أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب بولس - لا بد من كلمة















المزيد.....

لا بد من كلمة


حبيب بولس

الحوار المتمدن-العدد: 3635 - 2012 / 2 / 11 - 12:42
المحور: الادب والفن
    


(نص الكلمة التي القيت في حفل تكريم الكاتب في -كفرياسيف في 03-02-2012)

الأهل والأصدقاء والضّيوف والأحبّة، مع حفظ الألقاب
إسمحوا لي أن أتحدّث إليكم وأنا جالس، وهذا على غير عادتي، ولكنّ العَظْمَ منّي قد وهن، فعذرا. لكن تأكّدوا من أنّني سواء كنت جالسا أو واقفا احترامكم في النّفس راسخ.
أيّها الحفل الكريم،
بداية أقول: حين أراكم أبْهَتُ، فتغادر الجمل أوكارها، وتلملم الكلمات أشياءها وترحل، فأقع في حَيرة. ولكن لمعرفتي الأكيدة بأنّ ربّ قول أنفذ من صول، ورُبّ كلمة أجدى من كتيبة، أروح أستجدي الفصاحة علّها تجيب، وأستصرخ البلاغة علّها تستجيب كي أخرج من ورطتي هذه بعد تصبّر وتجمّل، تدفعني الى ذلك محبّتي لكم وعلمي الأكيد بحبّكم لنا ودعمكم اللّذين لولاهما لما استطعت الاستمرار والسّيرورة.
إذ لولا الجذور المطمئنّة في الثّرى ما كانت الأغصان ترفع هامها. فأنتم جذوري الضّاربة في رحم التّاريخ، لذلك أقول:
لا تحسبوني غنيّا عن مودّتكم إنّي إليكم وإن أيسرت مفتقر. أنتم الأصل وأنا الفرع، فليت الكواكب تدنو لي فأنظمها عقودا فما أرضى لكم كَلَمي.
أفاخر بكم الدّنيا وأقول:
أولئك إخواني فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع.
أيّها الحفل الكريم،
غطّستُ كلماتي برحيق الحبق ولففتها بزهر اللّيلك، وجئت أقدّمها إليكم اللّيلة عربون وفاء ومهر محبّة. ومن حقّكم عليّ في هذه المناسبة أن تعرفوا العوامل الّتي رفدت مسيرتي وأثرتها وصقلت شخصيّتي وبلورتها حتّى صرتُ على ما أنا عليه اليوم.
العامل الأوّل هو كوني من كفرياسيف، من هذه القرية القانعة على شمم، المتواضعة على شموخ، الهادئة على ثورة. الّتي تقول للعالم رغم صغرها: لا ينزل المجد إلاّ في منازلنا كالنّوم ليس له مأوى سوى المقل. أنا كفرساوي أقولها بملء الفم وبهامة مرفوعة - من قرية يتجاور فيها التّوأمان: العلم والأخلاق. في معاهدها تعلّمت - وبأخلاق أهلها امتسحت وتسربلت ثوبها- وعلى ساحاتها وفي حاراتها وأزقّتها وحواكيرها درجت ودفعني كلّ ذلك إلى أن أروّض النّفس وأعوّدها على: تريدين إدراك المعالي رخيصة ولا بدّ دون الشّهد من إبر النّحل. فسعيت نحو الضّياء دون كلل أو ملل- مع معرفتي أنّ الطّريق محفوف بالمخاطر، مرصوف بالأشواك. ولكنّها كفرياسيف الرّاسخة كالطّود لا تأبه بصعوبة، ولا تؤمن بعراقيل- بل تدفع أبناءها دائما نحو الأعلى وتلقّنهم: ولا تحسبنّ المجد زقّا وقينة. كفرياسيف الّتي تربّي على العزّة والوفاء والكرامة الوطنيّة والتّسامح، ومحبّة الآخرين وتدفع أبناءها نحو التّميّز والفرادة والتّعلّم والتّفوّق وتؤمن في هذا الزّمان مسيح علم يردّ على الأمم الشّبابا، هذه القرية كانت ولا تزال رائدة وعَلما، لذلك هي جديرة بأن نقول لها وهي على ما هي عليه: وكيف تُعِلُّكِ الدّنيا بشيء وأنت لعلّة الدّنيا طبيب.
في هذه القرية ترعرعت واصلبّ عودي وصقلت رجلا يختصر علمها وأخلاقها ويحملها في حنايا القلب بلدا وأهلا أينما ذهب وحيثما حلّ.
هذه القرية الطّيّبة بنسيجها الاجتماعيّ المتميّز علّمتني الكرامة والتّحدّي والصّمود وأرضعتني التّواضع وحبّ النّاس. فكان لها الفضل الأكبر في صقل شخصيّتي، وفي دفعي للوصول إلى ما أنا عليه اليوم. وكلّي أمل أن تظلّ كفرياسيف كما عوّدتنا وطنيّة وللدّنيا نوّارة.
جرى ما جرى ومرّت كفرياسيف بأحداث مؤسفة عام واحد وثمانين من القرن الماضي، فأحرق بيتي على ما فيه بعد ما كنت قد أقمته بدمع العين، فتركت كفرياسيف على مضض وطوّفت وراء العلم، وحين عدت، عدت لا أحمل معي سوى ثيابي وشهادتي، لا أملك عملا ولا بيتا، فاضطررت إلى السّعي من جديد وإلى استئجار بيت مؤقّت في عكّا، وجاءني عمل في النّاصرة فقبلته ورحت أسعى يوميّا منذ ساعات الفجر إلى النّاصرة لأعود عند المساء، حتّى هدّني التّعب- ولم أجد حلّا سوى السّكن في النّاصرة.
وكم تهيّبت هذه الخطوة، فالنّاصرة مدينة كبيرة لها عاداتها ونثريّاتها، وأنا قرويّ لي عاداتي ونثريّاتي، فكيف الموازنة؟
ولكن سرعان ما زال التّهيّب فقد فتحت لي النّاصرة ذراعيها واحتضنتني، ودفّأت بذلك برودة غربتي، ودثّرتني بحنانها، فإذا بي انخرط في نسيجها الاجتماعيّ والثّقافيّ والأدبيّ وأصبح واحدا من أهلها أتألّم لآلامها وأفرح لفرحها، وأشارك في أحداثها الاجتماعيّة، والثّقافيّة بالتّعليم تارة وبالنّدوات والمحاضرات والمواقف الوطنيّة تارة أخرى. وقد منّ اللّه عليّ في النّاصرة بنجمتي الصّباح والمساء بابنتي نجوان وابني العبد، فجلست الرّجولة هناك على مبركها واستقرّت وخلا الجوّ من المنغّصات وصفت الحياة.
تعلّمت الكثير من النّاصرة وأهلها، تعلّمت كيف تلاطم اليد المخرز، وكيف يقف الإنسان غير هيّاب شاهرا قناعاته ضدّ الظّلم والتّمييز والقهر، وكيف يكون الكفاح من أجل العيش بكرامة- وكيف يقهر الإنسان النّفس ولا يستذلّها، وكيف يصبر على الشّدائد فكانت النّاصرة العامل الثّاني في صقل شخصيّتي.
أمّا العامل الثّالث، فكان انتمائي الفكريّ، فأنا منذ جئت عام النّكبة إلى الحياة، إبّانه وبعده، كانت فلسطين تغلي وتتفوّر وتجيش فيها حركة مقاومة نشطة، وذلك بفضل الحزب الشّيوعيّ ونشاطاته في حينه، فنشأت في هذا الجوّ الوطنيّ، ووجدت في الحزب ومن ثمّ في الجبهة ضالّتي فأنارني ذلك من الدّاخل وفتّح عقلي ونوّره، فإذا أنا مسكون بالمنظور الاشتراكيّ منه انطلق وعليه أقيس. وقد علّمني هذا المنظور الكثير، وغيّر الكثير من مفاهيمي.
علّمني كيف أنقل الخطو على أرض لاهبة مليئة بالحصى وبالبثور، وكيف أخوض جحيم المقلاة وأخرج أشدّ عودا وأصعب مكسرا.
علّمني أنّ الإنسان لا يأتي إلى هذه الدّنيا اعتباطا، إنّما لهدف، لغاية، لرسالة، من هنا رأيت في الإنسان طاقة خلّاقة مبدعة لا مشيّأة، ومن هنا أيضا ارتأيت أنّ رعاية هذا الإنسان وتوعيته منذ بداية وجوده أمر ضروريّ، وذلك كي ينمو سليما معافى فكرا ونهجا وأخلاقا ومبادئ.
جعلني هذا المنظور أدرك أنّ الإنسان ثروة هذا العالم- لا بل كنزه الأثمن لذلك لزاما عليّ أن أكرّس حياتي كلّها لبناء إنسان عصاميّ/ محبّ لوطنه/ لأرضه/ لشعبه/ لتاريخه/ حريص على تراثه ولغته/ فخور بانتمائه وهويّته. فحملت من أجل ذلك قضية الإنسان الكبرى وقضيّة إنساننا الفلسطينيّ صليبا وسرت به نحو الجلجلة في رحلة نضال شائكة شائقة لا ألين فيها ولا أستكين/ لا أداهن ولا أرائي/ لا أتلوّن ولا أنافق، وخضت من أجل ذلك معارك وطنيّة وفكريّة كثيرة، ولكنّني كنت أخرج أكثر ثباتا، لأنّني كنت أومن بمبادئي وأثق بمنظوري الفكريّ، من هنا تغيّر مفهومي لمهنتي، فصرت أرى في التّعليم خدمة وعطاء، وفي المعلّم حجر شحذ تأتي إليه الأجيال لتشتحذ عليه. مناقيرها الغضّة ولتستنسر وتحلّق- فقدّمت لهذه الأجيال عصارة فكري وذوب روحي ودفق مشاعري لترى سواء السّبيل. وما اكتفيت فالنّفس قلقة فوّارة والجسد قويّ والفكر نشيط، فرحت أفتّش عن وسيلة أخرى للخدمة والعطاء، ووجدتها في الكتابة فأفرغت في الكتابة نفسي، ونزفت على الورق قلقي وهمومي، وتنقّلت فيها على مدارج عديدة حتّى اكتشفت ضالّتي فالتزمت النّقد الأدبيّ والدّراسة الأدبيّة، وركّزت على أدبنا الفلسطينيّ هنا وفي الضّفّة والقطاع والشّتات لتعريف أجيالنا على من نملكه من أدب جميل وفكر راق ينافس آداب العالم، لا بل يفوق الكثير منها.

وبعد،

يرتفع السّؤال ويتبرعم، هل وصلت بما قدّمته وأنا اليوم قد ذرفت على الرّابعة والسّتين؟ الإجابة لا، لأنّ الوصول معناه النّهاية، وأنا لا أريد أن أنتهي هنا، بل أطمح للمزيد ليكون الآتي أفضل ممّا كان، ألم يقل أمير كلامنا حين سُئل ما القصيدة الأجمل عندك! قال: تلك الّتي لم أكتبها بعد، وطالما في الجسد بقيّة من روح وفي الرّأس فكر سأستمرّ حتّى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وسؤال آخر ينبثق من خاصرة الأوّل هل وقفت في رسالتي. عن هذا السّؤال لا أملك جوابا. الجواب هو عندكم.
ولكن بانتظار الإجابة لا يسعني إلاّ أن أتقدّم بالشّكر الجزيل لكلّ من ساهم في إقامة هذه الأمسيّة التّكريميّة.
لكنّ الشّكر الكبير هو لكم أيّها الأهل والأصدقاء والأحبّة على دعمكم وتحمّلكم وصبركم. أنتم جميعا زيت قناديلي الّتي آمل رغم صراعي مع المرض أن تظلّ مشتعلة. الله أسأل أن يديمكم لتظلّوا شجرة خضراء وارفة الظّلال منها نمتح وإليها نفيء.
شكرا لعائلتي الكبيرة الدّاعمة. وشكر خاص لعائلتي الصّغيرة، لناهدة الزّوجة الوفيّة المضحّية الّتي عاشت معي سنوات عجافا كثيرة ولنجوان ولعبد على صبرهما. شكر خاص لكل وسائل الاعلام ولمواقع الانترنيت والشكر لمن عزف وأنشد فأضاف على الامسيّة رونقا، وشكر خاص للحبيب ماهر الذي سهر وتعب وعمل على انجاح هذه الامسيّة.
دمتم لنا جميعا ينبوع عطاء ودعم دافئا لا ينضبّ أبدا بل يراهق النّضوب.

[email protected]



#حبيب_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مي زيادة كاتبة صقلتها المعاناة
- وداعًا يا معلّم
- الدكتور سليم مخولي .. شاعر وفنان أصيل، وداعا
- سالم جبران شاعر الأرض والمقاومة
- ضحك على ذقون القتلة - للشّاعر طه محمّد علي
- الدكتور إميل توما والثّقافةّ العربيّة الفلسطينية في البلاد
- النّقد الّذي نريده
- الواقعيّة الإشتراكيّة الواقع والمصير
- موضوع للنّقاش: الحوار والتّعايش أم المقاطعة؟
- كونوا الضّربة، كونوا وعد الشّمس
- للرئيس تحيّة
- ما عندنا وما عندهم
- العناصر الأسلوبية في سرد مارون عبود القصصي
- محمود درويش باق فينا
- حنّا أبو حنّا بين ديوانين:- نداء الجراح- و - تجرّعتُ سُمّك ح ...
- النقد الأدبي وإبداع الشباب
- الأرض في قصص محمد نفاع
- أصحاب المهن في كتب الأدب
- مسيرة الإنتاج الأدبي المحلي وواقع القراءة
- أبو سلمى: -زيتونة فلسطين-


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب بولس - لا بد من كلمة