أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المختار بن جديان - تونس - من صراعات الاستقلال إلى صراعات الثورة















المزيد.....

تونس - من صراعات الاستقلال إلى صراعات الثورة


المختار بن جديان

الحوار المتمدن-العدد: 3646 - 2012 / 2 / 22 - 19:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


عرفت تونس ما بعد الاستعمار الفرنسي تباينا فكريا من حيث الكم والكيف، أفضى إلى بروز اتجاهات وحركات تضادّت من حيث الرؤى والفكر والمنهج، حيث اندلعت حرب الأفكار بين الحركة التنويرية التي تمثل الجماعات التونسية المثقفة شعرا ونثرا وتمثيلا ... وبين جماعات المنطق الكلاسيكي القيمي الديني الواحد والمختلفة من حيث النشاط – ذات البعد السياسي، الجهادي والصالح - وكان لظهور كل من هاذين التيارين قبيل الاستعمار بروز القوى المتخفية والتي كانت متضادة هي الأخرى من حيث المذهب الفكري الذي تعتنقه.
فقد مثل النموذج الدستوري "البورقيبي" مثالا صارخا لدعم الحركات الثقافية الحداثية والتي اعتبرت الفنّ والفكر المُعاصر مدعاةَ للحرية الملموسة وفق منطلقات فلسفية عميقة، وكان من أهم أعلام هذه الحركة "الطاهر الحداد" الذي أدلى بدلوه الثقافي ليسقي براعم المرأة الحداثية في مستقبل تونس، بالإضافة إلى التزام جماعة "علي الدوعاجي" بالسور الذي اختارت المكوث تحته ومد ما تيسر لهم من مداد أقلام قد تصنع الفارق الحقيقي في تونس ما بعد الاستعمار الذي رأوه مصدرا ثقافيا مُهما من الخطأ تجاوزه.
في حين التزم الفكر الزيتوني خلال فترة ما قبل وبعد الاستقلال بقليل باحتضان الاتجاهات السلفية الصغيرة التي احتفى منهجها بالغلُوّ والتشدّد، معتبرة أن الفئة الفنية الراقية هي من الفئات الفلسفية العدُوة، رغم تلك الصلة الدموية والوطنية التي جمعتها بها، مركّزة في نفس الوقت على ضرورة العودة إلى البديل الحقيقي الذي يكمُن في السير بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
استمر هذا الصراع الفكري العميق بين الحركتين إلى حدود سيطرة "الحبيب بورقيبة" على مقاليد السلطة في البلاد وبالتالي مقاليد التسيير المُحكم لسدّْ كل الثغرات التي من شأنها أن تخلق عراقيل أمام برنامجه الليبرالي الحداثي.
وسمحت هذه الفترة بانقسام جزئي آخر طال أفراد الحركة الوطنية؛ فقد ابتاع كل من "صالح بن يوسف والحبيب بروقيبة" طريقا سياسيا ذاتيا، لينقلب الأول على خِلّه الوطني - الودود متأثرا بزيارته إلى جمال عبد الناصر سنة الاستقلال حين استقر هناك وكون نسيجا إعلاميا معارضا لحكومة بورقيبة، حيث حُمِّل بأفكار برزخية تعدُ حسب رأيه بالأفضل لتونس ولسائر الدول العربية، واعتبر الكثير من المحللين في تلك الفترة أن صالح بن يوسف ووفقا لهذا المنطق قد يُحسب على التيارات المُتطرفة لا المعتدلة والتي كانت لها نظرة خاصة للدين في نطاق ضرورة العودة الثابتة بعد أن غاص في غياهب الاتاتوركية والفرنكفونية وقُمع لغايات في أنفس الحداثيين.
خسر بن يوسف المعركة الفكرية بينه وبين الزعيم الدستوري مستنفذا آخر ورقات ضغطه التي تمثلت في تحريض أهالي الجنوب سنة 1956 على اقتتال المستعمر الفرنسي، وكانت معركة " آقري " في جنوب تونس وبالتحديد في منطقة "تطاوين" أكبر دليل دونه القدامي وكبار السِن الذين شاركوا في هذه المعركة ضد المستعمر الفرنسي آن ذاك، والذين حُرموا في نفس الوقت شرف دخولهم التاريخ الذي أُوصدت في وجهه -البوابة التجمعية- لكي يتسنى لها تنظيم كل ما من شأنه أن يدخل أو يخرج للأجيال القادمة في تونس،و تُوِّج هذا الصراع باغتيال "صالح بن يوسف" لأسباب غير معلومة نظرا لكثرة الروايات.
وعلى نفس النسق تقريبا مع إضافة القليل من الزخرفة البراقماتية تواصل هذا السير مع الابن التجمعي المُدلل تونسيا وأمريكا " زين العابدين بن علي " ليؤكد أُحادية الفكر السياسي الذي حكم به تونس في وقت قد سبق، وفي نفس الوقت التلاعب – اللامسموح – بهيبة التاريخ ووقاره، وتطويع ابن خلدون تمثالا يخدم أجندة سياسية جعلت من الشعب يكره " شهر نوفمبر "ويعُده من الشهور المظلمة.
ما بعد 14 جانفي : الصراعات المُحتملة
بعيدا الآن عن جل المساومات الفكرية والسياسية التي تؤكد الصراعات الآنف ذكرها، نبقى اليوم حريصين بعد الزخم الثوري التي شهدته البلاد، على النظر بعين واثقة إلى بعض الصراعات التي نشأت والتي تبدو اليوم في طور النشأة.
ولعل أهمها الصراع السياسي العقائدي الديني الذي أصبح واضحا للعيان؛ إذ تأسست حركة النهضة كفكر متطرف يميني سنة 1981، ليُواجهها النظام الدستوري الحاكم بالقمع والتعسف نظرا لانتمائها لجبهة السلفيين، حيث كان اسمها الأول -حركة الاتجاه الإسلامي- وظلّت تنشُط بهذا الاسم حتى سنة 1989 مُستلهمة أفكارها من "سيد قطب وحسن البنّة" كبار مُؤسسي حركة الإخوان المسلمون المسيطرة اليوم في – مصر – والتي احتاجت في وقت ما إلى تكوين دُويلات حركية مماثلة في المنطقة العربية، ظنّا منها أنها ستحظى يوما ما بفرصة لتولي القيادة.
والتحمت الحركة في ما مضى ضد نظام بن علي ومن قبله بورقيبة مع أخواتها من السلفية الصالحة والجهادية بدعوى النضال ورفع الظلم الحداثي الذي استفحل بالبلاد، وهو ما جعل العديد من المُحللين يحسبونها على الاتجاه المُتطرف والمُتشدد في ذلك الوقت.
ولم يُثبـِّط عزائمها ذلك الميثاق الوطني الذي وقعته مع حكومة بن علي سنة 1988 والذي قضى بمشاركتها في الانتخابات التشريعية لسنة 1889، لتُحاك ضدّها مؤامرة الديمقراطية الكاذبة ولتزداد في نفس الوقت نقمة على النظام وتمددا باتجاه الفكر السلفي.
ويُعد أبرز مؤسسيها كل من الشيخين "راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو" الذين انفصلا لأسباب تُذكرنا بذلك الانفصال التاريخي بين "بن يوسف و بورقيبة"، فقد شهدت علاقتهما توتُرا قـُبيل الانتخابات الأخيرة في تونس و يُعزى هذا التشقق لأسباب سياسية بحتة على مستوى كيفية تسيير النشاط السياسي للحركة إذا ما تحصلت على النسبة المرجُوة في الانتخابات.
بعد اتساع البراح التواصلي للحركة من الناحية اليمينية مع التيارات السلفية واستنشاقها للرحيق الأخوي من مصر، رأت ضرورة ملحة تقضي بتطوير منهجها الحركي متأثرة هذه المرة بحزب العدالة والتنمية التركي الذي يعتبره الكثير وليدا لها وليس والدا، فحزب العدالة والتنمية في تركيا من بين الأحزاب التي لاقت ردود أفعال طيبة في الوسط الإقليمي العربي، وهو ما ركزت عليه حركة النهضة مستخدمة هذا النموذج الناجح كمنشور انتخابي غير مباشر بعد أن راجت الفكرة التي تقول بأن تونس ستضحي –اسطنبول افريقية - إذا ما تحصلت حركة النهضة على أغلبية المقاعد داخل المجلس الوطني التأسيسي.
أما اليوم فتتقلد الحركة المنصب الشرفي للسياسة التونسية، ويستريح قادتها على كراسي وزراء أمروا بتعذيبهم فيما مضى، لكنهم يتعاملون بخطاب يبدو جديدا وغير مألوف، يعتبره الكثيرون خيانة للمشروع الأول الذي عقدته في يوم ما، بعد أن لبست جبة الحكم التي أُحيكت لأجل مرحلة ما بعد الثورة في تونس، ويعتبرها آخرون خيانة مشروعة لما تحتويه اللعبة السياسية من ميولات براقماتية، ليسري على الحركة مفعول الآية التي تقول " ودخل جنته وهو ظالمٌ لنفسه قال ما أظُن أن تبيد هذه وما أظُن الساعة قائمة – ولئن رُددت إلى ربي لأجدنّ خيرا منها مُنقلبا ".
هذا التغير الجذري والتاريخي لماهية الحركة فكريا وسياسيا قد يُخلّف صراعا إيديولوجيا عقائديا داخليا وغير مباشر بينها وبين التيارات السلفية التي لا زالت على منهجها الأوحد، ولعل أبرز مُؤشراته الحدث الأخير الذي شهدته البلاد بدخول الشيخ وجدي غنيم -الإخواني- المعروف إلى تُونس وردود الأفعال السياسية والشعبية من ذلك، والتي ضمنت له –بروباجندا- مجانية قد تنفعه في كل من مصر وتونس، فسكوت الحركة الحاكمة على الأفعال التي مارسها ويمارسها اليسار المعارض في تونس على اليمين المُتشدد يراه المواطن في تونس خطرا جسيما بعد أن قامت الثورة لأجل الحريات، بالإضافة إلى ذلك يبدو مشروع النقاب الذي انفجر في تونس في الآونة الأخيرة قد أُحكم غلقه بعد فك الاعتصام الذي شهدته كلية الآداب بمنوبة حول نفس الموضوع، وأصبح مسكُوتا عنه وحُسم فيه الأمر لصالح من عارضوه أكثر ممن اعتصموا من اجله.
إنها مُساومة جديدة قد تقضي إلى صراع جديد، نراه يقترب يوما بعد يوم خاصة بعد تطور الأحداث الجارية والتي تجري في تونس، وعجز الحركة القائدة على فهم أخواتها من الحركات الأكثر تشددا. ويبدو أن الطرف الثاني في هذا الصراع واضحا وجليا، فحزب التحرير يعتبر أقدم من حركة النهضة في تونس، حيث ينشُط فيها منذ سنة 1973 بعد أن تمثل كوليد لحزب التحرير الأساسي الذي أسسه "تقي الله النبهاني" في القدس خلال الخمسينات.
لا يزال هذا الحزب يمارس نشاطه دون تأشيرة ولعل وراء توسيع نشاطه خلال فترة ما بعد الثورة (توزيع منشورات ،كتب وفكرة دستور للخلافة الإسلامية وندوات ومؤتمرات صحفية) الكثير من التساؤلات، فهل ينشط هذا الحزب في كنف الديمقراطية التي تبدو غامضة الملامح على مستوى الحكومة والمعارضة؟ أم أن له تأشيرة افتراضية بحكم القرابة الحركية ؟ أم هو خوف من الشارع التونسي الذي تعلم القليل من فنون السياسة بفضل الفايسبوك ؟
ونجد طرفا ثالثا ومهما قد لا يكون ركيزة للصراع بقدر كونه عاملا مساعدا، وهو التيار السلفي الصالح الذي يرى اختلافا واضحا بين الدولة السياسية والدولة الدينية، فمشروعهم عقائدي بحت لا يتعلق بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، حيث يؤمن قادته بأن السياسة المُحمدية الشريفة ومن بعدها سياسة السلف الصالح هي الحل دون إخضاعهما إلى الممارسات والسلوكات السياسية التي تقوم على نظريات مصدرها الغرب، وأن العمل بالتشاريع الإسلامية أمر مصيري في بلد مسلم.
وقد لا تتعارض حركة النهضة مع هذا المبدأ خاصة بعد كشفت عن نواياها في اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للدستور التونسي الجديد، وهو ما قُوبل باعتراض شديد من طرف المعارضة وأيضا من طرف المؤسس السابق المُستقيل " عبد التفاح مورو"، بتعلة اختلاف المشارب الفكرية الموجودة في صلب المجتمع التونسي.
لينقسم بذلك اليمين السياسي في تونس إلى ثلاثة، - أوله نهضاوي، ثانيه تحريري وآخره يقول لا للسياسة نعم للخلافة -
إنه صراع الثوابت، التي تشوبها العديد من المتغيرات والعديد من التناقضات والمفارقات، قد يختلف من حيث الشكل مع الصراع الذي تطرّقنا إليه في البداية، إلا أنه يتوافق معه من حيث مفصلية المرحلة التي تمر بها الدولة والمواطن في آن واحد، ولعلًه سيُصدَّر إلى البلدان التي تفاعلت من الربيع العربي الثوري، لتضحي تونس بذلك قناة هامة تصدر الثورات والصراعات ولنكون إزاء خلطة سياسية غريبة يًُحركها من يسعون إلى الهيمنة على العالم بحجة دعم الثورات العربية الشعبية.



#المختار_بن_جديان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المختار بن جديان - تونس - من صراعات الاستقلال إلى صراعات الثورة