أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوري جاسم المياحي - قصة الطفل والام وحظهما السيء















المزيد.....

قصة الطفل والام وحظهما السيء


نوري جاسم المياحي

الحوار المتمدن-العدد: 3647 - 2012 / 2 / 23 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


يقولون ..الذكريات صدى السنون ... وهذا ما حدث معي فقبل اربعين سنة كنت اتدرب في موسكو وكانت معي زوجتي وعندنا طفل عمره سنه واحدة ...ولم يكن يختلف عن اطفال العالم من حيث المرح او جمال الطفولة ...حيث يتمتع بجمال وبراءة الطفولة كبقية الاطفال ..وان اختلف طفلنا عن اطفال موسكو في سمرة البشره وسواد عيونه كأي طفل شرقي ...
من المعروف ان الطفل بهذا العمر يكون عبئا ثقيلا على الوالدين ...ولاسيما عند الخروج من البيت للتنزه او التجوال او التبضع ...اما طفلنا وفي موسكو ...فقد كان نعمة انزلها الله علينا ...فالشعب الروسي يقدس الطفولة الى درجة لايصدقها العقل ...ولاسيما وان النظام الاشتراكي السائد في الاتحاد السوفيتي انذاك ...اهتم بالطفولة ورعايتها والامومة ورعايتها ..ووفر كل وسائل الراحة
وبمعنى ادق يلاحظ تضامن النظام الحكومي الاشتراكي ..والشعب واتفقهما على رعاية وتقديس الطفولة والامومة ...وكلامي هذا ليس مجاملة او دعاية وبنفس الوقت ليس بحث اكاديمي ...وانما مقارنة واقعين وحالين واحدة عشتها في موسكو الشيوعية قديما .. والثانية سمعتها في بغداد الاسلامية مؤخرا .. اي حديث ذكريات وانطباعات ...واهات وحسرات على الطفل والام العراقية ومعاناتهم ...الذي كتب عليهم ومن سوء حظهما للظروف الصعبة التي تعيشها لاسرة لعراقية
انا اليوم لا أدري كيف هي الحياة في موسكو ...فذكرياتي عنها عمرها اربعين سنة ...تخللها التغير الحاصل من نظام الحكم من اشتراكي شيوعي الى نظام ليبرالي اقتصادي وكما يسمى اقتصاد السوق ...فانا لم اشاهد موسكو او ازورها طيلة الاربعين سنة الماضية ...فهل هي افضل او اسوأ ...فلا ادري ؟؟؟ ولنكمل قصتنا ...
كان طفلنا بسمرته الحنطاوية وبشعره الاسود القاتم وعيونه السوداء مثار محبة واعجاب ولاسيما النساء الروسيات ...اينما نذهب او نقف او ندخل فكن يتهاتفن عليه ويقبلوه ويداعبوه مما يدخل الفرحة الى قلب الطفل والاكثر للام ... ويتذكر كل من عاش في موسكو في تلك الفترة ...كانت الحياة نظامية صارمة الانضباط وفي كل مكان تذهب اليه ...حيث تجد طوابير المنتظرين طويلة جدا ...وقد يستغرق الانتظار ساعات ...وهذا يحدث عندما تذهب للتسوق او السينما او المسرح او المطعم او ركوب حافلة او تاكسي ...وكان طفلنا نعمة لنا ...فالجميع كانوا يفسحون لنا الطريق والمجال للوقوف في اول الطابور ... وكثيرا ما احرجونا في قطار الانفاق المزدحم عندما نصعد اليه ولانجد مكانا لجلوس زوجتي وهي تحمل طفلها .. اذ يسارع العجايز رجالا ونساء للوقوف ويطلبون منها وبالحاح الجلوس مكانهم ... هذا ماكان يجري على مستوى العلاقات الانسانية ..اما اهتمام الدولة بالاطفال ..فقد اعطته المرتبة الاولى في اهتمامها ...وفرت كل ما يؤمن للطفل الراحة والسعادة والصحة النفسية والبدنية ...من ملاعب تسلية الى حدائق اطفال ...اما اللعب فحدث ولا حرج ...كل سن وله لعبته الخاصة ...اما الملابس والاحذية ومستلزمات الطفولة ..فكانت من افضل الانواع وارخصها سعرا (وكما يقول العراقيون ببلاش ) ..هكذا لمست لمس اليد وعايشت انا وعائلتي هذا الاهتمام المفرط بالدلال والعز في فترة السنتين التي قضيتهما في روسيا ...
اما اليوم ... فقد التقيت بانسانة من معارفي عراقية مكافحة ويتيمة كا لكثير من العراقيات ...جاهدت وسهرت الليالي لكي تدرس وتنجح ,,وفعلا تكللت جهودها واثمر تعبها بالحصول على اعلى الشهادات الجامعية ... وحالفها الحظ وكما يقول العراقيون (جاهه نصيب فتزوجت ابن الحلال ) ولم ينتظروا فانجبوا طفلا ..اصبح فيما بعد مشكلة وحجر عثرة في طريق تعيين الام بشهادتها العالية ...ولكنها لم تستفد من الشهادة فقد صادفتها عقبات اخرى في طريق التعيين ...وهما ..لا وساطة عندها ...ولا تملك عشرات الاوراق من الدولارات لتدفعها رشوة لمن يسعى في تعينها ...والزوج موظف بسيط متعين بعقد مع احدى شركات التصنيع العسكري راتبه لايتجاوز الربع مليون دينار لايكفي لايجار غرفة واحدة في مناطق بغداد القديمة كالمنصور او اليرموك أو ألكردة او الكاظمية ...لان ابيها المرحوم عبد الكاظم كان ضابطا اداريا كبيرا برتبة لواء في جيش صدام وتقاعد بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية مباشرة عام 1989 وقبع في منزله لا علاقة له بالعسكرية ولا بالسياسة وحصر تفكيره وجهوده بتوفير لقمة العيش لعائلته الكبيرة ...وكان الراتب التقاعدي الذي يقبضه انذاك من الحكومة هو3000 دينار اي ما يعادل دولار واحد...فكيف يعيش بهذا الراتب وهو رب عائلة تتكون من عشرة افراد معظمهم طلبة كليات .. فاضطر في بداية المطاف للعمل في محل لبيع الاحذية والنعل والطكاكيات ( المستوردة من مناشيء اسيوية رديئة )..وكان الدكان صغيرا ومحشورا تحت الدرج ويقع تحت عمارة الرصافي المشهورة التي تقع قرب جسر الشهداء المعروف في بغداد ...وبمرور السنين وبعد ان اتقن المصلحة فتح محلا صغيرا خاصا به موفرا له موردا جيدا ومريحا ..وهكذا عاش المسكين مرتاحا وقانعا برزقه بعد عذاب أستمر لعدة سنين ...وبعد العز الذي عاشه اثناء خدمته العسكرية ..
ويبدوا ان القدر لديه القرار النهائي في مصير الناس ...فقد غزا الامريكان العراق واحتلوا بغداد وانتشرت الفوضى الخلاقة ...وفي احد الايام ...اختطفت طلقات الغدر حياة اللواء عبد الكاظم وهوجالس قرب باب داره محتضن حفيدته ذات السنتين من العمر وفي يوم جمعة اغبر مشؤوم ...ولتحق شهيدا بالمئات من رفاقه الضباط والعلماء واساتذة الجامعة التي صفتهم يد الغدر والخيانة لقادمة من وراء الحدود متسلحة بسلاح الحقد والكراهية ...وهكذ ا فقدت العائلة معيلها ...ففقدت المسكينة ابنته المتزوجة حديثا ابيها وحاميها ومن تلجأ اليه في الملمات ...واخيرا توسط لها أحد الخيرين والغيارى من أصدقاء ابيها ...ممن وافاه الحظ فعين بمنصب رفيع في احدى الوزارات المهمة فتوسط لها وعينها في احدى دوائر الدولة ...وهنا برزت عقبة طفلها ...من يرعاه اثناء الدوام في دائره تبعد عن دارها 40 كيلو متر .. وتقضي 5 ساعات يوميا فقط في الطريق وفي زحمة المرور ولتوقفات في نقاط التفتيش ...
فلا راعي عندها يرعى الطفل في غيابها ...وهي لاتستطيع تركه لوحدها مع أم زوجها العجوز وبنفس الوقت لاتستطيع التخلي عن الوظيفة ...ولا يوجد من يرحمها او يساعدها لا من اهلها او من اهل زوجها او حضانة تحتضنه من الساعة السادسة صباحا وحتى الساعة الخامسة مساءا ...
والغريب ان لدائرتها فرع قريب من دارها لايبعد اكثر من ربع ساعة بالسيارة ...توسلت بالمدير العام وهو ينتسب لاحد الاحزاب الاسلامية الحاكمة لمساعدتها ومراعاة مأساتها وظروف زوجها وحاجة طفلها ونقلها الى الدائرة القريبة من منزلها ...ولكن يبدوا ان الرحمة والانسانية قد تبخرت من صدر هذا المدير القاسي القلب ... وانما جرحها بجوابه على توسلاتها ..قائلا ...الاسلام يفرض على الزوج اعالة عائلته ...وليس من واجب الزوجة ان تعمل ...اما الطفل فان من خلقه يتكفل به وباعالته ... وهنا اجهشت بالبكاء وهي تذرف الدموع مدرارا وخرجت لتقدم استقالتها وترميها بوجه المديرالقاسي ... وهي تتمتم بصوت خافت بدعاء على المدير وعلى من نصبه وعلى الحكومة الفاسدة التي لم تؤمن للعوائل والاطفال وسائل الرعاية والمعونة الاجتماعية وكما معمول به في الدول النفطية الغنية مثل العراق ..
لقد تصاعدت الزفرات من صدري وترقرت لدموع في عيني تأسيا لها ولطفلها ...وانا استمع لقصتها الحزينة المؤلمة واقارنها بما شاهدته في روسيا قبل اربعين سنة ..واتساءل مع نفسي ...مالذي يمنع ان نداري ونسعد اطفالنا ونبارك ونقدس الامومة كما يفعل الروس ...؟؟؟ هل هم احسن منا ؟؟؟هل اهم اغنى منا ؟؟؟ ام هل هم بشر ونحن وحوش لاقيمة للامومة والطفولة عندنا ؟؟؟ ام الخلل في تربيتنا ؟؟؟ ام في نظامنا الاقتصادي ؟؟؟ام في احزابنا الحاكمة ؟؟؟...الا لعنة الله على الرأسمالية ..وأقتصاد السوق ..
واخيرا لم اجد ما اواسي المسكينة البائسة به ...سوى ان اقول لها ...أصبري يا ابنتي ...فالصبر مفتاح الفرج ...فلاتهني ولاتحزني ...ان الله مع الصابرين ...



#نوري_جاسم_المياحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى نتعلم ثقافة الحوار؟؟
- احتفلوا بيوم الكذب العالمي...
- طركاعه وحبيبها
- كفى كذبا..فشعبنا ليس مضحكة
- الفيتو الروسي – الصيني والصراع الطائفي في المنطقة
- حق الضحية وعائلته في ملاحقة القاتل
- اخر نكتة اضحكتني واني مش طويب
- الدين بين الهوية الوطنية والقومية للامة العراقية
- الاسلام السياسي والعلمانية القومية
- نحن حرامية بالفطرة
- اياكم والمساس بهيبة القضاء
- افلاس العراق ماليا ...خيانة وطنية
- سفارة امريكية مسدساتها كاتمة للصوت
- قلبي بحبكم مذبوح
- سيادتنا طلعت فاشوش وكطن منفوش
- توقفوا عن ابادة شعبنا
- كفاية ديكتاتورية راي وحمام نسوان
- اخر الصباحات
- المزور فرحان والوزير حيران
- أوصاية امريكية بعد انسحاب ؟؟؟؟


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوري جاسم المياحي - قصة الطفل والام وحظهما السيء