أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عادل بشير الصاري - اللغة العربية كما تُدرَّس في الجامعات الليبية















المزيد.....

اللغة العربية كما تُدرَّس في الجامعات الليبية


عادل بشير الصاري

الحوار المتمدن-العدد: 3641 - 2012 / 2 / 17 - 21:37
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


معضلات تدريس اللغة العربية في الجامعات الليبية كثيرة تفوق هموم القلب عددا ووجعا ، أكثرها خطورة اثنتان مزمنتان تواجهان رؤساء أقسام اللغة العربية في معظم الجامعات الليبية ، وتعودان في الأصل إلى تدني مستوى التعليم في المراحل التعليمية الأولى .
المعضلة الأولى تخص الطالب المتقدم لدراسة اللغة العربية ، والثانية تخص الأستاذ وطريقة تدريسه للمادة ، ومدى مواكبته للدراسات الحديثة في مجال تخصصه .
ولا شك أن المعضلتين تحتاجان إلى شجاعة وهمة المسئولين المدركين لخطورتهما على مستوى التعليم في ليبيا ، لذلك ليسمح لي الطلاب والزملاء من مدرِّسي مواد اللغة العربية في الجامعات الليبية أن أعرب لهم عن ملاحظاتي وآرائي في هاتين المعضلتين دون أن يكون القصد هو التجريح أو الإساءة لأحد منهم أو التعالي عليهم .
بالنسبة للمعضلة الأولى فقد لاحظتُ خلال مدة تدريسي أن كثيرا من الطلاب يدرسون اللغة العربية ليس رغبة في تعلمها والإفادة من علومها ، بل يدرسونها لأنهم قُبلوا في قسم اللغة العربية بدون شروط ، أو لأنهم استسهلوها واستهانوا بها لجهلهم بقدرها ، وبما تتطلبه من استعدادات لتعلمها ، ولو عقلوا وعرفوا قدر اللغة العربية لاختاروا أية مادة أخرى غيرها يدرسونها .
إن دارس اللغة العربية في المرحلة الجامعية ينبغي أن يكون مدركا لهيبتها وجلالها بين العلوم الإنسانية الأخرى ، وعالما بأهميتها وبفوائدها ، وتربطه بها رابطة وجدانية ، بمعنى أنه تربى على حبها منذ الصغر ، ويتطلع إلى تعلم وتذوق نحوها وصرفها وعروضها وأدبها ونقدها وسائر علومها الأخرى ، فمن الخطأ الفادح أن يُقبل الطالب في المرحلة الجامعية على دراسة علم كاللغة العربية ، وهو لا يستطيع كتابة أو نطق جملة واحدة مفيدة وصحيحة ، ولا يحسن التعبير عن أية فكرة صغيرة أو كبيرة ، وهذه بالطبع مهمة رؤساء أقسام اللغة العربية في الجامعات .
ينبغي على هؤلاء الرؤساء أن يتشددوا في قبول المتقدمين لدراسة اللغة العربية ، فلا يقبلون بمن يجهل مبادئ الكتابة والنطق بها ، أو لا يميز بين الاسم والفعل من مفرداتها ، أو لا يحفظ نصا أو أكثر من نثرها وشعرها .
لقد احتج وأَسِف منذ سنوات الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ فقال : إن من المصائب التي تكالبت على الإسلام في هذا العصر هو إقبال ذوي العاهات والأغرار والسذج على دراسة علوم الشريعة الإسلامية ، وانصراف الأذكياء والأصحاء نفسيا وجسديا عنها ، وإذ أشاطر الشيخ احتجاجه وأسفه فإني أحتج وآسف أيضا لتدني مستوى أكثر المتقدمين لدراسة علوم اللغة العربية في الجامعات الليبية ، مع التأكيد مرة أخرى بأن السبب فيما هم فيه يعود إلى ضعف تحصيلهم العلمي في المراحل التعليمية الأولى .
وإذا توفر الطلاب المؤهلون لدراسة اللغة العربية فإن على رئيس قسم اللغة العربية أن يلتفت بعدئذ إلى المعضلة الثانية ، وهي معضلة طرق التدريس البالية والعتيقة التي يمارسها عدد من المدرسين الذين لا يجيدون منها سوى التلقين، ويفرضون على طلابهم حفظ المتون والشروح والحواشي أو حفظ ما يمليه هو عليهم ، فتتبلد بها ملَكاتهم ويضمحل ذكاؤهم ، وتتحول مواد مثل الأدب والنقد والبلاغة من مواد فنية وذوقية إلى قواعد جافة تُحشى بها العقول الطرية .
ومن المؤسف أن أكثر مدرِّسي مادتيْ النحو والصرف لا يجيدون شيئا سوى تدريس طلابهم شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك وبل الصدى وقطر الندى ، والطريقة المتبعة أن يكتب الأستاذ أبياتا من الألفية يعربها ، ثم يشرحها مستعينا بشواهد من الشعر وبجمل محنطة مضحكة ، مثل : ضرب زيد عَمرا ـ عمرو ضرب زيدا ـ زيد ضاربا عَمرا ـ عمرو الضارب زيدا .
ولو طُلب إليهم تدريس مثلا كتاب ( النحو الوافي ) لعباس حسن ، أو تدريس النحو والصرف وفق معادلة تجمع بين الجانب المعياري والوظيفي فلن يستطيعوا، والسبب هو عدم قدرتهم على تحديث طريقة التدريس ، وعدم متابعتهم لمستجدات الدرس النحوي في الجامعات ذات الجودة العلمية العالية .
وكذا الأمر مع مدرِّسي مادة البلاغة ، فأكثرهم لا يعرفون أن علم البلاغة قد حل محله علم الأسلوب ، وتحول منذ زمن بعيد إلى درس في النقد وتحليل الأساليب والتمييز بينها والكشف عن جمالياتها ، لذلك هم يدرِّسون لطلابهم موضوعات علم البيان والمعاني والبديع بطريقة كلاسيكية جامدة ، فيجترون لهم القواعد وِالشواهد السقيمة المصوغة وفق قواعد المنطق الأرسطي ، والتي نجدها مبثوثة في كتب البلاغيين القدامى كالسكاكي والشيرازي والقزويني وغيرهم ، ولا زالت تلك الشواهد التي حفظتها أنا أيام الدراسة تتردد على أسماع الطلاب هذه الأيام ، فأساتذتهم يحشون أدمغتهم حشوا بأمثلة معظمها سمجة من عينة : ( محمد كالأسد في الشجاعة ـ الهلال نون لجين ـ حاجباها قوسان قاتلان ـ بِيض المطابخ ـ شموس الحق ـ فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم ـ ضربت الباب حتى كلَّ متني ... فلما كلَّ متني كلمتني ) .
ولا شك أن هذه الطريقة العقيمة هي جناية على ملكات وحواس الطالب الذي يفترض فيمن يعلمه البلاغة أن يأتي له بالنصوص الأدبية التي تنمي حسه الذوقي والفني .
ولا يكاد مدرس مادة العروض يختلف عن غيره ، فبدلا من أن يقدمها لطلابه مادة شيقة تهدف إلى تنمية حسهم الموسيقي والفني وتقوي فيهم الذائقة الأدبية ، مستفيدا من إنجازات علوم الموسيقا واللغة والإيقاع ، إذ به يدرَّسها كما يُدرَّس النحو والصرف والبلاغة ، أي حفظ القاعدة وحفظ أمثلة نمطية تطبيقية لها ، لذلك يقوم بحشو أدمغتهم بمسميات كثيرة لأنماط الزحافات والعلل والقوافي والدوائر العروضية ، وبذكر لهم تفعيلات كل بحر من بحور الشعر ، فيجتر لهم الشواهد القديمة مثل: ( بحور الشعر وافرها جميل ـ كمل الجمال من البحور الكامل ـ يا خفيفا خفت به الحركات ـ كرة قذفت بصولجة ـ حقا حقا حقا حقا ... صدقا صدقا صدقا صدقا )
وهو لا يعرف شيئا عن علم الإيقاع والفرق بينه وبين الوزن الشعري ، ولا يفكر أبدا ـ بل لا يستطيع ـ أن يأتي بشواهد مما يُعرف بشعر التفعيلة أو الشعر الحر، لأنه يتصور أن هذا النمط من الشعر لا ينضبط وفق تفعيلات العروض الخليلي ، وهو حين يعطي لطلابه الدوائر العروضية لا يخطر في باله أن يسأل عما يستفيدونه من تعلمها ، ولا يسأل نفسه كيف يستقيم في عقله وعقل طلابه حين يقول لهم مثلا : إن دائرة من الدوائر العروضية تشتمل على بحر يسمى المستطيل وهو مقلوب بحر الطويل ، وتفعيلاته هي : مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن ، ولا يوجد بيت شعري واحد منظوم في هذا البحر .
حتى علم اللغة المعروف بأنه علم حديث يدرَّس في بعض الكليات بمفردات فقه اللغة ، فيدرس الطالب معنى مفردة لغة ، والفرق بين اللغة واللهجة ، وهل اللغة توقيف أم إلهام ؟ ، ويدرس جهود اللغويين العرب القدامى مثل ابن جني وابن فارس في قضايا الاشتقاق الأكبر والأصغر، ولا عجب بعدئذ ألا يعرف الطالب شيئا عن علم اللغة الحديث ولا عن نظرياته ومؤسسيه مثل دوسوسير وياكبسون .
وهكذا يتخرج الطالب الليبي من قسم اللغة العربية ودماغه محشو بمئات القواعد والمصطلحات والتقسيمات وعشرات الشواهد الغثة والأمثلة الركيكة ، والمقررات السقيمة التي تشوه ملَكاته وتضعف من فعالية حاسته الذوقية والنقدية ، ويزداد الأمر سوءا حين يُعيَّن هذا الطالب مدرِّسا ، فيستنسخ دون وعي منه طرق التدريس التي طُبقتْ عليه ، فيطبقها على من يُبتلىَ به من الطلاب ، فلهذا تخرج أجيال من فلذات أكبادنا يغلب على تفكيرها وعملها السطحية والسذاجة والجهل المركب العصيِّ عن العلاج .



#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة العربية كما درسْتُها في الجامعة
- عيدٌ .. ولكنْ لا أقولُ سعيدُ
- أما آن لهؤلاء الأيتام أن يعتذروا ؟
- أمنيات عربي أهبل
- لبنان .. دولة أم منتجع سياحي ؟
- أدونيس .. الشاعر الجائع
- نساء الصعيد وهوانم Garden city
- لو كان الإسلام رجلا لقتلته
- وصية ابن الراوندي
- انتظروا الزحف المليوني نحو القدس
- إشكالية وصول الكلام إلى المتلقي
- عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء
- فاكهة صغار الملحدين
- مراتب المؤمنين بالله
- نبي المسلمين بين محبيه وشاتميه
- بين يدي إبليس
- القذافي .. ضحية التهريج الإعلامي
- ترانيم قداس عام جديد
- الحب كما تصوره الرومانسيون الأوائل
- ثرثرة حول غربة الشعر الحديث


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عادل بشير الصاري - اللغة العربية كما تُدرَّس في الجامعات الليبية