أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب ضاهر - فتنة المرايا 5















المزيد.....



فتنة المرايا 5


رحاب ضاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1070 - 2005 / 1 / 6 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


( 9 )
المرآيا حولي كثيرة ومتنوعة, وأنا ضائعة أنظر فيها فلا أعرف نفسي ولا أرى وجهي. لا أعرف ماذا أريد, ولأي مرآة أنظر.
أريد أن أحارب, أن أحرق العالم, أن أسيجه بحدود حمراء, أريد أن أوقف دوران الأرض, سأقشر بالسوط صرح البغاء, وأقذف جماهير التزيف بكرات النار لتحرقهم وتطهرهم من الفساد, لا شيئ يطهر العالم سوى النار. النار التي تحرقني وحدي دون الاخرين .
هذيانات أرددها فيرجع الصدى من المرآيا, كل شيئ حولي مزيف وأنا وحدي وحيدة والعالم كبير, كبير جداً, لذلك يجب أن أكون داخل العالم, ومثل الناس حتى لا أكون وحيدة ومتخلفة ومعقدة وخارجة للتو من عصر أهل الكهف.
يجب أن أكون أقوى من الأحزان, أعنف من الجراح, أكبر من مشاعري الصغيرة المرتبكة, سأفرش قلبي سجادة من نار وأحجار وأسير عليها حافية هادئة قوية لا أتألم ولا أتأثر. سأتحول إلى فتاة عصرية, عصرية جداً, وأغير كل المرآيا وأتحرر من قيودي, وأحطم سجن التقاليد والدين وأخرج للحياة بوجهٍ جديد, وجلدٍ جديد, ومرآيا جديدة ومتعددة الإنعكاسات.
لماذا أنا معقدة؟! ورجعية؟! ومتخلفة؟!
لماذا جسدي محرم عليّ أن أحرره من نزف الكبت وإخفاءه عن العيون المذكرة؟! ولماذا علي ان ادقق كثيرا في الثواب والعقاب ان كنت سأدخل جهنم فلن اكون فيها وحدي فلماذا الدين حاجز يصعب القفز فوقه؟! لماذا يحشر أنفه في تفاصيل حياتي وفي خصوصياتي؟! والنار بالمرصاد لكل صغيرة وكبيرة أفعلها, لماذا دائماً أسأل أين الحلال وأين الحرام؟ ولماذا المحرمات يفوق عددها المسموحات, هذا حرام, ذاك حرام, ذلك نهى عنه الشرع, إياكِ أن تضعِ قدميكِ هنا فهذه حافة جهنم, ابتعدي عن ذلك السياج فهو يشرف على جهنم.أيها الدين ارحمني من عقوباتك على كل ما أقول وأفعل, أريد أن أكون حرة, أتنفس كما أريد, وأضحك كما أريد, وأخرج جسدي من تحت العباءة دون خوف أو عقاب, أريد أن ألحق بركب الحضارة فأنا جميلة بل مثيرة , فلماذا لا أكون حضارية وأشتري أقنعة الخداع وألبسها حسب المناسبة التي تقتضي ذلك.
كنت تائهة داخل مرآيا القلق والدين, أضيع داخل متاهات الأشكال والأحجام, أبحث عن انعكاسات الحقيقة والتعرية. رغبة مسعورة تنهش أحشائي, أفكاري شيطان بعيون حمراء لا تميز الأسود من الأبيض, الرؤيا أمامي غائمة, ونداء غامض أسير وراءه ولا أعرف إلى أين يقودني! لماذا لا اتعوذ بالله من الشيطان وأعود إلى قوقعتي وأقفلها عليّ بإحكام وليغرق العالم بأسره ما دامت أمي وسيلتي للنجاة معي؟! ماذا يهمني من "سعود"؟! وأبيوصديقة امي, وكل العالم الملوث بأدخنة الفساد؟!
صوت عذب رقيق يناديني: "عودي يا صغيرتي أدراجك, وارفعي ستائر الحرير وادخلي الجنة راضية مرضية". لكن, أنا لم أعد صغيرة ونقية, القوقعة لاتتسع لي وللثقب الذي أحدثه "سعود" في جسدي, ثقب لا يهدأ ويثور وتخرج منه أسراب العصيان و التمرد, الثقب الذي يكبر ويتسع ليصبح حفرة عميقة في جسد الأيام.
بدأت بأبي, أتجسس عليه, ليس أبي فقط بل على كل هواتف المدينة, أتلذذ وأنا أستمع كيف تئن خطوط الهاتف من وطأة الخيانات وثقل الخطايا. كنت لا أجرؤ على النظر إلى وجهي في المرآة حتى لا أرى ذلك الإشعاع الذي يبرق في عيوني, أخاف أن أنظر إلى خبرتي التي تنمو بشراسة, وجرأتي تتطاول وتعربش على ارتباكي. أصبحت ثابتة الجنان, وأمتلك قدرة هائلة على الكذب والتملق والخداع والإغواء, أراقب أبي دون أن يلاحظ, أغدق المال على سائقه الخاص وأستميله إليّ ليطلعني على أسراره.
عرفت كل زواياه الخفية ومواعيده, أحاديثه الهاتفية مسجلة على أشرطة لديّ, وصلت إلى دقة عالية في الجاسوسية وجمع المعلومات لدرجة أنني حصلت على نسخة من مفاتيحه الخاصة وخصوصاً مفتاح شقته السرية التي يخلع فيها عقال الإستقامة, ويرتدي شورت الإعوجاج.
أفكار ملعونة تهدر في رأسي, وتصرفات عمياء تقودني إلى اشعال النار في كل من حولي, أريد أن تستفيق أمي من غيبوبة الدين, تلك الغيبوبة التي أدخلتني بها ومددتني على سريرها. جرس وحشي يرن في رأسي, وطائر كاسر يصفق بجناحيه داخل صدري, لأسلم أمي بيدي إلى قدرها, أقودها إلى مرآة أبي السرية. إلى مرآة الفتنة التي لم تنظر إليها. ولم يدر بخاطرها وجودها في أثاث منزلها.
طلبت منها أن ترافقني إلى شقة أبي حيث كان في وضع يشبه تماماً وضع "سعود" مع صديقتها ، يلتهم الرمان المحرم ويلعق العسل وجرسه يدق بعنف .
لم ينخفض بصري, وأنا أراه عارياً, بل على العكس كنت أتفرس في مرآياه العارية, واستعيد صورته المسروقة منذ الطفولة . أتفرس في الإنعكاسات القاتمة, أرى دخاناً أسود يتصاعد منه ويغطي المكان, دخان كثيف يطبق على أنفاس أمي ويخنقها لتقع مغشياً عليها, وأبي يصرخ وينهال عليّ ضرباً وركلاً, بقيت مسمرة لا أتحرك, أصبحت جامدة بلا إحساس.





( 10 )

لم يجد أبي في كتب الفقه والتفسير حجة ساطعة يضعها أمام أمي لتقتنع, كما فعل في الماضي عندما بدأت أحواله المالية تزدهر وتكبر ليصبح من كبار التجار, حينها حلق ذقنه وشذبها وأطال ثوبه, استنكرت عليه أمي ذلك لأنه يخالف سنة رسول الله ويطيل ثوبه استكباراً واستعلاءً, أقنعها حينها بأنه سأل إمام المسجد فقال له لا حرمة في ذلك طالما لا يقرب ما يغضب الله, فهو يجتمع برجال عرب وأجانب ويجب أن يكون مظهره أنيقاً.
أنا أيضاً عندما غيرت جلدي وقصصت ظفائري واشتريت ملابس العولمة أقنعت أمي أنني سألت دكتورة الشريعة في الجامعة فقالت أنني طالما لا أظهر زينتي أمام الرجال فلا حرمة في ذلك.
لكن, هذه المرة لا يوجد مخرج شرعي لإقناع أمي التي كانت دائماً خاضعة لأبى, لا تصوم النافلة إلا بعد أن تستأذنه, حتى عندما يسافر تطلب الإذن بالصيام في غيابه. كانت حياة أمي الزوجية قائمة على الطاعة العمياء حتى تدخل الجنة عملاً بالحديث الذي يقول: "أيما إمرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة", ولطالما عرضت على أبي أن تزوجه إمرأة ثانية لتنفيذ الشرع, لكن أبي كان يرفض أن يطبق شريعة مثنى وثلاث ورباع, فهو لا يريد أربع نساء فقط. لكنه يريد نساء الأرض أجمعين.
لم تقبل امي أي كلمة لتبقى مع أبي كانت تردد فقط الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة, لذلك لا مفر من الطلاق, لكن, لم يكن هذا ما اريده, أردت أن يعود أبي إليها لا أن يتركها, كانت غايتي طاهرة, فكيف تحولت إلى قاتلة؟ كيف حصل مالم يكن في حسباني ومخططاتي, مرضت أمي, أصيبت بجلطة دماغية أدخلتها في غيبوبة, أردتها أن تخرج من غيبوبة الدين فدخلت في غيبوبة الدماغ.
كنت أحس أني ملطخة بالدماء, الدم يسيل من شقوق المرآيا في جسدي والندم يأكاني, يحاصرني, يقتلني.
لماذا فعلت ذلك؟!
لماذا لم أدع أمي تعيش هادئة, هانئة, مطمئنة, تصلي وتسعى حثيثاً في طلب الجنة؟! وليعبد أبي طريق جهنم بالخطايا والمعاصي. حالة أمي تزداد سوءً يوم بعد الآخر, وأنا أتوه في دوائر اليأس, وأدعو الله أن تبقى أمي على قيد الحياة, أن تبقى على حافة الحياة ولو مجرد خيال أمامي حتى يبقى آخر خيط بيني و بين الله مربوطاً, حتى أحارب الشيطان الذي ينمو في خلايا جسدي وأكسر المرآيا التي فتنتني, وأسترجع "نور", وأدفن "جاكي" و"سعود" إلى الأبد, حتى يبقى نبض الإيمان في قلبي أريد أمي, أريدها لتخرجني من الظلمات إلى النور.
لكن أمي رحلت وأخذت معها الصفاء والدين ونور الصغيرة, انقطع الحبل السري بيني وبين الله.
أمي الطيبة, تراها الآن تنعم بالجنة التي كانت تسعى في طلبها!!

أصبح كل شيء حولي يشبه وجه الموت, له رائحة الموت, ولون الموت. أبي نادراً ما يأتي إلى البيت, وإذا حضر أتجنب أن ألتقي به, أو أكلمه لا أجر على النظر إليه, أرى أمي تتساقط من ثقوب عينيه وأنفه. "سعود" يلوح لي كشبح يصارع الأمواج في بحر متلاطم المرآيا, تارة يظهر على صفحة مرآتي بلون أسود, وتارة أخرى يغوص في أعماق ذاتي القاتمة. أشعر بالحقد على كل شيء حولي, أبقى سجينة في غرفتي لا أفارقها, أعاقب ذاتي على جريمة ارتكبتها مع سبق الإصرار والتصميم, أنزل على روحي أقصى العقوبات لأنني اغتلت أمي. أغط في نومٍ متعب, لا أطيق الصحو, أريد ان أغيب عن الوجود لأنسى أمي التي كانت صلواتها تتردد في أنحاء البيت, وأذكارها تتطهر قلبي من الرجس, اين يدها لتضعها على صدري وتتلو عليه شيء من الصحف المقدسة, أين تعويذتها لتغسلني بالثلج والماء والبرد وتنقني كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
لا أحد معي يأخذ بيدي ويواسيني, أبي تقبل وفاة أمي بشكل طبيعي وتلقائي, وعاد ليمارس حياته العادية وكأن شيئاً لم يكن. أقلب الأشخاص فلا أعثر على أحد يحاول مساعدتي للخروج من دائرة العذاب التي أدور داخلها حول نفسي.
وكأن كان ينقصني " وفاء" لاستكمل رحلة الفراغ والعبث ، " وفاء تلك الصديقة التي اعرفها في الجامعة ولاتتعدى احاديثنا سوى تحية الصباح وتبادل بعض الاسئلة حول المراجع والكتب ،جاءتتعزيني بوفاة أمي وتعتذر عن تأخرها لأنها كانت مسافرة.
كانت السماء تصر أن تصب لعناتها عليّ, فبدايةً نزل عليّ "سعود" كالصاعقة فأحرقني, والآن "وفاء" تجتاحني كعاصفة لاتبقي ولا تذر.
"وفاء" علامة فارقة في طريقي المظلم, منحنى خطر الإنزلاق والإنحراف, كانت المداخل السرية لبوابات المدينة المحاطة بتقاليد الأعراف والأجداد والدين المتوارث عبر الأجيال, المخارج العلنية لدهاليز النفاق الديني, وجسر إلكتروني لضجيج الإختلاطات الأنثوية الذكورية, ثورة سرية على مملكة العباءة, تعيش وحدها في قصر كبير يضج بالخدم, بل بالجواري والعبيد, تبدو كأميرة من العصر العباسي, تأمر فتطاع, تغضب فتهز أرجاء القصر, والدتها مطلقة منذ أن كانت طفلة ولاتلتقي بها الانادرا, ووالدها مسؤول كبير في الدولة.
كانت تطفو ليلاً على سطح المدينة لتكسر الحواجز الإجتماعية, وتدوس التقاليد, وتحل الروابط الجنسية للأجساد المتنافرة, تضحك بسخرية واستهزاء من كل شيء, أعظم مصيبة لديها قيمتها ابتسامة ساخرة, الحياة لديها أقل من جناح بعوضة, الوقت منفي من حياتها, لاوجود للتوقيت الزمني في مفكرتها, الأمس لايعنيها, الغد المقبل ليس له شكل, وقتها هلامي القسمات مائع الساعات, كانت إمرأة الساعة الواحدة, الساعة التي تعيشها فقط, أما باقي الساعات فأعدادها مفقودة من تقويمها الزمني.
جلست امامها, كلماتي مشلولة, وصوتي مكسور ومثقل باللوعة والحرقة والتردد,تساليني عن سبب وفاة امي فلا اعرف جوابا سريعا يسعفني، كيف أبسط أمامها أسراري وأفترش البكاء على أرضها المزروعة بالحشائش البرية الشرسة؟! كل ما أذكر أنني بكيت بين يديها بحرقة, وكانت تنفث دخان سيجارتها بعدم اهتمام, وتتفوه كلماتها بكسل وإهمال,
- إهدئي, لاشيء يستحق البكاء, لا داعي لحرق أعصابك, خذي هذه السيجارة, وسوف تشعرين بالراحة, خذي سحبة طويلة واحرقي أحشاء السيجارة بدلاً من حرق أنفاسك.
أخذت سحبة طويلة كما أمرتني, وهي كانت تأخذ ما اقول كنكتة قديمة, وتنفث كلماتها في وجهي فتتصاعد إلى راسي كدخان سيجارتها المحروق:
- عادي جداً, الموت قدر ومكتوب كما يقول علماءنا, فأمك كانت ستموت سواء كنت أنت السبب أم لم تكوني, أمهاتنا جميعاً سيمتن قبلنا, وكذلك آباءنا, وهكذا الأكبر فالأصغر, ما لم يكن هناك إستثناءات قدرية, أما "سعودك" فهو رجل طبيعي جداً, هو البطل الجنسي في حياة المرأة القابعة خلف أسوار التقاليد, والشبق المخنوق في الصدور, يستدرجك إلى مخدعه متهماً إياك أنك معقدة, أنت ترفضي أن تكوني معقدة, تذهبي لمضاجعته لتؤكدي له أنك بلا عقدة, ثم بعد أن يقضي وطره منك يقول أنك متحررة ويرفض أن يتزوجك لأنك وأمثالك ليسوا أهل ثقة, هذا الرجل الشرقي هو دائماً كذلك, أنظري حولك العالم بأسره يتسكع هنا على رصيف الكورنيش, أميركا بوجباتها السريعة, بيتزاهت, ماكدونالدز,هارديز, كنتاكي, البيك, الملابس العالمية تلتصق على أجسادنا وتبرز معالمه الحادة, مانجو, زارا, برمود, تشاس, المفروشات العالمية أيضاً لراحة أجسادنا, البيت الأمريكي, البيت الصيني, البيت الياباني, الأندلسي. نقتني أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا السيارات كاديلاك, مرسيدس, فورد, تويوتا, جاكوار. كل شيء للرفاهية متوفر, كل شيء حضاري نستورده ونستحضره ويبقى الكبت والتقاليد الموروثة كابراً عن كابر, ويبقى الحصار خلف الحصون المنيعة, رغم أننا شعب عصري نلعق أقدام الحضارة الغربية, ونلهث وراء آخر صيحة في عالم الموضة لنستعرضها على أجسادنا, و يبقى الجهل متربعاً في عقولنا يحكم ويأمر.
تدخن وتسخر من كل شيء, كلماتها متباعدة ومتنافرة لا يربطها رابط كأن الرياح تعبث بها فتتطاير مثل قصاصات الورق هنا وهناك تختصر تفاصيل الواقع, ووجع الأيام بكلمات نافرة:
- صلاة ... صلاة ينادي المطوع على الصلاة ويصرخ في الأسواق لإقفال الحوانيت وأداء الصلاة, يغلق البائع دكانه, ويذهب ليتسكع في الممرات الخلفية فيفاجأ بوجود المطوع يتسكع مثله حتى انقضاء وقت الصلاة. "غطي وجهك ياحرمة" نغطي وجوهنا بإحكام ونغلق العباءة بالمفتاح ونفتح غرائزنا لأول انزلاق جنسي مع العامل المصري او البائع اللبناني الوسيم,نستمتع ونشهق ونزفر, لكن نرفض أن نتزوجه لأنه دون مستوانا الإجتماعي, وليس ابن حسب ونسب ولا يرجع إلى قحطان أو ابن عمه عدنان. نسافر إلى الخارج, ونرمي العباءة في المحيط, ونتعرى وتحرق جلودنا شموس غريبة ولا تلامس بشرتنا شمس بلادنا, وعندما نعود نرتدي العباءة في حمام الطائرة ونجلس أماكننا ونربط حزام الأمان ونخفي وجوهنا حتى لا تخدش تقاليدنا بكلمة أو نظرة. أي تناقض نعيشه ياعزيزتي جاكي بنت قحطان وعدنان أم "نور كنتاكي". هل تبحثين عن نقاء الصحراء ورائحة الشيح البري في الحضارة المعلبة في صفيح العادة السرية الشاذة؟! يجب أن تسايري موضة عصرك, وتعيشي الحياة دون أن تتعبي رأسك بالتفكير, الدين لله, والنفاق للناس, الماضي مضى لحال سبيله, والمستقبل لا وجود له, المال لا ينقصك سواء عملت أم لم تعملي, امنحي ذاتك الحرية وتحرري من سطوة الإزدواج الديني وكثافة ذقون المطاوعة, ارتدي عبائتك على الوجهين, وقسمي وقتك بين السر والعلن, والظاهر والباطن, واقلبي حياتك رأساً على عقب وابدأي المشي بالمقلوب.
كان "سعود" الكحل, لكن "وفاء" العمى بذاته, تتلمذت على يديها, حقنتني بأفكارها, صرت تلميذة نابهة على مقاعدها.
تشعل السيجارة تلو الأخرى, وتحدثني, تخدرني, تذهلني بمعرفتها ومعلوماتها, تغرقني في بحر الظلمات. ألهث وراءها, وراء عالمها المليء بالتناقضات, الملطخ بالعقد الإجتماعية, كنت مقيدة إليها, مبهورة بأضوائها. أعيد مراجعة دروس "سعود" ولكن بأسلوب أكثر تطوراً مع "وفاء". أصبحت مثلها لاماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل, ولا سطوة دينية تطبق على أنفاسي, أعيش اللحظة التي أنا فيها, وماعدا ذلك لايستحق الذكر, أدع الأيام تأتي وتمر دون أن أعيرها أي التفاتة. وأنا أسبح في بحر "وفاء" وأشرب من مياهها المالحة فيزداد عطشي وأغرق في حيرتي أمام مزاجاتها وأهوائها, تمارس الجنس بجشع وجنون مع الرجال الفقراء من طبقة الخدم, السائق الهندي, أو الحارس, تعلل ذلك بضحكة ساخرة وكلمات عرجاء:
- إنهم لخدمتنا, أليس ممارسة الجنس من ضمن الخدمات!!
لديها هوس بالجنس واكتشاف مجاهل الغابات الجنسية, تبحث عن كل ما يتعلق بالجنس, تحضر أفلام غربية ومتنوعة, كل يوم فيلم, هذا فيلم إيراني, وهذه الطريقة الفرنسية, الجنس الإيطالي وغيره, تتحدث الجنس بعدة لغات ولهجات وجنسيات. قلبت ليلي نهاراً, ونهاري ليلاً’ نبعثر الوقت في الأسواق, والثرثرة على الهاتف, والسهر حتى ساعات الفجر الأولى, تقيم حفلات ساهرة صاخبة تضج بالرقص والشرب, والإختلاط. كانت تهوى الرقص بجنون, ترقص حتى يتصبب العرق منها بغزارة, ترقص حتى تقع على الأرض, تقول أنها تجد ذاتها في الرقص, تعبر عن رأيها بالرقص, تشعر أنها حرة بلا قيود حين ترقص.
حياتها مليئة بالحيرة والغموض وعلامات الإستفهام فهي تبدو قاسية وساخطة, لكنها رغم انحرافها وشبقها الجنسي وكراهيتها لرجال الدين كانت تؤدي الصلاة بانتظام وتتلو القرآن وتقرأ كتب تتعلق بالفلسفة وتحب الشعر, كانت عكس الآخرين تكشف الفساد والإنحراف, وتمارس طقوس الدين بالسر والخفية عن عيون الناس, تبرر هذا التناقض بتناقض أكبر:
- هل من المعقول أن يدخلني الله جهنم لأني أشرب قليلاً من الخمر وأمارس حق جسدي, أليس لبدني عليّ حق؟ فلماذا لا أمنحه حقه! هل يدع الأشرار الذين يشعلون الحروب بين الأبرياء ويسعون في الأرض فساد دون عقاب, ويفكر في عقاب فردي لي, إن بيني وبين الله علاقة حميمة لا أحب أن أقطعها ثم إن الصلاة والصوم اختيار شخصي نمارسه على طريقتنا الخاصة.
تراها كانت تحلم هي الأخرى بالجنة بعد توقفها لعدة سنوات في جهنم؟!!












( 11 )

وسط هذا الإنزلاق المشحون بالدبق والفوضى, كنت أكتفي بالمشاهدة, بالوقوف على الحافة دون الدخول في وسط الضباب الملوث بدخان الإنحراف, كان لازال داخلي بقايا من الرماد الحارق الذي يردعني عن ارتكاب الكبائر, فلم أكتشف مذاق الخمر, ولم أقرب الزنا, لأني كنت مع "سعود" إمرأة عاشقة, تتعلم لأول مرة لغة الجسد, لكني الآن إمرأة ضائعة تكتفي بمشاهدة مرآيا "وفاء" والضياع داخلها لأنسى خيبتي, مرارتي, لم ألهث وراء الجنس كردة فعل معكسة لصدمتي مع "سعود", علاقاتي لم تتعد ملئ الفراغ والتسلية والعبث. أهدر الوقت على خطوط الهاتف.
كنت أحس أني غريبة في هذا العالم الطافي على بحر النفايات, دخيلة على هذا المستنقع, أريد الخروج منه والإغتسال لأمحو عن جسدي آثار التلوث, أريد ان أغير حياتي وأصحح مسارها أن أكون مثل باقي النساء, أن يكون لي زوج وأولاد.
تعرفت على شاب أحسست معه بالأمان, بالأمان وليس الحب, لأن الحب لم يعد يعبر على جسوري, كنت أريد الوصول إلى مرفأ للأمان. لذلك عندما عرض عليّ الزواج لم أتردد أبداً, قبلت عرضه, أردت أن أمنح ذاتي حياة جديدة صادقة, خالية من الشوائب, أريد أن أبني عالمي على اساسات صلبة وأدفن تحتها كل النفايات, اردت الصدق والوضوح والصراحة, أردته صديقي ومنقذي.
لكن, الرجل في حياتي دائماً فخ أدخله بثقة وخشوع, الصراحة خطأ يجب الإعتذار عن اقترافه.
صارحته بقصتي مع "سعود", قال لي بكل احتقار أنه لايمكن أن يتزوج ساقطة, لايأكل فضلات الآخرين.
كيف غابت عن بالي هذه الحقيقة؟؟ كيف لم أعِ أن "سعود" كان يقصد أني ساقطة عندما قال لي أنه لا يتزوج فتاة متحررة؟؟ كيف لم أعِ أني أسقط.


أنا ساقطة وهو وغيره من الذين يمارسون الجنس دون شعور ألسوا ساقطين؟! أليس هو ساقط, وكذلك أبي, وسعود؟! أم أن الذكر لا يسقط؟! بل دائماً يرتفع ويعلو, كلما مارس الجنس زاد تحليقه وارتفاعه, والمرأة تهوي وتنحدر لتصبح ساقطة وعاهرة.. لماذا تمحى اخطاء رجالنا الشجعان جنسياً, وتبقى هفوتنا دمغة على جباهنا؟؟ لماذا تصقل موهبته المغامرة الجنسية؟! ونحن نفقد الموهبة؟؟ لماذا يذهب شرقاً وغرباً وعندما يأتي ليتزوج لا يقول له أحد أنت ساقط؟؟
ساقطة, أرددها بداخلي فأحسها تتدحرج من فمي إلى قدمي وتتساقط وتبقى السين عالقة في حلقي, ساقطة أسمعها ترتطم بمرآيا جسدي فتتكسر وتتساقط, ساقطة ترتطم بأثاث المنزل ليتساقط هو الآخر, ساقطة ترتطم بالكرة الأرضية فتتساقط هي أيضاً, ساقطة ترتطم بسعود فيعلو ويرتفع فوق راسي.
ساقطة هذه الحقيقة التي لم أعيها ولم أفكر بها, ساقطة تعني عاهرة, ولكن لست وحدي الساقطة, فلماذا أعاقب وحدي!! ولما يرفض الزواج بي؟؟ لماذا يذهب شبابنا الفحول إلى أوروبا وأميركا ويتزوج الأمريكية ويعود إلى بلده يمسك بيدها ويستقبل استقبال الفاتحين, برغم أنها لا تكون عذراء, وليس هو أول داخل بها, يعود وكأن معه مفتاح مدينة باريس أو عمدة نيويورك, أما أنا, فأنا ساقطة ويجب اقامة حد الرجم عليّ.
هناك مئات الرجال الذين يتهافتون على الساقطات في النوادي الليلية والمراقص ونرى صورهن على أغلفة المجلات, وتفرد الصفحات الطوال للحوار معهن, لماذا عندما تكون الساقطة مشهورة تصبح فنانة موهوبة ونجمة كبيرة في عالم الفن وتحصد الجوائز, ويتسابق الرجال للحس قدميها, وتنهال عليها عروض الزواج من كل رجال الأعمال, ويصفق الجميع لسقوطها الباهر. وعندما تكون فتاة معتمة مثلي خارج دائرة الأضواء تصبح ساقطة وتقذف بالحجارة والمنجنيق؟!
الآن, سوف أرقص مثل "وفاء"و الآن فقط عرفت لماذا ترقص حتى آخر رمق فيها, إنها رقصة الخيبة على أنغام السقوط, الجرح يأخذ شكل رقصة سامبا أو رومبا أو رقص شرقي أو خليجي, لا يهم اسم الرقصة, المهم إتقان الجرح, أن أتلوى, أن ألتحم مع الشيطان لأرقص رقصة السقوط المسعورة, رقصة جميع الساقطات اللواتي أسقطهن المجتمع ورفع الرجال, الرجال الذين يسقطون عالياً.
أين هي "وفاء" لتشاركني الرقص على أنغام السقوط؟؟ كم هو موجع السقوط؟ كم هو لاذع طعم السين الساقطة, قاف الحريق والقلق, طاء الإرتطام بالسقوط!!
ساقطة... ساقطة... ساقطة أردد طبقاتها الصوتية وأرقص على معانيها, أتلوى من ألم السقوط على قفا الحقيقة.
أنا فضلة "سعود", أنا قطعة الحلوى التي لحسها "سعود" فلم تعد صالحة للأكل!!
أنا ساقطة لأني صريحة وواضحة وصادقة في مجتمع يختبئ في سواد الغش والنفاق الديني.
ساقطة؟؟ لماذا؟؟ هل كنت أبيع جسدي وأقبض ثمنه بالدولار؟؟ هل كنت أمنح الجنس مقابل النفط حتى أسقط في بئر النفايات الإجتماعية؟؟
ساقطة لأني كنت أهب نفسي صدقة جارية لمبرات الحب, الحب الذي لم يعرفه "سعود" والآخرين.
ساقطة في نظر ذلك الشاب لأن قطرات حمراء من الدماء لن تسيل على حوافي الشرف الرفيع؟؟ ساقطة لأنه لن يريق دماء عذريتي على شراشف رجولته!!

























( 12 )

لم يكن هناك أحدٌ ليستمع إلى طقطقة سقوطي وتكسر أحزاني إلا "وفاء", التي حاولت جاهدة أن أبتعد عنها وعن عالمها ومجونها, لكن السقوط يتجه ناحيتها.
دموعي تتساقط وكلماتي تتدحرج أمامها, تنفث دخان سيجارتها بهدوء وتبتسم ابتسامة زرقاء مغبرة, وتتقيأ كلمات سوداء:
- دائماً مشاكلك بسيطة, حلولها سهلة وسريعة, لو أخبرتني أنك ستتزوجين كنت أرشدتك إلى عيادة الدكتور "سالم" لرثي وترقيع الأعراض المثقوبة, أشهر جراح لإقفال ثقوب السقوط في وجه المجتمع.
هذياناتها تختلط بدخان السجائر, تبدو كعرافة أو راوية تاريخية لأحداث المجتمع وفضائح الناس, حكاياتها كألف ليلة وليلة, أو رحلة السندباد في بلاد الغرائب والعجائب, تسحبني من واقعي لتدخلني سراديب الفساد, تقف وتفتح يديها وكأنها على خشبة مسرح عبثي وتبدأ السرد.. تجري المشاهد دون ترابط, وتبدأ دون مقدمات وتنتهي بلا خاتمة:
- فقط تريدين رتق الثقب الذي أسفل بطنك, إنه يفعل أكثر من ذلك, يعيد إليك بطنك المسطح إن كان قد انتفخ نتيجة التقاء الحيوان المنوي بالبويضة, ألم تسمعي قصة تلك الفتاة التي من عائلة كبيرة ومحافظة, لاتخرج من منزلها إلا نادراً وبصحبة والدتها, تأتي لزيارتها صديقة حميمة وتقضي في غرفتها يوماً كاملاً بحجة استذكار الدروس معاً.. بعد فترة انتفخ بطنها وامتلأ بالخطيئة الأزلية.
الصديقة الحميمة يا عزيزتي لم تكن سوى صديقها الحميم يأتي متنكراً بالعباءة والبرقع ويدخل غرفتها على مرآى من عائلتها المحترمة, ولك أن تتصوري ما يمكن أن يحصل بين الكبت والكبريت, بين التقاء خطوط الطول بخطوط العرض!! ورغم فداحة المصيبة كان حلها من أسهل ما يكون, مشرط الدكتور "سالم" لإفراغ نفايات الجنس الملتوية, ثم ابرته الذهبية لرقع الثقب, ثم تزوجت ابن عمها الذي كانت مخطوبة له منذ الصغر.
تتوقف فجأة, ودون سابق إنذار, وتتحول ملامح السخرية إلى تقاطيع الجد والصلابة وتصرخ بوجهي:
- ايتها الغبية الساذجة, تبحثين عن الصراحة والبياض في مجتمع يتغذى بالأوكسجين المحترق, ويساهم في توسيع ثقب الأوزون, ويؤذي سمعه ثقب البكارة!! لم تريدين أن تكوني نقطة واضحة في مستنقعات الوحل, رغم كل ما مربك من كوارث بشرية لم تتعلمي, ولم تتطوري, ولازالت عجلات الخداع تهرسك كحبة بطاطا مسلوقة!!
تضحك بمرح وتقول لي:
- جميل حبة بطاطا مهروسة, نعم أنت بطاطا مهروسة اسم فني جميل أليس كذلك يا صديقتي, يجب أن تكوني أنت من تهرس الآخرين, الآخرين أكوام بطاطا مسلوقة وعليك أنت أن تدوسي عليهم خذي هذه الكأس واشربي.
هذه المرة.. في هذه الخيبة لم تقدم لي سيجارة, بل كأساً من الويسكي الفاخر.
قالت بحزم:
- "اشربي علشان تصيري بني آدمة بتفهم وبتدوس", الشراب سيطورك ويجعلك محلقة.
كان مذاقة لاذع كطعم السقوط, أحس بدوخة خفيفة, دوخة لذيذة, أترنح شمالاً ويميناً, نعم هذا ما كنت أريده الترنح لا السقوط.. أن أبقى واقفة ومترنحةلا منبطحة وساقطة, السكر يجعلني بلا قيود, أصبح لا مبالية بما يدور حولي أو أمامي أو حتى خلفي.
أحس بأني أعيش في مدينة واسعة وكبيرة خالية من العمران والطرقات والبشر, أحلق متى أشاء وأهبط متى أشاء, أركض, أمشي, أبكي,أضحك, أنام, ليس لأحد سلطة على تصرفاتي ومزاجاتي.
لم يعد ممكناً أن أبقى شاهدة على الإنحراف, وأكتفي بالجلوس في الصفوف الخلفية.
كان يجب أن أدخل عالم "وفاء" وأصبح فاعل بعد أن كنت مجرد صلة وصل, لم أعد أكتفي بالوقوف على الهامش بل دخلت وسط الزحام واتخذت مقعداً لي. بدأت رحلة السقوط الحقيقية, كسرت حروف اسمي الأصلي وتقمصت شخصية "جاكي", طلبت من الجميع أن ينادوني "جاكي", أصبجت شرسة الطباع صفراوية المزاج, مخالبي مصقولة, الرجل فريسة يجب أن أنشب مخالبي في قلبه, استدرجه جنسياً ليدخل إلى سريري, وأكسر مرآيا جسده بعنف.
مطرقتي جاهرة لأهرسه كحبة بطاطا مسلوقة, أنا التي يجب أن أنفضه كرماد سيجارتي وليس هو, أنا من تمل جسده وأصرخ في وجهه بعد أن أقضي وطري منه "لا أريدك".
هو الذي يجب أن يسقط وأنا سبب سقوطه, يسقط عن سريري, سقط من لائحتي ليأتي ساقط آخر أدمغه بدمغة السقوط التي لاتمحى.
أكرر كلمة السقوط دائماً بصوت مرتفع وبصوت منخفض, أرددها داخلي بعدة لغات ونغمات فيرتد الصدى موجعاً في أنحاء جسدي ووخزاً في عظامي.
كنت أتلذذ برؤية الرجل يتدحرج أمامي ويتكسر بعنف. أحلق في كهوف مظلمة مثل خفاش عندما أراه يلملم ملابسه وحرجه وأنا أكيل الشتائم, وأقبح النعوت وأبصق عليه وأطرده عرياً دون شفقة, أئدُ شهواته في مهدها حتى أشفي غليلي وأروي جفاف حلقي من طعم السقوط المالح. ماذا لو كنت أنا الضحية؟؟ هل كان سيعطف عليّ, هل يرحمني؟؟ على العكس كان سيرجمني بالحجارة, ويستمتع بسقوطي وتكسر ضعفي أمام فحولته.
استمرت صراعاتي بين سقوط رجلٍ تلو الآخر عن سريري, وسقوطي في بئر الصقيع, بين خوفي من أن أضعف أمام الرجل والرغبة بالجنس والتماسك لأبقى قوية وعنيفة, أمارس الإرهاب الجنسي على مجتمع ذكوري التطرف. أصارع السنة اللهب التي تمتد لتلاحقني, وأبحث عن قطرة ماء أطفئ بها ناري المستعرة.

اصبحت أكره الجسد القاسي والعضلات القوية وخشونة الذقن وغلاظة المشاعر. أحن إلى جسدٍ مثل جسدي وبشرة ناعمة ورقيقة, أبحث عن صدرٍ طري يشبه صدري اضع راسي عليه ولا أخاف غدره, أريد شفاه رقيقة بدلاً من الشفاه الغليظة التي تنطق كلمة ساقطة بقسوة. أتابع جسد المرأة, تلفت نظري تقاطيعه وانحداراته المثيرة.
اشعر بشوق لأن أضم جسداً رطباً وحنوناً وجائعاً مثل جسدي, جسد لايشعر بتفوقه على جسدي, بل يقدر رغباتي ويطلقها على سجيتها دون أن يقف في وسط الطريق ويرفع لافتة كتب عليها "منحى خطر للسقوط". لم أعد أذكر كيف وجدت نفسي داخل فقاعة الشذوذ الجنسي الطرية, كيف تجاوبت لعطف ورقة صديقتي الشاذة؟!
اقترابها مني بخفة واصابعها تنزلق الى حلمتي بهدوء واصابع ناعمة تتحس ضعف جسديأثارت في داخلي هذه الأحاسيس ،التعاطف والحنان الذي وجدته مع الشواذ هو الذي دفعني للدخول إلى هذا العالم, فالإنسان الشاذ يكون حنوناً وعطوفاً على شريكه الآخر لأن المجتمع ينظر إليهم أنهم مذنبون وعار على المجتمع لذلك هم مخلصون لبعضهم البعض.
دخلت دائرة المثلية هرباً من رجل يستغلني وتمرداً على السقوط, فإمرأة مثلي لن تسألني عن الثقب الذي أسفل بطني من أحدثه, بالإضافة إلى مزايا كثيرة يتمتع بها هذا الحب "الفاسد" فهي تأتي لزيارتي في اي وقت من النهار دون انتظار سواد الليل للدخول إلى مخدعي تسللاً, والخروج زحفاً على البطن, تدخل غرفتي على مرأى من أبي, نتحدث على الهاتف حتى ساعات الصباح الأولى دون أن نسبب توتراً أو قلقاً لآبائنا. أذهب إليها ونقفل الباب, ولا أحد يشك بما يدور من جنس ناعم خلف الباب, نخرج إلى الأماكن العامة والأسواق دون خوف من ملاحقة المطوع الذي يطلب وثيقة الزواج لشرعية العلاقة.
انغمست في دبق الشذوذ لأعوض كل المشاعر التي أفتقدها, والورود التي لم يأتي بها "سعود" والرغبة التي انتظرت تحت جلدي كثيراً حتى سببت قيحاً شهوانياً.
أتدلل وأتمنع وهي تطلب ودي برقة وانكسار, نرقص معاً رقصة هادئة تداعب جسدي بأصابع ناعمة, تنتظر رغبتي أن تنزل عليها بهدوء على عكس الرجل الذي يلتهمني بسرعة دون أن يمضغ, ويرتدي ملابسه ويتسلل خارجاً, بينما هي تبقى بجواري تحتضن شذوذي, وتلاطف انحرافي ليطابق انحرافها.
ننسى الوقت والمكان, ننسى أنفسنا ولا نسمع أي صوت آخر سوى صوت الأجساد المتشابهة, لم نسمع أبي وهو يدخل علينا فجأة ويرى القيح على جسدي.
يا سماء انطبقي على الأرض, يا طوفان نوح أغرقني, يا مرآيا جسدي إنشقي وابتلعيني, يا ساحرات العالم السفلي حولنني إلى حجر إلى صخر, إحرقيني يا نيران الأرض وحولي جسدي الى رماد, ولكن لا يقع بصر أبي عليّ في هذا الوضع!
كنت أجري مثل فريسة مصابة, أهرب من نفسي, من أبي, من انحرافي, أركض وراء الموت, وأطارده ليأتِ إليّ, ليحملني على أجنحته السوداء إلى الجحيم.
كان لابد من إراقة دمي الفاسد ليطهر دنسي, تطايرت دمائي على المرآيا لتخفي الإنعكاسات العفنة, لكن, تم إنقاذي وبقائي على قيد الخيبة والسقوط!
حتى الموت الذي شرعت له أبواب جسدي, والسكين التي غرزتها في عروقي تأبى إلا أن أستمر في دوامة الضياع, ويسري الفراغ في دمائي, لم أكن متعلقة بحبال الحياة فلماذا تلتف حول خصري تشدني إليها لأعيشها بعذابها وسوادها؟! ألا يكفها ما أحرقت من سنوات وشهوات وخطايا على مذبحها؟! أفلا تمنحني الموت؟! لم أستطع أن أنظر إلى وجه أبي, لم أقدر أن أطلب الرحمة والغفران, لم يكن يحق أن أرفض العريس الذي إختاره ليزوجني منه ويخلص من عاري, من وجودي كشبح يطارده في حياته, من كوني عبء ثقيل عليه, فقرر أن يرمي بي إلى المحيط.

يتبع



#رحاب_ضاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس وقتها
- فتنة المرايا 4
- فتنة المرايا
- فتنة المرايا - 2
- فتنة المرايا-1
- سندريلا
- معرض بيروت للكتاب
- ايميلات عشق
- ايميلات عشق لرجل غائبا حتى في حضوره
- المتجردة
- حوار فضائي مع الشاعر سلطان الحداثة
- قارئة الفنجان
- عميلة!!
- سود شراشفنا
- new look
- خطان متوازيان
- أسئلة كثيرة يطرحها خالد غازي في نساء نوبل.. في دراسة عنهن
- مريم نور والنصب البديل
- خالتي ام مرهج
- بيضاء


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب ضاهر - فتنة المرايا 5