أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الحلقة الاولى - البروتوكولات الصهيونية - تقاليد قواعد العمل المغلقة















المزيد.....


الحلقة الاولى - البروتوكولات الصهيونية - تقاليد قواعد العمل المغلقة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1075 - 2005 / 1 / 11 - 09:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك مؤلفات لا يزيدها مرور الزمن إلا إثارة، والبحث إلا لغزا، والتنقيب والتعقيب إلا تعقيدا. فهي تبدو كالحفرة لا يزيدها الأخذ منها إلا اتساعا. وهي مفارقة لها معناها التاريخي وقيمتها السياسية وأثرها الفعال في الصراع الدائر بين مختلف القوى. ولعل "البروتوكولات الصهيونية" من بين أكثرها شيوعا. إذ مازالت تثير من حيث عنوانها ومضمونها ومغزاها جدلا أضفى عليه الزمن المزيد من الاثارة والتعقيد. وسبب ذلك يقوم في أن "البروتوكولات" تشكل بمجملها الصورة المركبة عن الاستعداد الذاتي لليهودية – الصهيونية، ومن ثم فهي الصورة المركبة للصهيونية الفعلية.
من هنا إثارة الشك الدائم حول صحتها ومحاولات البرهنة على أنها منحولة وأنها وضعت على لسان "حكماء" هم في الأصل من أعداء اليهود. وبالتالي ليست "البروتوكولات" سوى حلقة في سلسلة العداء لليهود وجزءا من تقاليد "العداء للسامية". وهي شكوك لها أسسها الشكلية والواقعية دعمت على الدوام بالمال والإعلام كجزء من معترك المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية على امتداد فترة طويلة، شكل القرن العشرين بيانها ولسانها الحادين.
فقد شككت اليهودية الصهيونية على مدار قرن من الزمن بصحة "البروتوكولات"، ووجهت اتهاماتها المتكررة والمتنوعة ضد مختلف الدول والاقوام والحزاب والافراد. ففي بداية الامر وجهت اتهامها ضد القيصرية الروسية، بعد ذلك ضد قوات الجيش الأبيض الروسي وبالاخص على أثر هزيمته في الحرب الأهلية، ثم ضد الحركات القومية في أوربا والهتلرية بالأخص، ثم ضد العرب وأخيرا ضد الحركات الإسلامية. وهو "تطور" و"تبدل" في الاتهام يعكس ثباتا يشير إلى أن الطرف القائم وراءه هو هو نفسه. مما يعني، بان الوجه الآخر للقضية يقوم في أن اليهودية الصهيونية كانت دوما، وفي الأغلب لحالها، وراء التشكيك بمضمون "البروتوكولات".
وفي الواقع ليس هناك من قضية "فكرية" صرفت عليها الأموال الكثيرة من جانب اليهودية الصهيونية كما جرى صرفها على التشكيك بحقيقة "البروتوكولات" ونفي التهمة عن اليهودية الصهيونية باعتبارها الكيان القائم وراءها. وبما أن اليهودي لا ينفق المال جزافا، كما انه لا معنى لصرف المال على قضية "كاذبة" لهذا يمكن التوصل إلى أن وراء التشكيك الدائم بصحتها هدفا، وضعته "البروتوكولات" نفسها بعبارة بسيطة ومقتضبة يقوم فحواه في مسعى اليهودية الصهيونية للسيطرة العالمية.
أننا نعرف الآن حجم الأموال الكبيرة التي جرى صرفها من جانب اليهودية الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر، من اجل كسب قضية دريفوس عام 1894 في فرنسا، وبعدها بعقود قليلة قضية ديليس في روسيا. طبعا إن ذلك لم يكن معزولا أيضا عن شعور الانتماء لليهودية، الذي بدوره كان محددا بثقل تقاليد الشتات والغيتو.
وقد ربحت اليهودية الصهيونية هاتين القضيتين ظاهريا عبر القضاء وفعليا عبر الصحافة والأموال (الرشوة). ووظفتها بالطريقة التي تخدم مساعيها الفعلية نحو بسط سيطرتها. وأدركت أثر نجاحها الكبير آنذاك أهمية وفاعلية الصحافة بشكل عام والمأجورة بشكل خاص، بحيث تحولت مهنة الصحافة وملكيتها إلى مركز اهتمام اليهود بها إلى جانب البنوك. مما أدى تاريخيا وفعليا إلى نشر عدوى الصحافة المأجورة على النطاق العالمي. فكما انهم "أبدعوا" تاريخيا "منظومة الربا" كذلك أرسوا أسس "الصحافة المأجورة"، التي يمكن اعتبارها صناعة يهودية خالصة.
أدى نجاح اليهودية الصهيونية في الاستحواذ على الصحافة المأجورة والدعم المالي (الرشوة) وبالأخص تجاه قضية دريفوس وديليس، إلى تعايش الوهم والواقع بحيث توقعت إمكانية الفوز الدائم بالعصا الموسوية الجديدة. لاسيما وأنها حصلت بعد ثورة أكتوبر عام 1917 على قوة إضافية هائلة جرى تجريبها بصورة تامة في روسيا بحيث رفعت الرقابة إلى مصاف المطلق بعد أن ركزت كل أجهزتها المباشرة وغير المباشرة بيدها. حينذاك قتلوا كل من طالت يدهم وطاردوا الآخرين بما في ذلك بعد هروبهم من روسيا بينما عملوا على "شطب" كل الأسماء التي كان يشم منها رائحة "العداء للسامية" من مفكرين ومؤرخين وأدباء وعلماء وشعراء. بل نراهم حتى الآن كما هو الحال بالنسبة لمحاولات بعض الكتاب اليهود "المحترمين" إخراج بوشكن وغوغل من قائمة الأدباء الروس الكلاسيكيين وذلك للشك بكراهيتهم لليهود!! بل انهم اعتبروا المفكر والمؤرخ الروسي الكبير للفلسفة لوسيف أ. ن "معاديا للسامية" على اثر مقال كتبه بعنوان "ما هكذا تعذب الحقيقة وتجلد" تعليقا على ممارستهم في المرحلة السوفيتية تجاه تاريخ الفكر والمفكرين، وطالبوا بإخراجه من "ميدان الثقافة"!
والشيء نفسه يمكن ملاحظته اليوم تجاه كل أحرار الفكر والإبداع الإنساني. وهو غلو يستمد مقوماته من خلو اليهودية بشكل عام واليهودية الصهيونية بشكل خاص من تقاليد العدل الأخلاقي والاعتدال العقلاني. كما انه ارتبط وما يزال يرتبط بالهامشية التاريخية والثقافية والقومية لليهودية الصهيونية. لهذا حالما تستحوذ على "المركز" فإنها تعمل أولا وقبل كل شئ على تهميشه وإفراغ بؤرته الثقافية الحية من حملتها، أي العمل المقنن من أجل تدمير المعارضة. وبما انه يصعب تنفيذ ذلك على الدوام بصورة مباشرة، بفعل محدودية اليهودية الصهيونية وخوائها الأخلاقي، لهذا تحولت الصحافة المأجورة إلى العصا الموسوية الجديدة لالتهام كل من تعتبره عدوا لها. وشأن كل ما هو هامشي في التاريخ الثقافي العالمي، عادة ما يفقتد للإحساس العقلاني والوجداني بقيمة الحدود الذاتية. لهذا نراها بعد ان ربحت القضايا المشهورة عن دريفوس في فرنسا وديليس في روسيا وسيطرتها المباشرة على مقاليد الحكم في روسيا السوفيتية، بممارسة أشد أنواع العنف المنظم ضد تقاليد "العداء للسامية" في روسيا وبالأخص ضد "البروتوكولات" وكل من يمسها ماديا ومعنويا. بحيث أصبح العثور على نسخة منها دليلا كافيا للسجن والإعدام! بل نرى اليهودية الصهيونية تكرر محاصرتها لهنري فورد على كتابه "اليهودية العالمية"، الذي كتبه تحت تأثير "البروتوكولات" ودور اليهود في الثورة البلشفية وكذلك تفحصه لتاريخ الماسونية اليهودية. واستطاع المال اليهودي (عبر المصرفي شابيرو) والصحافة المأجورة (عبر الصحفي برنشتين) بإقامة دعوى ضده عام 1927، اضطروه لدفع غرامة على مهاجمته لهم واستخراج حكما يقضي بمصادرة كتابه من الأسواق ومنع طباعته! وكرروا العمل نفسه في برن (سويسرا) في عام 1933 و1935 ضد {بروتوكولات الحكماء الصهاينة}، حينذاك جرى تحويل "المحاكمة" إلى مسرحية عالمية من خلال استدعاء وإحضار "صحفيين من مختلف مناطق العالم"، كما جرى تسخير الأرشيف السوفيتي (الروسي) لخدمة هذا الغرض. ونجحوا في أول الأمر على استصدار حكم بتغريم الناشرين للكتاب، باعتباره كتابا "منحولا وبلا معنى"! إلا أن استئناف القضية في المحكمة العليا عام 1937 ألغى الحكم السابق، واعتبر "البروتوكولات" كتابا سياسيا، ومن ثم يتمتع بكل الحقوق التي تبيحها حرية الصحافة. وذلك لأنه لا يحرض على القيام بجريمة!
كشفت هذه المحاولات والأحداث المرتبطة بها عن سهولة الحصول على أحكام بالمنع والمصادرة والتبرئة والاتهام وما إلى ذلك حالما يتعلق الأمر بالأفراد. كما أن من السهل أحيانا، في حال امتلاك الوسائل المناسبة، تشويه سمعة الأفراد والأحزاب والأمم والدول لزمن محدود، إلا أن من المستحيل حبس الفكرة أو قتلها، لا سيما إذا كانت الأحداث والمعطيات اليومية على مدار قرن من الزمن لا تدحض ما فيها فحسب، بل وتقدم الدلائل "الفاضحة" على أن ما تقوله صحيح. كل ذلك يشير إلى أن القضية هنا ليست فيمن كتب الكتاب وكيف ومتى ولماذا، بل فيما إذا كانت الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية، الظاهر منها والمستتر تصدّق ما فيه أو تكذبه.
ولو أجملنا ما تتضمنه "البروتوكولات" في عبارة واحدة، فانها تبدو كالتالي: السعي اليهودي الصهيوني للسيطرة على العالم من خلال المؤسسات والدول والأحزاب والمال والدعاية والأعلام عبر استعمال كل الوسائل! وهي عبارة وجيزة تحتوي على كل شئ! لاسيما وان هذه المساعي لا تخرج في الإطار العام عن تقاليد "القوة الغضبية" ومخالبها، التي تشكل اليهودية الصهيونية أحد صيغها النموذجية في العالم المعاصر. مع أنها ليست الوحيدة. وليس مصادفة أن تكون غريزة السيطرة ناتئة بصورة مثيرة في المؤسسات والدول التي يشكل اللوبي اليهودي الصهيوني قوة فعلية (كما كان الحال في فرنسا زمن نابليون، وفي انجلترة قبل وبعد الحرب الإمبريالية الأولى، وروسيا بعد الثورة البلشفية، والولايات المتحدة بعد الحرب الإمبريالية الثانية ولحد الآن). لكنها سيطرة يستحيل تنفيذها بصورة تامة. والقضية هنا ليس فقط في ان ليس كل ما يشتهيه المرء يبلغه، بل ولمناقضتها منطق الوجود والتقدم نفسه. لان السيطرة الشاملة هو تدمير للسيطرة نفسها. غير أن هذا الحكم المنطقي لا علاقة مباشرة له بالقوة الغضبية (الغريزة)، لكنه يجبرها من خلال عقلنتها التاريخية ووضعها أمام الحقيقة القائلة، بان كل تقدم حقيقي يفترض إدراك قيمة الحدود الذاتية. إلا أن "منطق" اليهودية الصهيونية من حيث الجوهر هو اقرب إلى "قواعد العمل" النفعية الخالصة. لذا فهي لا تنطوي على عظة، وبالتالي فلا حكمة فيها!
أما مفارقة "الحكمة" في عنوان "البروتوكولات"، فإنها ليست اكثر من استهزاء بحقيقة الحكمة التاريخية ومنطقها الأخلاقي القائل، بضرورة الارتقاء فوق معايير الغريزة والعقل الماكر من اجل تأمل حقيقة الوجود، باعتباره عدلا وإخلاصا للمعاني الخالدة. بعبارة أخرى، إن ماهية اليهودية الصهيونية تقوم في افتقادها للحدود الذاتية. لهذا لا يتعدى "منطقها" في الأغلب قواعد العمل النفعية. من هنا ولعها بما سمته تقاليد الإسلام الفلسفية بحب الجاه والرياسة، أي حب الاستكبار والاستحواذ. وإذا كانت هذه الخصلة من صفات النفس البشرية الضيقة، فان همجيتها التاريخية المعتقة في اليهودية الصهيونية ارتبطت بالوجود الهامشي لليهود واليهودية.
إن اليهودية الصهيونية هي مركّب هامشي بالمعنى التاريخي والقومي والثقافي. ومع أنها جزء من التاريخ العالمي، لكنها على ضفافه. من هنا امتلاءها بعناصر الانعزال والغلوّ. وليس تركزّ المال الربوي في الواقع سوى الصيغة الجلية والخفية لهذه الهامشية التاريخية. ولم تؤد مساعيها المعاصرة "للانفتاح" على مجاري "العولمة" إلا إلى تعميق الانعزال والتطرف. وهذان بدورهما ليسا إلا الصيغة الاجتماعية والسياسية لتقاليد الغيتو والشتات اليهوديين، اللذين وجدا تعبيرهما أيضا في وحدة التمركز المالي والهامشية التاريخية. إذ ليس التمركز المالي والهامشية التاريخية لليهودية الصهيونية سوى المظهر الاقتصادي والثقافي للغيتو والشتات، اللذين وجدا منفذهما الوحيد في ميدان السياسة عبر الراديكالية بمختلف ألوانها ومظاهرها. وليست "البرتوكولات الصهيونية" في الواقع سوى أحدى الصيغ النموذجية للنفسية الراديكالية. من هنا سيطرة "قواعد العمل" فيها.
فمن الناحية التاريخية ليست "البروتوكولات الصهيونية" نموذجا فريدا في تاريخ الراديكاليات الباطنية والظاهرية. بل نستطيع القول، بان "البروتوكولات" هي مجرد صيغة نموذجية للذهنية اليهودية الصهيونية في إحدى مراحل تطورها، كما تجسدت في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الأوربي. لهذا نعثر فيها على صدى التقاليد "الثورية" و"الميكيافيلية" مخلوطة في توليفة قوامها نفسية الشتات والغيتو، التي تشكل الحركة الصهيونية تجسيدها التام.
فقد تزامن ظهور "البروتوكولات" مع المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل عام 1897، ومع ازدياد حدة "المسألة اليهودية" التي شكلت قضية دريفوس عام 1894-1899 أحد مؤشراتها "الأوربية" آنذاك. وهي مؤشرات مشابهة من حيث محتواها النفسي والعملي لما في الكتابات التي كانت تصدر تحت اسم "الكاتيخيزيس" الواسعة الانتشار نسبيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في أوربا. وهي كتابات ثورية راديكالية استمدت اسمها من "الكاتاخيزيس النصراني"، أي علوم الدين، وبالأخص أصول الإيمان، التي تقابل في التقاليد الإسلامية "بقواعد العقائد". وهي قواعد حاولت تجسيد العقائد "النظرية" في خطوات "مدروسة" ومقننة ومنظمة "لما ينبغي القيام به" من اجل بلوغ الغاية.
ووجد هذا "الفن" انعكاسه وتجسيده في مختلف الثقافات والمراحل التاريخية، وبالأخص في الفرق الباطنية منها. لكن إذا كانت تقاليد الباطنية القديمة اقرب إلى الرؤية الفلسفية واللاهوتية، فان "قواعد العمل" المميزة لأوربا القرن التاسع عشر اتصفت بأولوية "العمل الفعال" من اجل بلوغ الأهداف السياسية والقومية أولا وقبل كل شئ. كما ارتبط أيضا بتطور الرأسمالية وردود الفعل المتنوعة عليها. من هنا ظهور "الصيغة الثورية" كما هو الحال في {البيان الشيوعي} وغيره. كما نعثر على نموذج روسي لقواعد العمل الثورية في كتاب نيتشاييف {كاتيخيزيس المناضل الثوري} (1869) ، الذي اتسم بنزعة راديكالية متطرفة من النظام القيصري القائم، وبنزعة فوضوية ضد الرأسمالية الآخذة في الصعود على خلفية القنانة التي ألغيت رسميا قبل ثمان سنوات. وهو كتاب قال عنه انجلس، الممثل الألمع آنذاك للفكرة الثورية، بان كل فصوله ترمي إلى ما يرمي إليه الفوضويون، أي إلى تخريب كل ما هو موجود، وبالتالي إشاعة الاضطراب والتشوش في العلاقات السياسية والأخلاقية. كما ظهرت "صيغ قومية" "لقواعد العمل" هذه، كما هو الحال على سبيل المثال بالنسبة لما يسمى "بالكاتيخيزيس البولندي"، الذي ظهر للمرة الأولى عام 1863، بعد تعرض الانتفاضة الوطنية للبولنديين ضد السيطرة الروسية إلى الهزيمة. اذ نعثر فيه على نفس الهواجس المميزة لهذا النوع من الكتابات، أي "تقنين" قواعد العمل الهادفة إلى زعزعة السيطرة الروسية عبر القيام بكل الأعمال التي تؤدي إلى هذه الغاية، مثل التغلغل في أوساط الفئات العليا للدولة والمجتمع، وشراء الأرض واستعمال الكذب والغش والخديعة والتملق وغيرها من الأساليب مازالت تخدم الهدف النهائي. وليس هذا بدوره سوى دفع الرذيلة البرجوازية إلى درجاتها القصوى. كما يظهر في الاتحاد السوفيتي "كاتيخيزيس اليهودي السوفيتي"، الذي صور اليهودي كيانا معاديا للسوفييت والروس ويتجلبب بلباس الاشتراكية والشيوعية لأجل محاربتها، واستعمال المظاهر الروسية لأجل تخريبها.
وعندما ننظر إلى "البروتوكولات" من حيث المظهر، فإننا نرى في "قواعد العمل" المقننة بين سطورها تجسيدا نموذجيا "للميكيافيلية" المطوّعة، أي الأيديولوجية العملية التي حصرت آراء ميكيافيلي في أسلوب مباشر يقوم في إعلاء شأن القاعدة القائلة، بان الغاية تبرر الوسيلة. وضمن هذه الإطار يمكن تحسس المعنى المستتر "للبراهين" التي حاولت أن تقدمها الدعاية اليهودية الصهيونية عن إيجاد الشبه بين كتاب {حوار في الجحيم} لموريس جولي (ت – 1879) الذي صور حوارا متخيلا بين ميكيافيلي ومونتسكيو من اجل إدانة سياسة نابليون الثالث في فرنسا آنذاك، وبين"البروتوكولات". وإذا كان هناك بعض ملامح الشبه بينهما، فان ذلك ليس دليلا على أن ما فيها هو "مجرد سرقة" من "حوار في الجحيم"، بقدر ما انه يشير إلى أن البحث في "ميكيافيلي" موريس جولي عن مصدر "البرتوكولات" هو توكيد غير مباشر على ما في ذهنية ونفسية اليهودية الصهيونية من نزعة "ميكيافيلية". لان "البروتوكولات" أيضا من ألفها إلى يائها تعمل حسب قاعدة الغاية تبرر الوسيلة. بل أنها جعلت من هذه القاعدة مبدأ شاملا ومنظما "لقواعد العمل" الصهيوني.
ففي "البرونوكولات" نعثر على مختلف الصيغ التي تصب ضمن هذه القاعدة وتعيد إنتاجها، مثل الفكرة القائلة، بان الأسلوب الأمثل لبلوغ الغاية يقوم عبر استعمال "العنف والإرهاب، لا بالمجادلات النظرية المجردة، انطلاقا من أن كل امرئ مشتهاه السلطة والجاه". أو أن يجري تصوير الحرية السياسية على أنها "فكرة مجردة، ولا واقع حقيقيا لها". ثم يجري النظر إليها باعتبارها طعما للمصيدة ينبغي إتقان استعماله. أو أن يجري التوكيد على انه كلما كان "الخصم المراد البطش به قد أخذته عدوى فكرة الحرية المسماة ليبرالية" كان ايسر السيطرة عليه. أو أن يجري اعتبار المال "القوة التي نسخت قوة الحكام من أنصار الليبرالية". وبما أن الوسائل كلها مبررة من اجل بلوغ الهدف فلا مانع من استعمال أي منها إذا كان مناسبا للحالة المعنية. من هنا يصبح ممكنا على سبيل المثال استعمال "الأهواء والمعتقدات الرخيصة، وما خف وفشا من العادات والتقاليد والنظريات العاطفية" والعمل على إثارة "التطاحن الحزبي". وذلك لان "السياسة مدارها غير مدار الأخلاق، ولا شيء مشتركا بينهما، والحاكم الذي يخضع لمنهج الأخلاق لا يكون سائسا حاذقا". أما الصفات التي يقال أنها من "الشمائل القومية العالية، كالصراحة في إخلاص، والأمانة في شرف، فهذا كله يعد في باب السياسة من النقائص لا الفضائل". وهي فكرة وجدت استمرارها "الطبيعي" في رفع شأن القوة إلى مصاف الحق. من هنا توكيد "البروتوكولات" على أن "حقنا منبعه القوة". من هنا كل فعل فيها "معقول ومقبول"، لان "النتائج تبرر الأسباب والوسائل". وبالتالي، فان من الضروري مراعاة "ما هو أكثر فائدة وضرورة بصورة اكبر من مراعاة ما هو اكثر صدقا واخلاقية". وحدد ذلك موقف "البروتوكولات" مما أسمته الأخذ بعين الاعتبار ما يكون عليه "جمهور الدهماء من طباع خسة ونذالة"، والعمل على استعمال "العنف في الأمور السياسية، ولاسيما إذا كانت أدوات العنف مخفية". بحيث اعتبرت "هذا الشر هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الغاية المقصودة من الخير". كل ذلك حدد "شرعية" و"أخلاقية" "استعمال الرشوة والخديعة والخيانة، متى لاح لنا أن بهذا تحقق الغاية". إذ في "السياسة يجب على الواحد المسؤول أن يعرف كيف تقتنص الفرص فورا". وهو أمر يستلزم على سبيل المثال "الأخذ بعين الاعتبار، ما عند الأمم من ذهنية خاصة بها وخلقها ونزعاتها". واستغلال كل ذلك بما يخدم الهدف النهائي إلا وهو بلوغ السيطرة. وهي صفات استمدت "البروتوكولات" نموذجها من الجزويت وسعت إلى تجاوز نواقص سابقيهم بهذا الصدد. وهي صفات تمركزت حول القاعدة الأساسية المتعلقة بتبرير الغاية للوسائل. هنا تصبح كل الأفعال مباحة مثل "الاستيلاء على الرأي العام"، و"الإفساد بين الأحزاب، وتفريق القوى المجتمعة على غرض"، وإثارة "الهزات العنيفة والانشقاقات والضغائن والأحقاد"، والعمل على "إبقاء الحرب بين البلاد المعارضة لنا وجاراتها"، على أن يكون ذلك "بألطف مقال، وانعم كلام، وارفع طراز في تلفيق الفتاوى القانونية"، والعمل على تسميم عقول الأجيال الفتية "بالمبادئ والنظريات الفاسدة". فما غير اليهود هو مجرد "قطيع من الغنم، ونحن ذئابهم". وافضل وسيلة لذلك هو الصحافة والإعلام والتعليم. إذ "لكي يتم تخريب جميع القوى التي تعمل على تحقيق الانسجام الفكري والتضامن الاجتماعي، من الضروري تفكيك حلقات المرحلة الأولى من هذا وهي الجامعات"، أما "تدريس الآداب والفنون الكلاسيكية (منذ عهد اليونان والرومان) وكذلك تدريس التاريخ القديم، فينبغي رميه واستبداله بتدريس برامج المستقبل". ومن الاستعراض المكثف السابق يتضح جوهر "البروتوكولات"، باعتبارها نموذجا كلاسيكيا "لميكيافيلية" القوى الانعزالية والمنغلقة، وتمثيلا نموذجيا لقواعد عملها.
فمن الناحية التاريخية والثقافية عادة ما تشكل نماذج "قواعد العقائد" النظرية الصيغة المقننة لنمو العقل العملي (أو الروح الأخلاقي)، على عكس ما هو مميز لقواعد العمل، التي عادة ما تشكل الصيغة المقننة لتوقف العقل العملي (الأخلاقي)، وبالتالي اندفاع قيمة العمل بحد ذاته إلى المقدمة وتحوله إلى المحك المطلق للحقيقة. وهو تحول عادة ما يؤدي إلى نفس النتيجة بغض النظر عن بواعثه الأولية. وذلك لأنه يغلق أمام الأفراد والجماعات إمكانية الاندماج الطبيعي في المجتمع ومعاناة إشكالياته الكبرى بوصفها جزء من نمو الوعي الذاتي التاريخي للأمم. وهو السبب الذي يفسر سر انتشارها السريع والواسع وسط "الاقليات" والهامشيين والحثالات الاجتماعية. وفي افضل الأحوال تبقى من نصيب النزوع الباطني وتقاليده الضيقة.
من هذا المنطلق يمكن فهم أحد الأسباب الجوهرية الكامنة وراء ظهور "البروتوكولات الصهيونية" باعتبارها الصورة المركبة عن اليهودية الصهيونية في أحد مراحل تطورها. إنها جسدت قواعد العقائد العملية للسبيكة المتصيرة تاريخيا من تلاقح الراديكالية اليهودية والباطنية الماسونية والصهيونية في مجرى محاولات اندماج اليهود، بكل ما رافق ذلك من عسر وتشويه، بالثقافة الأوروبية عند صعود الرأسمالية الكولونيالية والدولة القومية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفساد والإرهاب توأم الخراب في العراق المعاصر
- (4) الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3
- 2.الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الشعر والشاعر وإشكالية الحرية
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الحلقة الاولى - البروتوكولات الصهيونية - تقاليد قواعد العمل المغلقة