أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - عصارة من خيال














المزيد.....

عصارة من خيال


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 14:57
المحور: الادب والفن
    


سمعته ينادي وهو يقف على رأس التلة هناك .. عند منعطف غير بعيد عن آخر بيت في القريه ، وصوته المنطلق من اعماق روحه المعذبة ، ينشر قول لا رياء فيه .. انا المسيح .. هلموا الي .. ان اجتمعتم عندي في هذه الساعة ، سأريكم مصائركم يوم الحشر الاعظم ..
سمعته .. المسيح عيسى النبي .. يدعو الناس الى اجتماع طاريء تحت لواء نشر فوق رأسه ، كتب عليه باحرف لا تشبه حروفنا هذه الايام ، مؤتمر الفقراء برعاية نبي الله عيسى .. لم يضعوا على يافطة الاعلان تلك ، تواريخ تحدد بداية المؤتمر ونهايته .. لقد تركوا الامر مفتوحا لمشيئة الحضور .. انها ساعة الخلاص على ما يبدو ، فلماذا أنا هكذا متسمر في مكاني ؟ .. من المحتمل ان جميع سكان القرية لم يسمعوا النداء كما سمعته انا .. فلماذا علي ان اتخلف فتفوتني هذه الفرصة البالغة العظمه ؟ .. إنه على ما يبدو اختيار الله على لسان عبده يسوع ، فلتهب الروح مسرعة لتلبية هذا النداء النبوي واسع الرحمه .
سمعته .. من ولدته مريم العذراء في البقعة المباركه ، يسأل .. من منكم بقر بطن بشر أو أستحوذ على حق ليس له ؟ .. هل فيكم من قتل انسانا بلا جريره ؟ .. من منكم حرض على فعل رذيلة من الرذائل مع سبق الاصرار ؟ .. فوجدتني انط الى حيث حافة التلة لاسمع النبي صوتي من اقرب نقطه .. ولمحته ينظر الى جحافل المتقدمين صوب المكان .. لقد أحسست بجسدي يهتز بفعل ما عليه من ضغط التدافع ، ها أنذا احتل مكاني في المقدمه ..
- سيدي .. يايسوع المسيح .. انا على غير دينك فهل ستستمع الي ؟ صاح أحدهم وهو يتكيء بكلتا يديه على كتفي .
- قل ما تريد ، فأنا للناس جميعا ..
- سيدي النبي .. اريد ان اعرف منك ، هل حقا سيلفون الناس يوم الحشر بسلاسل من حديد ويرمون بلحومهم في النار ، ويطعمونهم صديدا وشواء يقطر منه الدم ؟ .
رأيته يطرق ، ويصمت ، ويبتعد بنظره الى غير مكان .. ثم التفت الى من سأل وقال :
- ألم يخبروكم في وضع آخر ، ان الرحمة اصل من اصول بناء العرش ؟ .
صاح آخر وهو يقف على عكاز :
- كلا ياسيدي .. ومن نقول لهم بان الله غفور رحيم ، تتجهم وجوههم ليردوا بحزم .. وهو شديد العقاب .
- العذاب أصل من اصول الشر .. وإن عذبوني أنا فلا أحد يغويكم بانني كنت اهوى ذلك ، لا تحدثوني عن السلاسل والصديد والنار ، وليأت من يحدثني عن طفل يسعد برضاعة ثدي أمه .
أجاب صاحب العكاز وهو يقفز في مكانه مستندا على ساق واحده :
- ولكن يانبي الله ، انا لا أحسن الحديث عن اشياء غير ما ذكرته لك ... لقد ألفت نفسي فقط ان تنظر للسيوف واصابع الديناميت ، وتربيت منذ نعومة اضفاري مع مناظر شنق القطط على اشجار الزيتون ، انني مرغم على ان يكون لي حلف مع الموت .. لقد علموني وانا صغير بان دماء اضحية العيد حين ذبحها ستصعد الى السماء ، فتمنح من يبقر بطنها البركات ، وكان لي منذ ذلك الوقت دم الاضحيات مرهم يزيل عن نفسي الهموم .
ياسيدي المسيح .. صاح رجل بعين واحده – لا تصدق هذا الأفاك الأعرج ، لقد أطاحوا بساقه لأنه سرق دقيقا من بيت الله ، حيث كان مجهزا لتوزيعه على فقراء القريه .
نط صاحب العكاز في مكانه ليستدير بجسده صوب المتحدث ، ورفع عكازه وهو يصيح :
- من قال لك بانني سرقت من بيت الله يا أعور الشؤم ؟ .. ألم انقذك يوما من آثار معاكستك لزوجة جارك حين ارتضيت ان اكون وسيطا بينك وبين زوجها ؟ .. ( ملتفتا الى نبي الله ) .. لا تصدقه ياسيدي انه كافر ومنافق .
جاء صوت احدهم وكان يقف فوق حجر ضخم ، حاملا بيده عصى انكسر طرفها فبدت قصيرة :
- انا مسيحي واريد ان التقي بك على انفراد يانبي الله .
- وانا كذلك ياسيدي فلا ترد علينا رجائنا .
هاج الجمع بينما كان النبي يحرك رأسه الى حيث ينطلق صوت ما ، مكتفيا بالصمت .
- لماذا لايسكت الجميع ، لنسمع نبي الله ماذا يريد ان يقول ؟
- اسكت انت اولا ايها الاحمق .. مااللذي اتى بك الى هنا وقد سخنت معدتك من هضم السحت ؟
- ياولك ايها الغراب الابقع من عذاب الله .. ارى بانك نسيت كونك لص وقاتل في آن واحد .
تدحرجت الاجساد لتدفع بعضها بعضا بلا رحمه .. تناثر الغبار في فضاء المكان .. واختلطت اصوات الناس وهي تحمل ملامح الغضب من اشياء لا يحسن معرفة كنهها الا من لديه قوة خارقة ..
- لقد ذهب النبي .. اختفى من فوق التله . صاح رجل أشيب الرأس .
- يا للهول .. لقد غضب منكم ايها الاوغاد .
اشتد الهرج وعلت الاصوات لتختلط بشدة .. اندفع صاحب العكاز الى حيث يقف غريمه الاعور ، وقبل ان يبلغه سقط على الارض ليختفي جسده بين الحشد .. الجميع كان يشتم الجميع .. ووجدتني اتدحرج بعيدا عن التلة رغما عني .. في حين انعقد مجلس غير بعيد ، بين رجال قرروا ان يتم السجال بينهم بهدوء .. اندفعت مجموعة من الاولاد الصغار من وسط القرية صوب الحشد وهم يحملون العصي ، وثمة رجلين راحا يمزقان ثياب بعضهما وقد اشتد بينهما العراك ، واعتلت مجموعة من النساء تلة اخرى قريبة وهن يراقبن المشهد بصمت ، وما ان بدأ العراك على أشده بين الرجال ، حتى انتقلت العدوى اليهن وبشكل سريع ، فاخذت كل واحدة منهن بجلباب الاخرى لتوسعها ضربا بلا رحمه .
في الافق البعيد ، لاحت موجة من الغبار الاسود ، وهي تجتاح ما أمامها من زروع وانهار ، وفوقها يقف شخص غير واضح المعالم ، يحمل بيده سيفا يلوح به يمينا ويسارا ، وثمة صوت جهوري يصدر عنه يقول – ايها الفجار .. لقد استلمت الاذن بالاطاحة برؤوسكم جميعا لانكم خالفتم نصوص السماء ..
بهت الجميع .. وتوقف الهرج ، وانحدرت اجساد النساء مسرعة باتجاه الاسفل للالتحاق بالرجال المذعورين .. واستدار الاطفال يجرون باتجاه القريه .. وما ان وصلت موجة الغبار قريبا من الجموع .. حتى اختفت .. للترك الارض فراشا لعشرات الاجساد الميتة .. وعلى احدها انطوت قطعة قماش بيضاء ، كتب عليها بحروف لا تشبه حروفنا هذه الايام .. بؤسا لهذا العالم المنافق .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع اتفاق مع حكومة الصين
- ألغرز في اللحم الميت
- ثورات الربيع العربي ، ودور القوى اليسارية التقدميه .
- مرافعة لا حضور للمحامين فيها
- نعم .. نحن فعلا نتعرض لمؤامرة غربيه .
- من وحي الحبة الزرقاء
- حنطاوي
- أسماك الزينة وصوت كوكب الشرق .. حينما يأتلفان .
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. النهايه
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ألعراق لم يكن إرثا من آبائكم .. فكيف تتبرعون بأراضيه ؟!
- ألحزن الكبير ...
- كان لدينا قطار للموت .. فهل سمع أحدكم بذلك ؟!!
- الفودكا .. واختراق الحصار ..


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - عصارة من خيال