أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - الفصل الأول من رواية -ابن السماء- لمصطفى لغتيري.















المزيد.....

الفصل الأول من رواية -ابن السماء- لمصطفى لغتيري.


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 3635 - 2012 / 2 / 11 - 12:43
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول من رواية "ابن السماء" لمصطفى لغتيري.

حقيقة أتعبتني هذه الرواية، وحين أقول ذلك، لا أعني المعنى الرائج للتعب، الذي قد يعبر به المرء - بشكل مبالغ فيه – عن تبرم يحسه نحو عمل ما. بل أقصد أنها أنهكتني، فما يزيد عن عشر سنوات، وأنا أحاول كاتبتها، لكنها أبدا لا تستقيم بين يدي، في كل مرة أجد نفسي عاجزا لا أتقدم في العمل خطوة واحدة. والسبب في ذلك أن هذا للبطل الذي أخترته لروايتي لا يطواعني في شيء، إنه دائم التمرد. أكد الذهن و أضعه في مكان مناسب، يمنحه القدرة والقوة على التقدم خطوات نحو الأمام، بيد أنني ما إن أكتب صفحة أو صفحتين ، حتى أجدني غير قادر على كتابة جملة إضافية. إنه بطل نحس. لم ينفع معه أنني أعدت كتابة الرواية مرات عدة، ودوما أجدني أبدأ من جديد، بعد أن أعجز عن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
في المسودة الأخيرة التي بين يدي. كان البطل وسط البحر، يصارع الأمواج العاتية التي تتلاعب بطوفه، وهو يتمسك به بكل ما يملك من قوة، في ذهنه تتزاحم أفكار عدة. في غالبها متناقضة، يأمل في نجاة بعيدة الاحتمال، وتكبس على أنفاسه نهاية وشيكة، خاصة وأن الزرقة، أقصد زرقة البحر تحاصره من كل جانب. يتداعى في خاطره أنه لا شك هالك بعد حين، تحضر صور مبهمة على شكل شريط متسارع الأحداث أمام بصره، يقاوم ببأس رجل جرب كل أنواع المآسي والمشاق، لكنه في الأخير يستسلم لعاطفة قوية تخترقه، فينخرط في النشيج، يبكي بصوت مرتفع، وكأنه بذلك يحرض الأقدار لتتعاطف معه، وتنقذه من هذا المصير المؤلم الذي ينتظره.
بالطبع ما إن أوصلت البطل إلى هذه اللحظة المؤلمة،و وضعته في هذا الموقف الحرج ، حتى وجدت نفسي مرة أخرى عاجزا عن إنقاذه، حتى أتمكن من الاستمرار في كتابة الرواية. ألم أخبركم من قبل بإنه بطل نحس؟ صفاته النفسية والخلقية تدفعني دوما لوضعه في موقف لا يحسد عليه، لكن حين أفكر في إفلاته من مأزقه أجد نفسي عاجزا عن ذلك. هل سأبدأ من جديد؟ لا أظن أنني أملك من الصبر ما يكفي ليجعلني أعيد بناء الرواية بشكل مختلف ولهذا سأغامر بالاستمرار في هذا السبيل ،الذي وجدت نفسي مورطا فيه .. سأحاول قبل أن أجد مخرجا لهذا البطل البائس، أن أحكي للقارئ ماضي هذا الشخص المتعب، ومن ثمة كيف وجد نفسه عالقا في هذا الموقف الحرج؟ سوف أكون صادقا إلى أبعد الحدود، لأقول إن هذا الرجل لا ماضي له. لأنني كلما صنعت له ماضيا، أجد نفسي مضطرا بعد حين لأشطب عليه ، دون أن أمتلك الشجاعة لأتخلص منه هو كذلك، بصراحة فما يستقر في ذهني ووجداني حول هذه الشخصية الغريبة يمنعني من التخلص منها. لقد أضحت مسيطرة على فكري وكياني، وبعد كل فشل أعزي نفسي بأن الأمور حتما ستتحسن، وأن هذه الرواية ستجد في الأخير طريقها نحو النهاية التي أتمناها لها، وأن هذا البطل كما أتصوره سيمنحها نكهة خاصة. وهكذا منذ عشر سنوات وأنا أعلل فشلي بمثل هذا الادعاء، دون أن يكون هناك ما يبرره.
لكن إن كان هذا الشخص بلا ماض، فالسؤال الذي يفرض نفسه، وهو بالطبع سؤال منطقي يمكن لأي قارئ أن يطرحه: كيف وصل هذا البطل إلى هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه؟ وهنا تتناسل الاحتمالات. فهناك من سيفكر في أنه كان يسافر على متن سفينة ما، تنقله من مكان إلى مكان آخر. وأن هذه السفينة تعرضت للغرق، وأن البطل، ولأنه بطل، تحتم أن لا يموت، حتى تستمر الرواية ،وقد تعلق بطوف ما، وظل ملتصقا به منتظرا أن يتم إنقاذه بشكل ما. غير أن ذلك لم يحدث أبدا، ولا أتذكر أنني كتبت في الصفحات السابقة ما يدل على ذلك. لأن الأمر إن وقع على هذا الشكل، فسيكون هذا البطل قد وصل إلى نهاية ما ،ومن ثمة يمكنني أن أوقف الرواية عند هذا الحد، وبذلك أكون قد حصلت على ما أتمناه، وهنا سأفاجئ القارئ بالقول بأن هذا البطل الذي تحاصره الأمواج من كل جانب، قد أتى من السماء. نعم من السماء. هنا أفترض بأن ذهن القارئ سيذهب به إلى أن هذا الرجل كان يسافر في جوف طائرة، وأن هذه الطائرة تعرضت لعطب ما، فسقطت في مياه المحيط، وأن البطل بطريقة ما وجد نفسه يطفو على الماء وبجانبه لوح ، فتمسك به في انتظار النجاة. ومرة أخرى أؤكد أن هذا الأمر لم يحدث أبدا. ولو حدث لكان الأمر سهلا وبسيطا، فيكفيني أن استرجع حياته قبل الحادث لأقدم للقارئ رواية تستثمر تقنية الاسترجاع، وبذلك تتم مهمتي على أحسن وجه.
أؤكد أنه جاء من السماء بمعنى الحرفي وليس المجازي. نعرف جميعا بأن الديانات السماوية تتفق على أن الله خلق سبع سموات طباقا، و هذه السموات تعج بالحياة ، و إن كانت حياة من نوع خاص ، وهذا ما يجعلني أقترح أن هذا البطل جاء من السماء، لنفترض أن هذا الرجل من سكان السماء الدنيا، تلك التي تبدو لنا قريبة، وهي التي تدعي الأديان أن الناس الطيبين يصعدون إليها بعد موتهم. أعني تصعد أرواحهم، فالأجساد كما يعلم الجميع تطمر في الحفر، وتظل هناك حتى تصبح رميما، وقد تطفو إلى السطح إذا ما تعرضت منطقة دفنها إلى فيضان ما،أو يجمعها موظفو البلدية بعد زمن محدد للمقبرة ، يتم بعد انقضائه التخلص منها، وهذا الزمن يقدر بأربعين سنة على حد علمي، طبعا لا يمكن أن نتصور أن هذه الأرواح حين تصعد إلى السماء تبقى على حالها، فلا بد لها من جسد، وإلا لما تمكنت من التواصل فيما بينها ولما استطعنا تخيل حياتها هناك. وصاحبنا هذا، ما إن صعدت روحه إلى السماء حتى اكتسب جسدا جديدا قد يشبه إلى حد كبير جسده قبل الموت، أو قد يختلف عنه بشكل من الأشكال، لكنني أفضل أن يكون جسده متشابها لما كان عليه، فالجسد هوية، وشخصية الإنسان تتشكل بمقدار كبير من الجسد الذي تسكنه. فشخصية الإنسان الطويل مثلا مختلفة عن شخصية الإنسان القصير، وبالطبع فشخصية المرأة ليست هي شخصية الرجل وهكذا.
لقد قضى هذا الرجل في السماء الدنيا زمنا طويلا، ولكنه لم يتكيف مع الحياة في ذلك المكان، ولأنه نحس مع أنه إنسان طيب، فقد تسبب في مشاكل عدة وأصاب رفاقه بكثير من الإحباط. حتى أن جماعة من الناس الطيبين اتفقت مع بعضها البعض، وقررت أن ترفع ملتمسا إلى الله كي يخلصهم من هذا الشخص المزعج، الذي لا يمكن التوافق معه في شيء، وبعد إلحاح كبير ودعوات من المؤمنين الصادقين ليل نهار، قرر الله أن يخلصهم من هذا الرجل، وهكذا انفتح باب السماء الدنيا، وتم قذفه إلى عرض البحر. فليس هناك من سبيل آخر، خاصة وأن الرجل كان عاريا كما ولدته أمه، فلا مجال للثياب في ذلك المكان المرتفع، ومع ذلك فلا أحد ينظر بأي نوع من الشهوة إلى عورة الآخر. أما في الحياة الدنيا فالأمر يختلف، لذا كانت فكرة عرض البحر مناسبة، وبالضبط في مكان يكون فيه طوف ما متوفرا ، لعل ذلك يساعد في إنقاذه، مع العلم بأن هناك إرادة عليا ،لا راد لها، بأن هذا الرجل سيعود إلى الحياة الدنيا، وسيختلط بالناس من جديد. فقط هناك تغيير طفيف لابد منه، وهو أن هذا الرجل سيكون بغير ماض. لكنه يعرف لغة التخاطب ،فكما يعلم الجميع قد علم الله آدم "الأسماء كلها" وما المانع من أن يفعل نفس الشيء مع هذا الرجل، الذي رفضه رفاقه من أهل السماء؟ وحتى تسهل مهمته فسيكون الرجل على دراية بلغة الناس الذين سيجده نفسه بين ظهرانيهم..
يتمايل الطوف بالرجل في كل الاتجاهات. يرفع عينيه مبتئسا نحو السماء. تؤذيه أشعة الشمس الحارقة، فيلجم بصره نحو الامتداد الأزرق، يحاول أن يتذكر المكان الذي كان فيه، والسبب الذي جعله يصل إلى هذا المكان الغريب، لا يظفر بأي شيء. يحاول أن يعرف من يكون ،على الأقل اسمه، لكن لا شيء من هذا القبيل في ذاكرته. فقط هناك كلمات تزدحم في الذهن، تحاول أن تنتظم في سياق ما. يحاول أن يخاطب نفسه بأي كلام. لا يفلح في ذلك. إنه لا يعرف بأنه لكي يتحدث لابد من ظهور شخص آخر. حينذاك ستنطلق الكلمات بلغة الشخص الذي سيقابله.
يشعر بنفسه قادرا على التفكير. المعاني تصاغ في ذهنه، لكنها تأبى أن تنتظم في كلماته يؤنس بها وحدته. فجأة حلقت فوقه بعض النوارس. نظر إليها متعبا، أحس بنوع من السعادة وهو يتطلع إليها.
ربما أدخلت على نفسه إحساسا بأنه ليس وحيدا في هذا العالم، أو أن فكرة ما انبثقت من حيث لا يدري المرء، واستقرت في ذهنه ،مفادها أن وجود النوارس دليل على وجود شيء آخر، قد يكون اليابسة أو على الأقل سفينة أو مركب صيد.
كان في حالة أقرب إلى الانتشاء حين اقتحمته هذه الأفكار. يبدو أن القرار الذي اتخذ في السماء بأن يكون هذا الرجل بدون ذاكرة قد تم التراجع عنه، فالله قادر على إعادة النظر في القرارات التي يتخذها، وهذا ما لا يجهله أحد، و يعترف به حتى الفقهاء الراسخون في العلم ،و هم يصطلحون على ذلك بالناسخ والمنسوخ. لذا ما إن رأى الرجل مركب صيد يقترب منه حتى سلبت ذهنه الفرحة المفاجئة. وأخذ يسير بكلتا يديه نحو الصيادين الثلاثة الذين رآهم على متن المركب الصغير. فلو كان هذا الرجل بلا ذاكرة لصعب عليه أن يعرف النوارس أولا، وأن يتعرف على المركب والناس الذين يركبونه، وربما كان قد يتملكه الرعب من ظهورهم المفاجئ .
فهؤلاء الناس الذين يمتطون هذا الشيء الغريب الذي يتقدم في المياه، لا يمكن إلا أن تبعث الرعب في قلب رجل لا يعرف المراكب ووظيفتها.
حملق الرجال الثلاثة مذهولين في الرجل، الذي يتمدد عاريا على الطوف. التفت أحدهم إلى الآخرين وقال:
- ما هذا العجب؟
رد الآخر:
- يبدو أن الرجل من عالم مختلف، إنه لا يشبهنا. ربما قاده هذا الطوف من مكان بعيد.
تدخل الرجل الثالث:
- يجب أن ننقذه. لابد وأنه قضى فترة طويلة على الطوف. وهو بلا شك يعاني من العطش الشديد والجوع القاتل.
دنا المركب من الطوف بشكل كبير، وأمام دهشة الصيادين ما إن وجهوا الخطاب إلى الرجل، معتقدين أنه لن يفهم كلامهم، حتى رد عليهم بلغتهم، فالتفت كل واحد منهم إلى الآخر منصعقا:
إنه يتحدث لغتنا، لكنه يبدو مختلفا عنا-.
اجتهد البحارة في إنقاذ الرجل، حملوه نحو المركب، ثم مدوه بعض الثياب لكي يستر نفسه من العري، الذي بدا أنه لا يهتم به كثيرا.
كان البحارة الثلاثة يحيطون بالرجل، وهم يتأملونه بكثير من التمعن، ملاحظين اختلاف سحنته عنهم. لم يشكوا في أن الرجل غريب عن منطقتهم، وإن كان يتحدث لغتهم بطلاقة زادت من استغرابهم ودهشتهم. قدموا له بعض الطعام، فتناوله دون أن ينبس ببنت شفة، ثم أعطوه كأس مشروب ساخن شربه على دفعات متتالية. وحين أحس الرجال الثلاثة بأنه قد استعاد بعض الدفء، وأضحى من الممكن أن يجيب على تساؤلاتهم. سأله أحدهم:
- من أين أتيت؟
دون تردد أجاب الرجل:
- من السماء
سيماء الاستغراب تبدت على ملامح الرجال الثلاثة. نظر كل منهم إلى الآخر نظرة موحية، تعبر عن أن الرجل به مس من الجنون. لكنهم لم يتسرعوا في الحكم عليه.
فتابعوا استجوابه:
- ما اسمك؟
- لست أدري
عند هذا الحد يمكننا أن نستنتج أن ذاكرة الرجل لم تعد إليه كاملة. كان رجوعا انتقائيا لحكمة لا يعلمها إلا الله.
ضرب الرجال الثلاثة عفوا عما نطق به الرجل، ثم سأله أحدهم:
-ولكن كيف انتهى بك المطاف هنا. هل كنت على متن سفينة ما؟
متبرما أجاب الرجل:
- قلت لكم أنني جئت من السماء.
ومن خلال لهجته والتقطيبة على وجهه، بدا أنه لا يرغب في كثير من الحديث، لأنه لا يملك الكثير مما يقوله للرجال الثلاثة. هذا السلوك المشين أغضب الرجال الثلاثة، فندموا على أنهم أنقذوه من موت محقق ، لو انهم تركوه في عرض البحر. انتحوا جانبا، واتفقوا على أن يتخلصوا منه. ألم أقل لكم سابقا بأنه نحس، ولا أحد يتحمله.؟ هاهم البحارة الذين أنقذوه، وقدروا أنه سيكون ممتنا لهم لأنهم بادروا إلى نجدته، سرعان ما فكروا في التخلص منه. إنه رجل مشكلة.
وهكذا أجدني مرة أخرى في حيص بيص، كيف يمكنني التعامل مع هذا الوضع الطارئ؟ كنت قد قررت مسبقا أن رجال المركب سيكونون حلا مناسبا ، وسوف يأخذون معهم الرجل إلى البلدة التي ينتمون إليها ،و هناك يمكن تطوير الأحداث بشكل سلس، فكما يعلم الجميع إذا ما وصل الرجل إلى القرية، فسيكون هناك أناس كثيرون وأحداث بلا حصر، من السهل أن يختار منها المرء ما يناسبه لتطوير الرواية ، حتى تصل إلى بر الأمان. لكن في حالتنا هذه نصبح أمام عقبة أخرى.
تصوروا معي لو أن البحارة رموا الرجل في عرض البحر. والأدهى من ذلك أن الطوف الذي تعلق به زمنا، أصبح بعيدا عنه. بل غدا بعيدا جدا، ولا يمكنه أن يظفر به من جديد. لكن لنفترض أن البحارة أناس طيبو القلب كرجال السماء الدنيا، التي قدم منها صاحبنا، أنهم غير قادرين على ارتكاب جريمة قتل بأعصاب باردة.
ومع ذلك لا يجب أن يعزب عن الذهن أنهم صيادون، بما يعني أنهم يتوفرون على نصيب من قسوة القلب، وإلا ما كانوا قادرين على تحمل أهوال البحر ومشاقه، وهذا ما يدفعنا إلى إن نوايا شريرة فرضت نفسها على البحارة الثلاثة تجاه الرجل، في أن يستغلوه أبشع استغلال، كأن يستعبدوه مثلا، وذلك بأن يحتفظوا به في المركب، وأن يسخروه للقيام بأعمال كثيرة، يأنفون من القيام بها. لكن صحوة ضمير أحدهم منعتهم من ذلك، فاقترح أن يتخلصوا منه في الشاطئ، يتركوه هناك لمصيره المجهول. من يدري قد يجد لنفسه مخرجا بعيدا عنهم.
في أثناء ذلك اقترب أحدهم وتفحصه من جديد، ثم سأله:
- هل حقا لا تدري عن نفسك شيئا؟ أم أنك فاقد للذاكرة؟
فكر الرجل بأنه مهما قال من كلام، فمحدثه لن يقتنع بكلامه. وهذا ما دفعه إلى أن يلتزم الصمت. ورغم ما يبدو من سيماء الطيبة بل السذاجة على ملامح الرجل ، إلا أن البحار اعتبر صمته قلة ذوق،بل وصفاقة، فغضب، وكاد يوجه لكمة إلى وجهه. لكنه تراجع عن ذلك في آخر لحظة، وكأن الأقدار تصرفت بشكل غامض لتحمي هذا الرجل، الذي ربما لا يدري إلى حد الآن دقة الموقف الذي يوجد فيه.
تحرك المركب نحو الشاطئ. كانت معالم اليابسة تبدو من بعيد. هضاب رملية تميل إلى الصفرة، وبعض الأشجار البعيدة التي تظهر من المركب على شكل حاجز من السواد تتمدد وراء الكثبان الرملية، التي تشكل شريطا متمددا ، كحاجز يفصل المياه الزرقاء عن الكتلة السوداء التي تشكلها الأشجار.
حين دنا المركب بشكل كبير من الشاطئ، عمد الرجال الثلاثة إلى الرجل، وطلبوا منه أن يغادر مركبهم. نظر إليهم ببلاهة، ثم نفذ أمرهم دون احتجاج. حينذاك تأكد البحارة بأن الرجل أبله، ولا يملك أية قدرة على التمييز. لكن ذلك لم يدفعهم للتراجع عن قرارهم.
ما إن لمس جسد الرجل الماء، حتى انطلق المركب نحو وجهة مجهولة. كان الماء في ذلك المكان غير عميق، مما سمح للرجل بأن يقف وقد غمرت المياه نصف جسده. شيع المركب بعينين حياديتين. لم تصدر عنه أية كلمة شكر أو عتاب، فقط وقف في مكانه ينظر إلى المركب وهو يبتعد، وكأنه يرى منظرا لا علاقة له به البتة. وحين أصبح المركب بعيدا بما فيه الكفاية. التفت نحو اليابسة وتقدم بخطوات عجلى، وكأنه في انتظار شيء ما، لا بد أن يدركه. لامست قدماه الرمال. تدريجيا ابتعد عن المياه، وكلما تقدم شعر بسخونة الرمال تكوي قدميه ثم ما لبث أن تمدد على الرمال، متلذذا بالدفء الذي تسلل إلى جسده.



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حماقات السلمون أو حينما يعانق الشعر ابتهاجه
- بلاغة الصورة الشعرية في عتبات العناوين عند الشاعرة رشيدة بوز ...
- وحي ذاكرة الليل إصدار جدد للأديبة العراقية رحاب حسين الصائغ. ...
- متعة أدب الرحلة في -من القلعة إلى جنوة- للكاتب المغربي شكيب ...
- إصدار جديد للشاعرة رشيدة بوزفور ..تقديم مصطفى لغتيري
- القصيدة العربية بين البعد الشفوي و الكتابي
- شهادة مصطفى لغتيري ضمن ملف الرواية المغربية في مجلة سيسرا ال ...
- المبدعون المغاربة والنقد... أية علاقة؟
- مرور عشر سنوات على صدور مجموعتي القصصية الأولى -هواجس امرأة-
- حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها ...
- الدكتورة سعاد مسكين تحفر عميقا في متخيل القصة المغربية القصي ...
- **هواجس و تساؤلات حول الكتابة القصصية في المغرب
- المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين
- لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
- مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
- لماذا يجب النزول إلى الشارع يوم 20 مارس للتظاهر؟
- أيام معتمة- للكاتبة المغربية البتول محجوب أو عندما تشع الكتا ...
- لماذا سأنزل غدا إلى الشارع من أجل التظاهر؟
- رواية -الحافيات- للأديبة دينا سليم أو عندما تتخذ المرأة من ج ...
- أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - الفصل الأول من رواية -ابن السماء- لمصطفى لغتيري.