أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - عذراً لا أريد أن أكون إلهاً - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (13)















المزيد.....


عذراً لا أريد أن أكون إلهاً - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (13)


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3626 - 2012 / 2 / 2 - 14:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عذراً لا أريد أن أكون إلهاً - رؤية فنتازية .

أيقظتنى زوجتى فى ساعة مبكرة من صباح أمس لتقدم لى قهوتى المعتادة عند إستقبال المشهد الأول من الصباح وبصحبتها جريدة الأهرام لتشير إلى إعلان ضخم فى صدر صفحتها الأولى عن قبول طلبات لمن يرغب أن يكون إله مع توضيح المميزات الهائلة لمن سيحظى بهذه الوظيفة والشروط العامة !!... إندهشت لهذا الإعلان لأجد زوجتى تستعجلنى للنهوض وقد إستحضرت معها طلب تقديم فطلبت منها أن تتركنى قليلاً أحتسى قهوتى وأشعل سجائرى وأدرس الأمر .

أن أكون إلهاً أمر غير معتاد ولكن لابد من تفحص الأمر جيداً فبقدر ما توجد إمتيازات رائعة يسوقها الإعلان ولكن ستكون هناك إلتزامات ووضعية جديدة تطلب التمهل والتريث , فبدأت فى إشعال سيجارتى الثانية وتأملت فى المميزات المستحقة من رتبة الألوهية وهل سأنسجم معها لتمنحنى سعادة متحققة .

* معرفة صماء .. لا أريد أن أكون أرشيف .
حسب كراسة العقد فستحقق الألوهية لي أن أكون عارفاً ملما ًبكل شئ سواء ما كان وما سيكون .. سأمتلك كل المعرفة فلن يوجد شئ سينقصنى ولن تُخفى عنى شاردة ولا واردة , سأدرك ما هو قادم لأراه يتحقق أمامى كما أعلمه .. سأكون فى حالة من التشبع المعرفى بحيث لا يكون هناك سؤال لا أدركه ..أو فكرة لم أكتشفها ..أو معلومة تائهة غير مُدركة.. سأعلم ما فى الكتب والصحيفة قبل أن أقرأها , سأدرك الحدث بكل تفاصيله قبل وقوعه ولن يوجد شئ جديد أود معرفته لأن كل الأشياء مَعلومة ومُدركة .. سأعلم عدد البيض فى بطن كل سمكة لكل تريلونيات الأسماك فى المحيط .
تأملت هذه الميزة فوجدتها ليس لها معنى بل تنال منى أكثر ما تضيف .. أحسست اننى فى هذه الحالة سأكون بمثابة أرشيف أو c.d كبير مُخزن عليه المعلومات بشكل هائل وبلا أى معنى , فما قيمة أن أعرف عدد البيض فى بطن كل سمكة وهل تكون وظيفتى أن أراجع عدد البيض وأراها تتطابق مع معرفتى ؟!!.. ما معنى أن أشاهد أفلامى القديمة مرة ثانية أمام عيونى وأنا مُدرك كل القصة والسيناريو والأحداث والكادرات فأجدها كما أعرفها لم يختل فيها شيئا ولم يعتريها التغيير.!!.. ما شأنى بعدد البيض فى بطن سمكة أو ذبابة فهل سأحصر ممتلكاتى .!!

ما هذا ؟! .. هل أسعى ان أكون أرشيف ؟!.. وهل هذه الحالة من اللامعنى والإستاتيكية الشديدة جديرة بالحياة ؟!
نجد متعتنا فى الحياة فى كشف الغموض والتغلب على مساحات جهلنا .. تتحقق حيويتنا بفضولنا المعرفى والبحث فى المجهول عن أجوبة لأسئلتنا الحائرة لتتحقق السعادة فى إزاحة الغموض والحيرة عن شئ نجهله لنستمر فى الغد بالبحث ثانية عن سؤال جديد يبحث عن إجابة .. سعادتنا فى خلق الإثارة .. أن نعيش كالنهر لا يجرى فيه الماء مرتين حاملاً دوماً فى سريانه الجديد .
متعة الحياة هى أن نتحلى بالدهشة والسؤال .. أن تتوالد الإثارة من الغموض الذى يحيط بنا أن نتلمس ونتوسم مشهد جديد بالحياة يجعل لها معنى .. أما أن نجد أنفسنا ليس لدينا سؤال فكل شئ معلوم لا يقبل الزيادة , بل كل ماهو قادم نعرفه كأنه أمامنا بلا اى تغيير أو تعديل فهذا الجمود بعينه .. أن لا تعترينا الدهشة فنحن بالفعل نعيش أجواء الرتابة القاتلة .. أن نجد الحياة بهذه الحتمية والصرامة , فكل شئ يسير على قضبانه بدون تغيير ولا تبديل ولا جهل نكون أمام الموت بعينه .

الإنسان يحاول أمتلاك المعرفة والعلم ليست بغية أن يزين بها دماغه , كما لا يفيده أن يحصل على معلومة ليست لها قيمة فالمعرفة تأتى من الحاجة لها وليس لمجرد إكتناز المعلومات كأرشيف بل يكون الهدف تطوير الحياة إلى الأفضل والأحسن ليسعى إليها .. فبالعلم والمعرفة وتراكمهما ينتقل الأنسان من حالة البدائية إلى الحضارة والتقدم وخطوة نحو حياة أفضل أكثر سعادة .. ولكن وضعيتى كإله فى غير حاجة للتطور والتقدم , فحسب كراسة المواصفات المرفقة بالعقد أن الإله كامل لا يتغير ولا يتبدل فالتطور والتقدم تعنى صفة نقص لا تتوافق مع الإله , أذن ما أهمية العلم الألهى .؟!! .. يبقى العلم والمعرفة الألهية مجرد قرص مدمج يحوى معلومات غير فاعلة أو متفاعلة ولا قادرة على إضافة شئ .!!

من هنا أرى أن حياتى كإنسان ببحثها الدؤوب نحو المعرفة أفضل حالاً ... أن أعيش الحياة بكل جديدها وحيويتها وصراعها وغموضها وأسئلتها ومفاجآتها شئ رائع ...أن أمتلك كل يوم شئ جديد أضيفه لحياتى فأتبدل من حال إلى حال وأتحرك وأصعد السلم لأتعثر حيناً وأخفق حينا فليس من مشكلة ليبقى هناك فعل حركة وحيوية بدلا عن هذا الموات .. أن أتعلم من الطبيعة قوانينها ولا أجلس أعد البيض .
بئس الحياة من غير رغبة وشغف وصراع وحركة وغاية .. عذرا لا أريد أن أعيش كالألهة ... أريد أن أعيش كأنسان .

* أريد أعيش اللذة والألم معاً .
أعيش الحياة فى صراع بين اللذة والألم ساعياً نحو تحقيق اللذة والحاجة والسلام ومجاهداً لتجنب دوائر الألم لتتحقق الحياة من هكذا صراع بين ضدين لا ينفصما فى وحدة جدلية .. فمخطئ من يتصور بأن الحياة يمكن أن تكون لذة فقط بلا ألم أو ألم بلا لذة فهذا هو الهراء بعينه كوضعية الجنه والجحيم فى الميثولوجيات الدينية فنحن ببساطة لن نعرف قيمة الإحساس باللذة بدون أن نذوق الألم ولن يورد علينا إدراك ماهيتها دون أن يكون الألم حاضرا فالألم هو الذى يعرف اللذة ويجعل له وعى .
متعة الحياة عندما نقترب من اللذة بعد ألم فيكون للطعام معنى بعد جوع وللماء قيمة بعد ظمأ وللراحة لذة بعد شقاء , فمن رحم الألم تأتى اللذة ومن قلب اللذة يُخلق الألم وما حياتنا إلا ممارسة لهذه الجدلية فلو تمتعنا باللذة كثيرا فسنبحث بحثا دؤوباً عن الألم ليجعل للذة قيمة ومعنى .
الله لا يشعر بالألم ولا اللذة فهو إله فلن يقع تحت تأثير الحالة فحسب مصوغات فكرة الالوهية هو خارج نطاق أى إحساس باللذة والألم فهذا سينال من ألوهيته ليدفعه إلى أحضان البشري .. فكيف يعيش الوجود بلا لون ولا طعم ولا إحساس .. كيف حياة بلا حركة تنعدم فيها المشاعر والرغبات والأمنيات .
من الصعوبة بمكان أن أطيق هكذا حياة بلا إحساس .. لا أريد أن أكون إلهاً فإنسانيتى رائعة تحس وتسعد وتألم .

* لا أريد أن أكون راصداً مترصداً سادياً .
من مواصفات الألوهية أن أكون راصدا للبشر أرقب حركاتهم وسكناتهم عن طريق جيش من الملائكة لتسجل كل شاردة وواردة عن هذا المراهق الذى يقبل بنت الجيران وذاك الذى يسرق رغيف خبز وتلك التى تسير فى الشارع بلا غطاء للرأس وذاك الشيخ الذى يساعد المحتاج , لتسجل ملائكتى كل هذا فى مدونة تكون شاهدة عليهم يوم القيامة .
أرى فى بنود العقد صياغة جديدة سطرها اللاهوتيون فى أن أتولى بنفسى عملية مراقبة مليارات البشر ليس لعدم ثقتى فى الملائكة ولكن لأن عدم المراقبة والرصد سيقوض من صفة العَارف المُلم بكل شئ فمعنى تولى الملائكة فعل المراقبة والرصد يعنى جهلى بما تم تدوينه فتكون المعرفة فى حوذة الملائكة .
حسنا سأتولى أنا عملية الرصد بالرغم انها مُرهقة وسخيفة وسأتحقق من أن كل فعل إنسانى تم حسب ما هو مدون فى مدونتى التى سجلت فيها كل واردة وشاردة لمليارات البشر قبل الوجود لأجدهم يحققون ماهو فى معرفتى المسبقة فلن يجرؤ أحد ان يخطو خطوة واحدة خارج ما رسمته وقدرته له فهى مشيئتى وقدرى ومعرفتى البعيدة من أن تُمس أو تُنتهك .. سأتولى عملية الحساب والعقاب الذى أعلم مسبقاً مصير كل إنسان قبل أن يلقح ابوه أمه لأتأكد أن معرفتى لم تختل لأسلمه بيدى لباب الجحيم أو الجنه .. ولكنى أندهش من شئ فى هذه المنظومة فلماذا الرصد والتدوين والمراجعة طالما أنا اعرف القرار النهائى بالجنه أو الجحيم فهل أنا مُكلف بهذا وهل يراقبنى ويحاسبنى ويجادلنى أحد .!!

تتحرك الصور أمامى لتتخيل ثوار شباب التحرير فى الميدان المقابل لكرسى العرش وهم يعلنون غضبهم على أحكامى وأقدارى ليصرخ واحد منهم ويقول كيف نحاكم ونأخذ عقوبات لا محدودة على أفعال تمت فى مدة محدودة من الزمن فأى عدل هذا ؟! .. هل نحن إخترنا إيماننا وديننا والبيئة التى نشأنا فيها والظروف التى أحاطت بنا .. هل إستخدمنا عقول غير العقول التى وهبتنا أنت إياها أليست هى صنيعتك .؟!!
أجد أنه يتجاوز الحدود فأوصى بجهنم مخصوص له ولشرذمة المشاغبين التى معه وأقول لهم : هل تظنون أنكم تتعاملون مع أنظمة الحكم وأجهزة أمن الدولة فى بلادكم فهى بائسة أما أنا الإله الجبار , هل تتصورون أننى أسمح بالحرية والديمقراطية وكل هذا الهراء أنا الإله المتكبر الذى سيذيقكم العذاب والنار المتقدة فى بحيرة النار الكبريت مع جرعات من الزقوم والرصاص دون أن يحاسبه أحد .

أفيق من هذا المشهد وأعاتب نفسى فما هذا الذى أفعله فالمفروض أننى خلقت هؤلاء البشر ومنحتهم عقولاً أدرك ما هى حدودها بل وضعتهم فى بيئة شكلت إيمانهم وأديانهم وثقافتهم وسلوكهم ليخطوا خطوطهم فى الحياة , والغريب اأننى أعلم مصيرهم قبل ان يكون لهم ظهور فى الوجود , فلما هذه الجلبة وكيف اكون عادلاً بمحاسبة الإنسان بعقوبة غير محدودة على أفعال محدودة زمنياً !!... ما هى هذه القسوة والغطرسة التى تعترينى فأنا منحت إبنى على الأرض كل الحب والعطاء والأمان والدفء مذ كان طفلا فلم أمارس عليه دور الوصاية والإحتكار فتركته يعيش الحياة ولم اقف راصداً مترصداً لكل أخطائه بل ترفقت به وإحتضنته وقدرت ظروفه .. يااااه كم وظيفة الإله هذه قاسية ومُجحفة ومُتكبرة بلا مبرر .
لا .. لا أريد أن أكون راصداً مترصداً قاسياً سادياً .. لا أريد ان اكون ديكتاتورياً نرجسياً .. لا أريد أن أكون إله فإنسانيتى المترفقة أفضل جدا .

* لا أريد أن أكون كاملا ً غنياً .
أنظر فى بنود عقد الألوهية لأرى المميزات فأجد بند ينبئنى أننى سأكون كاملاً غنياً عظيماً بلا حاجة ولا نقص فكل الأمور ستكون فى حيازتى ولن ينقصنى أى شئ فهكذا هى الآلهة .
أرى أنها ميزة عظيمة أن أكون هكذا , لأرتشف قهوتى الثانية وأشعل سيجارتى وأعزم على التوقيع بالموافقة على هذا البند .. وفيما أنا أَهُم على التوقيع قفز فى ذهنى خربشة عقلى الذى لا يهدأ وقلت : ما معنى أن اكون غنياً وأمتلك كل هذا الوجود ولا يوجد أحد أمامى يمتلك شيئا؟! .. ما قيمة الغنى وما معنى أن أكون عظيما فى الإطلاق ولا يوجد أحد ينافسنى فى العظمة أو ينال منها كيف أحس بماهية الغنى والعظمة دون وجود صفة مغايرة تؤكد حضورها ؟!.. ما معنى ان أحظى على أى صفة وحالة كاملة مكتملة فى إنعدام من يصارعنى وينافسنى عليها ليثبت أحقيتى بها فأنا كيان وحيد ومتفرد بلا شريك ؟!! .. سأكون مالكاً بلا معنى وعظيماً بلا دلالة , هذا شبيه عندما خُلق آدم متفرداً على الأرض لوحده فلن يتبادر إلى ذهنه أى مفهوم أوإحساس بالملكية أو الغنى أو العظمة .

ملكيتى للوجود كإله لن يجعلنى تحت الحاجة أيضاً فأنا كامل لا أنتظر إمتلاك شئ وإلا أُصيب كمالى بالخلل فأنا أستطيع أن ألغى هذا الوجود فهكذا جاء فى مواصفات عقد الألوهية ولأسأل ذاتى ما معنى أن أخلق شئ وأنا فى غير حاجة له وما معنى ان انفرد بالمُلك والمِلكية والغِنى فى عدم وجود ملوك ومَالكين وأغنياء مثلى لكى أدرك وأعنى وأحس بأننى مالك وغنى من وجودهم الخالى من الغنى والملكية والعظمة .. ما معنى صفة وحالة بدون أن يكون نقيضها موجودا ً .؟!!

أنا غنى بلا حدود لا ينتظر الزيادة أو النقصان أى لا أنتظر حالة أخرى من الغنى ولكن ما معنى أن أكون غير مُنتظر لمرحلة أخرى من الغنى فهذا يعنى السكون ولا يعطى معنى للغنى فتُنزع الحركة من الحياة .. لن نحس بالغنى أو الملكية إلا بوجود الضد المتمثل فى الفقر وعدم الإمتلاك .. لن ندرك الملكية والغنى إلا فى حركة متصاعدة له ليتكون إحساسنا من خلال رغباتنا بأن نزداد ثراء للإنتقال لوضعية أعلى أو نجاهد حتى لا ننزل لمرتبة أدنى وهذا ما يعطى معنى وقيمة للحياة لكن أن أظل على حالة واحدة كاملة منفرداً متفرداً ممتلئا ً بها فلن يكون للحياة أى معنى أو قيمة .!
أريد اعيش الحياة مناضلاً متصارعاً أحس بقيمة الشئ من حركتى ونضالى .. من نجاحى وفشلى .
لا أريد أن أكون إلها ... فإنسانيتى جميلة من هذا الصراع فأنا أستمتع بالحياة فى ديناميكيتها و صراع الألم والحاجة .

* لا أريد أن أعيش وحيداً .
ألمح بند فى كراسة المواصفات أن الإله يكون متفردا منفردا لا يكون له زوجة ولا حبيبة ولا ولد ..لا يكون له من يحاكيه ويسامره فلن يكون هناك أحد فى مقامه ليجالسه ..سيكون الآمر الناهى فقط ولن يُسمح لأحد أن يكون له صديقاً أو حبيباً يتشاور معه فهكذا الآلهة سرمدية أزلية قبل كل الوجود ليست فى حاجة لأحد ولا يدنو من مقامه أحد

ألمح شرح تفسيرى فى كراسة العقد يفسر أن الإله يجب أن يعيش وحيداً , فيستقى مثالاً من الميثولوجيا الدينية التى تعلن أن الإله كائن قبل الكل .. أزلى أبدى وهذا يعنى أنه كان وحيداً منفردا ً منذ الأزل بلا صاحب ولا ونيس ولا خادم يؤنس وحدته .. فحتى الملائكة والشياطين والعفاريت لم تكن متواجدة معه منذ الأزل فلو تواجدت فهذا يعنى أنها ليست مخلوقة وتنافسه فى الألوهية .!!!
يااااه أن اكون إلهاً وحيداً منعزلاً لا أتحدث مع أحد ولا أتواصل مع أحد .. أعيش وحيداً مع ذاتى بلا ونيس ولا رفيق ولا حبيبة ولا قضية .. بئس وبؤس هذه الحياة حيث الوحدة والفراغ والعدم فلن أجد من أحكى معه ويشاركنى الحياة بكل ألوانها.. كيف أعيش الحياة فى تلك العزلة الشديدة إنها الجحيم بعينه .. لا أريد أن أكون إلهاً .

بالفعل يكون الإنسان بضعفه وهوانه أفضل من فكرة إلهه التى منحها كل العظمة والتبجيل فهو يحس ويفرح ويحزن ويعيش الحياة بكل آلامها وفرحها من خلال هذا التفاعل الجميل والثرى مع الآخر .. أن نجد من ينافسنا ويؤلمنا أفضل كثيراً أن نعيش فى الفراغ بلا أحد , بل من يصيبنا بالألم ويتناحر معنا سيعطينا معنى لوجودنا وسيمنحنا متعة الحياة بألوانها المختلفة حيث نحس بقيمة الحياة موضع التنافس .
لا أعرف أعيش الحياة منفرداً وحيداً مغترباً .. لا أعرف أعيش الفراغ والعدم بلا حبيب ولا ونيس .. أنه الموت بعينه .

* اريد أن أكون متفاعلا .
أن أكون إلهاً فهذا يعنى ألا أتفاعل مع أى حدث ومشهد فى الحياة فلا أبدى غضباً و ضيقاً أو حباً وشوقاً فلا تكون لى أى مشاعر حسب ما ورد فى كراسة المواصفات فهذا ينتقص من ألوهيتى ويجعلنى تحت الحاجة فلا أتأثر بالفعل لأمارس دور رد الفعل بالرغم ان الآلهة فى الميثولوجيات الدينية كانت تغضب وتثور وتنتقم وترضى وتستمتع برائحة القرابين المشوية وتمارس رد الفعل , فياله من حظ بائس أن يُنتزع حقى فى أن أتفاعل مع الحدث لأصير كتلة باردة صماء لا يعتريها الإحساس .!!!
أرفض أن ينتزع حقى فى الإحساس بمعنى وجمال الحياة و تفاعلى معها .. فى أن أحب .. أثور .. أغضب .. أحنو ..أفرح .. أحزن .. أأمل .. أقلق .... أريد احس بدفء المشاعر وسخونتها تسرى فى أوصالى .. أريد أن أستمتع بالجمال والفن وألعن القبح ..أريد أن أعزف الموسيقى وأرسم لوحاتى وأستمتع بها ولكن الإلهة حسب كراسة الشروط لا تستمتع بالموسيقى والفن فإستمتاعها يعنى إنبهارها وبشريتها .. فبؤس وبئس هكذا حال .. لا أريد أن اكون إلهاً لا يعنى ولا يتفاعل .. أريد أن أعيش كإنسان فذاك أفضل جدا

* أريد أن أحلم .. لو بطلت أحلم أموت .
أجمل مافى الأنسان أنه يحلم وأثمن شئ فى الوجود أن نمتلك الحلم , فلا يوجد معنى للحياة بدون الحلم ...الحلم هو الحياة .. والحياة هى الصراع من أجل الحلم .
الحلم هو الطموح والأمل فى الحياة وللحياة وعندما نتوقف عن الحلم فإعلم جيدا أننا توقفنا عن الحياة وعلينا أن نجهز أكفاننا .
تداعبنا دائماً الأحلام منذ طفولتنا المبكرة وحتى شيخوختنا وكلما حققنا حلم إنطلقت أحلام جديدة متجددة تقفز أمامنا تجعل لحياتنا كل المعنى , وتتدرج أحلامنا من أحلام قد يراها البعض هامشية وبسيطة إلى أحلام تعانق السماء ... الحلم هو التفاؤل والأمل فى الحياة بعيون جميلة ... الحلم هو الذى يعبر بنا قسوة الحياة وصرامة الوجود المادى ...الحلم هو ألواننا الجميلة التى نرسمها لغد جميل .
نحن نمارس ونعيش الحياة من أجل الحلم فهو إثبات وجودنا وأننا قادرين على الفعل ولسنا كائنات بيولوجية مهمشة .. متعة الحياة أننا نتأرجح بين تحقيق وإنكسار وصعود وتوالد الأحلام .
ولكن حسب كراسة المواصفات فإن الإله لا يحلم ويأتى تفسير هذا البند مرفقاً فى العقد بأن الإله لا يحلم ليس لكونه لا ينام بل لأن كل الأشياء متحققة ومعنى أن يحلم أنه يأمل ويتمنى ويناضل من أجل تحقيق الحلم وهذا غير وارد فكل الأشياء متحققة .
الإله ليس لديه طموح ما ويفتقد تماما لمعنى الأمل والشغف .. الإله يفتقد لحلم توسيع مملكته وتطويرها فهذا نقص يسقط الألوهية .. الإله لا يبنى أحلام فلا يحس بمتعة تحقيقها ولا تتكسر أحلامه فيشعر بالأسف .

وضعية الإله هذه ستجعلنى أفقد الحلم بل ستجعلنى قاسياً أنزع الحلم من عقول البشر فى الجنه والجحيم التى أعددتها لهم فبكمال المتعة والعذاب وبحكم صيرورتها اللانهائية فى العالم الأخروى فلا أمل فى متعة إضافية أو مغايرة للمُنعمين ولا أمل للمُعذبين فى أن يُفك أسرهم أو تخفف وطأة عذابهم ليعيشوا كماكينات منزوعة الإحساس تمارس المتعة والعذاب .!!
عذراً أنا لا أطيق أن أعيش حياة الله بدون حلم ...ولا أطيق الجنة المزعومة فهى الموت بعينه فأفضل أن أعيش فى عالمى الترابى بحلم صغير يكبر وينمو ويتكسر ويتجدد عن حياة إلهية منزوعة الحلم .

ما هذا .. أتكون حياتى كإنسان أفضل من أعيش حياة كإله .. تكون الحياة بألمها ولذتها .. بنجاحها وسقوطها .. بأحلامها وإخفاقها .. بتوترها وهدؤها .. بصعودها وهبوطها .. بنضالها وإنكسارها .. بمعرفتها وجهلها أفضل من حالة الجمود والرتابة وهذا الموت الحقيقى .
لا معنى للحياة بمفردة واحدة وقطب واحد حتى ولو كان عظيماً .. لا قيمة لوجود بدون صراع يمنح الألوان والثراء .. صراع يعطى المعنى والقيمة للأشياء .. لا توجد حياة بلون واحد لا تهب التنوع فهنا لن تكون باهتة بل مميتة .

وجدت نفسى أمزق العقد وأصرخ " لا أريد أن أكون إلها " لأجد زوجتى تستنهضنى وتقول لى : "ما بك" .. فأدرك أننى كنت أحلم لينتابنى إحساس براحة وسعادة غامرة تسرى فى أوصالى , فأنا مازلت إنسان فبؤس حياة الآلهة .

هكذا كانت رؤيتى الفنتازية المعايشة لفكرة الله وفى داخل كل واحد منكم سيكون هناك رفض لأن تكون إلهاً فمن سيرى انه لا يريد أن يكون عنصريا منحازا نابذا لجنس ما أوجماعة ما أو نوع ما .. سنرفض هذا لأننا تجاوزنا الآلهة وسنأمل أن نعيش كبشر فذاك أفضل جدا .

دمتم بخير .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَخدعون و مُخادعون - كيف يؤمنون ولماذا يعتقدون (18)
- حصاد عام على إنتفاضة المصريين فى 25 يناير
- زيف الفكر وإزدواجية السلوك وإختلال المعايير - لماذا نحن متخل ...
- ثقافة وروح العبودية - لماذا نحن متخلفون (1)
- الأديان بشرية الهوى والهوية -نحن نتجاوز الآلهة وتشريعاتها (2 ...
- قطرة الماء تتساقط فتسقط معها أوهامنا الكبيرة - خربشة عقل على ...
- الأخلاق والسلوك ما بين الغاية ووهم المقدس - لماذا يؤمنون وكي ...
- نحن نخلق آلهتنا ونمنحها صفاتنا -خربشة عقل على جدران الخرافة ...
- الحجاب بين الوهم والزيف والخداع والقهر - الدين عندما ينتهك إ ...
- هل هو شعب باع ثورته ويبحث عن جلاديه أم هو اليُتم السياسى .. ...
- مراجعة لدور اليسار فى الثورات العربية ونظرة إستشرافية مأمولة
- مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهير ...
- فى داخل كل منا ملحد !..إنه الشك يا حبيبى - لماذا يؤمنون وكيف ...
- الثورة الناعمة عرفت طريقها .. شعب سيصنع ثورته من مخاض الألم
- تثبيت المشاهد والمواقف - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (32)
- تحريف الكتب ما بين رغبة السياسى والإخفاق الإلهى - تديين السي ...
- المؤلفة قلوبهم بين الفعل السياسى والأداء الإلهى - تديين السي ...
- العمالة الغبية والثقافة الداعية للتقسيم فى مشروع الشرق الأوس ...
- إبحث عن القضيب !! - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (15)
- هل التراث والنص بشع أم نحن من نمتلك البشاعة - الدين عندما ين ...


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - عذراً لا أريد أن أكون إلهاً - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (13)