أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول)















المزيد.....



السنة ما لها وما عليها: الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول)


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3643 - 2012 / 2 / 19 - 18:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ملحوظة: (لطول موضوع هذا الفصل وأهميته وكثرة تخبط القرآنيين فيه رأيت أن أجعل موضوع "القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول" في فصلين، "السادس" و"السابع").

## (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول): الجزء الأول:

من الأعمدة الرئيسة والأساس التي يقوم عليها بنيان فكر (القرآنيين)، هي محاولة التفريق بين (شخصية النبي) و(شخصية الرسول) في شخص محمد عليه الصلاة والسلام، وجعلوا محمداً عليه الصلاة والسلام إنسانا يحمل شخصيتين متباينتين، (شخصية النبي) وهي شخصيته كإنسان يقول ما يقول ويفعل ما يفعل في نطاق بشريته وما يصدر من هذه الشخصية من خطأ وصواب بشري. و(شخصية الرسول) التي تقوم بتبليغ الرسالة التي هي فقط (القرآن الكريم). بل ومن القرآنيين من حاول أن يجعل من محمد عليه الصلاة والسلام ليس فقط إنسانا مزدوج الشخصية، بل إنسانا له ثلاث شخصيات متباينة هي: (شخصية النبي) الذي يتنبأ بالوحي. و(شخصية الرسول) الذي يبلغ الرسالة. و(شخصية الرجل) كإنسان يخطئ ويصيب، بل وهناك من (القرآنيين) كـ (الأستاذ إبراهيم بن نبي) من رأى نزع مسمى (الرسول) عن محمد عليه الصلاة والسلام، وقال إن مسمى (الرسول) الوارد في آيات القرآن الكريم ليس مقصودا به شخص محمد عليه الصلاة والسلام، إنما مقصودا به (القرآن الكريم)، فالرسول وفق رؤية أصحاب هذا القول هو (القرآن الكريم) وليس شخص محمد عليه الصلاة والسلام.

مما لاشك فيه أن فكر (القرآنيين) النافي والنابذ والرافض لقبول أي شيء منسوب للنبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل سوى (القرآن الكريم) فحسب، لم يكن ليُستساغ من قبل بعض الناس، ولم يكن لتقوم له قائمة لولا هذه القسمة وهذا التشخيص وهذا الفصل والفصم الغريب والعجيب لشخصية النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بل غريب وعجيب لأي آدمي آخر غير النبي عليه الصلاة والسلام. بل لو دققنا النظر في الأمر أكثر لوجدنا أن تقسيم (القرآنيين) لشخصية النبي عليه الصلاة والسلام إلى عدة شخصيات لوجدنا أن هذا التقسيم لا ينطبق إلا على شخص به مرض (نفسي) أو (عقلي) يسمى: (الفصام) وبالإنجليزية: (Schizophrenia) (شيزوفرينيا)، فقد جاء في إحدى الموسوعات العلمية المختصة بالدراسات النفسية والعقلية أن (الفصام) أو (شيزوفرينيا): (من أكثر الأمراض النفسية شيوعا، وهو حالة انفصام الشخصية، حيث يظن المصاب به أنه يرى نفسه في بعض الأحيان شخصية ما، وشخصية أخرى مغايرة تماما في حين آخر). بل إن بعض (القرآنيين) أضاف إلى شخصية محمد عليه الصلاة والسلام مرضا نفسيا آخر يضاف إلى مرض (الفصام) حين جعل في شخص النبي محمد أكثر من شخصيتين فجعله (نبي) و(رسول) و(رجل) في آن واحد، وهذا مرض (نفسي عقلي) يسمى: (تعدد شخصية الفصامي) وبالإنجليزية: (Dissociative identity disorder)، وهو: (تشخيص نفسي لمريض عقلي يعرض عددا من الهويات المتباينة في شخصه، لكل هوية منها نمط إدارك وتفاعل مع البيئة مختلف عن النمط الآخر).

هكذا حاول القرآنيون تأسيس وتقعيد أفكارهم. والعجيب والغريب في الأمر أنهم لم يجدوا لهم سبيلا إلى ذلك إلا بوصف الرسول ووسمه _عن غير قصد بكل تأكيد_ بالفصام النفسي والشخصي الذي هو في الأساس (مرض نفسي وعقلي). وربما لم ينتبه القرآنيون لخطورة قولهم وهم يعدون لـ (خلطة) أو (وصفة) أو (تركيبة) أفكارهم الغريبة العجيبة هذه. بل إن هذه الخلطة والتركيبة العجيبة هذه ربما يكون القرآنيون قد اقتبسوها من العقيدة المسيحية في (تجسد الإله في شخص المسيح بن مريم البشري) وعقيدة (التثليث) و(الأقانيم الثلاثة) في الإله الواحد، كما سنفصل هذا بعد قليل.

وبناء على ما تقدم أقول: أيا يكن غرض القرآنيين من هذا الفصم والتقسيم في شخص النبي محمد، إلا أن الغرض الأصل والأساس لمقولاتهم وتقسيماتهم هذه في شخصية النبي محمد هو تمكنهم من إثبات فكرهم القائم على رفض وإسقاط أي شرعية لأقوال وأفعال الرسول، كي لا يثبتوا له عليه الصلاة والسلام سوى شرعية واحده وحيدة (بلاغه للقرآن الكريم) فحسب، فكان لزاما عليهم لقاء تحقيق هذا أن يقوموا في المقابل بفصم شخصية النبي محمد إلى عدة شخصيات تجتمع في شخص واحد، حتى يتمكنوا من خلال ذلك إلى فصم (القرآن الكريم) عن أي قول أو فعل آخر له عليه الصلاة والسلام من غير القرآن، فجعلوا (شخص النبي) و(شخص الرسول) و(شخص الإنسان) ثلاثتهم يشكلون شخص واحد هو شخص محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن دون اختلاط أو امتزاج بين الشخصيات الثلاث، بحيث تكون كل شخصية شبه مستقلة في أقوالها وأفعالها عن الشخصية الأخرى، بالضبط كما هي عقيدة النصارى (الأرثوذكس) في الأقانيم الثلاثة: (الأب، والابن، والروح القدس) (إله واحد) أو قول الأرثوذكس: (اتحد اللاهوت في الناسوت دون اختلاط أو امتزاج).

وفي الحقيقة لا أدري لماذا عقائد النصارى (الكاثوليك) و(الأرثوذكس) في المسيح بن مريم وخاصة في العقائد التي تفسر علاقة (اللاهوت) بـ (الناسوت) في شخص المسيح وعلاقة (الأقانيم الثلاثة) التي يتكون منها (الإله الواحد) تسطير على أفكار وكتابات معظم الكتاب المسلمين طوال التاريخ الإسلامي كله؟؟، فقديما حين اختلف المفكرون المسلمون الأوائل حول علاقة (ذات الله) بـ (أسمائه وصفاته)، لم يجدوا فلسفة أو فكرا يستدعوه ليدعم كل فريق منهم وجهة نظره سوى عقائد (الكاثوليك) وعقائد (الأرثوذكس)، فتبنت آنذاك طائفة أهل السنة والجماعة (الأشعرية) عقائد (الكاثوليك) في المسيح بن مريم، فقال أهل السنة والجماعة: (أسماء الله وصفاته زائدة على الذات). بالضبط كما يقول الكاثوليك (إله واحد ذو طبيعتين: لاهوتية وناسوتية). أما طائفة الشيعة وطائفة المعتزلة فقد تبنتا عقائد (الأرثوذكس) فقالوا: (أسماء الله وصفاته هي عين ذاته). بالضبط كما يقول (الأرثوذكس): (اللاهوت والناسوت طبيعة واحدة دون اختلاط أو امتزاج). وقد سبق لي أن نشرت بحثين في عام 2006م حول هذا الموضوع في موقع (الحوار المتمدن)، الأول بعنوان: (العقيدة الكاثوليكية لمذهب أهل السنة والجماعة) والثاني بعنوان: (العقيدة الأرثوذكسية لمذهب الشيعة والمعتزلة). ففيما يبدو أن تفسيرات وفلسفة عقائد كل من (الأرثوذكس) و(الكاثوليك) لازالت تستهوي وتستولي وتغلب على أفكار الكتاب المسلمين إلى الآن حتى وصلت لأفكار (القرآنيين). وفيما يبدو أن كثيرا من الكتاب والمفكرين المسلمين في الماضي والحاضر يرفعون شعار: (عقائد الأرثوذكس والكاثوليك هي الحل) لكل معضلة تصادف المسلمين تجاه فلسفة القضايا المتعلقة بذات الله أو بذات النبي محمد عليه الصلاة والسلام. حقا إن هذا لشيء عجيب!!!.

ومن مقولات القرآنيين حول الازدواج والتعدد في شخصية النبي محمد، يقول الدكتور (صبحي منصور) في كتابه: (القرآن وكفى): ("النبى" هو شخص محمد بن عبد الله فى حياته وشئونه الخاصة وعلاقاته الإنسانية بمن حوله، وتصرفاته البشرية). ويقول: (أما حين ينطق النبى بالقرآن فهو الرسول الذى تكون طاعته طاعة لله). ويقول: (إذن فالنبى هو شخص محمد فى حياته الخاصة والعامة، أما الرسول فهو النبى حين ينطق بالقرآن وحين يبلغ الوحى) ويقول: (فالبلاغ مرتبط بالرسالة كما أن معنى "النبى" مرتبط ببشرية الرسول وظروفه وعصره وعلاقاته) انتهى. ويقول الدكتور (منصور) في مقاله (التداخل بين مفهوم النبي والرسول): (ذلك التداخل بين مصطلحى (النبى والرسول) من حيث إجتماعهما فى شخص واحد، وبه يتميز رسل الله وأنبياؤه عن بقية البشر، فكل منا له شخصية واحدة، ولكن للنبى شخصية مزدوجة فهو النبى المختار والمصطفى لتبليغ الرسالة) انتهى.

أما الأستاذ (مروان محمد عبد الهادي) وهو أحد المعتنقين لفكرة (القرآن وكفى) فيقول في كتابه: ("دِراسات إسلامية معاصرة" "عودةٌ إلى اَلتَّنْزِيلِ الْحَكِيمِ العَوْدُ أحمدُ"): (إن المدقق في قول الحق سُبحانه: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب: 40) سيجد نفسه أمام ثلاث مقامات للنبي الكريم، صلوات الله عليه. فالمقام الأول لمحمد بن عبد الله (الرجل) والثاني لمحمد (النبي) والمقام الثالث والأخير لمحمد (الرسول) فأعماله فأقواله صلوات الله عليه، من مقام (الرجل) بكل تأكيد غير ملزمة لأحد، كعلاقته الزوجية والأسرية، وشرابه وطعامه ولباسه، ومعاشه وغدوه ورواحه، وحزنه وفرحه، والأمر كذلك في مقامه الثاني (النبي) لأن جميع آيات الطاعة جاءت حصراً لمقام الرسول) انتهى.

## معنى النبي والنبوة :

يقول الدكتور (صبحي منصور) في تعريفه لمعنى (النبي والنبوة): (ولكلمة النبى معنى محدد هو ذلك الرجل الذى اختاره الله من بين البشر لينبئه بالوحى ليكون رسولاً) انتهى. ولا ندري كيف توصل الدكتور (منصور) لهذا المفهوم؟، ومن أين جاء بهذا المفهوم المحدد كما قال؟ ومن الذي حدده؟ وكيف عرف أن النبي هو من يتنبأ بالوحي؟. بل كلام الدكتور (منصور) هذا يدل على أنه يربط بين مفهوم كلمة (نبي) وبين (النبأ)، وهذا خطأ بالغ ما كان لشخص لديه أدنى معرفة باللسان العربي أن يقع فيه فضلا عن أن يقع فيه الدكتور منصور، وعلى كل الأحوال نحاول في السطور التالية أن نفرق بين عدة (مصطلحات) هي: (النبي، النبيء، النبأ، الخبر، الرسول). ونوضح جذورها اللسانية ومدلولاتها في أصل كلام العرب حتى لا يتم الخلط بين كلمات القرآن ومن ثم يشتبه علينا فهم مضمونه ومدلولاته فنَضِل ونُضِل بغير علم، ونبين الأمر على النحو التالي:

يعتقد البعض خطئا أن المعنى الحقيقي والأصلي للنبوة هو نوع من العلم والحكمة يوحي الله به إلى شخص من عباده، وأيضا يعتقد البعض خطئا أن النبي ليس برسول، بل هو شخص من الناس أوحى الله إليه، ولم يأمره بتبليغ ذلك إلى الناس، وأيضا يعتقد البعض خطئا أن كلمتي: النبوة، والنبي، أتتا من كلمة النبأ، التي هي بمعنى الخبر. هذه الاعتقادات ليست صحيحة على الإطلاق، بل هي لغو وخلط في أصل معاني الكلمات، فالبعض يخلط بين (النبوءة) بالهمزة قبل آخرها، وبين (النبوة) بدون همزة قبل آخرها، إذ لكل كلمة من هاتين الكلمتين في لسان قوم الرسول أصل ومفهوم مغاير تماما للكلمة الأخرى، بمعنى أن كلمة (النبوة) التي بلا همزة قبل التاء المربوطة، لها أصل ومعنى في لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن، يختلف تماما عن معنى كلمة (النبوءة) التي بها همزة قبل التاء المربوطة، وقد فرق القرآن بين الكلمتين كذلك. فـ (النبوة) بدون همز في آخره جاء أصل معناه في اللسان العربي كالتالي:

كلمة (نبي) أصل جذرها في كلام العرب جاءت من الفعل (نبو) النون والباء والواو: و(النَّبْو) يدل على ارتفاع وعلو وترفع وتجافي وتعالي. يقال: (نبا بصره عني) أي ترفع وتعالى ببصره عني فلم يلتفت إلي. ويقالُ أَيْضاً: (نَبَا حَدُّ السَّيْفِ) إذا ارتفع وتعالى ولم يَقْطَعْ. ويقال: (نبت صورته) أي قبحت فجعلت العين تنبو عنها أي تترفع وتتعالى عن النظر إليها. و(النَّباوَةُ): ما ارْتَفَعَ من الأرضِ، كـ (النَّبْوةِ والنَّبِيِّ)، ومنه الحديثُ: ( فأُتِي بثلاثَةِ قِرَصةٍ فوُضِعَتْ على نَبِيَ)، أَي على شيءٍ مُرْتَفِعٍ مِن الأرضِ. ويقالُ: النَّبِيُّ: عَلَمٌ مرتفع من أَعْلامِ الأرضِ التي يُهْتدَى بها؛ ومنه اشْتِقاقُ (النَّبيَّ) لأنَّه أَرْفَع خَلْقِ اللهِ ولأنّهُ يُهْتَدى به. وبالتالي فكلمة (النَّبِيَّ) مَأخوذة ومشتقة من (النَّباوَةِ) أَي أنَّه شُرِّفَ عال ومرتفع على سائِرِ الخَلْق، وأَصْله يختلف تماما عن أصل كلمة (النبيء) التي بالهَمْزة.

أما كلمة (النبيء) بالهمزة فجذرها وأصلها في لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن جاء من (نبأ) وليس (نبو)، واشْتِقاقُه مِن نَبَّأَ وأَنْبَأَ، وما كانَ مَهْموزاً منتهيا بهمزة فهو على وزن فَعِيل وجمعه فُعَلاء، أي جمعه (أنباء) وليس (أنبياء) مِثْل ظَرِيفٍ وظُرَفاء، أما إذا كانَ مِن ذواتِ الياءِ وبغَيْر همز كـ(النبي) فجمْعُه أَفْعِلاء نَحْو غَنِيَ وأَغْنِياء ونَبِيَ وأَنْبِياءِ، فإذا هَمَزْت قلْتَ (نَبِيء ونُبَآء وأنباء)، أما إذا كانت ياء قلت: (نبي أنبياء). وفي الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك: قال عليه الصلاة والسلام لمن قال له: يا (نبيء) الله، فقال: (لست بنبيء الله ولكن نبي الله). (رواه الحاكم في مستدركه).

ومن هذه الدلالات للمفهوم والجذر الأصلي لكلمة النبي والنبوة، نتبين أن النبي ليس مجرد (ساعي بريد) أو (بسطجي)، وليس مجرد شخص يتنبأ بالوحي ويبلغه لنا ثم ينصرف، كلا، إنما النبي والنبوة هي منزلة رفيعة عالية سامية تسمو على كافة منازل الناس أجمعين. كذلك (النبوة) لا تعني (التنبؤ) ولا تعني (الوحي) وإنما تعني المكانة والرفعة في منزلة وقدر وشرف شخص النبي على سائر الناس، وهي ليست وظيفة، وليست في ذاتها وحيا وليست تنبؤاً كما يظن كثير من الناس. إذن دلالة النبوة في أصل اللسان العربي هي رفعة وعلو وسمو في منزلة شخص النبي، إلا أن هذا المسمى (النبي) لم يتسمى به إنسان قط ولم يحظ به على الحقيقة سوى أولئك الأشخاص الذين أرسلهم الله حقيقة وبعثهم للناس برسالاته وكلامه، لذلك النبوات التي أشار إليها القرآن الكريم هي رفعة لشأن أشخاص لم يبلغوا هذه المنزلة إلا بعلم الله وحكمة الله وتقواهم لله وطهارتهم ونقائهم وإيمانهم به سبحانه، فلذلك هم يختلفون عن سائر الناس الذين لهم رفعة في الشأن سواء كان سبب تلك الرفعة والعلو (المال أو الجاه أو السلطان)، لأن الأنبياء علا شرفهم وسما قدرهم من دون الناس بسبب اتباعهم لأمر الله وإيمانهم به وبكلامه، ولذلك نسبهم الله إليه، وسماهم أنبياء الله، قال تعالى: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(البقرة- 91).

ونأتي الآن إلى التفريق بين (النبأ) و(الخبر). فكثير من الناس يخلطون بين (النبأ) و(الخبر)، فإذا سألتهم عن (النبأ). قالوا هو الخبر، وإذا سألتهم عن (الخبر) قالوا هو (النبأ). وهذا خلط فاحش بين مفاهيم ومدلولات الكلمتين مما يؤثر سلبا على علومنا وفهومنا ووعينا وإداركنا لحقائق ومفاهيم ومدلولات الأشياء.
فأما (النَّبأُ): هو: نقل كلام أو الإعلان كلاميا عن حدث ما، أو واقعة ما، أو أمر حدث أو سيحدث في المستقبل، ويتميز (النبأ) عن (الخبر) بكونه إعلانا عن حدث ليس متيقنا ولا متوقعا حدوثه، وإنما يغلب عليه الظن، كذلك يتعلق (النبأ) بأمر جلل وكبير وعظيم ليس من اليسير توقعه وليس من اليسير التحقق منه، ويقال (نَبَّأْته وأَنْبَأْته) وجمعه: (أَنباءٌ)، واسْتَنْبَأَ النَّبأَ: بَحَثَ عنه، ونَابَأَه ونَابَأْتُه أَنبؤة وأَنْبَأَته أَي: أَنْبَأَ كُلٌّ منهما صاحِبَه. والنَّبِيءُ بالهمز على وزن فَعِيلٌ بمعنى مُفْعِل، من النَّبَأ، وأَنْبَاءٌ كَشهِيدٍ وأَشْهَادٍ واشتقاقُه من نَبأَ وأَنبأَ، والاسمُ (النُّبُوءَةُ) بالهمز.

فلا يقال للنبأ (خبر) ولا يقال للخبر (نبأ)، فهذا خطأ فاحش يقع فيه كل مقدمي نشرات الأخبار ومذيعي التلفزيونات والإذاعات وكاتبي الصحف، بحيث يطلقون على (الأخبار) (أنباء) ويطلقون على (الأنباء) (أخبار)، فحين يقول المذيع أو المذيعة: (نلتقي مع موجز لأهم الأنباء). أرى أن كل ما يقولونه في الموجز هي (أخبار) وليست أنباء، والعكس كذلك. ولو تتبعنا آيات القرآن العظيم نجدها فرقت تماما بين (النبأ) وبين (الخبر)، فدائما ما نرى الإعلان أو الحديث في القرآن الكريم عن الحدث أو الواقعة أو الأمر الكبير العظيم الجلل الذي يتم التحقق منه بصعوبة ومشقة أو يصعب التحقق منه فعلا هو (النبأ) وليس (الخبر).
قال الله تعالى عن يوم القيامة: (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) [67: 68_ ص].
وقال: {عم يتساءلون عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ} [النبأ:2].
وقال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ) (التغابن:5)
وقال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ) (هود:49]
وقال تعالى: (تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا) (الأعراف:101)
وقال تعالى: {إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ} [الحجرات:6]. أي بأمر يصعب توقعه أو وقوعه أو التحقق منه بسهولة فنتبينه أنه إذا كان شيئا عظيما له قدر فحقه أن نتوقف فيه ونتحقق منه؛ وإن علم وغلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه.

وقال تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآء هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ} [البقرة:31]،
وقال: {فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ} (البقرة:33),
وقال: {نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف:37]،
وقال: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الحجر:51]،
وقال: {أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ} [يونس:18]
وقال: {قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ} [الرعد:33]،
وقال: (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ) [الأنعام:143]
وقال: {قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة:94].
وقال: {فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} [فصلت:50]
وقال: {يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:13]
وقال: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ} [التحريم:3] وقال: (فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس:23]
وقال: {نَبِّىءْ عِبَادِي} [الحجر:49]، وقال {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} [آل عمران:15].
فكل ما ورد في هذه الآيات يدل على حدث أو واقعة أو أمر لا يتوقع الإنسان حدوثه، أو يصعب التحقق منه ومن حقيقته بسهوله، أي مما يغلب عليه الظن، لأنه يصعب الوصول إلى اليقين المادي العيني فيه، كيوم القيامة، هو (نبأ) لأنه لم يحدث بالفعل ولا سبيل لنا للتحقق اليقيني من حدوثه، أو معاينته والتحقق الفعلي منه الآن.

أما الخبر: فهو الإعلان عن شيء أو أمر أو واقعة أو حدث متيقن من حدوثه ووقوعه حقيقة وفعلاً، ومن السهل تيقنه والوقوف على حقيقته، وليس كذلك فحسب، بل يشترط في ناقل الخبر أن يكون عالما متيقنا عارفا لما ينقله من حدث أو أمر أو واقعة، ومثالا على هذا: ما تعلنه وكالة (ناسا) عن اكتشافات جديدة متيقنة حقيقة في الفضاء ويقوم بنقل هذا الحدث أحد علماء الفضاء لا أحد غيره، فهذا يعد خبرا. كذلك ما ينقله أحد الأطباء عن اكتشاف (مصل) جديد أو (عقار) أو (دواء) جديد لأحد الأمراض، ويقوم بالإعلان عن ذلك طبيب متخصص عالم في هذا الشأن، فهذا يكون خبرا. أو يعلن عن اكتشافه لمرض جديد أو (فيروس) أو (جرثومة) أو (بكتريا) وهكذا، فكل صاحب تخصص في تخصصه، يعد ما ينقله ذلك المتخصص في شأن تخصصه هو (خبر) وليس (نبأ).

وجمع (الخبر): (أَخْبارٌ). وجمع الجمع: (أَخابِيرُ). ويقال: رَجُلٌ خَابِرٌ وخَبِيرٌ: عالِمٌ بالخَبَر متمكن منه. ويقال: رَجُلٌ خُبْرٌ، أَي: عَالِمٌ بالخَبَر على المُبَالَغَة، كزيد عَدْل. والمَخْبُرَة: العِلْمُ بالشَّيْءِ، تقول: لي به خُبْرٌ وخِبْرة، (كالاخْتِبار والتَّخَبُّرِ). وقد اخْتَبَرَه وتَخَبَّرَه. يقال: مِنْ أَيْنَ خَبَرْتَ هذا الأَمْرَ؟ أَي من أَيْن عَلِمْت. و(الخُبْر)، بالضَّمّ وتسكين الباء: العِلْمُ بباطِن الأشياء وخَفاِياها، لاحْتِياج العِلْم به للاخْتبار. والخِبْرَةُ: العِلْم بظَّاهر الأشياء وباطنِها، وقيلَ: بالخَفَايَا البَاطِنَةِ ويَلْزَمُها مَعْرِفَةُ الأُمورِ الظَّاهرة كذلك. وقد خَبُرَ الرَّجُلُ خُبُوراً، فهو خَبيرٌ.
قال تعالى:
(ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (59_ الفرقان).
وقال: (وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ). (14_ فاطر).
وقال: (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) (11_ العاديات)
وقال: (وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (آل عمران:153).
وقال: (وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31)،
وقال: {قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) (التوبة:94).
وقال: (وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (17_ الإسراء)
وقال: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) (4_ الزلزلة).

إذاً الخبر هو: (الإعلان عن شيء أو أمر أو واقعة أو حدث متيقن من حدوثه ووقوعه حقيقة وفعلاً، ومن السهل تيقنه والوقوف على حقيقته، وليس كذلك فحسب، بل يشترط في ناقل الخبر أن يكون عالما متيقنا عارفا لما ينقله من حدث أو أمر أو واقعة). أما (النَّبأُ): فهو: (نقل كلام أو الإعلان كلاميا عن حدث ما، أو واقعة ما، أو أمر حدث أو سيحدث في المستقبل، ويكون ذلك الحدث ليس متيقنا ولا متوقعا حدوثه، وإنما يغلب عليه الظن، ويتعلق بأمر جلل وكبير وعظيم ليس من اليسير توقعه أو التحقق منه).

وبالعودة لصلب موضوعنا حول (القرآنيين) والدكتور (منصور) في محاولاتهم التفريق في شخصية محمد عليه الصلاة والسلام بين شخص النبي وشخص الرسول، يقول الدكتور (منصور) في كتابه (القرآن وكفى): (ولم يأت مطلقاً فى القرآن "أطيعوا الله وأطيعوا النبى" لأن الطاعة ليست لشخص النبى وإنما للرسالة أى للرسول. أى لكلام الله تعالى الذى نزل على النبى والذى يكون فيه شخص النبى أول من يطيع..كما لم يأت مطلقا فى القرآن عتاب له عليه السلام بوصفه الرسول. ولكلمة النبى معنى محدد هو ذلك الرجل الذى اختاره الله من بين البشر لينبئه بالوحى ليكون رسولاً) انتهى. ويقول أيضا: (ولم يأت مطلقاً "ما على النبى إلا البلاغ"، وإنما جاء ﴿ما على الرسول إلا البلاغ﴾ (المائدة 99) فالبلاغ مرتبط بالرسالة كما أن معنى "النبى" مرتبط ببشرية الرسول وظروفه وعصره وعلاقاته) انتهى.

أقول: بالفعل لم يرد في القرآن الكريم قط الأمر بطاعة النبي (أطيعوا النبي) ولم يرد (اتبعوا النبي)، وإنما الأمر بالطاعة والاتباع كان بمسمى الرسول (أطيعوا الرسول) أو (اتبعوا الرسول)، كذلك لم يرد في القرآن قط قوله: (ما على النبي إلا البلاغ). وهذا لا شك فيه ولا نخالف (القرآنيين) فيه، ولكن ليس الأمر كما تصوروه هم، بأن الأمر بطاعة واتباع الرسول يعني فقط اتباع القرآن فحسب، على اعتبار أن الرسالة لم تتضمن سوى (القرآن الكريم) فحسب، أو أن (محمدا) له شخصيتان، إحداها شخصية (النبي) والأخرى شخصية (الرسول)، أو كمن قال له ثلاث شخصيات وأضاف شخصية (الرجل). أو من انتزع مسمى (الرسول) عن شخص (محمد) وقال إن (الرسول) هو القرآن وليس شخص (محمد). فهنا قد جانب القرآنيين الصواب والتقدير تماما، بل ما لم ينتبه له القرآنيون أو غفلوا عنه أن الرسالة بمحتواها ومضمونها لم تقتصر على (القرآن الكريم) فحسب، بل الرسالة أعم وأشمل من القرآن وحده، بل إن (القرآن الكريم) ما هو إلا أحد شقي الرسالة وشخص النبي (محمد) هو الشق الآخر للرسالة، ولا تكتمل الرسالة إلا باجتماع شقيها: (القرآن الكريم) و(شخص محمد). وهذا ما سنتناوله تفصيليا في الفصول القادمة إن شاء الله.

كذلك يقول الدكتور (منصور) في كتابه (القرآن وكفى): ("النبى" هو شخص محمد بن عبد الله فى حياته وشئونه الخاصة وعلاقاته الإنسانية بمن حوله، وتصرفاته البشرية. ومن تصرفاته البشرية ما كان مستوجباً عتاب الله تعالى، لذا كان العتاب يأتى له بوصفه النبى، كقوله تعالى ﴿يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك؟ تبتغى مرضات أزواجك؟!..﴾ (التحريم 1) . ويقول تعالى فى موضوع أسرى بدر ﴿ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة﴾ (الأنفال 67). ويقول له ﴿وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأتى بما غل يوم القيامة﴾ (آل عمران 161).) انتهى.

من كلام الدكتور (منصور) نفهم أن عتاب الله لمحمد على بعض تصرفاته البشرية جاء بمسمى (النبي)، في اعتقاده أن مسمى (النبي) يعني شخص محمد البشري في حياته وشئونه، وكذلك نفهم من كلام الدكتور (منصور) أن الله لم يعاتب (محمداً) إلا بمسمى (النبي)، ولم يعاتبه قط بمسمى (الرسول)، وأيضا هنا قد جانب الدكتور (منصور) الصواب، فلو أمعن النظر قليلا في آيات القرآن لوجد أن هناك آية عاتب الله فيها (محمدا) بمسمى الرسول، هذه الآية هي: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ). (67_ المائدة). أليست هذه الآية تتماثل تماما مع الآيات التي ذكرها الدكتور منصور؟ وقد ورد فيها تحذير وعتاب للرسول إن خاف الناس ولم يبلغ ما أنزل إليه من ربه، بدليل قوله: (والله يعصمك من الناس). فهذه الآية تطيح بفرضية الدكتور منصور التي يقول فيها أن الله عاتب (محمد) فقط بمسمى (النبي) ولم يعاتبه بمسمى (الرسول).
كذلك ما قول الدكتور منصور في هذه الآية التي تنص على أن الشيطان يلقي في أمنية كل رسول وكل نبي بما فيهم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام؟
قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (52_ الحج).

كذلك من محاولات الدكتور (منصور) اليائسة في الفصم بين شخص (الرسول) وشخص (محمد) تلك المحاولة التي حاول أن يثبت فيها أن (محمد) وهو يحكم بالقرآن وحين يقرأ القرآن يكون هو (الرسول)، وهذا ما قاله الدكتور منصور في مقاله: (التداخل بين مفهوم النبي والرسول)، يقول: (وقد سبق أن النبى حين يقرأ القرآن أو يحكم به فهو الرسول). وقال: (ومن هذا التشريع ما نزل بعد معركة بدر واختلاف الصحابة فى توزيعها ، فجاء التشريع القرآنى مرتبطا بمصطلح الرسول ، فالرسول هو الذى يحكم بالقرآن) انتهى.
لكن هناك آية قرآنية تطيح بكل ما قاله الدكتور منصور بالكلية في هذه المسألة، وتنص على أن من يحكم بالرسالة الإلهية سواء كانت التوراة أو الإنجيل أو القرآن هم الأنبياء وليسوا الرسل، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ). (44_ المائدة). ها قد رأينا أن القرآن الكريم ينص صراحة على أن الذين يحكمون برسالة الله (التوراة) هم (النبيون) وليسوا (الرسل) كما زعم الدكتور منصور.

كذلك يقول الدكتور (منصور) إن التشريعات التي وردت في القرآن مصاحبة لمصطلح (الرسول) سارية المفعول والإلزام والعمل بها بسريان الرسالة والقرآن، يقول الدكتور منصور في مقاله: (التداخل بين مفهوم النبي والرسول): (والتشريعات المصاحبة لمصطلح الرسول سارية بسريان الرسالة أو القرآن) انتهى.
أقول: بينما يجد الناظر في القرآن الكريم أن هناك نصوص وأحكام وتشريعات كثيرة مصاحبة لمصطلح الرسول لا يمكن سريانها الآن بعد موت الرسول، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً). (53_ الأحزاب).
أين هن زوجات الرسول الآن اللاتي حرم الله علينا نكاحهن من بعده؟؟.

وقال تعال:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُـمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً(64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (65_ النساء).
كيف نتحاكم الآن إلى رسول وهو ميت؟؟ مع العلم أن الله جعل شرط التحاكم إليه من شروط الإيمان بالله.

وقال تعالى:
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). (83_ النساء).
أين هو الرسول الآن لنرد إليه حين يأتينا أمر من الأمن أو الخوف؟؟.

وقال تعالى:
(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ). (7_ الحشر).
أين هو الرسول الآن ليأخذ نصيبه من الفيء؟؟.

وقال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً). (21_ الأحزاب).
كيف نلتزم بهذا التشريع والأمر الإلهي بالتأسي برسول الله وهو ميت؟؟.

وقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ). (3_ الحجرات).
كيف نلتزم الآن بهذا التشريع الإلهي ونغض أصواتنا عند رسول الله، ورسول الله ليس موجودا بيننا؟؟.

كذلك هنا كثير من الآيات القرآنية التي تثير كثير من التساؤلات حول فكرة التفريق بين النبي والرسول، وحول فكرة أن النبي هو شخص محمد البشري أذكرها مع تساؤلاتها على النحو التالي:

أولا: ماذا سيكون جواب الدكتور منصور عن هذه الآية:
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ (285_ البقرة).
وكيف يقول الله (آمن الرسول)؟ وكان من المفترض أن يقول (آمن النبي) بدلا من الرسول؟ وهل الرسول هنا الذي يحكي عنه القرآن بقوله (آمن الرسول) هل هو الرسول بوصفه النبي البشري؟ أم بوصفه الرسول الذي ينطق بالقرآن؟.

ثانيا: قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). (128_ التوبة).
هل هذه الآية تتحدث عن محمد بوصفه الرسول المبلغ للقرآن؟ أم عن محمد بوصفه النبي البشري؟ ولماذا لم تأت بصيغة النبي وأتت بصيغة (الرسول) مع العلم أن كل ما ورد فيها هي طباع بشرية محض لا علاقة لها بالرسالة؟؟.

ثالثا: لماذا جاءت آيتان في القرآن تتحدثان عن عداء المجرمين والشياطين للنبي وليس للرسول؟؟ مع العلم أن (النبي) في فهم الدكتور (منصور) هو ذلك الشخص البشري في حياته وشئونه الخاصة بعيدا عن الرسالة.
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ مِّنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً). (31_ الفرقان)
وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (112_ الأنعام).

رابعا: قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) (البقرة – 213).
ما الفرق بين إرسال الرسل وبعث النبيين؟ ففي بعض الآيات يقول: (نرسل المرسلين) وفي بعضها يقول: (بعث الله النبيين)، ولماذا بعث الله في بادئ الأمر (النبيين) وليس (مرسلين)؟؟،

خامسا: قال تعالى: (وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ). (177_ البقرة).
لماذا جعل الله من شروط (البر): الإيمان بـ (النبيين) وليس الإيمان بالمرسلين أو الرسل؟؟، مع أنه كان من الأول أن يقول (المرسلين). وما الفرق بين الإيمان بالنبي والإيمان بالرسول؟، مع العلم أن النبي ما هو إلا شخص بشري في تصرفاته وسلوكه البشري الشخصي كما يقول الدكتور (منصور).

سادسا: قال تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوَهُمْ أَوْلِيَاءَ). (81_ المائدة).
لماذا قال: (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي)؟ ولم يقل: (ولو كانوا يؤمنون بالله والرسول)؟ مع العلم أن النبي هو شخص (محمد) البشري فما الداعي للإيمان بشخص محمد النبي؟؟.

سابعا: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ). (73_ التوبة).
لماذا أمر الله (محمد) بجهاد الكفار والمنافقين وجاء الأمر بصيغة (النبي) ولم يأت بصيغة (الرسول)؟؟ وهل تعد هذه الآية لا قيمة لوجودها الآن بين آيات القرآن على اعتبار أنها تخاطب شخص (النبي) محمد البشري الذي مات ولم يعد له وجود بننا الآن؟؟.

ثامنا: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (56_ الأحزاب).
لماذا صلى الله وملائكته على شخص (محمد) (النبي) البشري ولم يصل على شخص محمد (الرسول)؟؟، ولماذا أمر الله الذين آمنوا أن يصلوا على شخص (محمد) النبي البشري؟؟، وهل مفعول هذه الآية توقف بموت شخص النبي محمد البشري أم هي سارية المفعول إلى يوم القيامة؟؟.

ثم قام الدكتور منصور في نفس الكتاب (القرآن وكفى) بذكر معاني كلمة (رسول) ودلل على هذه الأنواع بآيات من القرآن على النحو التالي:
قال الدكتور (منصور): (أما كلمة الرسول فلها فى القرآن معان كثيرة هى:
• الرسول بمعنى النبى: ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين﴾ (الأحزاب 40).
• الرسول بمعنى جبريل ﴿إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثم أمين. وما صاحبكم بمجنون. ولقد رآه بالأفق المبين﴾ (التكوير 19: 23).
• الرسول بمعنى الملائكة: ملائكة تسجيل الأعمال ﴿أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم؟ بلى ورسلنا لديهم يكتبون﴾ (الزخرف 80).
• الرسول بمعنى ذلك الذى يحمل رسالة من شخص إلى شخص آخر، كقول يوسف لرسول الملك "ارجع إلى ربك" فى قوله تعالى: ﴿وقال الملك ائتونى به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك..﴾ (يوسف 50) انتهى.

وفيما يبدو أن الدكتور منصور لم يدرك حقيقة الفرق بين مفهوم ودلالة كلمة (رسول) وبين (أنواع الرسل)، فما ذكره الدكتور (منصور) لا يمت بصلة لمفهوم ودلالة كلمة (رسول) في لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن، وما ذكره الدكتور (منصور) هو (أنواع الرسل) وليس مفهوم ومدلول كلمة (رسول)، أما مدلول كلمة (رسول) فهي: من أصل الفعل (رَسَلَ) الراء والسين واللام، مأخوذ من (الرَسْلْ) وهو لون من الانبعاث، أي: الإرسال. ومنه يقال: (ناقة رَسْلَة). أي: سهلة السير، وإبل مراسيل، أي منبعثة انبعاثا، ومنه: الرسول المنبعث، فاشتق منه الرسول، وكلمة (الرسول) لم تقال ولم ترد في القرآن قط إلا لحامل القول أو لحامل الرسالة. فما ذكره الدكتور منصور هو (أنواع الرسل) وليس مدلول ومفهوم كلمة الرسول.

كذلك يفاجئنا الدكتور (منصور) بإضافة نوعا جديدا غريبا عجيبا من أنواع الرسل، ألا وهو (القرآن) بمعنى أن القرآن ذاته (رسولا)، وأن بعض آيات القرآن التي جاءت فيها كلمة (الرسول) وفق كلام الدكتور منصور لا تعني شخص (محمد) وإنما تعني (القرآن) وليس (محمد)، فقال الدكتور منصور في كتابه ما يلي: (الرسول بمعنى القرآن أو الرسالة، والرسول بمعنى القرآن يعنى أن رسول الله قائم بيننا حتى الآن، وهو كتاب الله الذى حفظه الله إلى يوم القيامة، نفهم هذا من قوله تعالى ﴿وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟ ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم﴾ (آل عمران 101) أى أنه طالما يتلى كتاب الله فالرسول قائم بيننا ومن يعتصم بالله وكتابه فقد هداه الله إلى الصراط المستقيم. وكلمة الرسول فى بعض الآيات القرآنية تعنى القرآن بوضوح شديد كقوله تعالى ﴿ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله﴾ (النساء 100).) فالآية تقرر حكماً عاماً مستمراً إلى قيام الساعة بعد وفاة محمد عليه السلام. فالهجرة فى سبيل الله وفى سبيل رسوله -أى القرآن- قائمة ومستمرة بعد وفاة النبى محمد وبقاء القرآن أو الرسالة) انتهى.
وكلام الدكتور منصور هذا لا يمكن قبوله بأي وجه من الوجوه على الإطلاق لا فكرا ولا منطقا ولا علما ولا لسانا ولا لغة ولا بأي وجه آخر، إذ كيف تكون الرسالة هي ذاتها (الرسول)؟؟، وكيف يكون (الرسول) هو ذاته (الرسالة)؟؟، فهذا قول لم يقل به إنس قبله ولا جان.

وبمثل قول الدكتور (منصور) هذا قال الأستاذ (إبراهيم بن نبي)، أن الرسول ليس هو شخص محمد وإنما هو القرآن. وقد دار حوار بيني وبين الأستاذ (بن نبي) منذ حوالي عامين حول هذا الموضوع (الفرق بين شخص النبي محمد وبين الرسول، وهل الرسول هو شخص محمد أم هو القرآن؟). وأقدم للقارئ هذا المقتطف من هذا الحوار على النحو التالي:

(أخي العزيز بن نبي لقد قلت في تعليقك وردك الأخير علي بالنص ما يلي:
(الرسول ليس هو شخص من حمل النص. الرسول سيدّي هو القرءان) انتهى.

وقلت في مقال لك بعنوان: (مرآة تنمو بين الله والرسول) ما يلي:
(وليس صحيحا أنّ الرسول تعبير عن شخص النبي محمد إذ في هذا الكلام تجاوز كبير أن يربط فرد بالله و لم نجد في القرءان "الله و إبراهيم" و لا "الله و عيسى" و لا "الله ومحمد" و مثل هذه الثنائيات إدخال للبشر في حدود التأليه. فالله في القرءان عنوان السنن الناظمة للكون و لا يمكن أن يكون لمخلوق التقاطع معه.) انتهى

وقلت في نفس المقال ما يلي:
(المرسل هو الكائن الحي الظاهر الحامل للرسول و الرسول هو مستودع الكلام الحامل لأجزائه و الرسالة هي الرسول المنتظر لفتح مكنونه ومحتواه بتوفير شروط خروج هذا المحتوى للوجود و توّلده) انتهى

ثم قلت في مقال لك بعنوان: (خطوات في تأسيس منهج قراءة القرآن 2) في تعليق لك بعنوان: الأخ الكريم أبا الفداء في نفس المقال ما يلي :
(والذي أنزل القرآن رسول و حمله لقلب النبي والذي تلقاه وبلغه حرفيا للناس دون تغيير و لا تبديل رسول. فخط الرسالة مستقيم من الذي صاغ إلينا حملتها رسل الله إلينا دون الأمينة. فالرسول هو كل من حمل رسالة و لم يحاول تعديل محتواها ولا اضطرته الظروف لتعديلها و هو كل من حافظ على محتوى رسالة كما هي في أصلها.) انتهى

ثم قلت في مقال لك بعنوان: (كتاب الكاف القرءاني منظار تلسكوبي ـ مجه) ما يلي:
(و أية أل عمران :144 تتحدث عن إنقلاب الناس عن الرسول بعد قتله ممن عاصره أو بعد موته ممن أتى بعده لتوضح أنّ الرسالة متعلقة بتفعيل نفخ الروح و ليست متعلقة بشخص النبي.) انتهى
ثم قلت بعدها في نفس المقال ما يلي:
("و إذ يمكر بك الّذين كفروا كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ؛ و يمكرون و يمكر الله، و الله خير الماكرين" الأنفال:30 فالنبي شخص حمل رسالة و أصبح بها رسول والرسول الباقي الذي داخل قلب النبي هو الرسول الآن و إلى الأبد و هو القرءان، فهو من يريد الذين كفروا أن يثبتوه في الزمان و المكان و أن يحصروه إشعاعه و هو من يُراد به القتل إنهاء لحياته الطبيعية التي تطول الأزل و هو من يُراد إخراجه) انتهى.
ثم قلت بعدها في نفس المقال ما يلي:
(إنّ فهم الأيات على أنّها تدل على شخص النبي ممكن إستيعابه إن قُصد بها الرسول حامل الرسالة فشخص النبي ليس هو المقصود بل تثبيت الرسالة وقتلها و إخراجها و هذا الأمر ليس مرحليا متعلقا بشخص النبي بل هو ممتد يشمل الرسالة في سعة الزمان و المكان.) انتهى

ثم قلت بعدها في نفس المقال ما يلي:
("و إن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها، و إذا لاّ يلبثون خلافك إلاّ قليلا" فربّما ظنّوا أنّ المقصود بها هو النبي الكريم محمد تحديدا و الأية تتحدث مع نفس الشخص أي مع كل قارئ و تقول له أنّها عادة الرسل المدافعين عن الرسالة أن الإستفزاز و الإخراج لهم عادة و أنّه مرحلي لا يلبث أن يتلاشى.) انتهى

فبماذا نخرج أخي العزيز بن نبي من هذه النصوص هل الرسول هو النبي محمد أم القرآن؟؟.

ثم رحت في مقالك (مرآة تنمو بين الله والرسول)، تفرق بين لفظ (مرسل) ولفظ (رسول) فقلت في مقالك ما يلي:
(و لا بد أن نشير هنا أنّ الرسالة القرءانية متولدة في كل حين فتاؤها تأتي دائما منفتحة "رسالته / رسالات / رسالاته/ رسالاتى ". فالميم في "مرسَل" كما سبق و أشرنا إليه في موضوع "حفريات في كتاب الميم القرءاني" متعلقة بمفهوم الحياة و فتحة السين في "مرسَل" دالة على الظهور في مقابل الكسر الدال على الخفاء "مرسِلة :النمل 35". و لنرى الأن هل يتسق هذا الكلام مع بلاغات الرسول التي وردت فيها ألفاظ "رسول" "مرسل" و "رسالة". المرسل و المرسلين حامل حي للرسالة و لنقرأ قول الرسول :" وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا" الفرقان :20) انتهى

أخي العزيز بن نبي أنت تقول إن المرسل حامل حي للرسالة وهم الأنبياء، وتقول أن الرسول هو القرآن، هل الآيات التالية تتحدث عن النبي محمد الحامل الحي للرسالة أم عن الرسول (القرآن) أم تتحدث عن النبي محمد وأنه رسول وليس عن القرآن؟:
(قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً) (93_ الإسراء)
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) (144_ آل عمران)
(محَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29)
(وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) (7_ الفرقان)
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) (41_ المائدة)
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ) (157_ الأعراف)
(وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً (53_ الأحزاب)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) (38_ الرعد)
(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (75_ الحج)
لاحظ أن الله في الآية الأخيرة يقول أنه يصطفي من الناس رسلا ولم يقل مرسلين.
وماذا تعني العبارة التالية: (رسول منهم) في الآية التالية؟؟:
(وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ) (113_ النحل). انتهى مقطع الحوار بيني وبين الأستاذ (إبراهيم بن نبي).

(للحديث بقية في الفصل السابع)

الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175
الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293537
الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294154
الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونشأة القرآنيين)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294768
الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295266



نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100001228094880&ref=tn_tnmn



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ و ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونش ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التر ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين ال ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة ...
- إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
- لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
- شيفونية المصريين
- (توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
- من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
- من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
- أما أنا فأقول لكم
- ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
- (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
- تعليقات على مقال أم قداس في كنيسة؟
- (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا)
- الرجل هو من استعبد المرأة والرجل هو من حررها
- علاقة الغرب العلماني المتحضر بالحاكم العربي
- هل الإجماع مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟
- الحرية كذبة كبرى


المزيد.....




- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول)