.
إن ((الحركة الأمازيغية –كما أكد أحد العرب أنفسهم من سوريا، في مقال له حول الهوية المتعددة للمغرب الكبير - طرف مشارك بقوة في عملية دمقرطة بلدانها التي توفر الأساس المناسب لحل مسألة الهوية المتعددة. فالديمقراطية والعلمانية وإنهاء الصراعات القومية وتعايش المكونات المختلفة في كل بلد، هي العوامل الأهم في تسريع التنمية واللحاق بالمسيرة الإنسانية المتقدمة)).

ثانيا: ما هي الواجهات الحضارية للأمازيغية التي لم يتم بعد استثمارها للدفع إلى الأمام بالمطالب الأمازيغية؟
إذا كان المقصود في سؤالك ب"الواجهات الحضارية"،"الأبعاد الثقافية والحضارية" التي لم يتم بعد استثمارها للدفع إلى الأمام بالمطالب الأمازيغية، فيمكن القول أن ورش تدبير الأمازيغية الذي من شأنه أن يغني مختلف الأوراش الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي انطلقت مع العهد الجديد، لازال يتلمس طريقة المشاركة الفعلية والفعالة في مختلف هذه الأوراش المشار إليها أعلاه نتيجية استمرار النظرة غير الإيجابية لملف الأمازيغية من طرف أغلبية الفاعلين السياسيين ببلادنا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأبعاد الثقافية والحضارية، التي لم يتم استثمارها بعد للدفع إلى الأمام بالمطالب الأمازيغية، متعددة ومتنوعة منها:
1 - تجارب الأمازيغ أمام مختلف الاستعمارات المتتالية منذ الرومان إلى أواسط القرن العشرين،
2 - تجارب التدبير التشريعي والقانوني والاقتصادي والسياسي المتمثل في الأعراف والتقاليد المحلية والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأمازيغ عبر التاريخ،
3 - عدم توظيف مختلف الفنون الأمازيغية (الأغنية والمسرح والسينما مثلا) خارج منطق الفلكلرة والنظرة الدونية وتجاوز هذه النظرة وذلك المنطق إلى ما من شأنه إن يوطد أسس الهوية المغربية المتميزة، التي من شأنها أن تضمن للمغرب استقراره السياسي وسلمه الاجتماعي وأمنه الثقافي، من جهة؛ والمساهمة في التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى،
4 - تشجيع الأبحاث الأركيولوجية ونشر وتعميم نتائج ما تم اكتشافه عموميا، من شأنهما أن يرسخا؛ لدى المغاربة عامة ولدى الأجيال الصاعدة خاصة؛ الانتماء الهوياتي للمغرب ويكرس لديهم الاعتزاز والافتخار بهذا الانتماء؛ وذلك بالوعي بما حققه الأجداد منذ فجر التاريخ وما ساهموا به في حضارة البحر الأبيض المتوسط خاصة والحضارة الإنسانية عامة.
5 - لكن إذا كانت هذه الأبعاد الحضارية -وغيرها مما لا تسنح الفرصة الآن لتعدادها كلها- والتي لم يتم بعد استثمارها للدفع إلى الأمام بالمطالب الأمازيغية؛ متعددة ومتنوعة؛ فينبغي على المثقف ذو العمق السياسي و السياسي ذو العمق الثقافي أن يتجاوز مظاهر تعددها إلى جوهر كل تلك الأبعاد ألا وهو المتمثل في"قيم الثقافة الأمازيغية وحضارتها". تلك القيم التي ساهمت في بناء ثقافات وحضارات كما أغنت القيم الإنسانية في مختلف العصور بتجاربها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مختلف العصور؛ منذ احتكاكهم بثقافات وحضارات أخرى كالحضارة الفرعونية والفينيقية واليونانية والرومانية والبيزنطية والعربية-الإسلامية والبرتغالية والإسبانية والفرنسية. وهي القيم التي جعلتهم منفتحين على كل الشعوب واللغات والثقافات والديانات والحضارات، بل وقدموا لها خدمات جليلة إلى درجة أنهم –أي الأمازيغ– اعتُبِروا "هبة للكونية".

ثالثا: ألا تعتقدون أن كون الخطب الملكية هي المراجع الأساسية لإدماج الأمازيغية في الحياة العامة، لم يتم استثماره جيدا للدفع بالأمور في اتجاه استصدار قوانين تلزم القطاعات المسئولة، كل على حدة، بالإدماج الإيجابي للأمازيغية؟
إذا كان المقصود من سؤالك، أن هناك رأيا سياسيا مفاده أن الخطب الملكية نفسها هي سياسيا العائق أمام استصدار قوانين تلزم القطاعات المسئولة، كل على حدة، بالإدماج الإيجابي للأمازيغية؛ فإنني أقول لك –ولو أنني "طلقت" الممارسة السياسية والنقابية والعمل الجمعوي كنافذة حزبية، كنت أزاوله إلى جانب النضال في إطار المطالبة بالحقوق اللغوية والثقافية والهوياتية الأمازيغية منذ أواخر السبعينيات– لا أعتقد ذلك؛ خاصة منذ خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبناء مقر لهذا المعهد بإرادة سياسية ملكية صريحة وتدبير ملكي ملموس واعترافا ملكيا واقعيا وملموسا بمطالب ملف الأمازيغية.
لنبدأ من داخل البيت نفسه، أي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فمن منع مجلس إدارته من اختيار حرف تيفيناغ كحرف لكتابة الأمازيغية وتدريسها ؟ بالرغم من انقسام الشارع السياسي -الذي أفرز مصطلح "حرب الحرف"- إلى مدافعين، إما على حرف كتابة اللغات شرق-أوسطية وإما إلى مدافعين على حرف كتابة اللغات الغربية؛ رغم أن هذا الحرف –حرف تيفيناغ– لم "ينبث" ولم يستعمل إلا في شمال إفريقيا؛ وبه وطّد ماسينيسا استقلاله عن روما، وعزز به تدبيره الإداري وأضاف، إلى ما كان يتوفر عليه من حروف، حروفا أخرى لتعزيز الاستقلال الذاتي عن روما وما أدراك ما هيمنة روما آنذاك!
ومن منع نفس المجلس من رفع توصية، بشأن دسترة الأمازيغية وترسيمها، إلى جلالة الملك؟ رغم أن الشارع السياسي - بأحزابه ومنظماته وجمعياته - أقام الدنيا ولم يقعدها منذ أكثر من عقد من الزمن بخطابات واستشارات واجتماعات من أجل تعديل الدستور؛ ولكنه الآن فضل تحويل هذه الاجتماعات وتلك الاستشارات والخطابات إلى موضوع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بعد أن عبرت أغلبية مكونات تلك التنظيمات الحزبية والمنظمات النقابية والجمعيات الثقافية والحقوقية عن مواقف، إما ملتوية وانتظارية وإما معارضة صراحة لدسترة الأمازيغية وترسيمها.
أما خارج البيت، فمن خلال تجربة الجمعية التي أنتمي إليها -الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي- والتي شاركت في مختلف اللقاءات التي قامت بها مع المكاتب السياسية لبعض الأحزاب ومع مجموعة من الفرق البرلمانية داخل قبة البرلمان، فإن اللف والدوران والمراوغة هي الأساليب التي اعتُمدت في أغلب الأحيان لإرجاع قضية استصدار قوانين تلزم القطاعات المسئولة عن إدماج الأمازيغية -خاصة في الإعلام والتعليم– الذي كان واضحا وصريحا في الخطب الملكية منذ 1994. إذ أن هذه الأطراف تحيلنا على الإجراءات القانونية والتشريعية التي تتقاسمها الحكومة (كسلطة تنفيذية ومسئولة عن وضع مشاريع قوانين) والبرلمان (كسلطة تشريعية ومسئولة عن المصادقة على مشاريع القوانين تلك).
ثم من منع المسئولات والمسئولين عن ملفات: "انتهاكات حقوق الإنسان" و"المرأة" و"الصحراء" من اقتراح تدابير وإجراءات من أجل حل معضلات هذه الملفات. ومن منع بعض وزراء الحكومة الحالية من أخذ المبادرات التي لا يتدخل الملك في تفاصيل وطريقة تنفيذ ما يكتفي بتحديده من أولويات وتوجهات عامة؛ تاركا تفاصيل تدبير الشأن العام للحكومة المسئولة دستوريا أمام البرلمان ؟!

رابعا: من الناحية السوسيولوجية، كيف يمكن قراءة هذا التحول، فبعد مرور حوالي 77 سنة عن رفض مدارس خاصة بالأمازيغ يتم الترحيب بالقناة الأمازيغية؟
سؤالك هذا، الذي تلقيه علي اليوم، أهم من الجواب الذي يمكنني أن أقدمه لك اليوم !
لماذا؟ لكون شقه الأول، المتعلق بكيفية قراءة رفض تدريس الأمازيغية منذ 77 سنة؛ أي منذ التوظيف السياسوي والديماغوجي لما سمي ب"الظهير البربري"؛ لازال في حاجة إلى فهم أعمق لمختلف الرهانات السياسية التي كانت تتصارع من أجلها مختلف الأطراف السياسية آنذاك. ولكون شقه الثاني المتعلق بالترحيب بإنشاء قناة خاصة بالإمازيغية؛ لازال مجرد صدى لوعد لم ير النور على أرض الواقع بعد!
ولكن، تجدر الإشارة إلى أن التعليم العصري، الذي ارتبط بنظام الحماية في المغرب، قد نُظر إليه من عدة زوايا:
ففي المدن كفاس والرباط والدارالبيضاء مثلا، تم الترحيب به والانخراط فيه؛ أما في القرى والبوادي فقد تم رفضه، بل والإيحاء برفضه، بدعوى ارتباطه بالمشروع الاستعماري. وأما ما يخص تدريس الأمازيغية، فقد تم التعامل معه بمنطق ازدواجي: منطق الحاجة إليه، من قِبَلِ إدارة الحماية، قصد تكوين وتأهيل أطر تقوم بالمساعدة في إدارة وتسيير "الأهالي"؛ ومنطق الرفض، من قِبَلِ الفئات الشعبية، بدعوى رغبة المستعمر في تمسيح وتنصير الأمازيغ وإحداث الفرقة بين مكونات الشعب المغربي: الأمازيغ والعرب. كما أن سكان القرى والبوادي أنفسهم كانوا ضحية هذا المنطق المزدوج الذي دفعهم إلى التضحية بالغالي والنفيس ماديا ومعنويا أو بهما معا لرفض التعليم العصري عامة وتدريس الأمازيغية خاصة.
وبخصوص الترحيب بإنشاء قناة أمازيغية حرة، ينبغي بداية التأكيد على أن هذا الترحيب ليس موقف الجميع. فهناك موقف يتشبث بضرورة الإدماج، أولا وقبل كل شيء، في الإعلام العمومي. ولنعد إلى مسألة الترحيب، إن الأمر مرتبط بطبيعة ووظائف الإعلام، وخاصة منه السمعي–البصري في مجتمع تهيمن عليه الشفوية، وفي عصر تعددت فيه القنوات الفضائية واشتدت تنافسيتها؛ من حيث الحضور والكفاءة ومن حيث وظائف وسائل الإعلام العلنية والخفية. ثم إن دمقرطة الإعلام والسعي إلى مواكبة ما يحدث في العالم وإنشاء قنوات متخصصة وتزايد الاعتراف الدولي بضرورة الاحتفاظ على التنوع الثقافي للمجتمعات البشرية، والاتجاه المتزايد نحو خوصصة القطاع الإعلامي؛ كل هذا ينبغي استحضاره لاستيعاب خلفيات المواقف المتباينة تجاه نوع الإعلام الذي من شأنه أن يساهم في إدماج الأمازيغة إدماجا إيجابيا أو أن يكون بمثابة در الرماد في العيون!
ولكن الأهم، من هذا وذاك، هو ضرورة الوعي بأهمية الوسيلتين (التعليم والإعلام) في مجتمعاتنا اليوم. وبالتالي فالسؤال الذي ينبغي طرحه هو كيف يمكن تفادي منطق التجاذب بين الرفض والترحيب للعمل على إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام العموميين أولا وقبل كي شيء؛ لأن ذلك ليس فقط حقا بل مصلحة للجميع.

خامسا: ألا تعتقدون أن مهمة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ستنتهي بتحمل القطاعات الحكومية لمهام إدماج الأمازيغية؟
لا أعتقد ذلك ! أولا لأن القطاعات الحكومية الحالية، التي تتحمل مسئولية إدماج الأمازيغية، لم تقم بعد بمبادرات تترجم الإرادة السياسية الصريحة والملموسة للإدماج الذي تشير إليه. ثم إن مهمة إدماج الأمازيغية، ليست سوى مهمة من بين مهام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ويكفي أن نعود إلى خطاب 30 يوليوز 2001 وإلى الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ل 17 أكتوبر 2001، لنلمس أن مهامه أعمق من ذلك؛ إذ ينبغي عليه أن يساهم في إنجاز المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية ، كما أكًّد ذلك صاحب الجلالة بمناسبة وضع طابعه الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وفوق هذا وذاك فالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مؤسسة استشارية. فإذا كان ملف الأمازيغية يستدعي، أولا وقبل كل شيء، إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام وفي مختلف مرافق الإدارة ومؤسسات المجتمع كاستجابة لمطالب الحركة الأمازيغية؛ فإن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كمؤسسة استشارية، عليه أن يضع استراتيجية تجعل منه مرجعية مؤسساتية للأمازيغية، لا داخل المغرب فقط بل وخارجه.
وبالرغم من عمر التجربة القصيرة جدا، التي مر بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والتي أخذت منها جوانب إرساء الأسس القانونية والهياكل الإدارية والجوانب التنظيمية وإجراءات الاتفاقيات والشراكات مع الجمعيات والمؤسسات الوطنية والأجنبية ذات نفس الاهتمام، الوقت الكثير، فإن المعهد قد بدأ ينحو نحو هذا الاتجاه. فالاتفاقيات والشراكات التي يقيمها بينه وبين مختلف الجمعيات والمؤسسات الوطنية والأجنبية تتوخى هذا الهدف. بل إن بعض هذه المؤسسات تتعامل معه في هذا الإطار. إنه مؤسسة دولة –ومن بين مؤسسات العهد الجديد- وليس "سوقا أسبوعيا" ينبغي أن ينفض بانتهاء بيع السلع المحملة إليه في آخر اليوم الذي ينعقد فيه أو سوق ساعة ، الذي ينعقد بسلا لمدة ساعة واحدة، وينفض قبل شروق الشمس!
فكم من مؤسسة أنشئت من طرف دول شرقية وغربية؛ بعضها وُكِّلَت إليها مهمة صغيرة، مقارنة بما وُكِّل به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ وبعضها أُسِّس منذ أزيد من قرن، ولازالت تلك المؤسسات قائمة إلى اليوم! فلماذا نريد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن تنتهي مهمته وهو لازال في بداية إنجاز مهامه؟! بل إن بعض المؤسسات التي أنشئت ببلادنا منذ عقود، لم تنجز منذ إنشائها ما استطاع المعهد أن ينجزه في هذه المدة القصيرة من تجربته.
واستغل فرصة طرحك لهذا السؤال لأبدي ملاحظة تتعلق بالمواقف المختلفة من المعهد، خاصة منها السلبية، وبالأحكام الجاهزة التي تصدر بخصوصه؛ وأقول ما قاله الفيلسوف ابن رشد، حين كان يعالج إشكالية "التوفيق ما بين الفلسفة والشريعة من اتصال وانفصال"؛ ويعرض مختلف مواقف الفلاسفة والفقهاء المسلمين من الفلسفة، فقال: إن ظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة !!!
إن أغلبية الأحكام الجاهزة والانتقادات اللاذعة والمواقف غير المشجعة؛ حتى لا أقول المحبطة، تجاه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ مصدرها فئة من الذين يعتبرون أنفسهم أكثر نضالا وغيرة ودفاعا عن الأمازيغية؛ في الوقت الذي، لم ينجزوا شيئا ملموسا من أجلها، ولا يقومون إلا ب محاربة طواحين الهواء !!!

الحسين آيت باحسين
مركز الدراسات الأنتروبولوجية والسوسيولوجية
نص الحوار الذي نشر بجريدة المنعطف
بتاريخ: 5 فبراير 2007، عدد 2759
المنعطف الأمازيغي، (ص 6) .
الحوار من إجراء محمد بلحاج



#الحسين_أيت_باحسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتفال برأس السنة الأمازيغية
- ظاهرة الاحتفال عند المغاربة (عاشوراء: طقوس ودلالات، نموذجا)
- الطوبونيميا والبيئة (بيئة بليونش - من خلال مصادر تاريخية وأد ...
- حول المرجعية الفلسفية لكتابات الصافي مومن علي
- دور المرأة الأمازيغية في الحفاظ على البعد الأمازيغي للهوية ا ...


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحسين أيت باحسين - الأمازيغية وعلاقة السياسي بالثقافي