|
يوم مشهود في تاريخ دمشق
بدرالدين حسن قربي
الحوار المتمدن-العدد: 3641 - 2012 / 2 / 17 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في وسط بقعة دمشقية مباركة يرقد على جنباتها بعض أكرم الخلق وأطهرهم، فإن قصدت الأنبياء فمنهم يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان)، وإن أردت كراماً فمنهم صلاح الدين، وإن عنيت أبراراً أطهاراً فهم بعضٌ من آل بيت النبوة الكرام، وإن كنت ممن يحب الصالحين ففيها مقام سِيدي عامود الذي حمل المكان اسمَه قبل أن يحمل حديثاً مسمّى (الحريقة). وإن أردت الكل معاً أصلاً وفصلاً وفخراً، فهنا كان التاريخ ومن هنا عبر العظماء وشهودنا أحياء، من أنبياء كرام إلى رجالات عظام إلى مباني ومقابر وآثار وأسواق ومساجد وكنائس وأحياء. من سيدي عامود الحي الدمشقي العريق(الحريقة)، وعند ظهيرة يوم الخميس 17 شباط/فبراير 2011، انطلقت شرارة الغضب السوري عندما دخل شاب السوق يبحث عن مصفٍ لسيارته، ولم ير فيه شرطي المرور إلا حيواناً، فقال له بأدبه الجمّ: امش ياحمار، فردّ عليه الشابّ بنفس لغته المهذبة التي أغضبته، فضربه بعصا المرور التي يحملها، وهو ما دفع بالشاب إلى رد الإهانة، غير أن تدخل اثنين من الشرطة الموجودين في المكان ومشاركتهما في ضرب الشاب حتى إدمائه بشكل وحشي مهين، أشعل غضباً غير متوقع. فاستغاثة الشاب المدمى عماد نَسَب وهو ابن أحد أصحاب المحلات التجارية في المنطقة بمن حوله وصراخه، أدى إلى تجمع المارة والمتسوقين والتجار الذين أغلقوا محلاتهم، ليغدو الأمر تظاهرة عفوية قدّرت بأربعة آلاف، استمرت ثلاثة ساعات، وانطلق فيها للمرة الأولى نداء الثورة السورية الأشهر والأجلّ:الشعب السوري مابينذل. حضور وزير الداخلية بنفسه على غير العادة، وتدخله ووعده بمحاسبة الشرطة، وأخذه الشاب العشريني معه، أنهى المسألة فيما خيّل إليهم، ولاسيما عندما ختم حضوره بسؤال المتجمهرين:( يعني) أنتم متظاهرون..!؟ وقيل له: أبداً..لأ. ومع ذلك، فقد تبع التظاهرة يوم الأربعاء التالي 23 شباط وقوف أحد العاملين في السوق في وضح النهار في منتصف ساحة الحريقة محتجاً صامتاً، ورافعاً لافتةً كَتب عليها: طفح الكيل يابشار أنقذنا من العصابة. وللتذكير، فإن ثورات الربيع العربي كانت حتى تاريخه مستمرة في اليمن، وإنما انتهت بهرب ابن علي في تونس، وتنحي مبارك في مصر، في حين أن الثورة الليبية كان قدر انطلاقتها الملتهبة مع تظاهرة الحريقة الدمشقية في يومٍ ووقت واحد. ونشير هنا أيضاً إلى أن كل ماكتب وقيل في ذاك الوقت في تنبيه النظام السوري وتحذيره باعتبار تركيبته والأنظمة المتهاوية واحدة ومتقاربة، وفي دعوته لتدارك أمره بالإصلاح والتغيير الفوري والعاجل كان بلا فائدة البتة أمام قناعته الضلالية والعقيمة أن حالته بالمقاومة والممانعة عصيّة حتى على احتمال امتداد الاضطراب السياسي، وأنه غير عن تونس ومصر. ولكن لم تأخذ المسألة أكثر من أسابيع ثلاثة حتى خرجت مظاهرة درعا في 15 آذار، لتؤكد عقم قناعات النظام المستبد المتألّه وفساده، وزاد في آثار الانفجار الشعبي وامتداده صلف الطغمة المتسلطة وغرورها الذي جعل تدميرها في تدبيرها. إن ماحصل في سيدي عامود الحريقة قبل عام، وتوهم البعض أنه أنهى مظلومية الشاب الذي ضرب وأهين أبشع أنواع الإهانة، وعمى قلوب وعقول عتاولة النظام وجلاوزته عن أن المسألة أعظم من أن تكون ظلامة فردٍ، وأكبرَ من مكانٍ اسمه الحريقة، بل هم ملايين السوريين في دوّامة الظلم والقمع والامتهان والتجويع على امتداد الوطن. إن تظاهرة الحريقة التي انطلقت بشعارها الأحلى والأجمل معطّرة بروائح الياسمين الشامي، وما خافه وزير الداخلية منها، فهي قد كانت وقد فاتهم بعدها القطار، لتتوالى بعدها المظاهرات السلمية تباعاً، وتزداد مع قمع النظام وتوحشه في القتل وسفك الدماء قوة وامتداداً على أرض البطولات حتى بلغ عددها 650 مظاهرة في يوم الجمعة السابقة المسمّاة: جمعة روسيا تقتلنا. وهو رقم مفاده واضح، أن حكم مافيا القمع والقتل في سوريا قد سقط وانتهى إلى الأبد. فقد قضي بالحق بين النظام المتوحش وبين شعبه الذي صبر عليه أكثر من أربعين عاماً، وقيل الحمد لله رب العالمين.
المظاهرة التاريخية الأولى في سيدي عامود- الحريقة/دمشق يوم 17 شباط/فبراير 2011 http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=NykGjfKn3TU http://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=QlHoZbUdxmM
مظاهرة في حي المزة/دمشق يوم 16 شباط/فبراير 2012 http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=8hVe6KhwKpw http://www.youtube.com/watch?v=0sK-7P0qT1Q&feature=player_detailpage
#بدرالدين_حسن_قربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلام في المعارضة السورية المسلحة
-
نظام الأسد الحِواري
-
الإعلام السوري كاذب
-
كلام عن القرية السورية والمؤامرة
-
في أنظمة القمع لاصوت يعلو على صوت المعركة
-
تفجيرات دمشق وإرهاب النظام
-
بلد أحبّتنا وأحببناها
-
كلام في حماية المدنيين السوريين
-
أنا رئيس ولست مالكاً للبلد
-
على بشار الأسد أن يقول للشعب أنا لست بخالقكم..!!
-
النظام السوري في مواجهة قرارات الجامعة العربية 2/2
-
النظام السوري في مواجهة قرارات الجامعة العربية 1/2
-
التغيير السوري على غير الطريقة القذّافية
-
الأضحى والتضحية بأحرار سوريا وحرائرها
-
صفقة شاليط ورد وشوك
-
المسيرات العفوية للمنحبكجية
-
مندس سوري قادم من زنزانة إسرائيلية
-
كلمة إلى المجلس الوطني السوري
-
صطيف جندلي الحمصي أم ستيف جوبز الأمريكي
-
الشعب السوري أقوى من قامعه ومؤيديه
المزيد.....
-
الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
-
السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
-
قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح
...
-
خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا
...
-
محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس
...
-
بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
-
يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا
...
-
بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
-
استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
-
كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|