أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نبيل جعفر عبد الرضا - مفهوم الدولة الريعية















المزيد.....


مفهوم الدولة الريعية


نبيل جعفر عبد الرضا

الحوار المتمدن-العدد: 3631 - 2012 / 2 / 7 - 21:55
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



يقسم الريع بشكل عام إلى قسمين رئيسين هما:
أ – الريع الطبيعي :وهو الريع الناتج من المصادر الطبيعية المتوفرة في أنحاء مختلفة من العالم ،ومن تلك الموارد الطبيعية الذهب إذ أطلق مصطلح الريع على ما تجنيه اسبانيا من الذهب الأميركي في القرون الوسطى، وكذلك الماس والغابات والمحاصيل الاستوائية و النفط الخام الذي يعد من أهم أنواع الريع الطبيعي في العالم وأكثرها شيوعا.
وعلى هذا الأساس عرف الريع بأنه: مردود ملكية الموارد الطبيعية غير المرتبطة بصنع الإنسان ، و بمعنى آخر هو الريع المتأتي من هبات الطبيعة وبشكل أدق هو الفرق بين السعر السوقي للسلعة أو عوامل إنتاجها وكلفة الفرصة البديلة.

ب-الريع الإستراتيجي :ويقصد به الريع الذي تحصل عليه الدولة التي تتمتع بموقع استراتيجي، نتيجة لاستخدام دول أخرى لهذا الموقع الاستراتيجي ، وتاريخيا يعود مصطلح الريع الاستراتيجي إلى ما تجنيه الدول التي تملك موانئ بحرية أو قنوات مائية حيوية جيو سياسية أو تجارية ، مثل قناة السويس وقناة بنما.
وقد يمثل الريع الذي تحصل عليه الدول التي تمثل حليفا عسكريا أو سياسيا مع دولة أخرى ، كالأردن وقطر ، اللتين تعدان حليفتين عسكريين للولايات المتحدة الأميركية بسبب موقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط . وقد يمثل الريع الاستراتيجي ما تحصل عليه دولة معينة من خلال موقعها بجوار دولة أخرى ذات مجال حيوي للمصالح الاقتصادية والسياسية لدول أخرى وان هذا الموقع يفرض عليها توفير الأمن والاستقرار الاقتصادي والسياسي ، كموقع اليمن مثلا بجانب دول الخليج النفطية فضلاً عن موقعها البحري ونقديا يعني الريع الاستراتيجي الريع الذي يأخذ شكل المعونات والمساعدات التي تصل أحيانا إلى نصف الميزانية لبعض الدول الفقيرة ، و يأخذ الريع الاستراتيجي شكلاً آخر من أشكال الدعم،كالدعم اللوجستي والمعلوماتي والذي يحافظ على إبقاء النظام واستمراره. و قد يأخذ الريع شكلاً آخر يعرف بالريع العقاري وهو الريع المتأتي من تأجير العقار التابع للأفراد أو الدولة إلى طرف فردي أو حكومي ، و تطرق الاقتصاد الإسلامي إلى مفهوم الريع فعرفه بأنه الثمن الذي يحصل عليه مالك الأرض لقاء مساهمة أرضه في العملية الإنتاجية ويكون هذا الريع إيجارا نقديا أو إيجاراً عينيا ،محدداً بنسبة معينة من الربح أو الإنتاج ، وقد يكون الريع في نظر الإسلام هو الثمن المدفوع لشخص معين لقاء استخدام الأشجار التابعة له من قبل شخص آخر على أن يتعهد الشخص الثاني برعايتها والحفاظ عليها . في حين عرف الاقتصاد الوضعي الريع على انه مقدار النقود التي تدفع لقاء استعمال الشيء مدة زمنية معينة،وهذا الشيء قد يكون أرضا زراعية أو أرضا خالية أو مباني أو مساكن أو مخازن أو آلات ومعدات.2 أما الطبيعـيون فقد بيـنوا إن الريع يأتي عن طريق الزراعة فقط بوصفها الحرفة المنتجة الوحيدة وباقي الأنشطة الاقتصادية عقيمة لا تولد ريعا، إذ بينوا إن ما يســتهلكه الفـلاح من غذاء ومستلزمات زراعية كالبذور مثلاً يقل عما تنتجه الأرض من ناتج وهذا الفرق بينها هو الريع، أما الأنشطة الاقتصادية الأخرى كالصناعة والتجارة فإنها غير منتجه لأن عملها يقتصر على التجديد و التبادل وبهذا عدوا الريع هو هبة الطبيعة .
ذهب الكلاسيك وفي مقدمتهم آدم سميث إلى وجهة نظر أخرى لتفسير الريع إذ بينوا إن الريع هو منتج للعمل وليس هبة الطبيعة أي أن الريع هو القيمة التي يضيفها العامل إلى المواد . و عد الريع عنصراً من العناصر التي يتكون منها ثمن السلعة شانه شان الربح والأجر . أما ديفيد ريكاردو فقد اعتقد أن الريع هو الفائض الذي يستولي عليه الرأسمالي إذا كان مقدار العمل الذي يشتريه أكبر من مقدار العمل المتجسد بالأجور المدفوعة للعامل ،كما بين ريكاردو في نظريته الموسومة بـ ( الريع التفاضلي ) إن الريع الذي يحصل عليه مالك الأرض يزداد بزيادة خصوبتها وموقعها الأفضل من السوق ، اذ بين حالات لا وجود للريع فيها وذلك عندما تكون كلفة إنتاج المنتج الزراعي مسأوية إلى ثمن ذلك المنتج بالسوق ويحدث ذلك في أسوأ الأرضي التي اسماها الأرض (الحدية) ، و بناءً على ذلك عرف ريكاردو الريع بأنه ذلك الجزء من ناتج الأرض التي يدفع لمالكها مقابل استخدام قواها الطبيعية التي لا تفنى ، و هو بذلك ميز بين الريع الاقتصادي والريع الاعتيادي الذي يشمل الفائدة على رأس المال المستثمر في الأرض لأغراض تحسينها ، إذن الفوارق الطبيعية في الكفاءة الإنتاجية المستخدمة بالإنتاج لها الدور الأساسي في تحديد مستويات الريع ، و بين ريكاردو أن الريع يختلف عن الأجر و الربح كون الريع لا يدخل في تحديد الثمن إطلاقا فهو ليس سببا له بل نتيجة مترتبة عليه في حين يدخل الأجر و الربح في تحديد الثمن. في حين أن كارل ماركس بين أن الريع ينشأ – على وفق نظريته (الاحتكار) - من الثمن الاحتكاري للمنتجات الزراعية حيث إن العرض دائما أقل من الطلب عليها .وذلك بسبب انخفاض خصوبة الأرض باستمرار ، و أنه يرفض أن يكون الريع هو فائدة على رأس المال المستثمر في تحسين الأرض لأنها لم تفسر ريع الأرض التي لم يستثمر بها رأسمال ، حيث بين أن الريع هو واحد في الزراعة والصناعة والتجارة مستنداً بذلك إلى أن النقود كسلعة تنحصر قيمتها الاستعمالية بقدرتها على تحقيق قيمة تبادلية في حين أنها سوف تعود للمقرض وهي محققة لزيادة ، فالنقود تقرض كرأس مال شأنها شأن السلع المعروفة بقوة العمل . أما كينز فقد عرف الريع على انه العائد الصافي الذي يحصل عليه الرأسمالي نتيجة استثماره لرأسماله من خلال سلسلة من العوائد الصافية المتوقع الحصول عليها وعلاقته بكلفة الإنتاج للوحدة المنتجة1.وان حجم هذا المال المستثمر يزيد بزيادة مقداره نتيجة لانخفاض تكاليف الإنتاج (حسب قانون تناقص الغلة).
عرف الريع الخارجي أيضاً بأنه: ((الريع الذي يتم دفعه من أفراد أو شركات أو حكومات أجنبية إلى أفراد أو شركات أو حكومات البلد المعني )) وبهذا يمكن القول إن الريع الخارجي هو الدخل المتأتي من الخارج ومن عملية غير إنتاجية بالمعنى الحقيقي للإنتاج . وبناء على ذلك يمكن عد رسوم قناة السويس وكذلك رسوم بناء واستخدام أنابيب النفط المارة في أراضي بلد معين ، والعائدات الناجمة عن نفقات السياحة الخارجية الوافدة إلى البلدان كافة ، وتحويلات الأيدي العاملة في الدول النفطية إلى الدول غير النفطية كافة ، وأيضا العائدات النفطية التي تحصل عليها الدول النفطية ( المصدرة للنفط) ريعا خارجيا .في الحقيقة إن ما يهمنا هو الريع النفطي لأهميته للاقتصاد والمجتمع العراقي بشكل خاص و الدول النفطية بشكل عام. و يعرف الريع النفطي بأنه : الفرق بين التكلفة الكلية (استكشاف و إنتاج و خزن ونقل وتكرير وتسويق) و سعر المنتجات المكررة في أسواق المستهلك النهائي ، بعد طرح تكاليف وأرباح الشركات الوسيطة بين الدول المصدرة للنفط ، ومعبراً عن نصيبها بالفرق بين تكلفة الإنتاج وسعر النفط الخام ، وحكومات الدول المستوردة معبراً عنه بما تحصل عليه في صورة ضرائب تفرضها على المنتجات النفطية .
وهنا تجدر الإشارة إلى كيفية توزيع الريع النفطي بين الدول المصدرة والدول المستوردة للنفط فالعلاقة تكون طردية بين أسعار النفط الخام والريع الذي تحصل عليه الدول المصدرة له ، فإذا ارتفع سعر النفط الخام زاد تبعا له الريع الذي تجنيه الدول المنتجة للنفط الخام ، وفي حالة انخفاض سعر النفط الخام ينخفض مقدار الريع الذي تحصل عليه تلك الدول . وبالمقابل فان العلاقة ستكون عكسية بين سعر النفط الخام ومقدار الريع الذي تحصل عليه الدول المستوردة( المستهلكة)للنفط الخام ، فإذا ارتفع سعر النفط الخام انخفض مقدار الريع الذي تحصل عليه تلك الدول ،أما إذا انخفض سعر النفط الخام زاد مقدار الريع المتأتي من النفط المستورد ، و تكتسب الدول المصدرة للنفط الشرعية في حصولها على الريع النفطي من كون النفط الخام هو مورد طبيعي ناضب وان ما تحصل عليه هذه الدول من ريع يعوضها جزئيا عن نضوب هذه الثروة الطبيعية ويمكن عده ثمنا له.
أما بالنسبة للدول المستوردة للنفط الخام فتحصل على الريع النفطي من خلال فرض الرسوم الجمركية على المنتجات النفطية المكررة ،مما يتيح لها التمييز بين مستويات الضريبة المختلفة المفروضة على المنتجات المكررة.
إذن يمكن القول إن توزيع الريع النفطي يختلف بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للنفط الخام إذ كلما زادت حصة الدول المصدرة انخفضت حصة الدول المستوردة من ذلك الريع ،والعكس صحيح ، وقد أدى ارتفاع أسعار النفط في عقد السبعينات مثلا إلى ارتفاع مقدار الريع الذي حصلت عليه الدول المصدرة ، وذلك يعزى إلى عدم التناسق بين كلفة إنتاج (استخراج ونقل وتسويق ) وسعر البيع للنفط . علما ان الفرق ليس بسبب زيادة الاستثمار أو تحسين الكفاءة بل السبب هو الموقع الاستراتيجي لمصادر النفط وزيادة الطلب عليه عالميا. وعلى خلاف ما ذهب إليه ابن خلدون في أن الدخل من الموارد الطبيعية يجعل الدول تتمتع بمرونة في العمل تفوق إلى حد بعيد ما تحصل عليه الدول الأخرى من مرونة في دخلها والناتجة عن الضرائب أو العملية الإنتاجية ، إذ يلاحظ إن الريع في الدول غير النفطية ضئيل جدا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلا انه يشكل جزءا كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان النفطية . وهناك نوع آخر من أنواع الريع وهو( الريع الداخلي ) الذي له دور مهم وان كان اقل في تكوين الريع ويمكن تعريفه على انه :الريع الذي تحصل عليه الفئات المقربة من السـلطة الحاكمـة مـقابل تقديـم الولاء للحـاكم ، أي المـبالغ أو المـنافع المـدفوعة لفئة معينه بهدف إرضائهم وكسب ولائهم لديمومة السلطة الحاكمة واستمرارها ،ولهذا أطلق عليها ( تجارة النقود ) بين السلطة الحاكمة والمقربين منها ، وفي الحقيقة ان هذه الفئات لا تسهم بشكل فعال في العملية الإنتاجية وان ما يحصلون عليه من ريع يفوق حصتهم المشروعة ،وقد يأخذ الريع الداخلي شكل النفقات العامة لكسب رضا المواطنين، و يأخذ أشكالاً أخرى كإعطاء امتيازات معينة لفئة دون أخرى مثل إعطاء تصاريح المرور الجمركية والإعفاءات الضريبية وغيرها.وتعد أيضا الاحتكارات الداخلية شكلا آخر للريع الداخلي فضلاً عن المضاربة – لان العائد الحاصل من هذه العملية غير متأتي من جهد أو إنتاج حقيقي . وبناء على ما سبق يمكن القول إن الريع هو : المبالغ أو المنافع التي تتلقاها الدولة أو الفرد خارج العملية الإنتاجية الحقيقية ، و بعبارة أدق هي المنافع التي تفوق الجهد العضلي أو الفكري المبذول فيها ، و بهذا تعد الإيرادات النفطية الصافية ريعا خارجيا

ثانيا : مفهوم الدولة الريعية:

تعرف الدولة بصورة عامة على أنها ( السلطة المتبلورة على رقعة محدودة من الأرض وتأكيد سيادتها اتجاه السلطات المركزية المجأورة مما يفتح المجال لقيام كيان سياسي مستقل وقائم بذاته يضم :الشعب ،الأرض ،الإدارة المركزية في منظومة واحدة).وبناء على هذا التعريف فان الدولة تتكون من العناصر التالية.:
1- الأرض 2- الشعب 3- السلطة المركزية والمتمثلة بالسيادة الوطنية.
حيث إن الأرض محددة ضمن تطور تاريخي وتنظيم سياسي وتضم مجموعة من الناس يدينون لهذه الأرض والسلطة الحاكمة بولائهم، في حين أن السلطة الحاكمة تعمل على تنظيم العلاقات بين العناصر المختلفة للدولة . و بمعنى آخر إن الدولة هي كيان سياسي وإطار تنظيمي يوحد المجتمع ويصدر القوانين المنظمة ويؤمن السلم والدفاع الخارجي والأمن الداخلي. و هنا لا بد من الإشارة إلى أن النظم الاقتصادية والدساتيرالسياسـية

تتغير بمرور الزمن وذلك طبقا لما ينسجم مع الظروف القائمة و أحيانا المصلحة العامة .وعليه يمكن القول ان الدولة تقسم إلى قسمين رئيسين هما :
1 - النظم الإدارية البحتة وهي المجالس النيابية و الوزارات و المصالح العامة كوزارة
التعليم و الصحة ... الخ .
2- القطاع العام الذي يتكون من قطاع الاعمال العام و يضم الشركات القابضه و التابعه للأحكام النافذه و الشركات العامه الأخرى . و تجدر الاشاره إلى ما تطرق إليه أرسطو في كتابه(السياسة) إذ بين إن الأنماط المتعاقبة والمختلفة في المجال السياسي لكل منها نظام اقتصادي مختلف فذكر النظام الأوتوقراطي الملكي والنظام الاليغارشي والنظام الديمقراطي . وقد أثنى عليه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة إذ قال((ان أساس نشوء الدولة من تعصب وانغلاق ثم استقرار ثم انفتاح ثم انحلال)) 2 في حين ماركس يرى إن الدولة والمجتمع شيء واحد أي إن الدولة هي تعبير سياسي لسيطرة طبقة اجتماعية معينة.أما المفهوم الحديث للدولة فهو إن الدولة مفهوم مجرد – غير شخصي – يضم أطياف المجتمع كافة وتعد الانتخابات هي الصلة بين المجتمع والدولة و ان كانت الدولة ترتفع فوق المجتمع على أساس القانون المتصف بالشرعية والعقلانية والمركزية وتوزيع الاختصاصات .
لقد تطرق العديد من الباحثين الاقتصاديين وعلى رأسهم الاقتصادي الإيراني حسين مهدأوي إلى الدولة الريعية ،إذ بين إن الدولة الريعية تعني الدولة التي تتلقى موارد كبيرة من الريع الخارجي بشكل منتظم ،وهذا يعني إن الدولة الريعية تستلم دخلها من مصادر خارجية وهي بدورها تقوم بإنفاقه على مواطنيها من خلال توفير الخدمات الأمنية والإدارية وتامين الوظائف من أنشطتها الاقتصادية المختلفة ،فهي تقوم بالدفع لمواطنيها بدلا من استحصال الضرائب منهم ، مقابل كسب ولائهم وبالتالي تضمن استمرارها بالسلطة دون منازع ، وبعبارة أخرى إن الدولة الريعية تعقد اتفاقا مع مواطنيها فهي تؤمن الوظائف لهم وتقدم الخدمات العامة مقابل تقديم الولاء للسلطة الحاكمة مما يتيح المجال للأخيره لتتصرف كما تشاء .وهذا ما أكده بعض الاقتصاديين بما أسموه (شراء الشرعية) من خلال عدد من الأمثلة كالعطاءات المالية بمختلف أنواعها من تقديم مبالغ مالية بصورة مباشرة أو غير مباشرة كإقدام الدولة على شراء الأراضي من الأفراد بأسعار عالية ،وكذلك تقديم الخدمات المختلفة مثل الصحة والتعليم والنقل والكهرباء ...الخ بصورة شبه مجانية وتوفير القروض المالية والدعم والتسهيلات لإنجاح الأنشطة الاقتصادية الشخصية
.
وقد بين اقتصاديون آخرون إن الدولة الريعية هي الدولة التي تعتمد على الريع الخارجي في تحقيق دخلها فهي لا تقوم باستخراجه من مواطنيها ،ويكون دور الدولة دوراً توزيعياً أي تقوم بإعادة توزيع ذلك الريع الخارجي بالشكل الذي تراه يتناسب ومصلحتها السياسية ويضمن ديمومتها ،فلا حاجة لتطوير أي نظام إنتاجي أو مؤسسي داخلي أو تنويع مصادر الدخل الأخرى مثل الضرائب فالدخل يتراكم من مصادر طبيعية وما على الدولة إلا إعادة توزيعه وتدويره ، و هذا ما نراه على العكس في الدول غير النفطية التي تسعى إلى توسيع مصادر الدخل من خلال تطوير المؤسسات و الأنظمة الإنتاجية فيها وتنويعها وفرض ضرائب متنوعة .
إن الدولة غالباً لا تنعت بالريعية إلا إذا أصبحت دولة رفاه تقدم الخدمات للمواطنين بلا مقابل وان المواطنين يعتمدون على هذه الخدمات بشكل أساسي وهذا الاعتماد الكبير يؤثر سلباً على الاقتصاد والمجتمع من خلال انخفاض إنتاجية المجتمع. أي إن الدولة الريعية هي دوله تعتاش على دخل غير مكتسب بالعمل أو التي تمول ماليا بأقل جهد سياسي وتنظيمي في علاقتها مع الأفراد. و تجدر الإشارة إلى أن الدول المتقدمة تعتمد على الدول الريعية في الحصول على المواد الخام (لاسيما النفط) وتعدها سوقاً لتصريف سلعها المصنعة ، و بالمقابل فان الدولة الريعية تعمل على ذلك لحاجتها المستمرة في الحصول على دخل متزايد لمواجهة التزاماتها المالية وتحقيق الازدهار الاقتصادي . إن الدولة الريعية دولة تعتمد في نشاطها الاقتصادي على مورد طبيعي أحادي الجانب لتوليد الدخل وهذا النشاط غالبا ما يكون خارج العملية الإنتاجية الحقيقية .
و إن الاعتماد على مصدر الدخل الخارجي يجـعل اقتصـادها عرضـة للتـقلبات في الأسواق الخارجية فمثلا اعتماد الدول النفطية على عائدات النفط وهي بالدولار الأمريكي والذي تتحدد قيمته في الخارج فان أي تذبذب في سعره سيؤدي إلى تذبذب العوائد النفطية.
إن امتلاك الدولة لمورد طبيعي ذي عوائد كبيره قد يدفعها إلى الاستبداد والدكتاتورية .معتمدا ذلك على كيفية إدارة الدولة لهذه العوائد ، فقد يفضي ذلك إلى قيام اقتصادات مشوهة مبنية على الإسراف بالاستهلاك وضعف القاعدة الإنتاجية بسبب اعتمادها على هذه الموارد الطبيعية وكذلك يسودها نوع من الغموض وغياب الشفافية فيما يتعلق بالإيرادات الخارجية ، وليس بها مقياس للكفاءة، وهي بذلك تصبح دولة دكتاتورية وبعيدة عن معايير الديمقراطية. فالدولة الريعية تضمن بقاءها واستمرارها عن طريق جمع الريع المتأتي من الخارج ومن ثم إعادة توزيعه وهذا يتطلب جهازاً أمنياً وقوة عسكرية قادرة على حماية مصادر الريع والسلطة الحاكمة من جهة وإعادة توزيع ذلك الريع من جهة أخرى .إن الدولة الريعية تعتمد على مقدار الريع المتحصل والعمر الإنتاجي له وهذا يجعل الدولة مقيدة به فقد ينتهي الولاء الذي تشتريه الدولة من المواطنين بنهاية ذلك الريع ونضوبه ذلك لان الولاء المبني على المقايضة لا بد أن يخلق بيئة ينتشر فيها الفساد بشتى أنواعه المالي والإداري والاقتصادي 3. إن سهولة الحصول على الإيرادات يؤدي إلى إنفاقها بإفراط في مشاريع غير إنتاجية تزيد من تشوهات الاقتصاد وانحرافه بعيدا عن تحقيق تطور اقتصادي حقيقي مبني على تطوير المشاريع الإنتاجية للبلد وهذا يدل على تخلف السلطة الحاكمة التي تسعى لتحقيق تفضيلاتها السياسية على حساب النمو الاقتصادي الحقيقي ،وهنا تتبنى السلطة الريعية(التسلط الأبوي) الذي يقود إلى نشوء التفأوت الطبقي والتكتل القبلي وأحيانا يصل إلى التفكك الاجتماعي وضعف ولاء فئات دون أخرى وبمستويات مختلفة ، كما هي الحال في الدول النفطية التي تعمل على توسيع الإنفاق العام دون فرض ضرائب على مواطنيها من خلال توفير الخدمات الاجتماعية وفرص العمل للراغبين فيه، وان كان هذا التوســع بالإنفاق علـى حسـاب القطاعات الإنتاجية فبدلا من توجيه هذه الإيرادات لتطوير مشاريع إنتاجية تذهب إلى أغراض استهلاكية .
وهنا يمكن القول إن الدولة الريعية يكون لها الدور الأكبر في إدارة تلك العوائد النفطية وإعادة توزيعها متحكمة بذلك إلى حد بعيد بالحياة الاجتماعية والسياسية للبلد ،فالدولة الريعية لا تسمى ريعية بسبب اعتمادها على ريع النفط فقط بل لانها هي المسيطرة على عملية بيع النفط وإنفاق ريوعه وحدها.وذلك من خلال احتكارها لتلك العوائد النفطية وبالتالي تراكم رأس المال لديها على أن يكون إنفاقه بمرونة تمكنها من تحقيق الرفاهية من دون قيود السوق الحر .
إذن النفط هو المصدر الرئيس للثروة في البلدان النفطية والمحور الأساسي للأنشطة الاقتصادية فيها والذي تعتمد عليه الغالبية العظمى من السكان ، و هذا يؤدي إلى تدني المستوى الإنتاجي لتلك الشعوب بسبب هيمنة الدولة على العوائد النفطية مما يجعلها المنفق العام , و نظرا لتخلف السلطة الحاكمة وعدم مراعاة أوجه الإنفاق الاقتصادي ومحأولة تدوير هذه العوائد بما يخدم مصالحها واستمرارها من خلال إعطاء انطباع بالرفاهية والازدهار الاقتصادي ،وكل هذا على حساب بناء قاعدة إنتاجية حقيقية أو إحداث أي تقدم إنتاجي ،ذلك بسبب تراكم الفوائض المالية المتأتية من الخارج وهذا يترتب عليه نتائج عكسية تعوق تقدم النظام الاقتصادي وتطوره إذ أن التطور والرخاء والازدهار المتحقق ليس دليلا على كفاءة الأداء الاقتصادي ومدى تطوره ،بل على العكس من ذلك فانه يعوق التنمية ويخدر الناس من خلال اكتفائهم باقتسام المنافع التي تقدمها الدولة والمتأتية من الريع النفطي ، و إن ضعف القاعدة الإنتاجية و ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي في الدول الريعية يشجع على زيادة الاستيراد من السلع والخدمات بدلا من إنتاجها محلياً .
وبناءً على ما سبق فإن الدولة المصدرة للنفط الخام هي دولة ريعية وذلك لاعتماد اقتصادها على إيرادات النفط وهي إيرادات متأتية من الخارج ومن مصدر طبيعي أحادي الجانب، وتستخدم هذه الإيرادات في تمويل الموازنات والمشاريع المختلفة، وبالمقابل فان الأنشطة الاقتصادية الأخرى تكون مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وتمويل الموازنات العامة للدولة ضئيلة .



#نبيل_جعفر_عبد_الرضا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منظمات الأعمال في البصرة :
- الآثار الاقتصادية لتحرير التجارة الخارجية في العراق
- إستراتيجية مقترحة لمعالجة الفساد في الاقتصاد العراقي
- مناخ الاستثمار النفطي
- بيئة الاعمال في البصرة
- مخاطر الاستمرار بتثبيت الدينار العراقي
- التجارة في البصرة
- القدرات التصديرية المستقبلية للغاز الطبيعي في العراق
- البصرة تعوم على اكبر بحيرة نفط في العالم
- الأهمية النفطية لبحر قزوين
- نحو إستراتيجية جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى العراق
- المنافذ الحدودية في البصرة
- دور هيئات الاستثمار في جذب الاستثمار المحلي والأجنبي
- الآثار السلبية للاغراق التجاري على الصناعة في العراق
- الموازنة الاتحادية في العراق لعام 2012
- آليات التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية


المزيد.....




- “حتتوظف انهاردة” وظائف شاغرة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك ل ...
- أردوغان في أربيل.. النفط وقضايا أخرى
- اضطرابات الطيران في إسرائيل تؤجّل التعافي وتؤثر على خطط -عيد ...
- أغذية الإماراتية توافق على توزيع أرباح نقدية.. بهذه القيمة
- النفط يصعد 1% مع هبوط الدولار وتحول التركيز لبيانات اقتصادية ...
- بنك UBS السويسري يحصل على موافقة لتأسيس فرع له في السعودية
- بعد 200 يوم من العدوان على غزة الإحتلال يتكبد خسائر اقتصادية ...
- الولايات المتحدة تعتزم مواصلة فرض العقوبات على مشاريع الطاقة ...
- تباين في أداء أسواق المنطقة.. وبورصة قطر باللون الأخضر
- نشاط الأعمال الأميركي عند أدنى مستوى في 4 أشهر خلال أبريل


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نبيل جعفر عبد الرضا - مفهوم الدولة الريعية