أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - تنظيم حياتنا السجنية















المزيد.....

تنظيم حياتنا السجنية


سعاد خيري

الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 14:16
المحور: سيرة ذاتية
    


تنظيم حياتنا السجنية
واذا كنا جميعا وبدون استثناء قد واجهنا الاحكام الثقيلة بالسخرية وتحدينا هجوم الادارة وتحملنا الاضراب عن الطعام , فان ذلك كان وقعه كالصاعقة على امي, فالحكم المؤبد علي ومن ثم الاضراب عن الطعام وهي دائمة القلق على صحتي , فضلا عن انها كانت تضع كل امالها على مستقبلي.
لم تنم طيلة الفترة الا لماما, ولم تترك دائرة حكومية او دائرة السجن او وزارة دون مقابلة المسؤلين والمطالبة بزيارتي والاحتجاج على الحكم الثقيل الذي حكمت به . وكانت اول الزائرين لنا بعد الاضراب وهي تحمل المواد المغذية التي تلائم وضعنا. كما زار الاخريات ذويهن.
وبدأت عملية تنظيم حياتنا السجنية وتوزيع المهام . وامامنا تجربة السجناء السياسيين في سجن الكوت التي وضع اسسها الرفيق فهد. والاهتمام بالنواحي الثقافية ومكافحة الامية بيننا. جرى تنظيم تناوب الرفيقات على الطبخ والتنظيف وغسل الملابس. واعفيت من كل هذه المهمات لاتولى مهمة التثقيف. وكانت الزيارات تمدنا بمواد التثقيف وتشغلنا لايام الاخبار التي ينقلونها لنا . وفي يوم الزيارة نستهلك الكثير من المواد الغذائية ولاسيما من التمر الزهدي ونحن نناقش او نفكر فيما يردنا من اخبار. لم يسمح لنا بالاتصال بالسجينات العاديات الا سرا في وقت الدوام , وبعد الدوام كنا نلتقي بهن وندرس مشاكلهن ونكتب لهن العرائض والرسائل. ومن احدى المفارقات كانت احدى السجينات قد تركت ممارسة البغاء ولكن السمسيرة كانت قد وقعتها على ورقة تدينها بالاف الدنانيرلتحكم سيطرتها عليها. وكان منقذها من ممارسة البغاء محاميا شهما . فكانت تلجأ الي لكتابة رسائلها له. فطلب منها ومن الادارة مقابلتي لتأثره باسلوب الرسائل. ورفضت ذلك.
وبالنظر لتمتع السمسيرات بامتيازات كثيرة في السجن وامكانية اغواء السجينات العاديات ولاسيما الشابات , فقد طالبنا عزل قسم المومسات . وبعد نضال طويل لما للسمسيرات من تاثير على الادارة وما فوقها تحقق ذلك دون ان يحد من امكانياتهن على حرف بعض السجينات العاديات . فقد كن يفتعلن الحوادث عندما يعلمن بوجود فتاة شابة موقوفة بواسطة السجانات لقاء رشوات. وما اكثر الشابات الكادحات البريئات اللاتي يلقى بهن في السجن بتهم ملفقة لعدم خضوعهن للابتزاز الجنسي من قبل اصحاب العمل في المدينة والريف, او الهاربات مع من يحببن ومعظمهن تهرب ليس نتيجة عواطف جامحة وانما نتيجة تفكير عميق في اختيار احد الحكمين الحتميين بالموت , فاما البقاءوالقتل المؤكد اذا ما افتضحت نتائج العلاقة كما كان بالنسبة الى هدلة التميمي وانجبت بالسجن حمييد , احلا الاطفال او تفاديا للموت قهرا بتزويجها برجل اكبر من والدها لقاء مهر استلمه ابوها او اخوها .. وكم قتل منهن في اثناء الزيارات وبقيت دماؤهن تستصرخ الضمائر الحية لانقاذ المرأة العراقية من الظلم المركب الذي كانت وما زالت تعيشه. اما اذا انجت من القتل , فتتلقفها دور الدعارة التي تبث ممثليها في جميع الجهات لاقتناص الطرائد او يتلقفها السجن بعد ان يهدها وصاحبها القلق والمطاردة . وهناك ايضا لا تنجو من النتيجتين.وكم حرمت ام من طفلها الرضيع وكانت دموعها تجري مع حليب ثديها النازف لمجرد تهم تافهة او رغبة زوجها بالطلاق. ان ما شاهدناه بل وعشناه من ماسي المرأة العراقية خلال عشر سنوات السجن لايمكن لمجلدات ان تحويه. وكم كان ذلك يؤلمنا ويزيدنا اصرارا على مواصلة وتصعيد النضال.
وكانت ادارة السجن تفرض على السجينات العاديات غسل ملابس مستشفى سجن الرجال بصابون حارق يسلخ جلد ايديهن . وكثيرا ما كانت الملابس ملوثة بالقيح والدماء الامر الذي يعرضهن للعدوى بامراض خطيرة. وفي صيف عام 1951 كتبت لهن عريضة شارحة المخاطر التي يسببها ذلك ومطالبتهن بتحريرهن من هذه المهمة وجمعت تواقيعهن. فاستدعت الادارة جميع الموقعات على العريضة , وتحت التهديد والضرب بحن بكل شيء . ولم اعلم ما حل بهن فقد كانت عقوبتي النقل الى سجن البصرة. وعندما عدت بعد ثرثة اشهر كان قد صدر قرار تحرير السجينات العاديات من تلك المهمة.
اما عن اطفال السجينات العاديات الرضع وحتى الخامسة , فقد كانوا يعانون نتيجة معاناة امهاتهم من سؤ التغذية ومن توتر اعصابهن فضلا عن جهلهن. كنا نحب هؤلاء الصغار ونخيط لهم الملابس ونقدم لهم ولامهاتهم الطعام. وكان لبهجتهم ومرحهم عند رؤيتي, ما يخفف كل الكرب الذي كان ينتابني احيانا والذي كنت اقهره بالغناء او بالتمشي في باحة السجن حيث تحتشد السجينات مع اطفالهن . فلا اقاوم تلك الضحكات والحركات المرحة فانسى كل شيء وامرح معهم. اما سلام ابن رفيقتنا مادلين التي كان مجموع احكامها تسع سنوات, والذي ولد وترعرع في السجن حتى الخامسة من عمره فله قصة كاملة. فقد كان تطوره الفكري والعقلي ممتازا بفضل رعايتنا جميعا له والاهتمام بتغذيته والتخصص في الاجابة على اسئلته التي حددها هو. فلامه الاسئلة الادبية والقصص ولعمومة الاسئلة السياسية ولي الاسئلة العلمية. كان يخصني بحبه ويوقضني صباحا بوصع وردة على انفي . فهو الوحيد الذي يسمح له بالخروج الى باحة السجن الخارجية حيث توجد فيها حديقة صغيرة.
ارتعبت ادارة السجن من ذكائه ولاسيما بعد ان حرمنا من الاوراق والاقلام وخشيت من ان يستطيع سلام اخذها من الادارة بعد ان فرض حبه على الجميع وكانت له حرية دخول الادارة . فقالت مديرة السجن مرة لمدير السجون العام في زيارته لنا عندما رأى سلام واعجب باجوبته, اذا كان للملك مربية اواثنتين فلسلام ست مربيات , وكان هذا عددنا في الاوقات الاعتيادية والذي يزيد على المائة في اثناء الانتفاضات الشعبية. فاصد المدير العام قرار اخراجه من السجن وارساله الى السليمانية ليعيش مع اهل ابيه الذين لم يعرفهم ولا يعرف لغتهم, الكردية, فضلا عن جهله بكل نواحي الحياة خارج السجن . فعندما رأى الحمار لاول مرة داخل السجن وكان يحمل مواد بناء لبناء الجدار الفاصل عن قسم المومسات ركض الينا قائلا انظروا حمامتي الكبيرة!! وعندما اخذته احدانا بعد اطلاق سراحها الى السينما قال لها مندهشا ما اكثر المواجهين اليوم.
ناضلنا كثيرا من اجل ادخال جهاز الراديو وامام رفض الادارة القاطع وافقنا على وضع سماعة لرايو في سجن الرجال المركزي يبدأ العمل مع بدء بث اذاعة بغداد حتى النهاية وعلينا الاستماع اليها في كل الاحوال, ومع ذلك كان لها فضل كبير علينا اذ تلقينا نبأ ثورة 14/ تموزمع بدء الاذاعة وقبل ان يتلقاه الكثير ممن خارج السجن.ومن خلاله كنا نتابع الاخبار ونستمع الى الاغاني. ومن المفارقات المؤلمة التي تكشف عن مدى التخلف الاجتماعي والثقافي لشعبنا في تلك الفترة. كانت احدى الفلاحات من ارياف العمارة وقد جرى توقيفها بسبب جمعها بقايا الرز بعد الحصاد لتطعم اطفالها ولما فوجئت بصوت الراديو بعد الظهيرة ركضت لتلبس العباءة منحية باللائمة على من حولها قائلة لماذا لا تقولوا لي بان في هذا الصندوق رجلا. فهي من الجهل بحيث لم تسمع حتى بوجود الراديو بعد.
كنا نحتفل في المناسبات الوطنية والاممية والاعياد ونشرك السجينات العاديات بها في الاوقات السهلة ونتصل بهن خفية موضحين لهن المناسبة ونوزع عليهن الحلويات وبعض المساعدات الاخرى حسب الامكانيات والظروف. فقد كانت ظروفنا السجنية تتغيير وفقا لتغير الظروف السياسية خارج السجن . ففي الفترة الاولى بعد اضرابنا الاول حيث تمتعنا بزيارات اسبوعية وبقراءة الصحف وطلب الكتب من مكتبة السجن المركزي والذهاب الى المستشفى الملكي لمراجعة الاخصائيين والاحتفالات الموسعة في المناسبات كنا نمر في فترات الاحكام العرفية وما اكثرها ولاسيما بعد الانتفاضات الشعبية وبعد عقد حلف بغداد وتشكيل لجنة مكافحة المباديء الهدامة التي كانت تزور السجن لتتاكد من احكام سوء معاملتنا. فقد حرمنا من كل الامكانيات الشحيحة رغم الاضرابات المتكررة التي خضناها ونضالات عوائلنا واسناد القوى الوطنية وصحفها لقضايا السجناء السياسيين ولاسيما بعد معارك سجن بغداد والنقرة والكوت التي استخدمت السلطة الرصاص وقتلت العشرات من السجناء السياسيين. فقد حرمنا من الصحف ثم من الكتب ومن الاوراق والاقلام ومن الزيارات الاسبوعية ومن ادخال الكثير من المواد وتشديد الرقابة على الزوار والتفتيش على المواد التي يحملوها لنا. والتهديد المستمر لنا ولعوائلنا وحضور السجانات والادارة اثناء الزيارات وصدور قرار ببناء سور مشبك يفصل بيننا وبين الزوار ولكن شعبنا لم يمهلهم فقد فاجأهم بثورته الجبارة وعاقب اوحش جزاريهم بالموت ولاسيما مدير سجن بغداد المركزي عبد الجبار الايوبي الذي اعدمه عبد الكريم قاسم بعد ثورة 14/تموز لكثرة ما اقترفه من جرائم بحق السجناء السياسيين.
وفي اشد فترات الارهاب كانت الحكومة ترسل وفودا من طلبة الكليات لزيارة السجن لارهابهن باوضاعنا واحكامنا الثقيلة ولكنهم كانوا يخرجون بانطباعات معاكسة اذ كنا نقابلهم بمعنويات عالية وتبحث معهم عن اهداف الحكومة من هذه الزيارات وعن مواصلتنا النضال فكانوا يعجبون من احتفاظنا بكل تلك المعنويات بعد كل تلك السنوات . ومن احدى المفارقات اصر احد طلبة كلية الطب الذي حضر احدى تلك الزيارات بانه رأني اسير على جسر الشهداء مساء عدة ايام . وبدأ التحقيق مع السجانات ومعي وحضر مدير السجن المركزي الى سجن النساء مساء لعدة ايام ولا اعلم كيف اغلق الموضوع
نعم كل هذه الاجراءات تعتبر تافهة بالنسبة لما عانته السجينات السياسيات في ظل الدكتاتورية وماتعانيه اليوم في ظل الاحتلال وادواته ولكن في ظل تلك الظروف ومستوى تطور مجتمعنا وحركتنا الوطنية ومستوانا الفكري والسياسي لم تكن بسيطة ولاسيما بالنسبة للاحكام الثقيلة وكم رددت امي , مجنون الذي يتحمل البقاء في السجن عشرين عاما ومجنون من ينتظره. ورغم ذلك لم تطلب مني يوما التخلي عن مبادئي والخروج من السجن رغم كل الضغوط التي تعرضت لها من قبل المسؤلين وغيرهم لتقنعني بل ولم تحدثني عن ذلك وكم كنت ولازلت اقدر لها صمودها وبسالتها



#سعاد_خيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الثالث عشر سنوات السجن في سجن بغداد المركزي
- الفصل الثالث عشرسنوات في سجن النساء المركزي في بغداد
- 4- الاعتقال والحكم المؤبد
- مساهمتي في وثبة كانون / 1948
- الفصل الثاني الانعطاف الحاسم
- 2- بوادر الوعي الوطني
- الفصل الاول من رحلة حياة البدايات
- البشرية تغذ السير نحو تحررها رغم المصاعب والتضحيات
- رحلة حياة امرأة عراقية عبر اخطر مراحل تطور شعبها والبشرية
- تجتاز البشرية مرحلة المطالبة بالحرية الى مرحلة صنعها
- البشرية تغذ السير نحو تحررها رغم المصاعب والتصحيات
- يحق للفلسطينين التمتع باول منجوات عصر التحرر لانهم اغنوا تار ...
- الانتفاضات والاعتصامات المعاصرة ميادين اعداد الاجيال الصاعدة
- دماء الشهداء تؤجج الحراك الجماهيري وتطور اهدافه
- التحرك الجماهيري العراقي يوطد ديناميكيته بالتظافر مع تحرك عم ...
- البشرية تغذ السير نحو تحررها باسقاط الانظمة الموغلة بالتخلف ...
- ثورة 14/تموز رائدة الثورات التحررية المعاصرة ومحكمة الشعب من ...
- لماذا يموت الشعب الصومالي جوعا والسبيل الوحيد لانقاذه
- العامل الحاسم في اجتياز البشرية المرحلة الانتقالية لتحررها و ...
- من صعوبات مرحلة الانتقال التي تمر بها البشرية استماتتة قوى ا ...


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سعاد خيري - تنظيم حياتنا السجنية