أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - سلطان العلماء وفقهاء السلاطين















المزيد.....

سلطان العلماء وفقهاء السلاطين


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 07:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في الستينيات من القرن الماضي، حيث الروح الوطنية يلهبها إعلام يلح على تأجيج حلم قومي، تحطم مع هزيمة يونيو 67، كنت في المرحلة الابتدائية، من الجيل الذي أنشد في سنوات طفولته الأولى "والحصار، الاقتصادي برضه ماذلش بلادي"، ولم يكن تعدى سنوات الطفولة بعد إلا ووجد نفسه يغني "وبلدنا عالترعة بتغسل شعرها.. جانا نهار ماقدرش يدفع مهرها"!
وفي الخامسة الابتدائية، عشت انكسار قلوب الكبار وذقت مرارة طعم القهر الذي تجرعوه من الهزيمة، وعرف القلب الطفل للمرة الأولى خيبة الأمل.. لكنني أذكر كيف انطلق الجميع بعد ذلك محاولا لملمة بقايا الحلم، وتجاوب البسطاء مع دعوات "تبرعوا للمجهود الحربي"، وإقبال سيدات العائلة على التبرع بكافة حليهن، ولا أنس كيف لم يطاوع إحداهن قلبها على خلع "دبلة "الزواج كأخواتها، فطالبنها ألا تحمل نفسها فوق ما لاتحتمل.
وبمرور الوقت، أضيف إلى الوعي مفردات مثل "شد الأحزمة على البطون"، بحجة تدبير اقتصاد الحرب من أجل تحرير الأرض. وفي البداية تجاوب المصريون مع الدعوة، ثم بدأت ثقة المصريين في النظام الحاكم تتآكل مع اكتشاف أن الفقراء وحدهم يشدون الأحزمة على بطون خاوية أصلا، بينما بدأت علامات البذخ المستفز تظهر على طبقة الرأسماليين الجدد من محاسيب النظام وفسدة الجهاز الحكومي، فيما سمي وقتها بسياسة الانفتاح ورموزه "القطط السمان". وبمرور الوقت تصاعد السخط الشعبي، و تفجر عفويا في انتفاضة يناير الشعبية 1977. وكانت ظاهرة "علماء السلاطين" قد استشرت في ظل نظام اختار "دولة العمل والإيمان" لافتة له و"الرئيس المؤمن" لقبا لرئيسه. فأفتى واحد من علماء السلطان بتطبيق حد "الحرابة" على من لفقت لهم تهمة تنظيم "انتفاضة الحرامية" كما أسماها السلطان!
وقبل اغتيال السادات بعام، في سبتمبر 1980 قرر وقف ذبح اللحوم الحمراء شهرا والاكتفاء بلحوم الدواجن، بحجة مواجهة جشع التجار. وتناقل الناس أن إنتاج مزارع صهره من الدواجن كانت المستفيد الأكبر من هذه المقاطعة الإجبارية. فضلا عن أن قطاعًا كبيرًا من الناس كان قد بدأ ينسى طعم اللحوم أصلا، ولم تعد ضمن اهتماماته مع استشراء سياسة الانفتاح واتساع الهوة الطبقية. ولم يعدم السلطان علماء يفتون للناس بمزايا الزهد، وأطباء أيضا يتفانون في إظهار عبقرية الغذاء النباتي وخطورة أكل اللحم الأحمر؛ فرد عليهم شاعر الشعب أحمد فؤاد نجم بصوت مغني الشعب الشيخ إمام وعوده: "انتو سيبونا نموت باللحمة وانتو تعيشوا وتاكلوا الفول"!
وفي عهد المخلوع، يحكي ابني عندما كان ورفاقه يجهزون قوافل الإغاثة للفلسطينيين، كان إقبال المصريين البسطاء مؤثرا، لثقتهم في صدق القضية ونزاهة القائمين على تجهيز القوافل؛ حتى أن سيدة فقيرة جاءته يوما ومعها ذكر بطر قالت له إنها لا تملك غيره (بيعوه وادوا حقه للفلسطينيين"!). ولكن عندما توحش الفساد العائلي الذي يقصر الاحتكارات على عائلات تربطها المصالح بأسرة المخلوع؛ فقد الشعب الثقة في نظام بدأ عهده بحملة "تبرعوا لسداد ديون مصر" لم يعرف أحد أين ذهبت حصيلتها من جيوب الفقراء والموظفين الحكوميين الذين فرض عليهم التبرع، والعاملين في شركات قرر أصحابها مجاملة السلطان من جيوب مستخدميهم. فضلا عن غموض مصير القروض والمعونات الخارجية. وما عرف عن تربح ابنه الذي كان يعده للوراثة من شراء ديون مصر. واستغلال ولدي المخلوع نفوذه وفرض نفسيهما شريكين في العديد من الشركات الاستثمارية، حتى يضمن أصحابها تسهيل أمورهم! ناهيك عن سيطرة المخلوعة على جمعيات تتلقى تبرعات هائلة من الخارج، لم يعرف حتى الآن فيم كانت تنفق هذه التبرعات.. وهذا غيض من فيض تقارير، يتم التحايل لطمسها أو إخفائها، والاكتفاء بمحاسبة المخلوع على ثلاث فيلات تقاضاها رشوة من شريك له!
ومع إحباط شعب فاض به الكيل على فساد هبط بنحو أربعين في المائة من أبنائه لما دون مستوى الفقر، وجعل التعليم، والعلاج السليم، والسكن الإنساني، والوظيفة الشريفة حلما لا يخامر خيال الفقراء. ولاحت بوادر ثورة جياع في الأفق؛ غير أن شباب الطبقة المتوسطة استبقوا الأحداث بإطلاق ثورة حضارية أبهرت الدنيا. فإذا بمن يتولون أمور البلاد يحتالون لإجهاضها، والتنكيل بالثوار، والمماطلة في استعادة ثروات البلاد ومحاسبة ناهبيها. ويخرج علينا علماء السلاطين مرة أخرى يهاجمون الثوار لاستكمال الثورة، ويبلغ الفجر بأحدهم حد اتهام من لا يزالون قابضين على جمر الثورة بأن "قتيلهم ليس شهيد ثورة، ومصابهم ليس مصاب ثورة"!.
ثم تتوالى محاولات ترويع المواطنين، من انفلات أمني ينطلق بقدر، وفي موعد محسوب، ويتوقف عند اللزوم ـ يتناسى محركوه أن السحر غالبا ينقلب على الساحر، وأن البلطجية الذين يمكنهم التحكم في حركتهم حتى الآن، سرعان ما سيعملون لحسابهم الشخصي ـ إلى الترهيب من تدهور الأحوال الاقتصادية، واقتراب البلاد من الخراب. وسرعان ما يجدون أيضا من يطمحون للعب دور فقهاء السلاطين، يطالبون الفقراء بتحمل فاتورة الفاسدين بحجة الاستغناء عن معونات استعمارية. وهي قولة حق يراد بها باطل، فلطالما حذرشرفاء الوطن من معونات مغمسة بدماء الفقراء، تتضخم معها جيوب الحكام الفاسدين، ويصرف جلها على بدلات الولاء، ويذهب بقيتها إلى المانحين: فوائد هائلة تجبى من سيادة الوطن وعرق كادحيه.
فلماذا لا يعمل هؤلاء بفتوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام للملك الناصر: " جاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا ما لكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا". ولماذا لا يطالبون المسئولون وقادة المجلس العسكري وكبار أثرياء الوطن، أن "يتساووا هم والعامة" ولا يأخذون أموال العامة مع بقايا في أيديهم من الأموال والآلات الفاخرة والشاليات والعمارات والأطيان والسيارات والاستثمارات....إلخ.
وعندما أراد السلطان قطز الاقتراض من التجار من أجل تجهيز الجيش لقتال التتار ـ مع قلة ما في بيت المال ـ قال له: " إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام وضربته سكة ونقدًا، وفرقته في الجيش، ولم يقُم بكفايتهم، ذلك الوقت أطلب القرض، أما قبل ذلك فلا".
فكان قطز أول من طبق الفتوى على نفسه وباع كل أملاكه وتبعه الأمراء وحريمهم، لذلك كان النصر حليفه. وهكذا ينتصر القادة الحقيقيون.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبال الكذب
- فرق تسد
- لا تزايدوا عليهم
- الرهان الرابح
- لعله صباح ديمقراطي
- عاجل.. إلى وزير التربية والتعليم
- كنيسة قصر الدوبارة
- رجَّع راسك فوق
- الكاذبون!
- عبقرية صناعة الأعداء
- خالد.. بشارة الفجر
- ذكاء هنا.. وأخطاء هناك
- جدع يا باشا!
- إلا شباب الثورة!
- مشاركة القوى اليسارية في الربيع العربي
- أي علاء!.. وأي أم علاء!
- ضابط ابن ناس
- للصبر حدود
- احذروا غضب الشعوب
- متى ترتوون من دمائنا؟


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - سلطان العلماء وفقهاء السلاطين