|
حكايات صاحب الجلالة
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 12:29
المحور:
الادب والفن
تمهيد : لوحة خلفية أو إطار قليلون من يعرفون السرّ ، ومجنون من يتجرأ على كشفه ، والجميع يخشى الجميع . أنا واحد من المجانين .. ليس تماما .. ولكني .. المهم .. سأروي لكم الحكاية المثيرة من طقطق للسلام عليكم ، ربما تتثاءبون .. وتأخذون غفوة ، وربما يهمكم الخبر ويطير النوم من عيونكم . أنا الراوي ، وأحد أبطال الحكاية ، ربما بطل ثانوي .. ربما " كومبارس " . ولكني لم أعد أحتمل الكتمان طويلا ، يجب أن يسمعني أحد ما : قريب .. أو بعيد .. المهم أن يكون أهلا للثقة ، أن يكون بئرا للسر ، أن يكون سرّي في بئر .. كيلا يقع المحظور ، وتتم عملية اغتيالي من قبل الديكة وأنواع الدجاج والدواجن الأخرى ، والتي تعمل داخل وخارج القصر الملكي .. بل القصور الملكية .. والمزارع الملكية ، أو حتى العاملة عند الأمراء والإقطاعيين وسائر الحاشية والخدم من الجواري والغلمان والبصاصين والعسس والمخبرين والمتطوعين لخدمة الملك والمملكة ، ومن العبيد المطيعين المنضبطين العابدين المؤمنين المتصوفين بالملك والمملكة ، وعلى سيرة الملك والمملكة ، أسجل ملاحظة : هي أن الكثيرين لايفصلون بين الملك والمملكة ، ويعتبرونهما شيئا واحدا ، بل والأدق يعتبرون ويؤمنون بوحدة المملكة والملك والمملوكين من السكان والدواجن ممن يمارسون ويمثلون دور الكواسر ، ويصدقون بعضهم بعضا ، ويجاملون بعضهم بعضا ، ويفضحون ويسبون بعضهم بعضا في القفا ، ويكيدون لبعضهم جماعة الملك كانوا يكرهوننا ، لاأعرف لماذا ؟ كانوا يلاحقوننا ، ولا هم لهم سوى مراقبتنا والتجسس علينا ، مع أنهم يزعمون أنهم إنما يحرسوننا ، ويسهرونه على أمننا وراحتنا ، من أجل حماية الاستقرار في المملكة التي كانوا يصفونها ب" السعيدة " ، ولكنها كانت بالنسبة لنا مملكة " تعيسة " ، لأننا كنا نعيش كالدواجن ، والدواجن سلع بشرية ، لها سعر سوق رسمية بيضاء ، وأخرى سوداء ، حيث ينتشر تهريب السلع البشرية ، والاتجار غيرالشرعي بها وبأعضائها ، ولاسيما الرقيق الأبيض . وفي السوق يتكاثر السماسرة والوسطاء والعمولات والعرض والطلب ، حيث تمارس حريتك في بيع نفسك أو نسلك أو زوجتك أو أختك .. لافرق .. والنتيجة هي الغبن في العقود المبرمة ، وهي غالبا عقود إذعان وأحيانا إكراه سافر . جماعة الملك هم من المرتزقة والمنافقين والقوادين .. والمغفلين والحمقى ، من المجرمين والمرتشين . وكانوا يعيثون فسادا في أنحاء المملكة ورعاياها من الدواجن البشرية ، وكان لاوجود لعدالة سوى عدالة الملك ، وهي عدالة الشركاء في التهام كل شيء دون رقيب ولا حسيب . ومن باب الوقاية ، ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج ، كانت جماعة الملك تفترض سوء النية المسبق عند الدواجن البشرية ، وتلصق بهم تهمة المؤامرة أو الاستعداد للمؤامرة ضد الملك وشركاه والمملكة ، ومن هذا المنطلق كانوا يتصرفون : يلاحقوننا ، يرهبوننا ، يعتقلوننا ، يعدموننا ، يتسلون بقتلنا ، ويتدربون على تعذيبنا قبل ذبحنا وأكلنا أو رمينا لكلابهم وذئابهم . وكانوا يقطعون برزقنا ، يسلبون وينهبون على عينك ياتاجر ، وباسم الملك تحت شعار ضرور حماية الملك والمملكة من صعاليك اللصوص المتطفلين ، وكانوا يتهمون كل من يطالب بعمل بأنه يطمع بالنهب ، أنا الراوي ، وأحد شخصيات القصة المأساوية . لاأعرف ما الذي دفعني للبوح بالسرّ ! أتراها الشجاعة ؟ أم ناموس الفطرة ؟ المهم .. دعوني أنقلكم إلى جو القصة مباشرة : حكايات عن صاحب الجلالة الحكاية رقم ( 1) على ذمة الرواة .. قال ألف عن باء عن تاء عن .. . أن فلانا قال : أخبرني فلان عن علان عن علّاك البان ، أن أبا سنان قال : ذات ليلة ليلاء .. رأى الملك مناما مرعبا ومزعجا ، فحواه أن ثمة من يريد الإطاحة به وبعرشه ، ورأى نفسه بين ثلة من المتآمرين ، وقد قادوه أمام الملأ إلى المشنقة ، وهو في الطريق كانوا يوجهون له الإهانات والشتائم والصفعات واللكمات والرفسات ، وهو مندهش مما يحصل . وفكر الملك : " أعرف هذه الوجوه .. ولكني لاأتذكر أين وكيف ولماذا رأيتها .. إنها وجوه مألوفة ، وبعضها مألوفة جدا ، وقليل منها مألوفة جدا جدا جدا ، من أقرب المقربين والمحبين والمطيعين ، لكنني لا أفهم لماذا يعاملونني بهذه الطريقة المشينة ! لا أصدق مايحصل ؟ يبدو لي وكأنهم نسوا من أكون بالنسبة لهم ، نسوا أني ملكهم ومالكهم ومليكهم الملاك المالك ، لماذا يعاملونني كما أعامل الرعية ؟ غريب ! وكأنهم لايعرفونني ، يجهلون صفاتي وأسمائي ! أين حراسي وحجابي وحاشيتي ؟ أين هم ليلقنوهم درسا قاسيا ؟ ليعلموهم الأدب وطاعة الملك : أي أنا .. نعم أنا الملك ولست المملوك ، وهم المماليك العبيد ، هم وزوجاتهم ونساؤهم من كل صنف ، كلهم رعيتي ودواجني ، أين حراسي ليحمونني ويدافعون عن سيدهم وسلطانهم وحبيبهم ومعبودهم ؟ لا أصدق ! كل ماأعرفه هو أن شعبي .. أقصد رعيتي أقصد عبيدي ومماليكي يموتون حبا بي .. يعشقون الأرض التي أمشي عليها .. يقدسونني ، هكذا كانت التقارير الأمنية تقول ، من المستحيل أن تكذب التقارير الأمنية ، ومدراء الأمن صادقون ، صدقوني : إنهم صادقون ، هم يكذبون على العالم كله إلا أنا .. أنا .. وأنتم تعرفون من أنا ؟ البلد .. بل العالم كله يعرف من أنا ، حتى الحيوانات والنباتات والجمادات تعرف من أنا ، نعم الجمادات .. أنظروا إلى أصنامي .. تماثيلي في كل زاوية وبيت وركن .. انظروا إلى صوري تزين كل شيء ، إنهم يعبدونني .. يعبدون صوري وأصنامي وتماثيلي وتفاصيلي الظاهرة والباطنة .. أنا مقدس .. جملة وتفاصيلا ، وكل مايصدر عني من أقوال وأفعال مقدس .. حتى تلك التي أكرهها أنا نفسي ، الريح التي أخرجها من دبري مقدسة ، بالنسبة لهم ، مع أنني أكرهها جدا ولاأطيقها .. هم يحسون بها عطرا مقدسا ، إنهم يقدسون حركاتي وسكناتي وثيابي وأقربائي وأصدقائي والخدم والبهائم التي أملكها ، ويتمنون لو أنهم ينعمون بمثل ماتنعم به من رغد العيش والكرامة والحب . أنا الملك الذي لاشريك له ، الملك الأوحد زير النساء ، وسيد المملكة والعالم ، لاأدري مالذي حصل ، كل شيء انقلب فجأة ، أرى نفس صعلوكا ، نكرة ، يسوقني الجند ويصفعونني ويهينونني ، ولايسمعون ولايفهمون ماأقوله لهم ، إنهم يضحكون ويقهقهون كلما عرّفتهم بنفسي بأنني الملك : سيدهم ومولاهم ، وبأنني سأعاقبهم على مايقترفونه ضدي .. أليس هذا غريبا ؟ وعجيبا ؟ مايحصل معي أشبه بكابوس ، بالتأكيد أنا أحلم .. أنا لست في الواقع ، أنا .. أنا . . وأفاق الملك على إحدى زوجاته التي كان دورها تلك الليلة عنده ، وهي تلكزه وتجذبه بشدة ، من أجل أن توقظه من كابوسه ، بعد أن أزعجها وأخافها بصراخه وتأوهاته المتألمة .. أفاق الملك مذعورا من تصرف زوجته ، وزوجته تهدئ من روعه وتبسمل وتتعوذ وتمسح جبينه وتدلكه ، فما كان منه إلا أن رفسها وهو ينهق ، وطرحها أرضا ، وهو يصيح بها : " أخرجي .. أخرجي أيتها العاهرة .. " ونهضت مذعورة ومرتبكة تتلمس طريقا للخروج من باب الجناح الملكي ، استوقفها ، سألها عن اسمها ورقمها ، أجابته : - أنا نورهان ، زوجتك رقم تسع وتسعين فاصلة تسعة (99,9 ) - كذابة .. ماهو دليلك على أنك زوجتي ...؟ - أنا أم ابنك نوري رقم .... لا أدري - أنت مجرمة .. متآمرة .. رأيتك مع الجنود - مولاي - كيف دخلت مخدعي أيتها البغي ؟ من سمح لك ؟ سآمر بإعدام الفاعل - مولاي - أنت عفريتة .. جنية .. أو .. أو ... ماذا كنت تفعلين مع الجنود ؟ - أرجوك مولاي - أخرجي .. أخرجي وهمّت بالخروج باكية حائرة فيما يقوله الملك ، وقبل أن تصل الباب .. طلب منها العودة والتعري ، ونفذت رغبته ، وطلب منها أن تستلقي على الأرض على ظهرها ، ففعلت ، ثم بال عليها وهو يقهقه ، وهي تضحك ، ويبدو عليها المرح والفرح وهي تقول : شكرا لك يامولاي ، أنت تباركني ببولك علي ، وسأخبر الناس وأتباهى بأنك فعلتها معي وعلي وباركتني بتلك المكرمة الملكية النادرة ، بولك عطر مقدس ، أرجو أن تسمح لي بأخذ بعضه في قارورة ، لأبرهن للقاصي والداني أنك تعرفني .. عفوا أنني أعرفك ، وأنني زوجتك ، وأنك فعلتها معي كما لم تفعلها من قبل .. . وراح الملك يقهقه ، ثم ثارت ثائرته .. وصاح بالحراس ، فدخل عليه رئيس حرسه الشخصي واسمه " طرخون" وأمره بإحراق المرأة ، متهما إياها بالسحر والشعوذة والتجديف والتآمر على المملكة المصونة . وأخذ الحراس المرأة عارية ، وهي تصيح وتطلب الرحمة والشفقة ، وتصر على أنها بريئة تماما .. وتصر على أنها طاهرة تماما ، وأنها أطهر من دجاجة مشوية ....... وفي الطريق .. كاد الجنود يفترسونها .. لولا أن رئيس الدورية واسمه " قنبر " منعهم وسترها بسترته التي كان يرتديها ، ثم صرف بقية عناصر الدورية : - انصرفوا .. إنها أوامر الملك .. ابحثوا عن حانة ، وتمتعوا بوقتكم وانصرفوا مبتهجين ، ومضى رئيس الدورية بزوجة الملك إلى بيت من بيوته رئيس الحرس الملكي السرية . دخلا . أوصد الباب . كان بانتظارهما " طرخون " ، الذي أمر رئيس الدورية قنبر بالانصراف ، بعد ماناوله المعلوم ، وانصرف قنبر مبتسما مبتهجا ،وخلا طرخون بزوجة الملك ، وتبادلا النظرات والابتسامات ، وطمأنته قائلة : - لم أخبر الملك أن ابني هو ابن حرام - وأنا لم أخبر الملك بأنه مجنون تعانقا .. وأمضيا ليلتهما الحمراء . وفي اليوم التالي كانت نورهان تلهو مع حريم القصر اللواتي حاولن عبثا معرفة ماجرى في تلك الليلة : ليلتها مع الملك . وحينما مرّ الملك بالقرب منهن ، ألقى نظرة شهوانية على نورهان ، وأشار لها بأن تقترب منه ، ففعلت ، فقال لها : - ماسمك يا .... حلوة ؟ فأجابته على الفور : - أنا زوجتك جهينة ، أم ابنك جهمان . وأمرها : اليوم دورك .. أليس كذلك ؟ ابتسمت له وهزت رأسها ، وانحت إجلالا ، وهو يمضي مبتعدا عن المكان ، فيما كان رئيس الحرس يرقب المشهد من وراء أحد العمد ، ويغمزها بطرفه ويبتسم ساخرا .... حدث بتاريخه : عام 2012 للميلا د التوقيع : الراوي المتآمر
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة الأم: سلطة الشعب
-
حتمية انتصار الثورة السورية
-
جحا وساميل : (5) ، حلقة جديدة
-
إضاءة على الحقبة الأسدية
-
الأدب والثورة
-
من قصائد الثورة (10)
-
جحا وساميلا: الحلقة الرابعة :قصص قصيرة مسلسلة
-
قصيدتان : ذاكرة للحب و نجوم الفرح : شعر نثري
-
حيث يوجد الحب
-
أنا ونعيمة والوحش : قصة قصيرة
-
جحا وساميلا (3) : قصة قصيرة
-
اليسار السوري: تاريخ فاشل ودعوة لإعادة البناء
-
من خلف الغربة : شعر نثري
-
تعقيبا على مكارم ابراهيم : حق تقرير المصير ......
-
الأديب باسم عبدو: في
-
جحا وساميلا وزائر الليل : قصة قصيرة (2)
-
جحا وساميلا : قصة قصيرة
-
سأعود إليك : شعر نثري
-
أوكازيون: روسيا تبيع سوريا
-
الإخوان المسلمين وفوبيا الإسلام السياسي في سوريا
المزيد.....
-
أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم
...
-
تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|