أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال القواسمي - تلخيص - قصة قصيرة














المزيد.....

تلخيص - قصة قصيرة


جمال القواسمي

الحوار المتمدن-العدد: 3639 - 2012 / 2 / 15 - 13:28
المحور: الادب والفن
    


تحيَّر كيف يطالب الشعب والعالم كله بإخراج صحفي مغمور ويذكرون اسمه وسيرة حياته وهو لم ينهِ عامه الأول في عمله الطوعي كمراسل في موقع الكتروني مغمور وبائس، بينما يعمل هو مسؤولاً إعلامياً في الحزب الحاكم وحكومتها منذ عشرين عاماً ولا يعرفه أحد في البلاد. كان جزءً من عمله تلخيص كل مقالات أصحاب الرأي، وطاب له وهو يعزِّي نفسه أن يتذكر أفعالاً طيبة لاقت استحساناً من رؤوسائه، فلم يتذكر حادثة رضى او سرور من أحد، لا رئيس ولا وزير ولا وكيل ولا سكرتير ولا رئيس حزب. هكذا اعتاد طوال عشرين عاماً على تنفيذ الأوامر. أما الصحفي الحقير الذي يقف الآن على باب المجد والتاريخ فلم يفعل في حياته شيئاً سوى أن تكلم عن الحقيقة المشبوحة في شوارع الوطن. شعر الرجل المسؤول بالضآلة والفشل في كل شيء. فلا أحد يذكر أسمه، ولا توجد سياسة اعلامية يفتخر بأنها من بنات افكاره.

المسؤول الإعلامي في الحزب الحاكم تجاوز صلاحيات وزير الأمن الداخلي وقضاة وزارة العدل ومدير عام مديرية الأمن وبضعة محققين صغار أذاقوا الصحفي المعتقل الويل منذ أسبوعين؛ فتحوا الأبواب له: ابواب السيارة والسجن والعنابر والزنازين ثم المكتب الفخم لمدير السجن، وطلب مقابلة المراسل الشاب، وحوله حراسه وبعض السجانين المسؤولين.
سأله المسؤول الإعلامي: ماذا تريد؟
قال: أريد العودة إلى البيت والعمل.
قال أحد حراس المسؤول:  سيخرج ليهتف: "الشعب يريد اسقاط النظام."
قال مدير السجن: الشعب يريد حلَّ النظام.. ههه ههه ههه.. راح تنحلّ قبل أن ينحلّ النظام يا حقير!! 
دنا منه المسؤول الإعلامي وسأله: لو أخرجناك من السجن وأطلقناك للإقامة البيتية، ماذا ستفعل في البيت طول النهار يومياً!؟
قال: سأقرأ وأكتب.  
سأله مدير السجن: كيف ستقرأ وأنت مقطوع عن الانترنت والجوال!؟
قال المسؤول الإعلامي: لن نسمح بخروجك من هنا إلى مكتب الحقيقة المشبوهة!! ماذا تسميها أنت وأمثالك يا وقح: حقيقة مشبوحة!؟
قال احد المحققين ساخراً: سيقرأ كتاب أرقام الهاتف.. ههه ههه.   
قال: نعم، ربما اقرأ كتاب أرقام الهاتف، إذا توفر.
صفعه مدير السجن.
ابتسم المسؤول الإعلامي وسأله: لماذا تقرأه!؟
قال: ربما ساورني الشك احياناً، ربما أقتنع مثلما انت مقتنع الآن بأنه يوجد شعب!!
صفعه المسؤول الإعلامي، ثم صرخ فيه: أنت وقح، يا لوقاحتك!! أتيتُ لأطلق سراحك وأنت تتواقح معي!! 
تركه يمسح براحته الدم عن شفته العليا المجروحة.
سأله: وماذا ستكتب!؟ بيانات؟ قصائد!؟ أخبار الحقيقة المشبوحة، ها!؟
ولكن الصحفي تلفع بالصمت، فاغتاظ الجميع. 
قال له المسؤول الحزبي: لو لخَّصتك بكلمة واحدة، فستكون: وقاحة!
قال مدير السجن: ربما يكتب سيرة حياته القصيرة.. ههه ههه هه. 
قال: سأكتب كل يوم أربعة كتب دفعة واحدة.
سأله: أربعة كتب!؟ ويحك، ماذا ستفعل بها!؟
قال ضابط: سيجترَّها في الأيام الثلاث التالية.
سأله: ولو حرمتك من الورق، ماذا ستفعل!؟
قال: سأحفظها عن ظهر لسان حتى أطلقها..
سأله: ماذا!؟ ما هذا التعبير الركيك؟
قال: اللسان حصان يرمح برسالته، حصان بلا سرج ولا لجام.
قال المسؤول: انت صحفي وشاعر إذن..  
نظرة طويلة تبادلاها.
سأله: لو قلتُ لك اني سأحرق ثلاثة كتب منها، ماذا ستفعل!؟
قال: سأحتفظ بكتاب واحد إذن.
أضاف المسؤول: ربما ستضطر إلى تلخيصه، لقلة الورق، في فقرة، أنتَ تعرف، الإيجاز مهارة لا يتقنها كثيرون.
كم أراد أن يقول للمسؤول الحكومي المهندم ببذلة جديدة وياقة أنيقة ان نظامه يوجز الاحلام، والحقوق، والشعب، يوجز الدولة بالحاكم، يلخِّص الوطن بتاريخ الحزب.. يلخص خير البلد بكمشة اسهم ونسب نمو وتضخم.. لم يقل شيئاً.
فاستفزه المسؤول: ماذا ستفعل بالكتاب الرابع!؟
- ربما أتعلم ذات يوم كيف ألخص كتابي الرابع في فقرة واحدة، وهذا أضعف تلخيص؛ واذا استطعت سألخصه في جملة واحدة، وهذا كتلخيص وسط؛ واذا استطعت سألخصه في كلمة واحدة وهذا أقوى تلخيص. 
سأله: أتذكر كيف في التاريخ يحضرون رأس صاحب الفتنة إلى الحاكم!؟
قال له: أذكر، أهذا التلخيص الذي تقصده!؟ مثل حنجرة القاشوش!؟
ضحك المسؤول الإعلامي وسأله: أراك خائفاً.
- كلهم يخافون هكذا تحت أيدينا. 
قال: الخوف أمر طبيعي. التخويف، لا. هذا الأمر يستحق ان أكتب عنه كتاباً.
سأله: لو كتبت أمس كتاباً، فبأية كلمة يمكنك تلخيصه!؟
- حرية.
هجموا عليه، عزفت الهراوات على عظامه عزفاً أليماً.
- تُرى، ماذا سيكون تلخيص كتاب اليوم!!؟
- تفووووو!!

لم يبصق على أحد، بصق دماً وأحد أسنانه وحسب. كلُّ ما بقي من جسده كان سنه، احتفظ به المسؤول الإعلامي الحزبي كتلخيص عن شخص مندس لم يغنِ، ولم يرسم كاريكاتيراً بل حرَّر خبراً صحفياً صغيراً من ربقة مسؤول الرقابة ونشره في موقع الكتروني بائس ومغمور مفاده ان الحقيقة المشبوحة يريق دمها في الشوارع جنود الوطن، ويمسح ما بقيَ منها موظفو وزارة الصحة ويكنسها عمال البلدية من داخل الأزقة الضيقة المعتمة، ودائماً ما يحرقها مذيعو الأخبار ومدراء الصحف الرسمية. 
 



#جمال_القواسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كاتب فاشل - قصة قصيرة جداً
- ملِك - قصة قصيرة
- حمَّام- أقصوصة
- بيتي- قصة قصيرة جداً
- مباراة- أقصوصة
- أخر الأخر- أقصوصة
- اللحظات الأخيرة- قصة قصيرة
- خبر اسرائيلي- أقصوصة
- أجمل رواية- قصة قصيرة جداً
- رسالة - أقصوصة
- عن قتل أحد الوالدين، الثورة والجنس
- فيلم - أقصوصة
- الرئيس في البيرنابو- نص
- قصة كتاب الأنساب - للكبار +18
- خزانة العطارين - قصة قصيرة
- ع اليوم - ثلاثة نصوص
- إفادة- قصة قصيرة جداً
- تائه - قصة قصيرة جداً
- جماع - قصة قصيرة جداً
- ثلاثية الشكل- قصص ق جداً


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال القواسمي - تلخيص - قصة قصيرة