أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - نظيمة سعد الدين - الرسول عاشقاً















المزيد.....


الرسول عاشقاً


نظيمة سعد الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3623 - 2012 / 1 / 30 - 20:34
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


الرسول عاشقاً!!
عندما أحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب الرسول عائـــــــــــشة
أبـــــــــــــوة الرســـــــــــــول.. مـــــــــــــــن مـــــــــــعارك النبوة
بالابتسامة ..والتدليل..نواجه الخرس الزوجي

نظيمة سعد الدين
كثير منا يبحث عن الحب في مشهد من فيلم رومانسي أو بين حروف أغنية حب رقيقة..وربما على متن الباخرة "تايتنك".. وكثيرون يبحثون عن الرومانسية في آخر قطرة من زجاجة سم تجرعها روميو وحبيبته جوليت.. وآخرون ينبشون وسط الكثبان الرملية في صحراء "قيس وليلي"لعلهم يعثروا علية..بينما يغيب عن كل هؤلاء.. أن رسولنا الكريم هو أول من علمنا أصول الحب! تحت راية الإسلام، رفعت جميع الشعارات الدينية والاجتماعية والسياسية..ليبقى الحب في الإسلام هو الشعار المنبوذ، فكم منا فكر أن يستحضر سنة النبي في عشقه لزوجاته، وحنوه على أبناءة..أو كلمات حانية ولمسة عطوفة على احفادة ،مثلما يحاول تمثله في كل جوانب الحياة الأخرى؟!إن الحب الصادق الذي تعيشه الأسرة الواحدة يجعلها تتميز في حياتها بالسعادة والنجاح، وتخرج الثمار الطيبة من أبناء صالحين، قد تربوا على أحسن الصفات، وأفضل الأخلاق.
**الوفاء للذكرى ..منتهى الرومانسية:
في عصرنا هذا بمجرد أن تموت الزوجة ،تمحى ذكراها من بيته وحياته..وربما يتفقد زائراتها في سرير المرض أو المعزيات، ليختار أحدائهن ليستكمل حياته معها..أما إذا نظرنا للنبي صلى الله علية وسلم..فكان وفاءه لذكرى السيدة خديجة حاضراً..وبالرغم من عشقه لعائشة لكن هذا لم يجعله ينسى أو يتناسى حبا خالداً لزوجة قدمت له الكثير وهي أحب أزواجه إلى نفسه ، لا ينسيه خديجة.ففي لحظة صفاء يذكر لعائشة خديجة ، فتتحرك الغيرة في نفسها ، الرجل الذي يحب يتذكر أخرى ،وان كانت لها الفضل ما لها ، فتقول له : ما لك تذكر عجوزا أبدلك الله خيرا منها ( تعني نفسها ) ، فيقول لها ، لا والله ما أبدلني زوجا خيرا منها ، يغضب لامرأة فارقت الحياة ، لكنها ما فارقت روحه وما فارقت حياته طرفة عين..هذا اكبر دليل على رومانسيته ورقة مشاعره التي جعلت حب السيدة خديجة نابضاً في قلبه بالرغم من أنها فارقت الحياة..كثير من رجال هذا العصر يخجلون من مجرد ذكر أسماء زوجاتهم أو يتحرجون لو نطقت ألسنتهم بكلمة حب لهن.
ظل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على وفائه للسيدة خديجة زوجته الأولى طوال حياتها، فلم يتزوج عليها قط حتى ماتت، وبعد موتها كان يجاهر بحبه لها أمام الجميع، وكان يبر صديقاتها إكراماً لذكراها، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول: "ما غرت من أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صديقات خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد". (رواه البخاري). والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم هذا هو نبينا الكريم أعظم خلق الله وهذا هو سلوكه في معاملة المرأة ومعاملة زوجاته ...نعم أحب عائشة لكن قلبه أحب خديجة أيضا ، قلبه اتسع لأكثر من حب شخصين ، قد يحار في العقل إذا ما علمت رجلا أحب جماهيرا من الناس لا تحصيهم مخيلتك ، فالحب الذي زفه للناس حبا حملته اكف أيدي وقدمته للأمم ، عندما تحدث الله سبحانه وتعالى عن الأسرة، جعل الحب أساساً لكلامه: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، والمودة هي الحب. وقد جعل سبحانه الرحمة بعد المودة، لأنه إذا غابت المودة فيرحم الزوج زوجته، وترحم الزوجة زوجها فلن يكون هناك حب، أما إذا عادت المودة فسيعود الحب وحسن المعاملة بين الزوجين هي الطريق الوحيد لاستعادة الحب، أما القسوة والغلظة والقهر فهي التي تقطع الطريق أمام عودة الحب.
بالرغم مما يواجه الرسول من صعاب لم يمنعه هذا من الجلوس إلى زوجاته في لحظة صفاء بين زوجين يحدثها عن نساء اجتمعن ليتحدثن عن أزواجهن ويذكر لها قصة أبو زرع التي أحبته زوجته وأحبها ، وكانت تلك المرأة تمتدح أبو زرع وتعدد محاسنه ولحظاتها الجميلة معه وحبهما ثم ذكرت بعد ذلك طلقها منه بسبب فتنة امرأة ، ثم يقول لها رسول الله : كنت لكي كأبو زرع لأم زرع ، غير إني لا أطلق . فرسول الله هو ذاك المحب لمن يحب غير انه ليس من النوع الذي ينجرف وراء الفتنة فهو المعصوم عليه الصلاة والسلام.
أولويات الرجل في مسؤوليته عن الأسرة هي التربية ثم الإنفاق. إذا لا ينفع أن يدعي الرجل أنه أدى واجبه حين أنفق على أولاده وزوجته، فأين احتضانه لأولاده وحنانه عليهم وأين مودته للزوجة؟ كذلك فإن أولويات المرأة الحنان للرجل وتربية الأبناء ثم يأتي بعد ذلك العمل. من المهام الرئيسية للرجل أن يعطي الحنان للمرأة، وقد قال سبحانه: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن".وفي المرض ، حين تقترب ساعة اللقاء بربه وروحه تطلع إلى لقاء الرفيق الأعلى ، لا يجد نفسه إلا طالباً من زوجاته أن يمكث ساعة احتضاره عليه الصلاة والسلام , إلا في بيت عائشة ، لماذا؟ليموت بين سحرها ونحرها ، ذاك حب أسمى وأعظم من أن تصفه الكلمات أو تجيش به مشاعر كاتب.ذاك رجل أراد لنا أن نعرف أن الإسلام ليس دين أحكام ،ودين أخلاق ،وعقائد فحسب بل دين حب أيضاً ، دين يرتقي بمشاعرك حتى تحس بالمرأة التي ترتبط بها.حب لا تنقض صرحه الأكدار ، حب بنته لحظات ودقات قلبين عرفا للحياة حبا يسيرون في دربه.
هي عائشة بكل الحب الذي أعطاها إياه ، حتى الغيرة التي تنتابها عليه ، على حبيبها عليه الصلاة والسلام ، غارت يوما من جارية طرقت الباب وقدمت لها طبق وفي البيت زوار لرسول الله من صحابته ، فقال للجارية ممن هذه ، قالت : من أم سلمة ، فأخذت الطبق ورمته على الأرض ، فابتسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لصحابته ، غارت أمكم ! ويأمرها بإعطاء الجارية طبقا بدل الذي كسرته.أحب فيها كل شيء حتى غيرتها لمس فيها حبا عميقا له ، وكيف لا تحب رجلا كمثل محمد عليه الصلاة والسلام.
**التدليل باب من أبواب الرومانسية:
لم يتورع الرسول من تدليل زوجاته..فكان صلى الله عليه وسلم لا ينادي السيدة عائشة باسمها، إنما كان يدللها بعائش. وكان يطعمها في فمها بيده. وكان إذا جاءها الحيض(الذي يهجر كثيرين زوجاتهم خلال تلك الفترة..ويأخذوه ذريعة للزواج بأخريات حتى يعتزلوا نسائهم خلال الحيض!!) يبحث عن موضع شفتيها على الإناء حين تشرب الماء، فيضع شفتيه حيث وضعت شفتيها ليشعرها بالحنان. ويأخذها للفسحة كل أسبوع، ولم يتعلل أبداً بانشغاله بعمله أو مسؤوليته. وكان يلعب معها ويسابقها وتسبقه. وكان يكثر من إطعامها حتى يزيد وزنها فلا تسبقه. وحين يسبقها في العدو ويقول لها: ياعائشة وهذه بتلك. فتفهم أنه كان يتعمد الإكثار من إطعامها ليثقل وزنها ويكسبها في السباق.
وكان صلى الله عليه وسلم ضاحكاً في بيته.أي كان يضحك ويُضحك أهل بيته. ولم يكن صامتاً مثل أزواج هذه الأيام حيث تشكو الزوجات من الخرس الزوجي. فيقلن: كان رسول الله يحدثنا ونحدثه، فإذا نودي للصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه. وكانت السيدة عائشة تجلس بالساعات تحدثه ويسمع منها وتسأله: كيف حبك لي؟ فيقول لها: كعقدة الحبل. تقول فكنت أتركه أياماً وأعود لأسأله: كيف العقدة يا رسول الله؟ فيقول عليه وسلم: هي على حالها.وكثير من الرجال الآن يسببون الأذى لمشاعر زوجاتهم حين يقول الواحد منهم لزوجته: توقفي عن الرومانسية، أنا لا أستطيع أن أقول كلام الحب لكي.
**النطق باسم الزوجة ..وتقديمها علية للتعبير عن الحب:
عندما تتخافت الأصوات عند ذكر أسماء نسائهم، نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع. فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) :"أي الناس أحب إليك. قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها". (رواه البخاري).في الوقت الذي يتحرج فيه الكثيرين عن ذكر أسماء زوجاتهم!!
وعن زوجته السيدة صفية بنت حيي قالت: "أنها جاءت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتنصرف، فقام النبي ( صلى الله عليه وسلم) معها يوصلها، حتى إذا بلغت المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال لهما: "على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي". (رواه البخاري)
ودونك هذا الخبر الطريف: عن أنس - رضي الله عنه - أن جارًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسيًا كان طيب المَرَق، فصنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء يدعوه، فقال : (وهذه؟) يعني عائشة، فقال الفارسي: لا، فقال رسول الله : (وهذه؟) فقال: لا، فقال رسول الله : (لا)، ثم عاد الفارسي يدعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (وهذه؟) فقال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله. رواه مسلم. فانظر كيف فعل رسول الله ، وكيف أبى في هذا السياق أن يدعى وحده.وبلغ من إظهار الرسول لحبه لأزواجه - ولاسيما عائشة رضي الله عنها - أن تعالم الناس بذلك، عن عروة قال: كان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرها حتى إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة. رواه الشيخان. وعن عمرو بن غالب أن رجلاً نال من عائشة عند عمار بن ياسر فقال: أعزب مقبوحًا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله؟!أرأيتم؟! فما لأحدنا اليوم يخجل من أن يظهر حبه لأهله ويستحيي من أن يعبر لزوجه عما يكنه لها من مودة ومحبة؟!
**عاشق في كل الظروف:
لم تستطع السيوف والدماء أن تنسي القائد (رغم كل مسئوليات ومشقة الحرب بما تحمله من هموم) الاهتمام بحبيبته، فعن أنس قال: "...خرجنا إلى المدينة (قادمين من خيبر) فرأيت النبي يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب" (رواه البخاري)، فلم يخجل الرسول – صلى الله عليه وسلم- من أن يرى جنوده هذا المشهد، ومم يخجل أو ليست بحبيبته؟! ويبدو أن هذه الغزوة لم تكن استثنائية، بل هو الحب نفسه في كل غزواته ويزداد..فوصل الأمر بإنسانية الرسول الكريم أن يداعب عائشة رضي الله عنها في رجوعه من إحدى الغزوات، فيجعل القافلة تتقدم عنهم بحيث لا تراهم ثم يسابقها.. وليست مرة واحدة بل مرتين.. وبلغت رقته الشديدة مع زوجاته أنه يشفق عليهن حتى من إسراع الحادي في قيادة الإبل اللائي يركبنها، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان في سفر وكان هناك غلام اسمه أنجشة يحدو بهن (أي ببعض أمهات المؤمنين وأم سليم) يقال له أنجشة، فاشتد بهن في السياق، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) "رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير".. (رواه البخاري).
وبغض النظر عن السعادة التي يتمتع بها أي إنسان في جوار رسول الله، فإن زوجات نبينا الكريم كن يتمتعن بسعادة زوجية تحسدهن عليها كل بنات حواء، فمن منا لا تتمنى أن تعيش بصحبة زوج يراعى حقوقها ويحافظ على مشاعرها أكثر من أي شيء، بل ويجعل من الاهتمام بالأهل والحنو عليهم وحبهم معيارا لخيرية الرجل صلى الله عليه وسلم "خيركم.. خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". (رواه الترمذي وابن ماجة). وتحكي عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إناء واحد، فيبادرها وتبادره، حتى يقول لها دعي لي، وتقول له دع لي.
وعلى كثرة عددهن كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القائد والرسول يتفقد أحوالهن ويريد للود أن يبقى ويستمر فعن ابن عباس قال: "وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ثم يدخل على نسائه امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن. فإذا كان يوم إحداهن كان عندها". (فتح الباري، شرح صحيح البخاري).فكان المثل الأعلى في التعامل مع زوجاته فلم يفرق بينهن وكان يداعبهن ففي إحدى المرات حينما أقبلت سوده بنت زمعة إليه في حجرة عائشة وقد جلبت طعاما غارت عائشة وقالت لها _فيما معنى كلامها_ إن ترفعه وان لم ترفعه فإنها ستلطخ وجهها بالطعام ... فأبت سوده فلطخت عائشة وجهها فضحك النبي وقال لسوده اقتصي منها فلطخت سوده وجه عائشة واخذ كل منهما يلطخ وجه الأخر بالطعام حتى اقبل عمر فرحلتا.
**التعاون ..خير معين على تحمل الأعباء:
في الوقت الذي يتصور كثير من الرجال أن علاقته بزوجه علاقة الآمر بالمأمور ،والمتبوع بالتابع والمخدوم بالخادم، ومن ثم فعليه الأمر وعليها الطاعة، وعليه أن يستلقي في الدار وعليها أن تقوم بكل شيء، عليه أن يوفر القوت وعليها أن تدفع ثمن ذلك ذلاً وخضوعًا وانكسارًا.
نجد بيت النبوة وفي عصر يبتعد عن الرفاهية ألاف السنين كان الرسول المحب خير معين لزوجاته.. فقد روي عن السيدة عائشة في أكثر من موضع أنه كان في خدمة أهل بيته. فقد سئلت عائشة ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله (أي خدمة أهله) (رواه البخاري). وفي حادثة أخرى أن عائشة سئلت ما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعمل في بيته؟ قالت: "كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم".
**الابتسامة صدقة:
ولما كانت جهامة الوجه ..وصرامة اللفظ ..والمبالغة في الشدة، لما كانت هذه الأوصاف في حس البعض هي سمات الزوج الناجح المسيطر على بيته ..والممسك بزمام الأمور، لما كان الأمر كذلك صارت الابتسامة والمباسطة والمداعبة مدرجة في قائمة المحرمات، وصار من أكبر الكبائر عند البعض أن يقول الزوج لزوجه كلمة رقيقة يعبر بها عن محبته وتقديره لها. إن أول ما يلفت النظر في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الزوجية أنه كان حريصا على إظهار حبه لزوجاته - رضي الله عنهم - لقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو الزوج إلى أن يتلطف مع زوجه بالشكل الذي يشعرها بمحبته ومودته، حتى إنه دعا الزوج إلى أن يضع اللقمة بيده في فم زوجه تحببًا وتوددًا، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله : (وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللُّقمة التي ترفعها إلى في امرأتك) رواه الشيخان.ونجد منتهى الرقة في تلك الصورة الزوجية: عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العظم فأتعرّقه - أي: آكل ما بقي فيه من اللحم وأمصه - ، ثم يأخذه فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي . رواه مسلم. أيّ محبة وأي مودة وأي أجواء رائعة كان يضفيها عليه الصلاة والسلام على الحياة الأسرية؟!
كان عليه الصلاة والسلام يبالغ في التلطف مع أزواجه إذا مرضت إحداهن أو اشتكت، تقول عائشة - رضي الله عنها - وهي تروي خبر الإفك: فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرًا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللّطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. رواه البخاري. وكان (ص) هيّنًا لينًا مع أزواجه، يحرص على تحقيق ما يرغبنه ويشتهينه إن استطاع، ولم يكن في ذلك محذور،فحين حجت عائشة وحاضت لم تتمكن من أداء عمرتها، فلما جاء وقت الحج أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تفعل ما يفعل الحاج غير أن لا تطوف بالبيت، فلما طهرت وطافت وسعت بين الصفا والمروة حزنت على أن لم تكن اعتمرت كما اعتمر الناس، فقالت: يا رسول الله، أيرجع الناس بنسكين وأرجع بنسك واحد؟! وفي رواية: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر واحد؟! فبعث بها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج. رواه مسلم. قال جابر بن عبد الله: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا سهلا، إذا هويت الشيء تابعها عليه. رواه مسلم.فأين هذا ممن يعد مجرد موافقة المرأة في رأي سبة وعيبًا وعارًا؟!


**صور من علاقة رسول الله بأولاده:
أما الأبوة عند محمد الإنسان صلى الله عليه وسلم ، فنجد لها مكاناً في خِضَمّ هذه الحياة الحافلة بأصناف الشدائد والأهوال . إنها الأبوة الكاملة ، إنها الأبوة القادرة على أن تعبر عن نفسها ، وتعلن وجودها ، بل لعلها أيضاً كانت معركة من ضمن معارك النبوة . يأتي الوفد من حيث أتى وفيهم سيدهم المطاع - الأقرع بن حابس التميمي - فلا يمنعه صلى الله عليه وسلم ما هو فيه من شغل باستقبال هذا الوفد ، من أن يعبر عن أبوته ، فيداعب الحسن ويقبله، فيعجب الرجل ، ويقول مستغرباً: تقبلون الصبيان؟ إنّ لي عشرة من الصبيان ما قبلت واحداً منهم. وعلى الفور يجيئه الرد قاسياً بمقدار ما في قلبه من قسوة ، عنيفاً بمقدار ما ينطوي عليه سلوكه تجاه أبنائه من عنف . يقول صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك ؟.‍ رواه البخاري
وكدأبه دائماً يعلم أمته ، ويدعو إلى الهدى والرشد ، فيجعل بر الأبناء والشفقة بهم عبادة يثاب عليها الآباء ، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ إذا نظر الوالد إلى ولده نظرة ، كان للولد عدْل عتق نسمة ] رواه الطبراني في الكبير وهو حديث حسن. وأخبار أبوته الحانية ، ورقته صلى الله عليه وسلم ورحمته بالأولاد لا يتسع المقام هنا للإحاطة بها أو إحصائها ، ولكنا نكتفي بإيراد أمثلة وشواهد لها :
فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة عن أنس رضي الله عنه قال : ( ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم ابنه مسترضعاً في عوالي المدينة ، وكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت ، وإنه ليدخن ، وكان ظئره قينا ، فيأخذه ، فيقبله ، ثم يرجع ) . ( الظَّئر : زوج المرضعة لولد غيرها ، القَيْن : الحدَّاد ) .
والأخبار عن حمل الحسن والحسين ، وعن نزوله عن المنبر من أجل أحدهما، وإطالة السجود لركـوب الحسن على ظهره ، والتردد على بيـت فاطمة لتعهـدهما ، والاستمتاع بمرآهما وشمهما ، وكذا ما كان منه تجاه ابنه إبراهيم ، من فرح بميلاده، وحُب له في حياته ، وحُزن عليه عند مماته ، الأخبار في هذه المجالات ونحوها كثيرة.
كان رسول الله ذا عناية خاص بأحفاده فكان يمص التمرة ويدلك بها حنك حفيده بعد ولادته، وكان يعق عنهم، ويسميهم أحسن الأسماء، ولم يهمل النبي أحفاده من الهدايا، لما لها من أثر في قلب الحفيد، فلقد أهدى نبينا إلى إمامة بنت ابنته زينب خاتماً من ذهب جاءه من النجاشي، وقد كان عليه الصلاة والسلام يركب أحفاده مع على دابته، حباً لهم، وتلطفاً معهم، وبكل ذلك كان يعامل النبي الكريم أحفاده، لتتأسى به أمته، فتكون أسعد أمة.
وكان من شدَّة حُبِّه ولهفته على أحفاده ما رواه عبد الله بن بُرَيْدة عن أبيه، قال: رأيتُ رسول الله يخطب، فأقبل حسن وحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران ويقومان، فنزل النبي فأخذهما فوضعهما في حجره، فقال: "صَدَقَ اللهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ". ثم أخذ في خطبته. وكذا كان حُبُّه لبقيَّة أحفاده، فقد كان يُصَلِّي وهو حامل إمامة بنت ابنته زينب -رضي الله عنها- فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
وها هو ذا رسول الله يخرج على المسلمين في إحدى صلاتي الْعَشِيِّ -الظهر أو العصر- وهو حاملٌ أحدَ ابنيه: الحسن أو الحسين، فتقدَّم رسول الله فوضعه عند قدمه اليمنى، فسجد رسول الله سجدةً أطالها، قال أَبِي: فرفعتُ رأسي من بين الناس، فإذا رسول الله ساجد، وإذا الغلام راكب على ظهره فعُدْتُ فسَجَدْتُ، فلمَّا انصرف رسول الله ، قال الناس: يا رسول الله، لقد سجدْتَ في صلاتكَ هذه سجدةً ما كنتَ تسجدها، أفشيء أُمِرْتَ به؟ أو كان يُوحى إليكَ؟ قال: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ"[7].ويمر النبي الكريم على بيت فاطمة فينادي: (أثم لُكَع؟) -وتطلق لكع على الصغير مداعبة له-، فيجري الحسن نحوه حتى يعانق كل منهما الآخر.



#نظيمة_سعد_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنيس صايغ: رجل «المسار العلمى» الذى أقلق إسرائيل
- -اطرش من غير زفة-
- تاريخ أجدادنا.. الذين رفضوا الخضوع للمحتلين-وعد بلفور-


المزيد.....




- إطلاق أول مسابقة لـ-ملكة جمال الذكاء الاصطناعي-
- الأمم المتحدة: أكثر من 10 آلاف امرأة قُتلت في غزة منذ بدء ال ...
- -الحب أعمانا-.. أغنية تقسم الموريتانيين بين حرية المرأة والع ...
- ليدا راشد.. ضحية العنف الطبي في لبنان
- دراسة: النساء استهلكن كميات أكبر من الكحول مقارنة بالرجال خل ...
- -المدرسة تلبي أوهام صبي يتظاهر بأنه فتاة-.. غضب بعد فوز عداء ...
- لبنان.. العثور على جثّة امرأة مقطّعة في المية ومية
- ما هي العوائق التي تواجه النساء في إجراء تصوير الثدي بالأشعة ...
- توصية بتشريع الإجهاض في ألمانيا.. بين الترحيب والمعارضة
- السعودية.. القبض على رجل وامرأة ظهرا بطريقة -تحمل إيحاءات جن ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - نظيمة سعد الدين - الرسول عاشقاً