أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - المؤسّسة الدينية في تونس














المزيد.....

المؤسّسة الدينية في تونس


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 3646 - 2012 / 2 / 22 - 13:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الترقّي بالوعي الديني في تونس ليس أمرا هينا، لأن المسألة تمسّ القطب ومريده والمعلّم وتلميذه. فالفكر الديني، في الجامعة أو في الجامع، مرهَق ومنهَك، والحال في المحصلة نتاج تجفيف ساد على مدار عقود حوّل البلاد إلى قفر خاو. ما جعل المجتمع، قبيل اندلاع الثورة، يوشك أن يتهدّده مرض فقدان المناعة الدينية، التي لا تزال آثارها بادية إلى يوم الناس هذا. فمن فرط عياء الوعي ما انفك يهتزّ لكل ناعق، مستوطن أو وافد، وإن كان ممن ينبغي أن يفقَّه ويدرَّب ويُعلّم ويؤدَّب.
صار الإدراك الديني، مع مدّعي التديّن وشاهري اللاّتدين، قصير النظر قليل الأثر، وقصّة نعمان الآرامي توجز ذلك القصور، بالتساوي لدى الذين اُتُّبِعوا ولدى الذين اِتّبَعوا. فكما ورد في سفر الملوك الأول، يُروى أن نعمان لما قدِم إلى أورشليم للتداوي تهوّد ودان بدين اليهود، ولما شدّ الرحال عائدا إلى موطنه احتار في أمر عبادة يهوه، فما كان من حكماء بيت الرب إلاّ أن أفتوه بالتزوّد بحِمل بغلين من تراب الأرض المقدّسة لينثره عند موضع عبادته، وعنده يسجد ويقدّم قربانه لربّه، فسيتقبّل منه طالما أنه يقف على أديم الأرض المقدّسة. هذه القصّة تعطي فكرة بيّنة عن التصوّرات الدينية القاصرة أحيانا لدى المفتي والمستفتي. لذلك ما لم ينفتح الفكر الديني في تونس الجديدة على المقاربات العلمية وينهل من معينها الصافي: علم الاجتماع الديني، الإناسة الدينية، علم الأديان، لهاويت الأديان وغيرها، ويخرج من المشاحنات الديماغوجية، التي أدمنها العقل الخامل على مدى عصر الظلمات الدكتاتوري حتى استنزفت قواه، فسيبقى محدود الوعي بذاته وبما يدور حوله في العالم.
ضمن هذا السياق الذي نعيد فيه النظر في المؤسسة الدينية كرّة وكرّتين وأكثر، تلوح بليغة تلك الكلمة التي قالها الأستاذ مالك بن نبي (1905-1973م) بشأن الزيتونة، لما سأله أحد تلاميذه هل يمكن للجزائر وقد استقلّت وأسّست التعليم الأصلي وجامعة الأمير عبد القادر أن تحلّ محلّ تونس مركزا حضاريا في المنطقة؟ فأجاب الرجل: إن المراكز الحضارية الكبرى في تاريخ كل حضارة لا تقوم ولا تختفي في يوم. لكن رغم قيمة ذلك الرأسمال الرمزي الذي نقف عليه منذ قرون، ففي الراهن الحالي لا يمكن الحديث عن مؤسّسة دينية فاعلة ورائدة، وإن حضرت رمزية الزيتونة متوارية في الظل؛ بل هناك دكاكين تروّج لبضائع دينية أغلبها فاقد الصلوحية. والمشكلة عائدة في عمقها إلى أن البنية السياسية خلال العقود السابقة حالت دون ظهور الفكر الديني العلمي، ومن ثمة المفكر الديني الرشيد والعالم الديني النبيه. وبالتالي، عزّ في حاضرنا تواجد صفوة تستبطن ثقافة دينية رائدة في مستوى اللحظة التاريخية التي نعيشها، فقد ضرب الانحطاطُ الفكرَ الإيماني والفكر العلماني على حدّ سواء.
عطفا على ذلك، حين يطّلع المرء على العمل القيّم الذي أنجزه الدكتور علي الزيدي المعنون بـ: "الزيتونيون: دورهم في الحركة الوطنية التونسية 1904/1945" والمنشور في تونس، يدرك الثقل الحضاري لتلك المؤسسة في تاريخ تونس الحديث، بيد أن ذلك الحضور البارز، بعد نصف قرن، أوشك أن يتلاشى. لذلك ليس الزواتنة [الزيتونيون] فحسب من هم مدعوون إلى قراءة تاريخ ذلك المعقل، بل كل الذين يؤمنون أن الزيتونة خميرة تلك الأرض وملحها، أو من لا يؤمنون أيضا.
منذ فترة أحاول أن أرصد الحضور الفكري والديني والإعلامي للزيتونة في خضمّ الحراك السياسي الذي هزّ بلدنا عقب الثورة، غير أني لا أكاد أجد له أثرا، ما عدا بعض المداخلات المتناثرة هنا وهناك، تلوك لغة مغتربة وتكرر مقولات لا تشفي غليل الناس. فإن كانت "العلوم الدينية" التي تُستهلك في المعاهد الجامعية العليا غير قادرة على إدراك منطق الثورة، ومواكبة حسّ الناس، ورصد مسار العالم، فهو الدليل على اغترابها عن شعبها وزيغها عن سبل ربها. لذلك أراني كلما تصفّحت مجلة "المشكاة" [الصادرة عن جامعة الزيتونة] أتساءل أوتمثِّل نبراسا لتنوير العقل الأكاديمي؟ وبالمثل رديفتها مجلة "الهداية" [الصادرة عن المجلس الإسلامي الأعلى]، أتساءل أيضا أوتهدي الناس في زمن ما بعد الحداثة؟
فبتقديري أن الزيتونة، ممثّلةً في جامعتها الحزينة وجامعها الواجم، قد باتت أمام خيار حاسم وصعب، إمّا أن تتجدّد أو تتبدّد. فسابقا كان التواري خلف معاذير جمة: البورقيبية خصيمة الدين، حزب فرنسا الغالب، الطغيان... وهلم جرّا، وأما اليوم فيجد العقل الزيتوني ذاته في العراء التام في مواجهة مصيره وقدره.
لقد باتت ثقافة الاستحمار الديني، بتعبير المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي، هي الرائجة، مع يقيني أن الإسلام الحنيف ليس أساطير سابقين أو لاحقين، وليس خرف أهبل، كما يهوى ضعاف النفوس أو الذين في قلوبهم مرض. فالثقافة الدينية في تونس، مدعاة لغمّ كبير، لما فيها من انحسار للحس العقلي وهوس بالخوارق والكرامات. والحقيقة أن تونس إن كانت تتطلع فعلا إلى نهضة حضارية، فلن يكون ذلك ببخس العقل حقه والتعويل على نقيضه، لأنه ما لم يبنِ العقلُ البيتَ، باطلا يتعب البنّاؤون.
أستاذ تونسي بجامعة لاسابيينسا في روما



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول علاقة المثقف بالسلطة في تونس
- ”مشروع كلمة” والترجمة من الإيطاليّة
- النهضة في السلطة: قلبٌ لمعهود السياسة العربية
- حركة النهضة ومستقبل تونس السياسي
- الثورات وهويّة المسيحية العربية المصادَرة
- ما كان المسيح للطاغين ظهيرا
- المسيحية العربية تكتشف لاهوت الثورة
- الكنائس والحراك الثوري في سوريا


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - المؤسّسة الدينية في تونس