أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد الكريم كامل ابوهات - الازمة الراهنة : وقفة تحليلية امام مشكلات الاقتصاد الامريكي















المزيد.....


الازمة الراهنة : وقفة تحليلية امام مشكلات الاقتصاد الامريكي


عبد الكريم كامل ابوهات

الحوار المتمدن-العدد: 3630 - 2012 / 2 / 6 - 00:12
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


اولا :مقدمات الازمة
في ايلول 2008 تخطت الازمة المالية حدود التوقعات المتفائلة لمراكز البحث والاستقصاء المعلوماتي بعواقبها الخطيرة على اتجاهات النمو في الاقتصاد الامريكي والعالمي, فلوقت قريب من هذا التاريخ وفرت المعلومات والمعطيات لمراكز البحث و للاقتصادين اساسا لتوقع فترات اطول من الازدهار, حتى بدا وكأن زمن الازمات المؤلمة قد انتهى , فما عادت دعاوي تراجع الاداء الاقتصادي في بعض القطاعات كافية لتصور مايمكن ان يحصل للاقتصاد الامريكي مستقبلا, وعندما حلت الازمة أُصيبَ كل من قطاعات الاعمال والمستهلكون بالصدمة القاسية. إن عودة متأنية الى تأريخ الازمات الاقتصادية في الولايات المتحدة واوروبا تقدم لنا تفسيرا للتراجعات والأزمات الاقتصادية ويمثل اساسا لتقدير اتجاهات الية عمل الاقتصاد الرأسمالي عامة بإعتباره اقتصادا ( للربح وللائتمان ) يغُذ الخطى للتحول الى نظام اقتصادي جوهره هيمنة رأس المال النقدي وتقلص حركة السلع والخدمات (تقلص دور الانتاج المادي) بل وهيمنة مطلقة لتدفقات رؤوس الاموال النقدية ومايرافقها من تقلبات باسعار الفائدة بحيث تصبح النافذة الوحيدة التي يرى الاقتصاد الرأسمالي نفسه من خلالها , كما وينظر عبرها الى الاخرين .
كان الاقتصادي الامريكي دروكر Drucker قد اشار الى هذه الظاهرة فأسماها بظاهرة صعود الاقتصاد الرمزيsymbolic economy حيث سمح التقدم التكنلوجي في وسائل الاتصالات والمعلومات وتصاعد وتائر العولمة باوجهها المختلفة بدءا من تسعينات القرن الماضي الى حصول الانفصال في حركتي رأس المال النقدي ورأس المال الحقيقي الذي اذن بتقليص فاعلية الادوات التقليدية في ضبط حركة الاقتصاد وبالتالي تراجع الدور الذي تمثله آليات الاقتصاد الانتاجي في تقرير اتجاهات التطور الاقتصادي على نحو ماكانت قد مرت به الانظمة الرأسمالية قبل هذا . فقد تنامت قيمة رأس المال الرمزي بمعدل قدِّر بأربعة اضعاف معدل الاقتصاد الحقيقي بفعل تضخيم قيمة السندات والاسهم والسلع فيما اصبحت المشتقات المالية financial derivatives المصدر الرئيسي لتوليد موجات متتالية من الاصول المالية بناءاً على اصل Asset واحد , وعلى هذا صار العالم بإزاء صورة لاقتصاد لايعتمد على العمليات الانتاجية بل تقرر مصيره تقلبات اسعار الاسهم والعملات بمعزل عن تاثير الاقتصاد الحقيقي .
من المستحسن هنا ونحن في معرض تشريح دواعي الازمات الحقيقية ان نستذكر ماذهب اليه ملتون فريدمانM.Friedman حول استقرار الطلب على النقود عبر الزمن. وماجاء به اقتصاديون اخرون من ان النقود تقف وراء كل الاحداث غير المريحه في الاقتصاد باعتبارها صلة الوصل بين ماهو حقيقي وماهو مالي . فيما اكد الاقتصادي الامريكي (وحامل جائزة نوبل لعام 2001) جوزيف ستيجلتز Stiglitz J. على الارتباط الوثيق للازمات المالية بالتوسع المفرط في مجال بعينه من الاصول الاقتصادية . وهنا وايا كان الاختلاف في مورد التحليل فإن ثمة سؤال متصل بالاساس الذي تستقر عليه هذه الاشكالية النظرية ؟
لقد اعتقد ماتون فريدمان ان دالة الطلب على النقود اكثر استقرارا في المدى الطويل لكونها تعتمد على عناصر مثل الصحة والتعليم والدخل التي تتصف بالتذبذب القليل مما يجعل النقود اقل تذبذبا ... كما اعتقد ان الاستهلاك ثابت بشكل مؤثر .
المطلوب وفقا لفريدمان الا يكون الاستهلاك دالة مباشرة للدخل (كما قرر كينز في ذلك) بل دالة لما اسماه فريدمان (الدخل الدائمpermanent income ) فالتوقعات السيئة عن دخول الافراد على مدى فترة قصيرة لن تجعلهم يغيرون من نمط استهلاكهم بل سيلجأون الى الادخار, والحال يقتضي في الزمن القصير حيث تسود الاوضاع الجيدة ان يلجأ الافراد الى زيادة ادخاراتهم دون اللجوء الى تغيير تصرفاتهم بإزاء الاستهلاك الا اذا توقعوا تحولا رئيسا في الدخل, وعليه تذهب فرضية فريدمان الى ان الرابطة الحرجة بين الزيادات في عرض النقود والانفاق الكلي المرغوب تتمثل في اصرار الافراد على الاحتفاظ بنسبة ثابتة من الدخل على شكل نقود , فإذا ازداد عرض النقود عن الطلب عليها ينبغي ان يزداد الانفاق الكلي للحفاظ على النسبة المرغوبة , وبهذه الطريقة سيكون معدل عرض النقود مساويا لمعدل الانفاق الكلي , ومن هنا نفهم ان معدل التضخم يعتمد على معدل نمو عرض النقد مقارنة بمعدل النمو الحقيقي بالاقتصاد . كذلك يجادل فريدمان وانصاره في ان تؤدي التغييرات في الضرائب الى حدوث اثار على الانفاق لأن الاخير يعتمد على الدخل الدائم الذي لايتغير بتغيير الضرائب . لذلك تحفظ فريدمان واتباعه على استخدام السياستين النقدية والمالية المرنة, فالوضع يستلزم التوسع بعرض النقود بمعدل ثابت مساويا تقريبا لمعدل النمو الاقتصادي الحقيقي وعليه فان عرض النقد عند فريدمان هو سبب الكوارث الاقتصادية وبما ان الحكومات مسؤولة عن النمو في عرض النقد فهي مسؤولة ايضا عن التضخم والبطالة . هذه الطروحات لم تجد لها سندا على ارض الواقع في ضوء مشكلات الركود depression الاقتصادي في حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ناهيك عن الركود في عامي (1973-1975) الذي حصل تحت طائلة انخفاض المخزون السلعي وموارد الانتاج لدى قطاع الاعمال بالرغم من بقاء الطلب على السلع النهائية ثابتا. وركود عام (1981-1982) الناجم عن العجز التجاري الكبير الذي خفض المخرجات الصناعية وتسبب في اغلاق العديد من المصانع وتسريح الاف العمال, فيما كان ركود (1990-1991) نتيجة لانخفاض الاستهلاك الشخصي مقارنة بالزيادات الفعلية له خلال الفترة (1981-1982) الشئ الذي نتج عنه هبوطا للناتج المحلي الاجمالي .
بدءً من سنوات الثمانينات اعتمدت الدول المتقدمة سياسات دعم الطلب الكلي باستخدام فوائض الائتمان, ومع بداية القرن الالفية الثالثة تحمل المستهلكون وقطاعات الاعمال تبعات سياسة دعم نمو الانتاج بوساطة الطلب المتضخم مما جعل آلية النمو من خلال الائتمان غير مجدية, فما ان حدثت ازمة (2000-2003) حتى سمحت حكومات هذه الدول بانخفاض اسعار الفائدة الاساسية حتى وصلت الى ادنى مستوياتها وكانت النتيجة هي حصول مااصطلح عليه بالفقاعة! في المجال الاكثر قبولا لدى الافراد, اي مجال او قطاع العقارات حيث حدثت (فقاعة) الرهن العقاري الاقل جودةsubprime وبما ان العقارات في الولايات المتحدة الامريكية تمثل اكبر مصدر للاقراض والاقتراض فكان من المفترض ان يدرك القائمون على صنع السياسة الاقتصادية ان الرهون العقارية هذه هي رهون خطرة في حال انخفاض قيامها لأي سبب كان. وهذا مالم يحصل حيث ان التوسع بالاقراض كان الشغل الشاغل لمسؤولي السياسة المصرفية وكان سببا كافيا لهذه المصارف ان تجد مخارج تسهل لها نهج التوسع بمنح القروض فكان لها ماترغب به حين توصلت الى استخدام ماسميَّ بالمشتقات الماليةfinancial derivatives التي هيأت الارضية الملائمةلتوليد موجات متتالية من الاصول المالية ومن ثم فتحت الباب امام تعزيز المضاربات في البورصات وفي اسواق العقارات باعتبار ان المشتقات المالية تعتبر من ارقى اشكال الرأسمال الرمزي, فحسب بيانات بنك التسويات الدولية فإن قيمة كل المشتقات المالية في السوق العالمية عشية الأزمة بلغت 681 ترليون دولار بينما بلغ حجم الناتج المحلي الاجمالي للعالم 61 ترليون دولار !! فما مغزى ذلك؟ حقيقة انه التعبير الادق عند الانفصال بين عالمي الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد النقدي, فما عادت تدفقات الاصول المالية والنقود متوافقة مع حركة الاقتصاد الحقيقي, كما افترض نظريا على الاقل في ان تكون معادلة توازنهما (واحد نقد مقابل– واحد سلعة) هذه العلاقة المتوازنة بين حجم الارصدة النقدية وحجم الناتج الاجمالي الحقيقي لم تعد كالعلاقة المتحكمة بالنمو الاقتصادي بل انها علاقة تعرضت لقدر كبير من الاختلال نتيجة فيض السيولة في الاقتصاد المحلي وفي الاقتصاد العالمي وتنامي معدلات نمو عولمة رأس المال النقدي .
من الطبيعي ان يؤدي فائض السيولة الى زيادة الطلب وتوسيع قدرة المصارف على الاقراض خاصة الطويل المدى حيث تتزايد ارباح المصارف, وفي ظل عدم خضوع المصارف لرقابة البنك المركزي وعدم وجود تشريعات وقوانين تحدد حقوق وواجبات كل من الدائنين والمدينين لابد من ان تختل العلاقة لصالح الجهات الدائنة وهي بنوك الاقراض والاستثمار, وعليه فإن ماحصل في ايلول 2008 انما هو صورة معبرة لطبيعة الاختلال الهيكلي في الاقتصاد الامريكي ..
ثانيا : الاختلال الهيكلي
في الغالب تعمد الحكومات في الدول المتقدمة خلال الازمات لمواجهة ازماتها المالية الى التدابير التقليدية من قبيل قيام البنوك المركزية , في مواجهة حربها على المضاربة , بطرح كميات كبيرة من احتياطياتها من اجل استعادة الثقة بعملاتها المحلية ..غير ان مثل هذه التدابير لاتبدو كافية لمعالجة الامر ان لم تتضمن خطوات ملموسة باتجاه ضبط حركة اسعار الفائدة او حجم القروض او الديون الحكومية , والتحسب من الصدمات الخارجية external shocks وتأثيراتيها على اتجاهات النمو الاقتصادي لاسيما في اقتصاد يواجه اختلالات هيكلية وعجز دائم في موازين مدفوعاته مما يفاقم من فرص فشل التدابير المتخذة عبر الآليات المالية والنقدية تماما كما هو شأن الاجراءات التي لاتعالج نقاط الضعف في البنية المادية للاقتصاد وبالذات الاختلال القائم مابين درجة التصنيع وبين انخفاض قدرة الاقتصاد على الادخار وازدياد معدلات الاستهلاك بمستوى اكبر مما يقع تحت تصرف الافراد من مداخيل .
لقد وجد بعض الاقتصاديين ان الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الامريكي قد تتحول ( أو أنها قد تحولت احيانا) الى محفزات اساسية لديناميكية التحولات في النظام المالي العالمي , فالاختلال الهيكيلي الرئيس هو عجز ميزان المدفوعات الامريكي الذي يتزامن مع عجز متزايد في موازين المدفوعات الاوربية وفائض في موازين المدفوعات في الاسواق الناشئة Emerging markets والظاهر من ذلك انه بفعل قوة عولمة رأس المال تنتقل الموارد المالية من الدول الاكثر غنىً الى الدول الاكثر فقراً. وفي مجرى عملية الانتقال هذه يتحرك رأس المال من البلدان التي تتمتع بمستويات عالية من الدخل ذات القيمة الحقيقية المرتفعة لعملاتها الى البلدان التي تتصف بوضع مغاير, والامر لايتوقف عند هذا الحد بل يتخطاه الى اشكالية الاختلال الهيكلي على المستوى العالمي.
ان الاختلال هذا غالبا مايترافق واختلال داخلي ,ففي الولايات المتحدة الامريكية عرف عن الامريكيين توجههم في العادة نحو توظيف رساميلهم في العقارات بسبب تدني معدل الادخار, وهذا يعني من الوجهة العملية ان الاقتصاد الامريكي يتحول الى اقتصاد (مقترض) في حين نجد الصين في مقدمة الدول (المقرضة) التي تتعامل مع الولايات المتحدة الامريكية وتصدر لها مانسبة 21% والنتيجة الظاهرة في مورد كلامنا هذا ان الصين تصبح نظاما اقتصاديا قادرا على تمويل معظم استثماراته من الدخول المتراكمة ومن هنا يبدو ان الجانب الاخر للمشكلة في الاقتصاد الامريكي تتمثل في ان الاعتماد على الائتمان في ادارة الطلب الكلي لم يعد امرا قائما بالتمام, بل بالافراط في فائض السيولة الذي ينشأ عن الافراط في الاعتماد على المدخرات الاجنبية القادمة بشكل اساسي من الصين واليابان .فضلا عن ازدياد معدلات الانفاق الاستهلاكي باكثر من الامكانيات الفعلية للدخول الحقيقية للامريكيين .فقد اتضح ان الامريكيين يميلون الى الاستهلاك اكثر والى الادخار بدرجة اقل( 1.3%) سنويا , الشئ الذي يقوي من نزوع الاقتصاد الامريكي نحو الاقتراض من الخارج. وفي ضوء ماسبق تميزت خارطة الاختلالات العالمية المتشكلة بالمتطورات الاتية :
1. ان الرصيد الايجابي المتراكم لموازين المدفوعات في الدول الناشئة خلال المدة 2002-2007 كان استثنائيا تزامن مع نموا للرصيد الايجابي لموازين المدفوعات شهدته البلدان المصدرة للنفط فيما كان يعني ذلك بديهيا ان يكون العجز في موازين المدفوعات للدول المستوردة للنفط كبيرا جدا.
2. بما ان الولايات المتحدة الامريكية في الثمانينيات ونهاية عقد التسعينات من القرن الماضي عانت من العجز في موازين مدفوعاتها , فان هذا جعل مردودات الاسهم عالية مما يعني دفع رؤوس الاموال الخاصة للانسياب باتجاه الولايات المتحدة . في عقد الثمانينات تمتع الاقتصاد الامريكي بالقدرة على جذب الاستثمارات بسبب اسعار الفائدة المرتفعة وتعاظم قيمة الدولار الامريكي, وشهدت التيسعينات تناميا لاسعار القطع للدولار الامريكي في البورصات الامريكية, اما ماحصل في الازمة الحالية من عجز فانه لم يكن مرتبطا بتدفق رؤوس الاموال الخاصة الى السوق الامريكية ولم يرتبط بالنشاطات الاستثمارية, بل في ان نمو العجز اصبح اكبر بفضل الربحية العالية للاستثمار في البلدان الاخرى مقارنة بربحيته في الاقتصاد الامريكي, فالصين على سبيل المثال وجدت في استثمار فوائض ميزانها التجاري في الولايات المتحدة الامريكية وسيلة لتحقيق ميزتين تنافسيتين تمثلت الاولى في تجنب ارتفاع معدلات التضخم في حال انفاق الفوائض هذه بالداخل والثانية تجسدت في تعزيز موقع العملة الوطنية (الوان) في مواجهة الدولار الامريكي.
3. ان العجز في الاقتصاد الامريكي يتم تغطيته بالتمويل من خلال زيادة احتياطي العملات الصعبة في البلدان الناشئة, ومن هنا اعتبر ان شراء التزامات الخزينة الامريكية من قبل مراكز وبيوتات الصيرفة العالمية ضرورة قصوى لاسناد العجز الامريكي الكبير.
ثالثا : العالم في مواجهة الازمة
ان الازمة المالية الراهنة بدأت امريكية وانتهت عالمية فما هي مسؤولية الولايات المتحدة في حصولها وبم تتجسد هذه المسؤولية ؟
لقد اشتهرت مؤسسات التمويل الامريكية خاصة والاوروبية بعامة بانها كانت تمثل المصدر الاساسي للمتاعب الاقتصادية والفاعل الرئيسي في وضع السياسات الخاطئة في الدول التي تتلقى التمويل ومن بينها الدول الناشئة. لقد حاولت الصين بعد المراحل الناجحة لاصلاح اقتصادها ان تستعيد النزعة الوطنية الصينية لمواجهة الضغط الامريكي, فأسهمت بحدوث فجوة في جدار الهيمنة المالية – الاقتصادية الامريكية وعلى نحو مكن الصين من تجاوز تأثيرات الازمات الامريكية وتركها بعيدة عن الاقتصاد الوطني, فيما صار واضحا ان تداعيات الازمة المالية على المجتمعات والدول الاخرى كانت اكبر مما تعرضت له الصين .
لقد كان بامكان الادارة الامريكية تفادي اخطاء سياسات الاحتياطي الفيدرالي الامريكي باستيعاب دروس التجارب السابقة, بدلا من انتظار تراكم عوامل الازمة. ويخطر في البال هنا ان اختيار السياسات المالية والنقدية الفعّالة التي تحول دون خلق فوائض السيولة سيحول على الاقل دون توسيع دائرة المشكلات الاقتصادية على الاقل في المديين القصير والمتوسط . ومادام الحديث يدور حول مجالات العقارات والاصول المالية فان مايتبادر الى الذهن هنا, ان تجنب سياسة التوسع في منح القروض التي تؤدي الى رفع قيمة العقارات وتجنب توظيف الاموال في مجالات تتصف بالمخاطرة الكبيرة كان امرا مرغوبا. الا ان الوقائع مرت دون اكتراث كبير من لدن القائمين على اتخاذ القرار الاقتصادي (الاحتياطي الفدرالي ) ومما يزيد الامرغموضاً ان الاحتياطي الفدرالي كان على دراية تامة بالاختلالات القائمة. فالميزانية الامريكية وخلال العقد الاول للالفية الثالثة كانت تعاني من عجز مؤثر تعبر عنه البيانات الاتية :

عجز الموازنة الامريكي 2000-2008*
(مليار دولار)*
السنة العجز السنوي المتراكم
2000 4‚236 3‚686‚5
2004 7‚412 7‚354‚7
2008 410 654‚9
*Economic indicators council of economic advisers, Washington ,2008.

وصورة العجز في الميزان التجاري الامريكي كإتجاه عام مسرة جدا .



العجز في الميزان التجاري 2000-2006
(مليار دولار)*
السنة العجز
2000 739‚375
2003 514‚496
2006 757
* ينظر ايضا مصدر الجدول اعلاه .

فضلا عن اختلالات اخرى مثل ارتفاع المديونية الحكومية من (4.3) ترليون دولار في عام 1990 الى (8.4) ترليون دولار في عام 2007 وبما نسبته 64% من الناتج المحلي الاجمالي , وتراجع نمو الاقتصاد من 2% في عام 2005 الى 1.1% في عام 2008 !!
في ظل وضع مختل كالذي عكسته المعطيات اعلاه واصلت الادارة الامريكية الاستناد الى التمويل الاجنبي فيما لم تلجأ الجهات المقرضة الى تخفيض حجوم الاموال المقرضة بالرغم من تفاقم الاختلالات, فلو حصل ذلك حسب (ما زعم به) بعض الاقتصاديين كان من الممكن ان تكون الازمة اقل حدة .
لقد اصاب التباطؤ الاقتصادي كل الاقتصادات العالمية, فحين حصل التدهور في الاقتصاد الامريكي في عام 2007 كانت الاقتصادات العالمية الاخرى تواصل نموها, وتحولت فكرة العزل decoupling التي تقوم على عدم فعالية اسواق الدول الناشئة في ظل تباطؤ الاقتصاد الامريكي الى فكرة مقنعة لبيان مستويات الاستقلال عن حركة الاقتصاد المهيمن عالميا؛ وهذا مما نجد تفسيره في ان الولايات المتحدة الامريكية تعتبر المصدر الاهم للطلب على منتوجات الدول الاخرى, ويشكل الاستهلاك فيها حصة مؤثرة في الناتج المحلي الاجمالي وينعكس نموه عالميا , وكان هذا يمثل جوهر ماصرح به وزير الخزانة الامريكي الاسبق لورانس سمرس Sumers حين اشار الى ان الاقتصاد العالمي يعتمد على الاقتصاد الامريكي, وان الاخير يعتمد بدوره على المستهلك والمستهلك يعتمد على اسواق الاسهم, و صار الادمان على الاستهلاك حسب الوزير سمرس عاملا يهدد بتقويض الدائرة القوية للاقتصاد العالمي ومن هنا يفهم ان تدهور الاستهلاك في الاقتصاد الامريكي يمثل مشكلة قائمة عند البلدان التي تعتمد عليه من اجل تعويض عدم كفاية الطلب الاستهلاكي المحلي. غير ان الولايات المتحدة ليست المصدر الوحيد للطلب في الاقتصاد العالمي فعجز ميزان المدفوعات الامريكي ومنذ اكثر من عام يتجه نحو الهبوط بانتظام كما مثلت الاقتصادات الاوروبية والدول المصدرة للنفط التي انفقت الكثير من دولارات النفط في عام 2008 محركات رئيسية للنمو العالمي على الاقل فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية فيما كانت الصين المحرك الاساسي للطلب على المواد الخام لكن هذه المحركات الفاعلة في وقتها اخذت بالتراجع . هذا من جانب, ومن جانب اخر, ونظراً لتوجه غالبية دول العالم الى ربط عملاتها بالدولار, فان اقيام عملاتها تندمج بحركة الدولار الامريكي هبوطا وصعودا مما يعني ان هذا الارتباط يعبرعن حقيقة ان هذه الدول انما تستعير السياسة النقدية الامريكية عمليا بل وتستنسخها, وعليه فأي تباطؤ للاقتصاد الامريكي لابد من ان يؤدي الى خفض اسعار الفائدة في الاسواق الامريكية ومن ثم هبوط قيمة الدولار مما يشكل تأثيرا متناقضا على الاقتصاد العالمي , فتقلص الطلب الامريكي من جهة هو عامل سلبي, ومن جهة اخرى تعمل السياسة النقدية المتبناه في الاقتصاد الامريكي على تحفيز النمو الاقتصادي العالمي وبالواقع ان وجود عدد كبير من الدول يستنسخ السياسة النقدية للولايات المتحدة الامريكية بات احد التفسيرات المقبولة لاشكالية عدم اقتران التباطؤ في الاقتصاد العالمي بالتباطؤ في الاقتصاد الامريكي, فتلك الدول التي كانت تحقق نموا عاليا في عام 2007 كانت في الوقت نفسه تتلقى تأثيرات السياسة النقدية والائتمانية للولايات المتحدة, وقد عمل هذا بدوره على تنشيط اقتصادات هذه الدول مبدئيا, وهنا لابد من الاشارة الى ان بان اسعار الفائدة الحقيقية في الكثير من الدول الناشئة سالبة , ولم تكن الصين والدول المصدرة للنفط في عام 2007 بحاجة الى عملات اكثر تدهورا او بحاجة الى سياسات نقدية اكثر تحررا, ولكن هذا هو بالضبط ماحصل لهذه الدول عندما ترسمت السياسة المالية الامريكية, مما تقدم نفهم ان تعافي النظام المالي الامريكي يمثل اهمية فائقة للنظام المالي العالمي, فعندما تعاني المصارف الامريكية من مشكلات تتصل بالتمويل , فإنها لن تكون بوضع يسمح لها بمنح القروض الى اوروبا والى الدول الناشئة, وقد لوحظ في الاشهر الاخيرة من عام 2007 ان تأثير التدهور في قدرات المصارف الامريكية قد تغلب على التأثير الايجابي للسياسة النقدية والائتمانية , فيما ولد التوسع باستخدام الدولار الامريكي في تسوية الحسابات الدولية ومنح القروض ضغوطا متنامية على الدولار فارتفع سعر صرفه, بغض النظر هنا عما اذا كان اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية قد تعرض للتباطؤ .
رابعا : بدلا من الخاتمة
لاتوجد فرضية مقنعة لكيفية الخروج الامن من الازمة المالية والاقتصادية المستمرة منذ ايلول عام 2009 , غير ان بقاء الاقتصاد الامريكي لاعبا مؤثرا في الاقتصاد العالمي الى امد اخر غير منظور يمثل فرضية مقبولة, وكل الذي يمكن قوله هنا ان تعزيز قدرات الدول المختلفة على التخلص مما يحاول ان يفرضه الاقتصاد الامريكي من وقائع على مسرح الحياة العالمية سيلهم هذه الدول تصورا اخر عما ستؤول اليها مصائرها في المستقبل.
1. .http//:www.Iraqcp.org/members4/008123wg.htm
2. http//:www.Iraqcp.org/articlesokipnet/print.php.id.14884
ينظر مقالة الاقتصادي الامريكي جوزيف ستيجلز – "وول ستريت " ... سقوط لأيديولوجية العولمة .
3. بوشهولز ف.ج- افكار جديدة من اقتصاديين راحلين – مقدمة للفكر الاقتصادي الحديث – ترجمة – نزيه الافندي وعزة الحسيني – المكتبة الاكاديمية – القاهرة 1995 ط1.ص ص 284-286 .
4. ينظر في ذلك سامويلسون ب. , نوردهاوس و. الاقتصاد – ترجمة هشام عبد الله – الاردن – ط1 لسنة 2001 ص 587 .
5.المصدر نفسه .
6. اجيشيانتس س. بانتظار الموجة الثانية للازمة – مجلة "المال" finance موسكو – العدد 20 بتاريخ 6-12 حزيران 2011 (بالروسية) .
7.http//:www.iraqcp.org members4/008123wh.htm.
8. http//: http://www.amf.org.oe/23-5 2009
9.http//:www.sotaliraq.com/articles iraq.php=23787
10.سمرس ل. امريكا غارقة بالديون – اليوم الاالكتروني – الاقتصاد العربي والعالمي – 2/4/1426 .
11.مجلة RBK - موسكو – عدد كانون الثاني 2009 (بالروسية ).
12.المصدر نفسه .



#عبد_الكريم_كامل_ابوهات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- -ركلها من الخلف-.. فتاة حلبة تتسبب بحرمان مقاتل من المنافسة ...
- 477 مليون دولار أرباح بنك الكويت الوطني في 3 أشهر
- قناة السويس.. إنقاذ سفينة بضائع ترفع علم تنزانيا من الغرق
- -القابضة- الإماراتية وجهاز الاستثمار العماني يطلقان -جَسور- ...
- أرباح -بنك بوبيان- الكويتي ترتفع 21% بالربع الأول من 2024
- بيانات اقتصادية قوية من الاتحاد الأوروبي ترفع أسعار النفط
- اليورو عند أعلى مستوياته منذ 2008 مقابل الين الياباني
- بعد التنصيف.. إلى أين تتجه البتكوين على المدى القصير؟
- توقعات عام 2025 للاقتصادات الأعلى نموًا في الدول العربية
- أسعار الأصفر الرنان تواصل الانخفاض


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد الكريم كامل ابوهات - الازمة الراهنة : وقفة تحليلية امام مشكلات الاقتصاد الامريكي