أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن عجمي - العلاج الثقافي : السوبر ثوار في مواجهة السوبر إضطهاد















المزيد.....

العلاج الثقافي : السوبر ثوار في مواجهة السوبر إضطهاد


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 3631 - 2012 / 2 / 7 - 08:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشهد اليوم واقعاً جديداً يستدعي مفاهيم و مناهج مبتكرة من أجل تحليله و تفسيره. من هنا , نستحضر مفهومي السوبر ثورة و السوبر إضطهاد في محاولة الكشف عما نحتاج لتنجح ثوراتنا العربية و لفهم الأمراض الثقافية التي تجعل العديد من المثقفين مؤيدين لهذا الطاغية أو ذاك.

الثورة هي عملية تغيير الواقع المحيط بالفرد بينما السوبر ثورة هي عملية تغيير الفرد نفسه. فالثورة ثورة على مَن حولنا , لكن السوبر ثورة هي ثورة على أنفسنا. لا تكتمل الثورة ولا تتحقق سوى بالسوبر ثورة لأن مَن لا يثور على ذاته و معتقداته و أفعاله بهدف تغييرها و استبدالها بما هو أفضل لا ينجح في الثورة على الآخرين أو على الواقع المفروض. فمن الممكن إزالة هذا الطاغية أو ذاك. لكن إذا لم نغيّر نظامنا الاجتماعي و الفكري سيبقى نظام الطاغية حياً في عقولنا و تصرفنا و سيتم بذلك استبدال طاغية بآخر. لذا الثورة كامنة في الثورة على ذواتنا و أفكارنا و أفعالنا. هذا النموذج الفكري يفسِّر لماذا شهد تاريخ العرب ثورات متتالية استبدلت طاغية بآخر و لم تنجح كثورات حقيقية. فثمة ثورة كاذبة تؤدي إلى إعادة صياغة الواقع الاستبدادي , وثمة ثورة صادقة تضمن بناء واقع جديد يتصف بالحرية و احترام حقوق الإنسان. تاريخنا المعاصر شهد ثورات عدة , لكنها لم تتمكن من تحقيق أي حرية أو تقدم لأنها لم تصطحب معها سوبر ثورات فعلية قادرة على تغيير الفرد و تصرفاته و معتقداته. فالنظام الديكتاتوري لا يتمثل فقط في هذا الشخص أو تلك المجموعة من الأفراد , بل يتجسد أيضاً في معتقدات و تصرفات معينة تتميز بالقمع و العنف. من هنا , لا بد من أن نثور على أنفسنا و استبدالها بذوات تمتلك نظاماً فكرياً ديموقراطياً كي نحقق الديموقراطية بالفعل. هكذا نحتاج إلى سوبر ثورة تنسف نظام أفعالنا و معتقداتنا لكونها قمعية في الأساس. السوبر ثورة ثورة على الذات. مَن لا يستطيع أن يثور على ذاته لا يستطيع أن يثور على الآخرين.

من جهة أخرى , الاضطهاد هو إلغاء الحقوق الإنسانية للفرد كحق أن يكون الفرد حراً في التصرف و التعبير. لكن السوبر إضطهاد هو تحويل الشخص إلى شخص آخر. و بذلك يكمن السوبر إضطهاد في الآليات الاجتماعية و الاقتصادية التي تفرض على الفرد أن يصبح فرداً آخر كأن يعتقد بمعتقدات معينة هي في الحقيقة ليست معتقداته. الإنسان الذي يعاني من السوبر إضطهاد تم إجباره بشكل واع ٍ أو غير واع ٍ باتخاذ هوية ليست له. هذا الفرد مقتنع بأن هذه حقاً هويته وليست هوية فرد آخر. و هذا لأنه ضحية اضطهاد خفي هو السوبر إضطهاد. لقد عانت الشعوب العربية و الإسلامية من السوبر إضطهاد تماماً كما عانت من إلغاء حقوقها الإنسانية. تتعدد الأمثلة على السوبر إضطهاد المُسيطِر على مجتمعاتنا. فمثلا ً , العديد من العلمانيين العرب تحوّلوا إلى أصوليين متعصبين لمذاهبهم و طوائفهم الدينية فاستبدلوا عقيدة فصل الدولة و الحياة العامة عن الدين بعقيدة دمج الدين في الدولة و الحياة العامة. و هم مقتنعون بعملية استبدال هويتهم لأنهم يعانون من السوبر إضطهاد. فالسوبر إضطهاد مرض إجتماعي أساسه خداع الذات من قبل الذات نفسها. فالإنسان يخدع نفسه فيتحوّل من هوية إلى هوية أخرى نقيضة حين يفقد الدور الذي لا بد أن يتخذه من خلال امتلاك هويته الأصلية. وهذا أمر سيكولوجي طبيعي من أجل إعادة التوازن النفسي للفرد. فمثلا ً , الذي لا يتمكن من ممارسة دوره كعلماني سيضطر إلى اتخاذ أدوار أخرى و إلا سيفقد توازنه النفسي و الاجتماعي. من هنا , يعاني المتحوِّل من هوية إلى أخرى من السوبر إضطهاد. والمشكلة الأساسية هي أن هذا المتحوِّل عن طريق الضغط النفسي و الاجتماعي يخسر القدرة على النظر إلى نفسه على أنها تشكّل ماهية إنسانية , بل ينظر إلى ذاته على أنها مُحدَّدة في هوية معينة هي الهوية الصادقة, و بذلك يرفض الآخرين الذين يملكون هويات أخرى. فلو اعتبر نفسه إنساناً بدلا ً من مالك لهذه الهوية أو تلك , سيخسر دوره المترتب عن هويته المفروضة عليه نفسياً و اجتماعياً. من هنا , تنشأ العنصرية و الطائفية و المذهبية كنتائج لهويات مفروضة بالقوة على الأفراد.


من منطلق هذا النموذج الفكري نستطيع أن نفهم تحوّل العديد من مؤيدي اليسار و العلمانية إلى أصوليين إسلاميين. فبعد أن خسروا أدوارهم اليسارية و العلمانية من الضروري أن يتخذوا أدواراً أخرى كالأدوار التي تحددها الأصولية الدينية. ومن خلال هذا الطرح أيضاً نتمكن من تفسير لماذا العديد من الذين يتبعون أيديولوجيات مؤيدة للديموقراطية و الحرية كالأيديولوجيات القومية المختلفة أصبحوا مدافعين عن الأنظمة الديكتاتورية. فمعظم هؤلاء قد خسروا أدوارهم المرتبطة بعملية بناء مجتمع حر و دولة ديموقراطية ما حتم عليهم اتخاذ أدوار أخرى داعمة لهذا النظام الديكتاتوري العربي أو ذاك (علماً بأن معظم أنظمتنا الديكتاتورية في العالم العربي معادية للأصولية الإسلامية النقيض الرسمي لأيديولوجيات الديموقراطية). كل هؤلاء يعانون من السوبر إضطهاد الذي يدفعهم إلى تحويل ذواتهم إلى ذوات أخرى. من هنا, معظمنا يحتاج إلى علاج ثقافي كي نتحرر من السوبر إضطهاد المهيمن على تصرفاتنا و عقولنا.


بالإضافة إلى ذلك , يتكوّن المجتمع و الفرد من أدوار كدور أن يكون الفرد موظفاً في هذه المؤسسة أو تلك و دوره الذي يتخذه بكونه جزءاً من هذه العائلة أو تلك الطبقة. على هذا الأساس , لا يوجد مجتمع و فرد من دون أدوار معينة. فالفرد مجموعة أدوار تماماً كالمجتمع. لكن مجتمعاتنا العربية المعاصرة تعاني من التفكك و الانهيار , وبذلك الأدوار فيها قد تقلصت. لذا ليس أمام الفرد سوى القبول بالأدوار المتاحة كدور المناصر للطاغية أو للأصولية الدينية. هذا يفسِّر لماذا تحوّل العديد منا إلى أتباع للطاغية أو للأصولية رغم أننا كنا مؤيدين لليسار أو للعلمانية و الديموقراطية. طبعاً , هذا تفسير لواقعنا و ليس تبريراً له. بالنسبة إلى هذا النموذج الفكري , من جراء تقلص الأدوار في مجتمعاتنا المفككة طائفياً و ثقافياً ينمو السوبر إضطهاد كآلية اجتماعية قوية تدفع بالأفراد إلى استبدال ذواتهم بأخرى من خلال تغيير أدوارهم الزائلة بأدوار نقيضة. و ضحايا السوبر إضطهاد مرضى ثقافياً و اجتماعياً. فمثلا ً, العلماني الذي يتحالف مع الأصولية الإسلامية مريض أيديولوجي ويحتاج إلى علاج ثقافي لأن الأصولية نقيض العلمانية. أما دور الثوري الجديد فما زال غير واضح المعالم لأسباب عدة منها أنه لا يوجد قادة لهذه الثورات العربية الحالية و لا أيديولوجيا معينة و لا خطط مستقبلية ترينا كيفية صياغة مجتمعاتنا و دولنا في المستقبل. من هنا , دور الثوري محدود بقلة منا ما يجعل الثائر العربي اليوم سوبر ثوري لم يشهد التاريخ مثيله. فالثورات عبر التاريخ كانت محكومة بقادة و أيديولوجيات. أما ثوراتنا العربية اليوم فخالية منها ما يجعلها سوبر ثورات وما يسمح لها بحرية أكبر في التحرك و تحقيق ثورتها. مَن يثور اليوم في عالمنا العربي هو الذي يحقق أكبر درجة من إنسانيته لأنه يثور على معتقداته السابقة التي كانت ترضى بالواقع القمعي.


لكن ثوراتنا تحتاج إلى سوبر ثورة أي تحتاج إلى قتل معتقداتنا المُسبَقة و خلق معتقدات و ذوات أخرى جديدة يصوغها الثوري العربي الجديد. فالثائر العربي اليوم يقاتل الاضطهاد و السوبر إضطهاد معاً. للسوبر إضطهاد أرضية صلبة هي السوبر تخلف. نحن اليوم سوبر متخلفون لأننا نستخدم العلم و التكنولوجيا من أجل التجهيل و من أجل شن حروب طائفية و مذهبية ضد بعضنا البعض. فبما أننا نحيا في عصر السوبر تخلف العربي و الإسلامي و بذلك نستغل العلوم و الدين و التكنولوجيا كي نطوّر التخلف و ننشر الجهل و العصبية , إذن لا مفر من أن نكون ضحايا السوبر إضطهاد الذي يفرض علينا امتلاك هويات ليست لنا. من هنا , السلاح الأساسي للسوبر إضطهاد هو السوبر تخلف. فمثلا ً, معظم مدارسنا و جامعاتنا تخرِّج طائفيين بدلا ً من أن تخرِّج مثقفين و علماء. و معظم وسائل إعلامنا تبث الطائفية و المذهبية في عقولنا و عقول أطفالنا بدلا ً من أن تنشر الحقائق كما هي و بموضوعية. هكذا أمسينا على أعتاب حقبة السوبر تخلف الفائق بحيث قد لا نتمكن من إنقاذ حضارتنا من الانهيار الكلي. الآن , بما أن السوبر إضطهاد يستمد قوته من سوبر تخلفنا , إذن لا بد من الاعتماد على السوبر حداثة لمحاربة السوبر إضطهاد و السوبر تخلف معاً. علاجنا الثقافي و الاجتماعي يكمن في السوبر حداثة لأنها تعتبر أن اللامحدَّد يحكم العالم و بذلك الهوية الإنسانية غير محدَّدة أصلا ً. فإذا اعتبرنا هويتنا غير مُحدَّدة كما تقول السوبر حداثة , حينها تطالبنا الهوية بتحديدها فنغدو أحراراً في صياغة هويتنا على ضوء ما نرى و ننجح في التحرر من هوياتنا المفروضة علينا من قبل السوبر إضطهاد. فعندما نكون غير محدَّدين نتحرر من ذواتنا المحدَّدة مُسبَقاً. أما المُحدَّد في هويته فسجين ذاته. مَن لا يتحرر من ذاته المُسبَقة و المفروضة عليه لا يتحرر من الطاغية.


السوبر ثوار هم الذين يثورون على أنفسهم بينما السوبر مضطهدون هم سجناء ذواتهم المفروضة عليهم. السوبر ثورة ثورة على الذات بهدف التحرر منها و بناء ذات أخرى معتمدة على إرادة الفرد. لكن السوبر إضطهاد هو فرض ذات مُحدَّدة مُسبَقاً على الفرد. من هنا , المواجهة واقعة لا محالة بين السوبر ثورة و السوبر إضطهاد. مَن سينتصر في النهاية؟ هذا يعتمد على قرارك أنت.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوبر طائفية : تفكيك الحداثة و الأصولية و الإرهاب
- فلسفة السخافة
- التراث بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية
- السوبر علمانية في مواجهة السوبر عقائدية
- السوبر فلسفة: تزاوج الفلسفة والعلوم
- صراع اليقين واللايقين: العلم أساس زوال الديكتاتورية
- هل الحياة والعقل والكون مجرد كومبيوترات؟
- السوبر تخلف
- السوبر حداثة : الحرية و النهضة
- خصخصة الثقافة خصخصة الإنسان


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن عجمي - العلاج الثقافي : السوبر ثوار في مواجهة السوبر إضطهاد