أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد جمعة - خضر عدنان، رجل مقابل دولة














المزيد.....

خضر عدنان، رجل مقابل دولة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3646 - 2012 / 2 / 22 - 16:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خضر عدنان يلملمُ ما تساقطَ من رجولةٍ ويجمعُها في مِخلاتِهِ ويتركُنا صغاراً نكتبُ فيه القصائد ونتطاول على عراقيب أقدامِهِ، يقفُ وحيداً بجسدٍ هزيلٍ وجلدٍ ناشفٍ، وعينين زائغتين، ليقابلَ دولةً بعنفوانِها وجبروتِها وأساطيرها وتوراتها وأسلحتها وسجونها وجدرانها العازلة وجيوشها ومخابراتها وأبنيتها وأفكارِها وسجّانيها وقضبانِها وبساطيرِ جنودِها، ليقولَ لنا جملةً قصيرة: إذا كانت الإرادة كانت الطريق.

لم أكن يوماً من المعجبين بالرموز السياسية، على عكس إعجابي الشديد بالرموز النضالية، أحببت محمد الأسود "جيفارا غزة"، وعماد عقل، وأحببت رائد الكرمي وعلم الدين شاهين، أحببت جميع المناضلين، سواء أولئك الذين ضحوا بحياتهم أو أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة، فليس الموت هو ما يصنع البطل في وجهة نظري بل الإرادة.

في التاريخ اليوناني القديم، واجَهَ ثلاثمائة جندي يوناني جيشاً من الفرس قوامُهُ ألف ألف جندي، بمعدل ثلاثة آلاف وخمسمئة جندي فارسي لكل جندي يوناني، ولم يكن السبب في ذلك عدم وجود جنود من الإغريق كي يواجهوا الفرس، ولكن العرّافة قالت إن الوقت غير ملائم للحرب وأن من يحارب في هذا التوقيت سوف يُهزَم وسيجرُّ الويلات على شعب الإغريق كلِّه، لكنّ رجلاً واحداً رفضَ نبوّةَ العرافةِ ودعا الرجال الذين يقبلون بالذهاب معه إلى الحرب، فلم يقبل بالذهاب معه إلا مئتين وتسعةٍ وتسعين رجلاً فاكتملوا ثلاثمئة به، وقد سببوا أذىً كبيراً لجيش فارس العظيم، وليس من الغريب أن نعرف أنهم قُتِلوا جميعاً ما عدا رجل واحد عاد جريحاً ليروي الحكاية، وأظنُّ أنَّ هذه هي القصة الأكثر تعبيراً عن الإرادة في التاريخ البشري كلّه، وهي التي حوّلت هؤلاء الرجال إلى أبطال منذ ثلاثة آلاف عام إلى اليوم.

ما فعله خضر عدنان يبدو جنوناً بالنسبة للكثيرين، وربما حتى بالنسبة لخضر عدنان نفسه، ولكن من هو الذي قال إن العقل يصنع البطولة؟ ومن قال إن الحسابات الصغيرة تصنع المجد؟ ومن قال أن ظلَّ النملة الهائل على الحائط سيجعل النملة أكبر حجماً في الحقيقة؟ خضر عدنان اكتشفَ النملةَ واكتشفَ الظلّ، واستطاع التمييز بينهما، فعرف كيف يواجه.

وإن كان هناك ثمة رسالة فيما فعله خضر عدنان، فلا هي متعلقة بالأرقام حيث قضى خمسةً وستين يوماً في كل يومٍ أربعاً وعشرين ساعةً وفي كلِّ ساعةٍ غولُ جوعٍ، يقابلُهُ الشاطر حسن الذي خلقته الإرادةُ فقتل الغول، ولم تكن هذه الرسالة في تحقيق مجد شخصي في الوقت الذي يستحق فيه الشيخ خضر عدنان أكثر من المجد الشخصي بكثير، بل الرسالة الأكثر وضوحاً هي أن المواجهة ممكنة حين نقرر أننا سنواجه، دون سلاح، دون خطط حربية، دون معونات من الخارج، دون تمويل، دون فلسفة، قرر المواجهة، وقام بالمواجهة وانتصر في المواجهة، خضر عدنان كان رجلاً ضدَّ دولة، كان فكرةً ضدَّ مجموعة من الأفكار التي تستند إلى تاريخ من القمع يقول إن ما لا تأتي به القوة يأتي به استخدام مزيد من القوة دون الركون إلى فهم المعطى الحقيقي للإرادة، الإرادة التي تسقط أمامها نظريات القمع حتى لو كانت ممنهجة على طرازها الأعلى كما هو الحال في إسرائيل.

وما يضيف بعداً آخر لتجربة الشيخ خضر عدنان، هو أن موقفه هذا، يجيء بالذات في الوقت الذي صارت فيه المواقف النابعة عن الإرادات هي مواقف نقرأ عنها في التاريخ، ولم نعد نلمسها في حاضرٍ أعرج، أصبحت البطولة فيه لمن يتكلم أكثر، والزعامة فيه لمن يستطيع أن يشتريها، والواقعية فيه أن ترضخ لمطالب من هم أقوى منك، فأثبت الشيخ عدنان أن مفهوم القوة هو مفهوم نسبي تماماً، وأخضع النارَ للحطبِ عاكساً مفهوم الطبيعة ذاتها الذي يقول إن النار يجب أن تأكل الحطب، لقد جعل النارَ تأكل نفسها لأنها لم تجد ما تأكله.

لا أعتقد أن تجربة الشيخ عدنان ستمر عبر التاريخ مروراً شاحباً، بل ستبقى إلى الأبد، كما بقيت قصة الفرسان الثلاثمئة الذين واجهوا جيش فارس، وأقول جازماً أن الفرق بين قصته وقصتهم ما هو إلا فرق في التفاصيل، أما في عمق التجربة الإنسانية التي خاضها الشيخ، فإنما يتشابهان إلى حد التوأمة.



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما زلتُ على عتبةِ البيتِ
- رؤيا مجدليّة أو خيالاتها آخر الفجرِ قبل الصليب
- كان ياما كان، بلد جوات دكان
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال
- قال لي
- قطعةُ حلوى في آخرِ الحكايةِ
- خائفة من الحرب
- رَغَد في الغابة المجنونة قصة للأطفال
- تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ
- إذا كان الشعب الفلسطيني مُختَرَعَاً... فمن أنا؟
- ليس هذه المرة قصة قصيرة
- قالت البنت الحزينة قصة قصيرة
- الثورات العربية، ماذا بعد رحيل الأنظمة؟
- حين يكونُ الفنُّ محرِّضاً فاعلاً
- رأيت ولم أكن هناك
- غزة، المكان الغلطْ في الزمان الغلط
- قُرُنْفُلةٌ بيضاءْ قصة قصيرة
- ما الحبُّ؟
- كلامُ الغريبْ... كلامٌ للغريب
- إنتَظِرِيْنا قصة قصيرة


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد جمعة - خضر عدنان، رجل مقابل دولة