أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وليد مهدي - رؤية في استراتيجية الهيمنة الاميركية و دراسة علاقتها بازمة 2008 المالية















المزيد.....

رؤية في استراتيجية الهيمنة الاميركية و دراسة علاقتها بازمة 2008 المالية


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3652 - 2012 / 2 / 28 - 08:49
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


إهداء للأخ عبد الله الإحسائــي

موضوع اليوم قراءة في طبيعة الآلية الاقتصادية – العسكرية التي تنتهجها الولايات المتحدة الاميركية في تعاطيها مع مجريات العالم المعاصر انطلاقاً من رؤية صانعي القرار فيها لما يعرف بالحقبة الاميركية ، هذه الاستراتيجية التي بدأت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ارتطمت بعوائق كان لابد للاميركان من ازالتها بسيناريوهات عدة لاجل الوصول للحلم الاميركي ..
موضوع اليوم يركز على هذه العوائق وسيناريوهات تعامل البيت الابيض معها وفق رؤية فاحصة ودقيقة لمجريات الاحداث خصوصاً بعد احداث سبتمبر 2001 وما يعرف اليوم بالربيع العربي .

(1)

حكومـــة العالــم الاميركية وهيمنـة الدولار

معظم سلع وحاجيات العالم الاستهلاكية تنتج حالياً في آسيا بوجه عام والصين على وجه الخصوص ...
لكنها تنزل للأسواق " العالمية " مسعرة بالدولار ، لتؤول واقعية التحكم غير المباشر بها للحكومة الاميركية !
نحن نعلم بصورة بديهية ان ما يسمى " الدولة " هي التي تتحكم بالقوات المسلحة وتفرض الامن والقانون ، ولعل صورة القوات المسلحة ونوعية سلاحها هي اول ما تطرأ على اذهاننا ..
ننسى دائماً ان هذه الدولة هي نفسها التي تسك " العملة النقدية " الوطنية وتشرف على طباعتها ..
بالتالي ، اهم ما لا نشعر به في العادة هو إن الولايات المتحدة الاميركية عبارة عن " نصف حكومة عالمية " تشرف بشكلٍ مباشر على التحكم وطبع العملة النقدية الدولية التي تسمى " الدولار " وقد ساعدتها الحربين العالميتين الاولى والثانية في القرن العشرين لتكون " نصف حكومة " عالمية لها نفوذ على اي دولة واي شعب في هذا الكوكب عبر سيطرتها على عملة التداول الدولي (الدولار) بعد انهيارات دراماتيكية في الاقتصاد العالمي ذو المركزية الاوربية السابقة ..
لا ينقصها اليوم لتكون حكومة عالمية كاملة وليست ناقصة إلا " تدميــر " جيوش العالم الاستراتيجية ذات القدرة على خوض الحروب عبر القارات وتحويلها إلى ما يشبه اجهزة شرطة اقليمية أو ما يمكن ان نسميه " الجيوش المشلولة " ، ليبقى الجيش الاميركي هو الجيش الوحيد القوي في العالم وهو ما تحاول العمل عليه بشكل تدريجي في الدول التي تقع تحت سيطرتها ..
عند ذلك فقط ، يمكن اعتبار الولايات المتحدة نفسها حكومة العالم الوحيدة حسب طموح صانعي القرار في البيت الابيض بما يسمونها الحقبة الأميركية American Epoch ..
لكن لم يحن الوقت بعد ، هي لا تزال تعمل وبشكل ممنهج على إضعاف الجيوش العالمية التي تنضوي تحت سيطرتها في اوربا الشرقية والبلقان وآسيا الوسطى وعموم اوربا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991 ، حينما اعلن بوش الاب ان القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً اميركياً ..

(2)

إن ما تفعله اميركا بشكل منهجي في الدول التي احتلتها كألمانيا واليابان والعراق وافغانستان والدول التي تهيمن عليها مثل دول الخليج ، ورغم كل الفوارق الكبرى التي تميز بينها ، لكن المشترك بينها جميعاً هو دفع الاميركان لهذه الحكومات إلى بناء انماط من هذه الجيوش المشلولة التي لا يمكنها التأثير خارج حدودها الوطنية ..
وعلى سبيل المثال ، ما يسمى بالجيش العراقي والافغاني اليوم عبارة عن شرطة محلية مزودة ببعض الاسلحة الحربية الثقيلة ، لكن ، لا يسمح بالتزود بالأسلحة الاستراتيجية التي تجعل منها جيوشاً كبرى يمكنها ان تحوز على ثقل جيو استراتيجي في محيطها الاقليمي ..
كذلك في اليابان والمانيا ، رغم محاولة هذه الدول الصناعية الكبرى تحويل جيوشها إلى استراتيجية " كونية " لكن الولايات المتحدة عبر قنوات تحكم صارمة تمنعها من ذلك ..
واكثر من هذا ، هي اليوم تنشر مشروعها هذا تحت غطاء الديمقراطية في المنطقة بعمل منهجي لتدمير الجيوش العربية منذ تدمير الجيش العراقي في 1991 و الجيش الليبي في 2011 والعمل على تفكيك وتحطيم الجيشين المصري والسوري اليوم .. وصولاً للجيش الايراني والكوري الشمالي ( حسب الاستراتيجية المعلنة ) ومن ثم تتفرغ للصين قبل ان تدخل في مواجهة سياسية اقتصادية وعسكرية لو تطلب الامر مع روسيا في نهاية المطاف ..
( وفق الاجندة غير المعلنة التي تشير لها وقائع ما يجري على الساحة السياسية الدولية ) .
الجماهير العربية الثائرة باتت اليوم وقوداً وسلاحاً لتحقيق مشروع الحكومة الاميركية العالمي الغامض غير الواضح .. الذي تقوده نخبة المال المهيمنة على الاقتصاد الرأسمالي العالمي عبر سيطرتها على عملة التداول الدولية " الدولار" والتي تمول المنظمات الدولية التي ترفع شعارات حقٍ ( حقوق الإنسان ) يراد بها باطل الهيمنة ببناء نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة ..

(3)

تمتلك الدول بصورة طبيعية مجهودات العمال والفلاحين وما ينتجوه بصورة تلقائية عبر تحويلها لقيمة انتاجهم إلى (عملة نقدية ) وطنية محلية التداول ورقية صادرة بموجب القانون ، ويتم تداولها في الاسواق ..
نتذكر هنا ما قاله صدام حسين سابقاً عن كلفة مشروع " الجسر ذي الطابقين " بانها لم تكد تساوي سوى بضعة كيلوغرامات من الاوراق وبضعة ليترات من الحبر ( المطلوب لطباعة العملة النقدية ) ..
الولايات المتحدة الاميركية تتحكم وتمتلك بصورة طبيعية مجهودات كل عمال العالم ، لأنها وبنكها الفيدرالي الاميركي والبنوك الاوربية المنضوية تحت هيمنته هي المالك الحقيقي للمنتجات الصينية والآسيوية " المصدرة للعالم " ما دامت بقيمة سعرية دولارية ..
لا توجد من ناحية عملية ، وقبل ازمة 2008 المالية العاصفة ، اي تهديدات على المدى القريب على " الدولار " وفق هذه الدينامية في بنية الاقتصاد العالمي ..
كانت ستبقى الولايات المتحدة في صدارة الاقتصاد العالمي رغم انها لا تنتج اغلب سلع وحاجيات العالم لان صنبور الضخ والتحكم النقدي الدولي بين ايديها ..
إلا أن مشكلة النخبة المالية العالمية هي " القلق " والخوف من تغول الصين وعودة المارد العسكري الروسي من القمقم ، إضافة لتنامي الدور الايراني في منطقة الخليج ، العصب الاهم الذي يعوم الدولار كعملة كونية بسبب نفوذ الشركات البترولية الانجلوسكسونية هناك .
هذه كلها ، جعلت الاقتصاديين الأميركيين يفكرون كثيراً في طريقة تستعيد بها الولايات المتحدة مركزيتها كدولة انتاج وتصدير وليس فقط كدولة مالية تتحكم بالعملة الكونية الاساس .

(4)

اسباب قلق الاقتصاديين وصانعي القرار الغربيين تتلخص بالآتي :

1- الوقت يمر بسرعة قبل ان يتمكن المشروع الاميركي بدعم الديمقراطية من الوصول إلى غاية تحويل الشرق الاوسط وآسيا الصغرى إلى كيانات مقسمة من دول غير قادرة على تحريك جيوش يمكنها إنجاز حروب استراتيجية قبل العام 2020 , حيث تصبح الصين قوة عالمية عظمى تصعب مواجهتها اقتصادياً وعسكرياً .

2- ذلك بالنسبة لعودة المارد الروسي للاستفاقة ، اذ بدأت روسيا تحريك سياسات اقتصادية و تعاونات اقليمية وامنية مع دول الاتحاد السوفييتي السابق بما ينذر بتحولات تقوي روسيا ونفوذها في اوربا وهو ما دفعها لإحاطة روسيا بمنظومة الدرع الصاروخي .

3 - على الرغم من فعالية الحركات الراديكالية والمؤسسات الليبرالية المدعومة من واشنطن واروبا في روسيا والصين ، مثل الشيشانيين الانفصاليين وكذلك التيبتيين والمسلمين في تركستان الشرقية في الصين ، إلا ان هذه الحركات والتيارات ضعيفة الحراك في ظل وعي وطني قومي روسي صاعد ، ووعي قومي وطني صيني " ممتاز " مدعوم بظروف اقتصادية متنامية متطورة .

ازاء هذا كله كان لابد من التفكير بهز هاتين الدولتين ، ربما بحدث عالمي يمكنه ان يثير الاضطراب ويزعزعها من الداخل ويتيح للحراك الجماهيري والتذمر الشعبي من التزايد والارتفاع ..
فما الذي فكر به الانجلوسكسون لهز الصين وروسيا ؟
وهل فعلاً كانت ازمة 2008 مفتعلة ..؟؟

(5)

دراســة في ازمة 2008 المالية

التكهن التالي مجرد نظرية وليست رؤية جازمة موثوقة :
حينما ارتطم المشروع الاميركي المعروف بالقرن الاميركي او الحقبة الاميركية باستمرار تنامي الصين الاقتصادي وعودة نهوض روسيا كامبراطورية عسكرية وفق الصيغة المعاصرة لمفهوم الامبراطورية ، وبعد محاولات كثيرة فاشلة " لتهريب " الديمقراطية وفوضى التظاهر والانقسامات لهاتين الدولتين ، كان لابد لأميركا من ان تستخدم اهم ورقة في يدها لضرب نهوض وتقدم الصين وروسيا ..

وهي القيمة التداولية للدولار ..

وفق هذا السيناريو يمكننا ان نعيد رسم الخريطة السياسية للاقتصاد العالمي بالآتي :
الاقتصاد الاميركي اليوم قائمٌ على قرنين اثنين ، الاول هو بترول الخليج والثاني هو الدولار ..
قبلت اميركا بالتضحية باحد قرنيها ، التضحية بالدولار بحدود العام 2007 لاجل ان تبقى مهيمنة عسكرياً على الخليج للعشرين سنة القادمة ( حسب تقديراتها وحساباتها ) ..
اذ بدات الولايات المتحدة بالإلحاح على الصين لكي ترفع من قيمة عملتها اليوان مقابل الدولار ، لكن استجابة الاخيرة لم تكن إلا ضمن نطاق محدود ..
فرفع قيمة العملة الصينية مقابل الدولار من قبل البنك المركزي الصيني يقود إلى تخفيض قدرة التصدير الصيني بمقابل رفع القدرة التصديرية للولايات المتحدة ..
سعت الولايات المتحدة إلى اقناع الصين بمثل هذه الخطوة طوال السنوات التي سبقت الازمة المالية العالمية في 2008 ، اذ كان من الصعب ان تقوم اميركا بتخفيض قيمة الدولار مقابل اليوان الصيني بنفسها ..!!
السبب هو ان الدولار عملة عالمية وليست عملة محلية التداول كما هو اليوان ..
الدولار الاميركي هو مسطرة القياس التي تقاس بها بقية العملات الكونية ولا يمكن التلاعب بها ..
ولكي تخفض اميركا قيمة دولارها مقابل اي عملة فلا ينفعها ان تفعل ما تفعله اي دولة عبر اتخاذ بنكها المركزي خطوات اجرائية تحدد قيمة صرف الدولار تجاه اي عملة كما تفعل اي دولة بعملتها المحلية ..

وبلغة الارقام والبورصات ، اميركا هي الدولة الوحيدة التي لا تستطيع فعل ذلك .. إلا إذا ... خفضت القيمة التصنيفية العامة لاقتصادها المحلي برمته ، فيؤدي هذا حسب توقعات مسبقة إلى انخفاض قيمة الدولار عالمياً ..

لكن ما حدث فعلاً في ازمة الرهن العقاري الاميركية ..العجيبة .. ان اقتصاد اميركا انفجر وانهار مع هذا ، لم تنخفض قيمة الدولار كثيراً امام عملات عالمية بسبب لجوء العديد من دول العالم إلى تخفيض قيمة عملتها المحلية مقابل الدولار بما يتناسب وحجم الازمة .. وهو ما عرف لاحقاً .. بحرب العملات ..!!!

كانت حرب العملات هي الضربة القاضية غير المتوقعة التي بددت تضحيات اميركا بسمعتها واقتصادات الدول الحليفة لها ..

وهكذا ، ظهرت الازمة المالية وكانها مفتعلة من قبل شركات صناعية اميركية محلية تسعى لخفض قيمة الدولار كي توفر فرص تصديرية اكبر لمنتجاتها ..

لكن ، كيف يمكن لهذه الشركات خفض قيمة عملة دولية دون مساعدة وتدخل من الاحتياطي الفيدرالي الاميركي وكبرى البنوك في الولايات المتحدة ؟؟
فلكي تنخفض قيمة الدولار عالمياً ، يجب ان يحدث عكس ما يحدث لتخفيض عملة محلية ، اي تـُـفقد السيولة النقدية من ارض الولايات المتحدة بدلاً من زيادتها لتزيد في اكثر الاسواق العالمية نشاطاً واكثر البلدان تصديراً في آسيا .. وتحديداً الصين ..والشرق الاوسط ..

(6)

( فقدان السيولة في اميركا هو فتيل القدح في الازمة )

ولو عدنا إلى حمى تصاعد سعر البترول قبيل الازمة ( وصل إلى 140 $ للبرميل ) ، وارتفاع صادرات الصين ونمور آسيا إلى مستويات قياسية غير مسبوقة ، نفهم إن الدولار كان يتكدس فعلاً في تلك المناطق ..
وان حركة " طبيعية " للاموال ( بلايين الدولارات ) يمكن ان تحدث من بنوك الولايات المتحدة نحو الشرق الاقصى بدوافع الربح عبر الاستثمار ، ومن المفترض ان افلاس كبرى البنوك في العالم ، بنوك اميركا الكبرى ، سيؤدي إلى تخفيض قيمة الدولار بشكل سريع مقابل اليوان والين وبقية العملات ..
وهو ما يتيح للاحتياطي الفيدرالي الاميركي ان يعيد صياغة " النظام المالي العالمي " صياغة جديدة ..

كأنها ( 11 سبتمبر ) مالية جديدة يكون لاميركا على اساسها امكان صياغة العالم من جديد ..
لكن كلا الحدثين لم تفلح اميركا في ان تصيغ العالم بموجبهما صياغة جديدة ..

بدت اميركا فيهما مثل الروبوت الذي لا يفهم سوى برنامج واحد يدرك العالم من خلاله وهو :
برنامج الفوضى الخلاقة ..!
ثقة من يصنعون القرار في اميركا خلال ما اسموه الحقبة الاميركية نمت عن عدم نضج واستهتار غير معقول ..
فتوجهات النيوليبرالية وافكار ميلتون فريدمان بصب النقد في الاسواق ولو " بالهيلوكوبتر " واعتبار التضخم جزء من هيكلية النظام الراسمالي ، دخلت عليها في مطلع القرن الحادي والعشرين افكار جديدة للتحكم في نهر الدولارات الخضراء وحسرها مؤقتاً عن دولة المركز وتضخيمها في الشرق ما ادى لهذه الهزة العنيفة في رهون عقارات الولايات المتحدة التي تشكل قيمة دفترية تبلغ عشرات ترليونات الدولارات قبل 2008 ما اصاب " قيمة " الاقتصاد الاميركي الرقمية بصدع كبير لا تزال تداعياته حتى الآن ..
" ربما " اميركا هي التي اصطنعت كل هذه الفوضى في العالم لكي تستعيد مكانتها التي كانت عليها بعد " فوضى " الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي ودمار الاقتصاد العالمي ، حيث اصبحت بعدها دولة انتاج اول ( اقتصاد حقيقي ) تمتلك اكبر قوة عاملة في العالم بنفس الوقت هي التي تطبع الدولار العملة الكونية الرائجة ..
الذي حصل اليوم ان اسعار النفط عادت للارتفاع من جديد ، وهو ما يعني ارتفاع الطلب العالمي على الدولار ..
بالتالي عودة الامور إلى ما كانت عليه قبل ازمة 2008 وعودة الصين للعملقة من جديد ..
وبدلاً من ان تتحطم اقتصاديات دول مستهدفة مثل الصين وروسيا ، راحت الدول الحليفة للولايات المتحدة في اوربا والشرق الاوسط هي المهتزة المتضعضعة الاستقرار ( اليونان ، اسبانيا ، البرتغال ، مصر ، تونس ) وذلك بعد فترة وجيزة من ازمة العام 2008 ..
اذ اهتزت الاقتصادات الريعية كثيراً حتى في دولة مثل الامارات العربية المتحدة ، وكان من نتيجة هذه الصدمة ما عرف بالربيع العربي في تونس ومصر وما تلاه من ازمة سياسية في الشرق الاوسط لا تزال مستمرة ليومنا هذا ..
فقد بينا في مطلع الموضوع بان استراتيجية السيطرة تحتاج إلى تفتيت الجيوش الاستراتيجية ، وما يجري في الصين وروسيا يرسم تنامياً لهذه الجيوش رغم انها لا تكافيء مجتمعة امكانيات وقدرات " الجيوش " الاميركية ..
مع ذلك ، وجود هذين الجيشين يشكل حجرعثرة وتهديد استراتيجي حقيقي للحقبة الاميركية والقرن الاميركي ..
لهذا السبب كانت تسعى اميركا جاهدة لبناء حلف استراتيجي مع الهند وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان قبل العام 2008 لكنها لم تفلح ، ووجدت الهند متزنة في علاقاتها مع جيرانها ولم تقبل الدخول في مواجهة سياسية لنفوذ الصين ..

وكذلك فعلت مع روسيا باحاطتها بالدرع الصاروخي والحراك السياسي نحو الديمقراطية في دول الاتحاد السوفييتي السابق من اوربا الشرقية ..

(7)

لا يبدو في الافق ان اميركا تعيد امساك زمام الاقتصاد الكوني ، اقتصاد العالم منفلت من بين يديها وكذلك الشرق الاوسط ، لا يبدو انها ستتخلص من مشكلته الكبرى ( ايران الاسلامية ) قريبا لتتفرغ بشكل كامل للصين ونفوذها العسكري المتنامي وتغولها الاقتصادي الصاعد ..
اميركا عملاق كوني تاريخي في حالة سقوط ، لكن من ينظر لهذا العملاق من الاسفل ، حكام الخليج بوجه التحديد ، يتصور انه عملاق ينحني فقط ..!
هم لا يدركون بعد ان العملاق الاميركي يسقط عليهم وقريباً سيشعرون بعظم الكارثــة ..
هم لا يصدقون ان اميركا لم تفتعل الربيع العربي ، لكنها تسعى لاسناد نفسها بدول ( ما بعد ) الربيع العربي.
لا يمكن لهؤلاء الحكام استيعاب فكرة ان اميركا خسرت كل اوراقها في السيطرة على العالم ، ما تبقى في يدها اليوم فقط ورقة واحدة :
تحطيم الجيوش العربية بالكامل وتحويل حكومات وشعوب المنطقة " الديمقراطية " الجديدة إلى اكوام من البارود المشتعل الذي يزحف تدريجياً ليتجاوز اوكرانيا واذربيجان وبيلاروسيا إلى روسيا بوتن ، ويتجاوز ايران وباكستان وافغانستان إلى الصين الشعبية الشيوعية ..
الامل في " الحرية " المزيفة هو آخر اوراق الولايات المتحدة لعولمة الربيع العربي ليضرب روسيا والصين ..
لتتم من ثم إعادة صياغة العالم من جديد واستعادة اوربا والولايات المتحدة لمكانتها كدول المركز الصناعي والمالي للعالم .. ولكن هيهات !
ما سيطيل عمر هيمنة اميركا فقط هو الحكومات الهزيلة على غرار مشايخ البترول والملوك في الشرق الاوسط والتي لن تتم بشكلها النهائي المطلوب إلا بعد تدمير النظام في سورية وتحطيم جيشها ..
فالجيش المصري مشلول الحركة ، والجيش العراقي مسح من الخريطة ، لم يتبق إلا الجيش السوري.

(8)

واعيد لاكرر في مقال اليوم كما ذكرت هذا في مقالاتٍ خلت..
روسيا والصين تدركان جيداً اكثر من اي وقت مضى بأن اميركا المفلسة تعول على تصدير مفاهيم الحرية الفضفاضة عبر الإعلام الموجه للقضاء على خصومها الاستراتيجيين وتفكيك كل جيوش العالم القوية لتتحول بجيشها إلى " الحكومة العالمية " المتحكمة المقتدرة ، وان روسيا والصين اهداف مؤجلة لهذه الحرب المستعرة منذ العام 1991 حين تفكك الاتحاد السوفييتي وتحركت اميركا لبدء قرنها المزعوم بتحطيم الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية لإخراجه من الكويت ..
هما تدركان جيداً ان صمود نظام الاسد ونظام ايران الاسلامية يعني تاخير المواجهة الحقيقية مع الاستراتيجية الاميركية " اليائسة " والاخيرة لتحقيق سيطرتها النهائية المطلقة على العالم ..
سنبقى في تأمل هذا المشهد ..
مشهد السقوط المدوي للعملاق الاميركي ، سيكون حينها لذلك الحادث وما بعده حديث ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افول الامبراطورية الاميركية ، هل من بديل ؟
- ملكوت الله القادم(3)
- البدء كانت الكلمة ..على شفتيك
- الماركسية الانثروبولوجية
- ملكوت الله القادم(2)
- ملكوت الله القادم (1)
- إمرأةٌ .. أمام مرآة !
- الطريق إلى بابل
- السيناريو الروسي لحرب الشرق الاوسط
- سوريا قاعدة للجهاد الاميركي الجديد !
- بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ
- البحث عن ملكوت الله (3)
- الإلحاد المزيف و المعرفة
- البحث عن ملكوت الله (2)
- البحث عن ملكوت الله (1)
- من يقود الحرب الامبريالية ؟ آل الصباح وشل الانجلوسكسونية اُن ...
- الوعي الثقافي الإنساني من ديكارت إلى ما بعد الماركسية
- الروحانية و العقل Spirituality and Mind
- الانوثة والروحانية Femininity and spirituality
- النبوة و العقلانية Prophecies and Rationality


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وليد مهدي - رؤية في استراتيجية الهيمنة الاميركية و دراسة علاقتها بازمة 2008 المالية