أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلعت رضوان - كول عناب - قصة قصيرة















المزيد.....

كول عناب - قصة قصيرة


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 09:06
المحور: الادب والفن
    



فى نفس الموعد جاءتْ
وضعتْ حقيبة يدها على الترابيزة لصق الجدار. نزعتْ الايشارب وفكتْ زرار المعطف عند الرقبة. كنا فى نهايات الخريف ، وكان التراب يُغطى الوجوه والأشياء.
حمل عم عبده الجرسون كوب العناب الساخن ووضعه أمامها . لم تشعر به. جلس فى مواجهتها . مكث دقائق يهمس لها ببضع كلمات . وددتُ أنْ تتجاوب معه كى تخرج من صمتها . قام عم عبده مبتعدًا عنها . عندما اقترب منى قبضتُ على رسغه برفق . من تحت رموش عينيه المتربتيْن رأيتُ بعض السحب تتجمع . كان وجهه معقوفا وشفته السفلى ملتوية. سألته هل فهم شيئًا منها . قال (( موش عاوزه تتكلم )) استعجلته عله يُضيف جديدًا . قال والسحب فى عينيه تتكاثف (( وموش عاوزه تشرب العناب )) ثم أطلق رسغه من كفى ، وقال قبل أنْ يستديــــــــــر (( أسبوع وهىّ تمشى من غير ما تشرب العناب )) وانطلقتْ السحب من عينيه. وسمعتُ عويل الريح خارج المقهى .
000000
حاولتُ الاندماج مع الأصدقاء . كان اثنان يلعبان الكوتشينه ، وباقى الشلة حول الترابيزة .
انتبهتُ على صوت سمير، وهو يضع كفه على فخذى (( إيه للدرجه دى مهموم بالست العجوزة ؟ ))
فى أيامى الأخيرة كنتُ أستعذب الصمت والوحدة . أمسكنى من ذقنى وغرز عينيه فى عينى وقال (( اللى يشوف اهتمامك بيها يفتكر إنها أمك ))
000000
انتبهنا على صوت نهنهات مرتفعة. جرى عم عبده فى اتجاه المرأة العجوز. جريتُ وراءه . تجمّع رواد المقهى حولها ، يُطيّبون خاطرها ببضع كلمات . قال عم عبده (( أرجوكم افسحوا لها لتتنفس )) ومسح دموعها . حلّ محلها فيضان غزير. صارتْ النهنهات شهقات متقطعة.
عدنا إلى مقاعدنا . توقف اللعب وساد الصمت وعلا صراخ الريح .
فكرتُ : كم سنة وأنا أتردد على هذه المقهى ؟ أكثر من خمس سنوات . أخرج من المصلحة إليها مباشرة . أستأنس بأصدقائى . فى المساء نتمشى على كورنيش النيل . يغلبنا التعب وهواجس الغد والعواطف المكبوتة ، فنفترق كل إلى وحدته.
فى اليوم التالى نتقابل كأنما بقلوب مغسولة بنسيم الليل الفائت . نتسامر ونلهو. لا نعبأ بشىء ولا نبالى بأحد . نستخف بالناس وبما يحدث لهم . نسخر من أنفسنا إنْ استنفدنا الآخرين .
0000000
منذ اليوم الأول رأينا المرأة العجوزالتى تبكى رجلها . لا أحد يعرف – حتى عم عبده– إنْ كان زوجها أم لا. لم يهتم أحد بمعرفة العلاقة بينهما : من أين يأتيان وإلى أين يذهبان ؟ سنوات ونحن نراهما معًا . نكتم ضحكاتنا الساخرة من (غرام العواجيز) ومنذ أسبوع تأتى المرأة وتجلس وحيدة ولا أحد يعرف سر غياب الرجل . والمرأة لاتبوح لأحد ولا تتجاوب مع أحد .
فى الرابعة تمامًا تأتى . تدخل إلى ركنها المعتاد . تضع الحقيبة الصغيرة وتعدل ياقة المعطف وتنزع الايشارب . فى الشتاء ترتدى معطفا صوفيًا أخضر. وباقى الفصول ترتدى معطفا من التيل رماديًا . تعدّتْ الخمسين بقوام معتدل . بشرة قمحية لوجه مستدير، دقيق الملامح. عينان واسعتان يشع منهما بريق يُغالب السنين ، فيُضفى عليها شبابًا وأنوثة. لاتُحرّك رقبتها . عيناها غالبًا على خطوط رخام الترابيزة ، فى انتظار قدوم رجلها . فى الرابعة والنصف يُقبل الرجل . على مشارف الستين . طويل القامة بانحناء خفيف . وجه شبه بيضاوى . حليق اللحية دائمًا . عينان صغيرتان نفاذتان من فوقهما حاجبان كثيفان بشعرأبيض كشعرالرأس . فى الشتاء يرتدى معطفا رصاصيًا وحول رقبته كوفية. وباقى الفصول يرتدى سترة كاكية خضراء كانت تُذكرنى بمحصلى القطارات .
يجلس قبالتها مُحييًا برأسه. ابتسامتان عريضتان على الوجهيْن . همسٌ متبادل . يتقدّم عم عبده منهما بكوبىْ عناب مثلج . يسود صمت يعقبه همس مُتبادل . يُخرج الرجل الطعام . يبتسمان أثناء المضغ . يتقدّم عم عبده بكوبىْ عناب ساخن . فى السادسة يُغادران المقهى .
سنوات ولم يتخلف منهما أحد . ولم تتبدّل لهما عادة . ومنذ أسبوع تخلف الرجل .
فى اليوم الأول جلستْ المرأة فى مكانها . بعد أنْ تجاوزتْ الساعة الرابعة والنصف – الموعد المعتاد للرجل – بدأتْ تُحرّك رقبتها وتنظرإلى الطريق . أحضرلها عم عبده كوب عناب مثلج . لم تشعربه. بدتْ رقبتها أكثرتوترًا . فى الخامسة والربع رفع عم عبده كوب العناب المثلج ووضع مكانه كوب عناب ساخن . فى السادسة قامتْ . تحرّكتْ بخطى متثاقلة. تأملتُ وجهها ، كان مُمتقعًا وكانت عيناها تدوران سريعًا فى كل الاتجاهات .
فى اليوم التالى جاءتْ فى موعدها بخطى متوترة . فى الخامسة إلاّ الربع قدّم لها عم عبده كوب العناب المثلج . تجاهلتْ الكوب والرجل . فى الخامسة والربع وضع الكوب الساخن ورفع المثلج . فى السادسة دفعتْ الحساب والعناب فى الكوب وغادرتْ المقهى .
فى اليوم الثالث تكرّرالمشهد ، والمرأة تزداد شحوبًا . فى اليوم الرابع سألتُ عم عبده إنْ كانت تتكلم معه أو إذا كانت أفصحتْ بشىء عن غياب الرجل . قال إنها ترفض الكلام . وطلبتْ منه أنْ يلغى كوب العناب المثلج ويكفى العناب الساخن . لما رأيتُ دموعه سألته عن سر حزنه. قال : أكترمن عشر سنين وهمّ بيشربوا العناب من إيدى . تصدّق لوقلت لك إنى حبيت المكان اللى اختاروه والكراسى اللى بيقعدوا عليها ؟ ثم تركنى وهو يُقاوم دموعه.
اندهشتُ وأنا أرى أصدقائى يتوقفون عن اللعب . وتتأثر ملامحهم بكلمات عم عبده . تحدّثوا عن المرأة بحب واحترام ، وأبدوا اهتمامًا بها ، وخمّنوا أصل حكايتها مع الرجل . فى السادسة غادرتْ المرأة المقهى . شيّعها الجميع بنظرات عطوفة ، وتساءلوا هل نراها بعد اليوم ؟
فى اليوم السابع همس سمير فى أذنى وهو ُشير إليها : المرأة إما أنْ تُجن أو تموت . سبعة أيام وكأنها لا تأكل ولا تشرب . وددتُ أنْ أتجاوب معه ولم أجد ما يُقال .
توقف اللعب وانتصبتْ الكلمات فى الحلوق وساد الصمتُ إلاّ من الشهقات المتقطعة وعويل الريح فى الخارج .
تركزتْ عيوننا على المرأة . نسينا الدنيا . الناس والأشياء . انحصرعالمنا فى متابعة الشهقات المتقطعة. صارتْ الشهقات حشرجات مصحوبة بتشنجات فى الفم والرقبة والذراعيْن . جرى عم عبده إليها . جريتُ وراءه. تجمّع باقى الرواد حولها. ظهرها مشدود إلى الخلف تمامًا ورأسها إلى أعلى. شحوب أذاب لون الوجه القمحى وحلّ بياضٌ مقبض. العينان شاخصتان والفم مغلق. الكفان مُتشنجتان على كوب العناب الساخن. هزّها عم عبده. تحرّك الجسد كما استجابة الحجر. صرخ الرجل (م..ا..ت..ت) اقترح سمير أنْ نُفتش حقيبتها. فتح عم عبده الحقيبة. أخرج مجموعة من الصورالفوتوغرافية ومفتاحًا طويلا كمفاتيح الحجرات وبضع أوراق نقدية. سأل أكثرمن صوت : ما فى ش بطاقة شخصية ؟ قلّب الرجل الحقيبة جيدًا. قال : ما فى ش بطاقة شخصية.
مددتُ يدى إلى مجموعة الصور. أخذتُ أتأملها واحدة واحدة. كانت تجمع بين المرأة والرجل فى أعمار مختلفة. خبّأتُ الصور فى جيبى وأنا أتذكر- كأنما هواكتشاف – أنّ المرأة والرجل عند مغادرتهما المقهى ، كان كل منهما يسير فى اتجاه عكس الآخر. أعادنى الاكتشاف إلى جسد المرأة. تركزتْ عيناى على الكفيْن المُتشنجتيْن على كوب العناب الساخن ، وانتابنى فرح غامض لأنّ الكوب لم تهتز، ولأنّ العناب لايزال فى الكوب .
*****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيات فى حياتى : عمى الحاج متولى
- شخصيات فى حياتى : عم سعيد
- شخصيات فى حياتى : الأستاذ أديب
- الإبداع بأسلوب الحكاء الشعبى
- العلاقة العضوية بين الكهنوت والعسكروت
- العروبة والمخطط الصهيونى لاحتلال فلسطين
- عندما فتح المبدع خزانة الكلام
- يحيى الطاهرعبدالله وإعادة تشكيل الواقع إبداعيًا
- جمال البنا والتربص لكل مختلف مع الكهنوت
- مفهوم الوطن فى رواية بيوت بيضاء
- شهر زاد على بحيرة جنيف
- عبدالرحمن أبوعوف وثنائية الإبدع والقمع
- ثمن الحرية وحصاد عام من الدم
- جميل عطية إبراهيم والتأريخ بلغة فن الرواية
- العلاقة بين (المواطنة) و (القومية)
- النبل والبؤس فى طاحونة الحياة
- سناء المصرى : ضميرحى وعقل حر
- التنوير المصرى والجامعة الأهلية
- بورتريه لابن عمى المليونير م . م
- تونا الجبل : ميلاد مُتجدد للحضارة المصرية


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلعت رضوان - كول عناب - قصة قصيرة