أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد البابلي - العبث عند ألبير كامو














المزيد.....

العبث عند ألبير كامو


عماد البابلي

الحوار المتمدن-العدد: 3629 - 2012 / 2 / 5 - 14:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أه ياروحي ، لا تطمحي للحياة الخالدة
ولكن استنفذي حدود الممكن
من أناشيد أبوللو

كلمة العبث لغوياً ومنطقياً وفلسفياً ، تعريفات ومعانِ عده منها تعريف الجرجاني للعبث بأنه " ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة ، وقيل ما ليس فيه غرض صحيح لفاعله .. أما في المنطق فأن العبث يعني المحال أو المستحيل ، أو هو إلزام بالمحال ، أو هو ما يخالف المفروض .. ووفقاً لتفسيراتها اللغوية في -اللغة الأجنبية- نجد أن كلمة (Absurde) الفرنسية الأصل تفسر حسب قاموس لاروس بأنها اللامعقول ويرجعها إلى الأصل اللاتيني ( absurdus ) الذي يتكون من المقطعين ab بمعنى كليةً + surdus بمعنى أصم ، كما تفسر أيضا بما هو مناف للعقل .. ألبير كامو فقد نظر للعبث بأنه ذلك الإحساس أو الشعور الناجم عن العلاقة القائمة بين متطلبات الإنسان المعقولة من جهة وعالمه غير المعقول من جهة أخرى ، إذن مثلما ظهر العبث عبر التجربة الفلسفية البحتة ، فأنه قد ظهر أيضا عبر الأشكال الأدبية المختلفة سواء في القصة أو الرواية أو المسرحية معبراً عن تلك المحنة الإنسانية التي تؤرق الإنسان ... أن القول بأن الحياة عبث لا مغزى له ليس من دون ريب بالكشف الجديد إذ إن مثل هذا الأمر قد جرى تناوله بكثرة سواء من خلال الفلسفة أو من خلال الأدب ، إلا أن تلك الفكرة كانت تتخذ في الغالب النهاية التي ينتهي عندها الفكر وتختتم بها التجربة ..
أما مع كامو فأن الأمر مختلف تماماً ، لأنه قد نظر لتجربة العبث نظرة مختلفة وخصها بدراسة مستقلة عبر كتابه ( أسطورة سيزيف ) محاولاً أن يعرض لها ، ويصل من خلال ذلك العرض إلى نتائج محددة تختلف عما توصل إليه سابقيه ، وبالفعل فأن نتائجه الايجابية تلك قد أكدت تميزه وأسهمت في شهرته الواسعة فيما بعد ، عندما أصبح العبث مرتبطاً بأسم كامو ... ويعد كتاب كامو ( أسطورة سيزيف ) دراسة وافية عن تجربة العبث التي تعني عند كامو تلك العلاقة القائمة بين مطالب الإنسان المنطقية من جهة وعالمه الذي يخلو من المنطق من جهة أخرى ، فلا تعدو تلك التجربة إلا أن تكون هذه العلاقة بين الإنسان ووجوده ،غير أن هذه العلاقة غير متكافئة بسبب التصادم المستمر بين مطالب الإنسان المعقولة وعالمه غير المعقول .
إذن ، نحن أمام نوع من المواجهة بين طرفين أو التقابل بين عنصرين متضادين لا يكمن العبث في أحدهما بل في العلاقة التي تربط بينهما ، إنه في حقيقته نوع من الشقاق ، وصراع ديالكتيكي جوهره التمزق والتوتر الحاد .. ألبير كامو من خلال تحليله لعاطفة العبث في ( أسطورة سيزيف ) كان يبحث عن منهج لا عن مذهب ، ولذا فقد كان يمارس الشك المنهجي ويحاول أن يخلق تلك اللوحة البيضاء التي يمكن
للإنسان أن يبدأ البناء منها .. إذن فالشك عند كامو يبدأ من معنى الحياة ، هل للحياة معنى أو ليس لها معنى ؟ وبإزاء هذا الأمر يقرر كامو نتيجته النهائية وموقفه الختامي من الحياة ، والنقطة المهمة التي يؤكدها في هذه التجربة هي الوعي والإدراك ، فقد يكون العبث شيئاً موجوداً يصادف الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته إلا أنه ليس بإمكانه أن يقف على ذلك الأمر من دون أن يكون واعياً به ومدركاً له وفي هذا الوعي تكمن السعادة مثلما يرى كامو ، وسيزيف هو خير من يمثل مقصد كامو هذا ، سيزيف الذي يعاود رفع صخرته إلى قمة الجبل مراراً وتكراراً يعي أن ما يفعله شيء لا معقول ، ويدرك أن ما يقوم به عمل عابث لا فائدة من ورائه ، إلا أن سيزيف الذي حكمت عليه الآلهة بهذا العقاب يتمسك بالحياة ويرفض الموت ومن اجل ذلك فقط يصر على أن يحيا حياته حتى وان كان لا طائل منها ، فيواجه موته بتكرار فعله ذاك
وفي ((((( وعي سيزيف ))))) تكمن سعادته ، كما يعتقد كامو ، طالما أنه استطاع أن يعي ويدرك ، ومن ثم استطاع أن يختار البقاء ضمن هذا العبث ومن اجل كل ذلك يكون سيزيف سيد أبطال العبث عند كامو .. والوعي بالعبث حسب ما يرى كامو هو التجربة المنظمة المعقولة التي يدخلها الإنسان مع الكون محاولاً تنظيمه واستيعابه ، إلا أن الإنسان لا يجد عبر – احتكاكه المباشر بالكون – إلا الفوضى والاضطراب فيخرج من تجربته تلك بنتيجة مفادها أن الوجود غير معقول وان تجربته قاصرة عن إيجاد التفسير وانه بين التجربة والتعقيل هوة لا تجتاز .. هنا يعلن كامو قصور العقل وعجزه عن الفهم المجرد للوجود أو بالأحرى عن فهم ( تجربة العبث ) وربما ينحى في ذلك منحى الفلاسفة الذين وقفوا ضد المذهب العقلي مثل باسكال وكيركجارد وبرجسون وغيرهم إلا أن هؤلاء جميعاً قد بحثوا عن بديلِ أخر غير العقل عندما أقروا بطريقة أو بأخرى عجزه وعدم مقدرته على الوصول إلى حقيقة موحدة تفسر الوجود بأسره ، ولم يفعل كامو ذلك ، فهو وان كان يعترف بحدود العقل ومداه إلا أنه يتخذ من هذه الحدود موقفاً مغايراً ، فهو يقبل حدود العقل ، ولكنه يتمسك بالعقل بوصفه الحلقة الوحيدة على الرغم من أنها حلقة واهية بين الواقع والإنسان .. وقد يبدو لنا كامو متناقضاً في مساره هذا فكيف له أن يرفض العقل ويقره في آن واحد ، فهو إذ يعترف بمحدودية العقل يتمسك في الوقت نفسه بتلك المحدودية وربما كان هذا الموقف ناجماً من اكتفائه الذاتي بكون العقل قادراً على اكتشاف العبث على اقل تقدير ... الروح التي تمجد النور ، قد وجدت أنها تصطدم كل يوم بتناقضات العالم وعذاب البشر ، حتى اعتقدت أن الإنسان قد حكم عليه ظلماً بأن يعيش وهو الكائن العاقل في عالم غير معقول وأن ينشد الوحدة والانسجام وسط التناقض والفوضى ..

المصدر :
ألبير كامو بين الفلسفة والأدب – رسالة ماجستير – الأستاذة رسال حسين عبد اللطيف ( بتصرف بسيط )



#عماد_البابلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة فطر .. قصتنا
- نوح يعمل مونتاجه الأول !!
- لقد كنت نائما .. بحث مختصر
- مقابلة مع ميناحيم بيغن
- باراسيكولوجيا أنثوية .. مريم وفاطمة نموذجا !
- علم النفس والأدب
- أرنب ذو مخالب
- رغم أنه تائه الوجه لكنه يعشق .. قصائد
- الغريب والمثير في .. عبد المطلب بن هاشم
- الأنيمو والأنيما عند يونغ .. مدخل فلسفي
- الأنا ليست سيدة بيتها .. قصائد
- السلحفاة تدرس الأرتجاج في قصائد وليم ييتس
- الأقنعة .. بحث نفسي
- الموتى الذين دفنوا مع أحذيتهم .. تحليل نفسي
- المخلفات لا تجد لها أكياسا تناسبها
- ماقاله القصيمي .. هكذا رقصت الفراشات
- وليمة الملائكة .. الهوية الحقيقية لكابريال
- الجنس في بابل
- خرساء تكتب مذكراتها الأولى .. قصائد
- الرحلة الأخيرة للسيدة شيلان


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد البابلي - العبث عند ألبير كامو