أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الربيع العربي منظور إليه استشراقياً















المزيد.....

الربيع العربي منظور إليه استشراقياً


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 19:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان الربيع العربي قد أطاح بنظم استبدادية، سلطوية وهيّأ المستلزمات الأولية لإحداث تغييرات في العالم العربي إنْ عاجلاً أم آجلاً، فإنه في الوقت نفسه أسقط بعض المقولات والأفكار التي سادت في العقدين الأخيرين أو برهنت على بطلانها وهزالها حتى وإنْ ظلّ بعضهم يتشبث بها، ولعبت تلك الأفكار والمزاعم، دوراً كبيراً في إطالة عمر بعض الأنظمة، بل ساهمت أيضاً في التأثير سلبياً على وعي بعض النخب الفكرية والسياسية وحتى تخديرها وانعكس الأمر على الشعوب بما أصابها من حالات اليأس أو القنوط داخلياً أو خارجياً، سواءً بجانبها النظري أو العملي، على الرغم من معاناة السكان وتوقهم إلى التغيير والتحوّل الديمقراطيين .

بعض هذه الأطروحات، كادت أن تصبح مسلّمات لدى بعض القوى والفاعليات السياسية، والتي لم تكن بعيدة عن ترويج الأنظمة الحاكمة لها، فضلاً عن سدنتها من الأيديولوجيين وبعض المثقفين، بمن فيهم الذين يتحدثون عن التغيير، بل يدعون إليه ولكن على نحو “تجريدي” أحياناً أو في ما يخص الغير، من دون أن يصل إلى أولي الأمر أو الحكّام الذين يبررون استمرارهم ووجودهم بحجة غياب البديل أو عدم نضج عملية التغيير أو يراهنون على بعض الاصلاحات، أو الذين يستحضرون نظرية المؤامرة الخارجية، بل يعلّقون كل شيء على شمّاعتها .

ومثل هذه الأطروحات لم تكن حصراً على القوى الداخلية، بل إن بعضها تبنّته القوى الخارجية، لاسيما القوى الدولية المتنفّذة، والذي شكّل عائقاً فكرياً وعملياً إزاء التغيير الديمقراطي المنشود، حتى بدت الديمقراطية أو التحول الديمقراطي وكأنهما استعصاء أو وعد غير قابل للتحقق، لاسيما في العالم العربي .

ومنذ انطلاقة الربيع العربي وحتى الآن رصد الباحث بعض أطروحات استشراقية شكّكت في إنجاز عملية التغيير، وقد لقيت مثل هذه الأطروحات صدىً داخلياً، لاسيما بعد اندلاع أعمال عنف وفوضى، الأمر الذي دفع بعض الأوساط إلى القلق أو حتى إلى التشاؤم لمجرد فوز الاسلاميين في الانتخابات التونسية والمصرية وغيرها . وسنحاول التركيز هنا على أطروحتين أساسيتين الأولى التي تنفي عن العرب الحاجة إلى الديمقراطية والثانية التي تشكك بالإسلام باعتباره دين عنف لا يسمح بالتحوّل الديمقراطي .

تقول الأطروحة الأولى أن العرب لا يحتاجون إلى الديمقراطية بقدر حاجتهم إلى التنمية، وإذا أردنا إعادة تركيب هذه الأطروحة، فقد تصل إلى تبرير عنصري ينطوي على استصغار حاجة العرب إلى الديمقراطية وحقوق الانسان، إسوة بالشعوب والأمم الأخرى، وهي حاجات انسانية لبني البشر جميعاً، خصوصاً وأن غالبيتها الساحقة ذات طبيعة شمولية، مع خصوصية كل شعب وأمّة في هضم هذه المفاهيم الإنسانية، التي هي نتاج الفكر البشري .

صحيح أن المواطن العربي بحاجة إلى الغذاء والدواء والعمل والصحة والتعليم والسكن، ولكن من قال إن الإنسان يحيا بالخبز وحده؟ ومن قال إن بالإمكان تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من دون تأمين الحقوق المدنية والسياسية والمساواة أمام القانون وبين الرجال والنساء والمواطنة والحق في انتخابات دورية وتغيير الحاكم عبر صندوق اقتراع والحق في المساءلة في إطار سيادة القانون وفصل السلطات واستقلال القضاء، والحق في عدم التعرض للتعذيب وفي أن يكون له جنسية وشخصية قانونية وغير ذلك من عناصر الديمقراطية التداولية السلمية للإدارة والمسؤولية، لاسيما في تولّي المناصب العليا والمشاركة والحق في التعبير والاعتقاد والتنظيم المهني والسياسي .

وقد أثار هذا الأمر بعض نشطاء حقوق الإنسان ردّاً على الرئيس الفرنسي جاك شيراك في العام 2003 عند زيارته إلى تونس التي حاول فيها تزيين صورة نظام ابن علي في مجال حقوق الإنسان بزعم تأمينها الغذاء والعمل والسكن لمواطنيها، ونسي هدر الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية . وقد ركّزت ثورة تونس وبعدها مصر وكذلك ثورة ليبيا وحركة الاحتجاج الواسعة في اليمن وسوريا والجزائر والأردن والمغرب وعُمان والعراق وغيرها على الحريات والحقوق والكرامة ومحاربة الفساد، الأمر الذي يدحض أطروحة عدم الحاجة إلى الديمقراطية، وهي نظرة استصغارية طالما تصدر عن فكر استشراقي، وعن استعلائية غير مبررة، وقد حاول الرئيس ساركوزي أن يطمئن نظام ابن علي الحليف، بل أن يعرض عليه الدعم للقضاء على حركة الاحتجاج، لولا تسارع الأحداث وانتقادات وسائل الإعلام لسلوكه الانتهازي، وهو الأمر الذي اندفع فيه لاحقاً لاشراك الناتو للتدخل العسكري في ليبيا .

أما الأطروحة الثانية فتقول، إن الدين الإسلامي يحضّ على العنف والإرهاب وهو دين غير متسامح وتتعارض تعاليمه مع الديمقراطية ومع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وبالتالي فسيكون الاستنتاج المنطقي أن العرب والمسلمين غير مؤهلين للحكم الديمقراطي أو لسيادة القانون أو احترام حقوق الانسان، ولعل مثل هذه الفرضية تستند أيضاً إلى مرجعية عنصرية أيضاً، تستخف بحضارات الأمم والشعوب وثقافاتها ودياناتها، وعلى الرغم من أن الإسلام دين غالبية سكان المنطقة العربية، فإنه دين شعوب غير عربية أيضاً، ولعل عدد المسلمين في العالم اليوم يقارب مليار ونصف المليار إنسان، فهل سنلغي هذا الرقم الهائل من قائمة الدول الديمقراطية؟

وإذا كان الكثير اليوم في الغرب يتحدث عن تركيا، كدولة مدنية بخلفية إسلامية؟ أو يتكلم عن الإسلام المعتدل والمنفتح، فهل تركيا أو غيرها بعيدة عن دين غالبية السكان المسلمين . ولعل تعاليم الديمقراطية وحقوق الإنسان بقدر شموليتها وعالميتها وكونيتها، فلها خصوصيات تبعاً للثقافات والحضارات والتاريخ، لكل أمة أو شعب، ويمكن أن تغتني هذه المبادئ ذات الطبيعة العامة والالزامية بالقدر نفسه، من حضارات وثقافات الشعوب بما فيها الإسلامية . وإذا كان لكل حضارة رافدها، فالعرب والمسلمون يعتزّون برافدهم العربي والإسلامي للحضارة الكونية، وهو ما يشهد له العالم، بما فيه المنصفون من المستشرقين .

وإذا كان ثمة بعض التجاذبات أو الاجتهادات الفكرية أو الثقافية، فإنها خاضعة للنقاش والجدل، والأخذ والرد، داخل مجتمعاتنا العربية ومع الغرب، مثلما توجد الكثير من الحقوق والحريات معرض جدل في الغرب ذاته، لكن الفارق الوحيد بيننا وبينه، هو وجود مؤسسات راسخة حامية للديمقراطية توطّدت عبر عقود من الزمان وشهدت تطورات تدريجية، ولكننا لا زلنا نفتقد لمثل هذه المؤسسات، لاسيما الرقابية التي تحاسب وتسائل وفقاً لحكم القانون ومبادئ الشفافية .

ولعل وجود مثل هذه المؤسسات لا يتعلق بالدين بقدر تعلّقه بدرجة تطور المجتمع واختياره طريق التنمية الشاملة بمعناها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني ومساهمة المجتمع المدني وتحقيق مبادئ المشاركة، فدولة مثل الهند فيها تعدد ثقافي وتنوّع قومي وإثني، وأديان مختلفة ولغات متعددة، وعلى الرغم من وجود كل ذلك، فقد اختارت الطريق الديمقراطي، كدولة نامية، ونجحت فيها الديمقراطية إلى حدود كبيرة، وعلى الرغم من ظروف التفاوت الطبقي والاجتماعي، إلاّ أنها استطاعت بناء قاعدة حقوقية وقانونية سليمة لتطوير الديمقراطية واحترام حقوق الانسان . وتركيا الإسلامية نموذج آخر، وماليزيا التي يحتل المسلمون فيها نسبة كبيرة وأساسية من السكان، فقد أقامت شكلا من الحكم التداولي والديمقراطي وسيادة القانون، من دون أن يقف الدين عائقاً .

الارهاب لا دين ولا قومية ولا جنسية ولا وطن ولا لغة له، مثلما هي الديمقراطية نظام حكم يمكن أن يستفيد منه الجميع ويستخدم آلياته بما يتناسب مع درجة تطور مجتمعه وخصوصياته ويمكن أن يضفي عليها بما يغنيها، آخذاً بنظر الاعتبار ثقافتها وتاريخها وقيم حضارتها، القديمة، المتلاحقة مع الحضارة الكونية الراهنة، وإذا كانت الموجة الديمقراطية قد وصلت إلى أوروبا المتقدمة على دفعات واستغرقت أكثر من 200 عام لتصل إلى ما وصلت إليه، لاسيما بعد استكمالها بالقضاء على دكتاتورية سالازار في البرتغال وبعد موت فرانكو في إسبانيا والتخلص من حكم الجنرالات في اليونان، فإن أوروبا الشرقية دخلت مرحلة التغيير الديمقراطي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، مثلها مثل العديد من دول أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، ولعل العالم العربي أصبح اليوم مهيأً لمثل هذا التغيير الذي طال انتظاره، ولا يمكن أن يكون خارج التاريخ، سواءً شكك الاستشراق أو لم يشكك، لكن ذلك واقع الربيع العربي الذي سيؤمن بناء معادلات جديدة، يدخل فيها العالم العربي إلى لجّة التطور على الرغم من محاولات الكبح أو التأثير على مسارها التاريخي .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فريضة التسامح وجدلية القطيعة والتواصل!
- مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
- التواصل والقطيعة في فريضة التسامح
- مقهى وروّاد ومدينة: ذاكرة المكان ونستولوجيا التاريخ!
- العنف واللاعنف في الربيع العربي
- محنة العراق بين الديمقراطية والحرية
- الربيع العربي وردّ الاعتبار إلى السياسة
- تعويم الدستور العراقي
- إشكاليات ما بعد الربيع العربي
- الشيخوخة
- اللحظة الثورية وربيع التغيير
- الإسلاميون والعلمانيون
- ماذا بعد الربيع: العرب والجوار والعالم؟
- الانسحاب الأميركي من العراق.. من الأقوى؟
- ليبيا من الثورة إلى الدولة
- اليونيسكو والثقافة بالمقلوب
- بانتظار بايدن
- الفدرالية العراقية والكثبان المتحرّكة
- الدرس التونسي: القطيعة والتواصل
- ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق!!


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الربيع العربي منظور إليه استشراقياً