|
أما آن لهؤلاء الأيتام أن يعتذروا ؟
عادل بشير الصاري
الحوار المتمدن-العدد: 3635 - 2012 / 2 / 11 - 19:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أيتام الوالد أو الوالدين يستأهلون الشفقة من ذوي القلوب الرحيمة ، أما أيتام الفكر السياسي والعقيدة السياسية ممن فشلت الأيدلوجيات التي يؤمنون بها في تحقيق أهدافها فينبغي إقناعهم بأن البقاء لله وحده ، وأن العقيدة والأيدلوجية السياسية التي أفنوا شبابهم في الدفاع عنها والدعاية لها ونشرها بين الناس ، ثم ثبت فشلها وعدم اقتناع الجمهور بها قد ولَّتْ ولن تعود ، لذلك عليهم أن يكفوا عن الإشادة بحسنات ومزايا عقائدهم ، وتبرير أخطائها التنظيرية والتطبيقية بالقول إن الخطأ لا يكمن في الفكرة بل في تطبيقها ، وعليهم أن يتحرروا من عبودية تلك العقائد والأيدولجيات وأن يجربوا أن يعيشوا ما تبقى لهم من عمر أحرارا لا يقيدهم قيد سوى أدب النفس والعرف العام . إني أعجب والله من رجال ونساء لا ينقصهم العقل ولا الذكاء تربوا على العقيدة الماركسية أو القومية أو الدينية ، ولا يزالون بعدما لمسوا فشلها وانحسارها في دولهم يدافعون عنها ويحلمون بإحيائها مجددا ، فتجد من يكتب عن الفردوس الأرضي الموعود وعن حسنات الحل الاشتراكي وعن تطلعات طبقة العمال وعن المقايضة وإلغاء العملة ، وتجد أيضا من يكتب عن التجربة الناصرية ومن يتغنى بالنظرية العالمية الثالثة والكتاب الأخضر ، ومن يمنِّي نفسه والبسطاء بعودة الخلافة الإسلامية الراشدة . لقد عرفتُ عائلات كريمة من سوريا ولبنان والعراق وفلسطين تعتنق الفكر الشيوعي ، وشرفت بزيارة بيوت بعضها في دمشق وبيروت ، وهناك وجدت مؤلفات وجداريات وصورا ورسومات لماركس وماوتسي تونغ وهوشي منه وميشيل عفلق وانطوان سعادة وغيرهم ، وسمعتهم يخاطبون بعضهم بعضا بالرفيق فلان والرفيقة فلانة ، كما أسفتُ لأحدهم أشد الأسف حين طلب من ابنته الصغيرة أن تردد على مسمعي مقولات مختلفة لماركس وأتباعه ، فعلمت حينها أن ذاك الشيوعي الأحمر قد جنى بعناده على نفسه حتى شاهد تهافت العقيدة التي آمن بها ، لكنه أبى إلا أن يسقي ابنته البريئة من نفس الكأس التي شرب منها . وعرفتُ كذلك أفرادا وعائلات كريمة من ليبيا ومصر والمغرب والأردن تعتنق فكر الإخوان المسلمين ، وهم لا يزالون إلى يومنا هذا يشيدون بأعلامهم كحسن البنا وسيد قطب والهضيبي وغيرهم ، وهم لا يزالون مقتنعين بإمكانية نجاح ما يسمى بالإسلام السياسي ، مع ما مُنوا به في الماضي من هزائم متكررة وما جلبوه من مصائب على الإسلام والمسلمين ، وهاهم الآن يحاولون جاهدين في عدد من الدول العربية الوصول إلى الحكم ، وإني لا أرى شعوب هذه الدول تتوجس خيفة منهم . لا شك أن فكر الإخوان يميل الآن إجمالا ـ بفعل التجارب المريرة ـ إلى شيء من الاعتدال والعقلانية في الخطاب والعمل ، ولا أحد ينكر جهودهم المباركة في العمل الإنساني الخيري ، ولا أحد ينكر أن من بين قادتهم حكماء ، ولكن من يضمن أن حكماءهم هم من يتولون الحكم ؟ ومن يضمن أن حليمة لن تعود إلى عادتها القديمة ؟ . إني لا أرى عيبا ولا نقصا في العقل أن يؤمن الإنسان بعقيدة ما تقود شعبه إلى الرقي والتقدم ، ولكن العيب كل العيب أن يظل على إيمانه المطلق بها وهو يرى رأي العين فشلها وسقوطها . فمن المعيب أن تستعبد الفكرة المفكر، حتى لا يرى ولا يفقه غيرها ، ويصير إزاءها كالببغاء تردد ما لا تفقه . لقد تهافت كثير من الشباب العربي منذ العقود الأولى من القرن الماضي على أيدلوجيات ، سياسية وفكرية ، داخلية وخارجية ، تعددت أسماؤها ومضامينها واتحدت أهدافها من شيوعية واشتراكية ويسارية ويمينية وقومية وثورية ودينية، وكلها وعدتْ المواطن العربي بعيش رغيد في الفردوس الأرضي ، تظلله بالسعادة والرخاء والحرية والديمقراطية ، ومنَّته ببناء دولة المؤسسات وبالقضاء على الفقر ، ونشر العدل والمساواة بين طبقات المجتمع ، ولما كان الجهل فاشيا والسذاجة ضاربة في دهاليز عقول الأجيال الماضية تمكنت تلك الأيدلوجيات من اغتصاب السلطة في عدد من الدول العربية ، فماذا كانت النتيجة ؟ . إرهاب وسجون ومخابرات وتفجيرات هنا وهناك وقتل وسحل في الشوارع ونفي وتشريد وتزوير للذاكرة وإضاعة أراض عربية ، وإهدار أموال وفشل ذريع في إقامة دول مدنية محترمة وراقية ، أفبعد هذا كله يريد أتباع تلك الأيدلوجيات إقناعنا بجدواها ؟ . عن أي يسار يتحدث اليساريون ؟ وعن أي يمين يتحدث اليمينيون ؟ وعن أي إسلام سياسي يتحدث الإسلاميون ؟ ألا ينبغي للمؤمنين بتلك الأيدلوجيات أن يعترفوا بفشلها ؟ . أما آن لأيتام ماركس ولينين وميشيل عفلق وانطون سعادة وحسن البنا وسيد قطب وجمال عبد الناصر ومعمر القذافي أن يعتذروا لشعوبهم عن جرائر أيدلوجياتهم الخائبة ؟ .
#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمنيات عربي أهبل
-
لبنان .. دولة أم منتجع سياحي ؟
-
أدونيس .. الشاعر الجائع
-
نساء الصعيد وهوانم Garden city
-
لو كان الإسلام رجلا لقتلته
-
وصية ابن الراوندي
-
انتظروا الزحف المليوني نحو القدس
-
إشكالية وصول الكلام إلى المتلقي
-
عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء
-
فاكهة صغار الملحدين
-
مراتب المؤمنين بالله
-
نبي المسلمين بين محبيه وشاتميه
-
بين يدي إبليس
-
القذافي .. ضحية التهريج الإعلامي
-
ترانيم قداس عام جديد
-
الحب كما تصوره الرومانسيون الأوائل
-
ثرثرة حول غربة الشعر الحديث
-
كيفية الصلاة على الميت الملحد
-
المقولات العشر 2
-
المقولات العشر 1
المزيد.....
-
اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
-
وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
-
مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم
...
-
البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ
...
-
كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري
...
-
بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض
...
-
السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم
...
-
وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
-
مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس
...
-
-حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|