أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح كنجي - التلاشي في الزمن اللا مُجدي..














المزيد.....

التلاشي في الزمن اللا مُجدي..


صباح كنجي

الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 11:59
المحور: الادب والفن
    


التلاشي في الزمن اللا مُجدي
إلى الفقيد أمين خلف خرمة آخر
جندي غيبته الحربُ بعد توقفها..

الحرب تدخل شهرها الخامس.. الزعيق يتصاعد لتعبئة المزيد من الجنود لجبهات القتال .. الناس بدأت تتحسسُ الموت من خلال برامج التلفزيون قبل أن تأتي جثث القتلى من جبهات القتال.. أما الصواريخ التي تلقيها الطائرات فإنها قد حولت كل أراضي البلاد إلى ساحة معركة.. لم يعد هناك مكان آمن في كل موضع تابع للوطن..
تتجاوز القذائف الساتر الأمامي لتدك الخطوط الخلفية.. أما المدن فباتت تواجه خطر الصواريخ العابرة للحدود.. التلاميذ في المدارس اجبروا على تعلم فنون الرماية.. اخذ المدرسون يفسحون للمدربين المزيد من ساعات التدريس.. بات التدريب العسكري في مقدمة أهداف التعليم.. لم يعد هناك حاجة للتعليم إلا بالقدر الذي يساعد الجندي على إدراك المفاهيم العسكرية.. اليوم سَتختمُ الدورة بعدها سيكون المشتركون فيها مؤهلين لخوض القتال..
بعدَ أيام وجد مجيد نفسه أمام حشدٍ من الطلبة الذاهبين للمعايشة في فترة العطلة.. تأبط حقيبته وأشياءه الصغيرة.. ترك خلفه أماً تنوح.. لكنها الحرب التي تسلب الأبناء من أحضان الأمهات.. تتركهم ينوحون ساعات وأيام طوال بدء من لحظة الفراق التي تكون ذاتها لحظة ضياع..
المئات من الجنودِ سُجلوا في السجلات الحربية في قائمة المفقودين تتجنب سلطات الحرب الإعلان عن مصيرهم.. الأسير الذي نفذ عتاده واقتيد للطرف الآخر من الحدود سُجل خائنا.. بات أفراد عائلته مطلوبين للدولة تطاردهم وتلاحقهم من دائرة لأخرى في حملة تطهير تحت غطاء تحجيم دور العملاء والخونة..
في الحرب التي لا تحتاج إلاّ لغة الذكور.. تسّقط الأنثى وتبتذلها.. تمحو دورها يكون الرحم مداناً والعرق دساساً والقرابة هولاً.. أما الجريح فليسَ في خطط الدولة إلا حالة يجب إهمالها وتركها فالتوجيهات والأوامر الصادرة تؤكد عدم الانشغال بالجرحى.. عند انتهاء المعركة يصبح التخلص منهم من مهمات الفرق الخاصة التي كانت تدفنهم في مقابر تحفرها معدات عسكرية تابعة للأشغال..
في ذلك المساء سقطت قذيفة مدفع بالقرب من الملجأ.. أعقبتها أخرى وأخرى كنت وحيداً من بقى حيا..ً قررت أن أحمي نفسي.. أخذت أتكورُ على نفسي في الملجأ.. أتكور مع كل صوت انفلاق يعقب انفجار قذيفة بالقرب مني.. هكذا مضت الساعات أحسست باللزوجة من تحتي.. كنت أدرك ما حل بي من شدة الخوف والقلق.. لم أتمكن من السيطرة على نفسي فعلتها دون إرادتي.. لستُ وحيداً من تعرض لهذه الحالة..
الحرب لِمَن لا يشترك بها ليست إلاّ بطولة رجال يواجهون الموت.. يتفاخرون بقصص وحكايات ينقلها الإعلام ليثبها في صفحات الحرب كأمجاد لرجال لا يهابون الموت.. أما نحنُ البشر المرسلين لخطوط الموت فندرك حجم الهول والفزع وشدة الخوف.. نحن فقط نعرف وندرك ما يحصل فيها ونشهد من خلال فتحات أجسادنا الطارحة للفضلات الكثير مما لا يحكى في الإعلام.. نتحمل كل هذا من أجل أن لا نموت..
نفكر بزوجاتنا وأشقائنا وأبنائنا وأمهاتنا.. نحلمُ بالرجوع وندرك أن الحرب ليست بإرادتنا ولا مصلحة لنا فيها لهذا نسعى بكل ما نملك من السبل لننجو بأنفسنا.. لهذا بدأتُ أكور جسدي قدر ما أستطيع.. أطبقت رجلي لتلتصق ببطني ووضعت رأسي المنحية في مواجهة ركبتي المنثنيتين.. كنت غير منتبهاً لما حدث.. بعد تواصل هدير القذائف شعرت بالنعاس أخذتني أسنة النوم.. رحت كالميت أغادر عالم اليقظة..
لم أعد أشعر بالحرب وما يدور من حولي..
في اليوم التالي.. فزني صوت ينادي: الجميع قد استشهد.. لم يعد رجلاً حياً في الفصيل.. هذه أشلاء الضابط.. هذا هو العريف عناد.. أيقنت أنهم جنودنا حاولت التريث لدقائق للتأكد قبل أن اخرج لأعلن للمتواجدين من حولي.. أني ما زلتُ حياً لم أمت..
تقدم نحوي.. الضابط المكلف باستطلاع الموقف.. قائلاً بفرح كأنه وجد شيئاً يخصهُ.. لم أكن اعرفه ولا أضنه يعرفني.. هذا جندي حي سنطلب منحه نوط شجاعة.. ليشهد لنا أننا أنقذنا الموتى ودفناهم ورددنا العدو لأعقابه.. بعد أسبوع جرى تكريمنا بأنواط شجاعة.. مُنحت نوطاً.. وحصل الضابط على نوطين.. من ذلك الزمن.. في ذلك اليوم.. أدركت أن الحرب ليست إلا كذبة كبرى.. لهذا اعذروني إنْ كنتُ ارتعدُ بلا خجل من الحرب القادمة!..
ــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي

ـ أمين خلف خُرْمَه.. من قرية ملجبرـ الشيخان.. أعلنت سلطات الحرب عن (إصابته واستشهاده) بعد توقف القتال في 8/8/1988 لتؤكد أن الطرف الآخر خرق الاتفاق ولم يلتزم ببنود إنهاء الحرب..



#صباح_كنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هادي محمود يهينُ ماركس مُهادنة للدين!!
- الرعبُ الإسلامي.. فيديو يوثق اعتراف بالتخطيط للإجرام
- كريم أحمد في المسيرة من تاريخ لمذكرات ناقصة..
- الإسلام المُرعب.. تداعيات الموقف ونتائجه..
- حبيب تقي.. كثافة نصٍ يجمعُ بين جمالية اللغة والسخرية
- الإسلام المرعبُ.. والدعوة للإصلاح السياسي والاجتماعي في كردس ...
- الإسلام المُرعب وهشاشة الأوضاع في كردستان..
- الإسلام المرعب.. ديمقراطية بلا حرية!!
- وقفة تأمل.. تفضي لإعادة بناء.. من اجل تفعيل دور اليسار
- الإسلام المرعب في كردستان!!..
- سوريا .. الشعب الإرهابي وحكومة البعث الوديعة!
- ثالوث عفيفي رواية تحاكي العقل..
- نداء من الباحث نبيل فياض..
- مسار الدم المراق بين أرمينيا والعراق..
- ياسين ذكرى فراق من أجل لقاء في زمن الرعب والموت!..
- مهمة خاصة في زمن الحرب ..
- مجهول يشتم حكومة البعث في مقر للشيوعيين في الموصل!..
- حوالة أبو عبود..
- الرحيل المؤلم لعاشق الحرية..
- حوار مع المعقبينَ على الرسالةِ المفتوحةِ..


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح كنجي - التلاشي في الزمن اللا مُجدي..