أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - كان ياما كان، بلد جوات دكان














المزيد.....

كان ياما كان، بلد جوات دكان


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3631 - 2012 / 2 / 7 - 20:24
المحور: الادب والفن
    


البلدُ لم يكُنْ حقيقةً داخلَ الدكّان، ولا الدكانُ نفسه كان موجوداً، بل هي متطلبات الحكاية، فيحق لي أن أفعل ما أشاء بحكايتي، فأنا خالقها، وأذهب بأحداثها حيث شئت، ولا يحق لأحد أن يعترض، فمن لم تعجبه الحكاية فليبحث عن بلد آخر أو عن دكان أخرى أو عن كاتب آخر وحكاية أخرى.

تقول الحكاية إن هذا الدكان كان صغيراً، لدرجة أنه لم يكن يكفي البائع إلا أن يقف فيه بقدم واحدة، بينما القدم الأخرى على الرصيف، ورغم صغره، إلا أن ذكاء البائع وحاجته، جعلته يستغل المكان عمودياً، فألَّفَ رفوفاً ثلاثة تحيط به من جنبيه ومن ورائه، بينما ترك المساحة المواجهة للشارع فارغة كي يستطيع الناس رؤية بضاعته، فماذا كان يبيع في دكانه الذي أخذ اسم دكان مجازاً؟

في الحقيقة إن هذا الدكان هو الوحيد على الكرة الأرضية الذي يبيع بلاداً، ودعونا نُدخِلُ عنصراً قَدَرياً في الحكاية كأن نقول إن ملاكاً أعطى هذا الدكان لهذا الرجل بشرط أن لا يغادره إلا عندما يبيع كل البضاعة الموجودة فيه، وفي حالة مغادرته للدكان قبل أن تنفد البضاعة فإن الرجل سيخسر كل شيء، وطبعاً أنتم تعرفون أنه لا يمكن المزح مع الملائكة التي تأتي في الحكايات، وإلا لفسدت كل الحكايات وأصبحت بلا معنى.

راح الرجل يبيع البلدان، ويوماً بعد يوم كانت الرفوف تفرغ، فالجميل في الأمر أن كل بلد من بضاعته لا يوجد منه سوى قطعة واحدة، بمعنى أنك لو اشتريت بلداً منه، فلن تجد بلداً أخرى مع أي شخص آخر، لذا فإن البضاعة كانت مميزة، وفريدة.

مرّت عليه أنواع كثيرة من البشر، منهم من يطلب بلاداً باردة، ومنهم من يطلب بلاداً صغيرة، وبعضهم كان يحب البلاد التي تكثر فيها الجبال، وبعضهم كان يشتري البلد في علبة مغلقة فيفاجأ في البيت بأن البلد مليء بالصحاري والرمال والجفاف، لكن كما تعرفون أيضاً، فإن البلاد التي تشترى لا تُردُّ ولا تستبدل، لذا فقد كان الأذكياء يدققون في مواصفات البلد قبل أن يشتروه، لأنهم يعرفون أنهم لن يشتروا كل يوم بلداً، إنما هي مرة واحدة تشتري بلداً وينتهي الأمر إلى الأبد.

المهم، دعونا نعود إلى الحكاية، فبعد أن نفقت كل البضاعة إلا صندوقاً واحداً صغيراً، أحس البائع بأنه صار غنياً، وأن هذا الصندوق سيباع قريباً وسيتحرر من شرط الملاك، ويعيش حياته كملك عظيم، لكن الرياح لم تجرِ بما تشتهي سفنه، فأخذت الأيام تمضي وتمضي دون أن يقترب أحد من البائع، وكأن كل الناس اشترت بلاداً فلم يعد أحد بحاجة إلى بلد، فصار البائع ينفق من مكاسبه من بيع البلدان الأخرى في عمل الدعاية للبلد الذي تصور أنه سيبيعه سريعاً، لكن حتى هذه الدعاية لم توفق في بيع هذا البلد الذي تبقى وحيداً وحزيناً على الرف بعد أن غادرت البلدان الأخرى.

خطرت للبائع المسكين فكرة، فلماذا لا يتفق مع بعض الناس وييبعهم هذا البلد بسعر رخيص، فقد مل الوقوف ويريد أن يستمتع بالمال الذي جمعه من بيع البلدان، وحدث هذا بالفعل، وتم بيع البلد الأخير لثلاثة جهات، ولم يعد يعنيه من هم أو كيف سيقتسمون البلد، المهم أنه انتهى من الأمر وحقق شرط الملاك الذي وهبه الدكان، فلملم المال الذي باع به البلدان، وقرر أن يخطو خطوته الأولى نحو عالم السعادة.

من الواضح أن البائع كان غبياً إلى درجة لا تصدق، فقد أعطاه الملاك فرصةً حين تم تأخير بيع البلد الأخير، كي يشتريه هو نفسه، لكنه لم يفطن للأمر، ولم يدرك في حينها أنه الوحيد الذي بقي بلا بلد، لكنه عرف الحقيقة المؤلمة بمجرد أن خطا نصف خطوة خارج دكانه، حين فاجأه حارس بسلاح ضخم: لو سمحت، غير مسموح لك بأن تدخل بلدنا، وهنا انتبه الرجل صاحب الدكان للأمر...

لقد باع كل البلاد وبالتالي فهو غير مسموح له بدخول أي بلد، يا الله ما أشد غبائي، لماذا لم أشترِ البلد الأخير، لكن هذا لم يعد يجدي، فالبائع لم يعد لديه غير الدكان الذي لا يكفي إلا لقدم واحدة، ومبلغ كبير من المال، وما زال من يومها إلى الآن يقف الوقفة نفسها، ويعضّ أصابعه ندماً على الفرصة التي ضيعها بشراء البلد الأخير، وما زال واقفاً على قدم واحدة بعد أن اتخذ الحارس قراراً بعدم جواز وضع قدمه الأخرى في بلد آخر.

السابع من شباط 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [ريتّا] وزجاجةُ الفَرَحْ قصة للأطفال
- قال لي
- قطعةُ حلوى في آخرِ الحكايةِ
- خائفة من الحرب
- رَغَد في الغابة المجنونة قصة للأطفال
- تحتَ نافذةٍ مُغلقةْ
- إذا كان الشعب الفلسطيني مُختَرَعَاً... فمن أنا؟
- ليس هذه المرة قصة قصيرة
- قالت البنت الحزينة قصة قصيرة
- الثورات العربية، ماذا بعد رحيل الأنظمة؟
- حين يكونُ الفنُّ محرِّضاً فاعلاً
- رأيت ولم أكن هناك
- غزة، المكان الغلطْ في الزمان الغلط
- قُرُنْفُلةٌ بيضاءْ قصة قصيرة
- ما الحبُّ؟
- كلامُ الغريبْ... كلامٌ للغريب
- إنتَظِرِيْنا قصة قصيرة
- سمَّيتُها بلادي ونمتُ
- فِتْنَةُ الرّاوِي الّذي عاشَ أكْثَرَ ممّا يجِبْ
- كبلادٍ مهزومةٍ وجميلةْ


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - كان ياما كان، بلد جوات دكان