أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ميثم الجنابي - هادي العلوي أديب الفكر الحر















المزيد.....

هادي العلوي أديب الفكر الحر


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3623 - 2012 / 1 / 30 - 09:42
المحور: سيرة ذاتية
    


لم يكتب هادي العلوي أفكاره ومواقفه حسب قاعدة خالف تعرف. على العكس. لقد بقي العلوي مجهولا بما يتكافأ مع حقيقة إبداعه. وقد تكون كتبه "المثيرة" عن التعذيب والاغتيال في الإسلام من بين أكثرها دلالة بهذا الصدد، مع أنها اضعف كتاباته، أو لنقل أنها لا تتمتع بقيمة علمية أو حتى فكرية كبيرة. وبالتالي ليس لانتشاره و"شعبيته" علاقة جوهرية بهذا النمط من الكتابة. لاسيما وان هذه "الشعبية" محصورة بنمط معين من الناس، وبصورة خاصة ما يسمى باليسار والعلمانيين (الدنيويين).
أما شهرة هادي العلوي، فإنها اقرب ما تكون إلى صياح وصراخ في مزاد أنصاف المتعلمين وأشباه المثقفين. فالعلوي مازال مغمورا. وهذا جزء من حالة الثقافة العراقية والعربية عموما. فالملايين تعرف أسماء الراقصات المبتذلات والمغنيات التافهات ونواب البرلمان الرقعاء والسفهاء، والرؤساء اللصوص والجبناء، بينما تجهل رجال ثقافتها الكبرى. وينطبق ذلك بصورة حرفية على شخصية العلوي. وفي أفضل الأحوال، فان الاهتمام به أشبه ما يكون بمحاولة تحويله إلى أداة في أيدي الأحزاب وقادتها. فعندما تنشر (دار المدى) على سبيل المثال كتبه، فان ذلك ليس محبة أو إدراكا لقيمته الفعلية، بقدر ما تجري محاولة مصادرته وإدراجه ضمن "كتاب الدار". وهو ما كان يثير قرفه أواخر حياته (كما جرى ذلك في مراسلاته معي وأحاديثنا المباشرة في الشام).
أما فكرة أن تكون سهولة مؤلفاته وبساطتها هو سبب شهرتها، فان ذلك لا يخلو من صحة. فالمعطيات والشواهد الواقعية تكشف عن أن أكثر الكتب شهرة أكثرها بساطة. فالأغلبية لم تقرأ وتعرف (الفتوحات المكية) أو (فصوص الحكم) لابن عربي، لكنها تعرف جيدا (نوادر جحا) أو سورة الفاتحة! كما انه نادرا ما نعثر على من قرأ كتاب (فينامينولوجيا الروح) لهيغل وبالمقابل نعثر على كثرة من قرأ كتاب (البيان الشيوعي)! غير أن ليس كل سهل وبسيط قابل للشهرة. لهذا ليس من الصحيح إرجاع شهرة هادي العلوي إلى شيء ما غير ما فيه. فهو بسيط متواضع، سهل كالماء. وفي هذا مصدر قوته. فقد كانت شخصية العلوي اقرب ما تكون إلى قلب ولسان. فعندما تقرأ كتابات طه حسين أو العقاد فانك تشعر سريعا بالملل والقرف أحيانا. ولكنك تنهمك في قراءة العلوي. والسبب يكمن في أن ما يكتبه ينبع من قلب صاف.
لكن إذا كان لكتبه المتمردة أثر نسبي في الشهرة النسبية عند قطاع معين، فإنها كانت تحتوي بالقدر ذاته على ما يمكن دعوته بمكر الشهرة. وذلك لأنها تسحب المؤلف الى قاع الوعي المتخلف والمسطح والبدائي، ومن ثم تساهم في توسيع مدى وتشديد أوهامه عوضا عن تفكيكها وإعادة بناء الوعي الاجتماعي بصورة عقلانية وإنسانية. وقد يكون ترابط أو تلازم ما يسمى بشهرة هادي العلوي مع هذه الكتب احد نتائج الضريبة التي دفعها ويدفعها بهذا الصدد. وذلك لان حقيقة العلوي اكبر وأوسع من أن يجري ربطها بكتاب واحد أيا كان شكله ومحتواه. ومن ثم لا ينبغي إرجاع ما فيه إلى هذا النمط من الكتابة. أما ما هو سائد عنه بهذا الصدد، فلا يتعدى في الواقع أكثر من كونه مؤشرا على كمية ونوعية الخراب الذي تعرض له الوعي الاجتماعي بشكل عام والعلمي بشكل خاص في العالم العربي وفي العراق على امتداد نصف قرن من الزمن (من 1958 وحتى الآن). فالعقل "الجماهيري" أو "الشعبي" الحالي اقرب ما يكون إلى أعراف وتقاليد ومعلومات جزئية ومعارف نسبية مخلوطة بعجين الأيديولوجيات الدينية والدنيوية. ونعثر على ذلك بصورة جلية في نمط الكتابة والتأليف السائدين، والذي هو مجرد نقل معلومات وتسطيرها، أي عمل عضلي. وينطبق هذا في الواقع على كتابة وتأليف اغلب "العلماء" و"المفكرين" وما شابه ذلك من أوصاف ملصقة بأسماء!
وفيما لو عدنا إلى جوهر القضية، فان الشيء الذي ينبغي تسجيله هو التالي: إن عناوين كتبه (الاغتيال في الإسلام) و(التعذيب في الإسلام) وأمثالها، هي مجرد جزء من تاريخ هادي العلوي الشخصي ورؤيته وعقيدته ومنهجه. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار كون العلوي هو كاتب اجتماعي (أديب بالمعنى الكلاسيكي العربي الإسلامي)، وأخلاقي النزعة والقيم، أي أديب العقل العملي، من هنا يمكن فهم البواعث الدفينة وراء كتابته لهذا النمط من المؤلفات وصيغتها وشكلها ومحتواها وغايتها. ففي عنوان الكتاب ومادته يمكن رؤية إدانته لظاهرة التعذيب والاغتيال المميزة لسيادة وهيمنة السلطة في العراق المعاصر. كما انه يحتوي على إدانة لهذه الظاهرة في التاريخ العربي والإسلامي. ومن ثم يمكن التوصل إلى انه كان يسعى لتأسيس الفكرة القائلة، بأنه لا قدسية في التاريخ، وانه لا وجود لخلافة مقدسة. وهي فكرة عقلانية ونقدية بقدر واحد.
لكن الخطأ الذي اقترفه بهذا الصدد أيضا هو ضعف رؤيته النقدية تجاه تقاليد النقد والتنوير والحداثة في الفكر العربي الحديث. بمعنى انه استمر بنفس الخطأ المنهجي في فكرة التنوير العربية الحديثة في موقفها من الدين والتراث. وبلغت خصوصية هذا الخطأ ذروتها في الشيوعية العربية. وذلك لأنها جعلت من محاربة الدين (الإسلامي) أسلوب بلوغ الحداثة والتقدم. بينما كانت هي في الواقع تتنافس معه من اجل الإحلال محله، أي الاستعاضة عن الدين التقليدي بآخر "حديث" خارجي مستورد تقليدي وراديكالي مغترب، هو الأقل سموا والأشد يقينا بمعرفته بكل شيء. فالمسلم العادي عندما يعجز عن معرفة شيء ما يقول "الله اعلم". أما الشيوعي فانه يعلم كل شيء بما في ذلك كيفية حياة وموت النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء!
أما بالنسبة للعلوي، فان الهجوم على الإسلام لم يكن قضية جوهرية في تفكيره ومساعيه وكتاباته. كما لم يكن هاجسا عميقا عنده. لقد كانت تلك لحظة عابرة. أما الثبات عنده فقد كان يستند ويعتمد ويستمد نفسه من أسلوب النقد الاجتماعي والسياسي والأخلاقي. فالصفة الجوهرية في فكر العلوي وشخصيته هي صفة النقد الاجتماعي والسياسي والأخلاقي وليس الفكري. فقد انتقد العلوي حالة سياسية واجتماعية وأخلاقية معينة عند الإسلام المتشدد والسلفي والحركات الدينية السياسية العراقية التي عايش نماذجها في الشام. وما يجري في العراق الحالي يؤكد صحة ما كان يقوله آنذاك. وبالتالي، فان نقد الإسلام بالطريقة المشهورة عنه اقرب ما تكون إلى لحظة عابرة هي جزء من حالة مزاجية وسياسية.
كل ذلك يجعل من الضروري إعادة النظر بماهية العلوي وحقيقته من اجل وضعه ضمن إطار إبداعه الفعلي. ومن الممكن وصف هادي العلوي وكتاباته على أنها نموذج لفن الأدب وشخصية الأديب كما عرفته التقاليد العربية الإسلامية الكلاسيكية. لهذا لا نعثر في كتاباته على اهتمام علمي جدي بعلم الكلام والفلسفة وأصول الفقه والتصوف. وبالمقابل نعثر على اهتمام مفرط بالتاريخ وقضاياه وحوادثه وإشكالاته وشخصياته. بعبارة أخرى انه اهتمام بتاريخ الأحداث وإشكالاته الفكرية والسياسية. وبالتالي فهو تاريخ من نوع خاص، بلا تسلسل ولا تتبع ولا منظومة. انه اقرب ما يكون إلى استخلاص فكري سياسي اجتماعي للمحات تاريخية وأحداث وشخصيات. وقد تكون المقالات التي كتبها تحت عنوان (قاموس التراث) نموذجا تطبيقيا لهذا النمط.
فقد كانت ثقافة هادي العلوي الأولية ثقافة الأدب والأديب المتنوعة من أخلاط اللغة والأدب والتاريخ والفقه والدين والنوادر والسير. وتعادل هذه الأخلاط فكرة الأخلاط الفلسفية، أي العناصر والمكونات الضرورية للوجود. فقد بدأ العلوي بهذه التقاليد وانتهى بها! لكن خصوصيته، على خلاف طه حسين على سبيل المثال الذي حاول تحويرها من خلال التفعيل السهل والفج لمنهج الشك الديكارتي، تقوم في إدخاله إياها ضمن سياق وسباق المعارك السياسية والأيديولوجية والاجتماعية للشيوعية العراقية. بينما نراه في نهاية المطاف يصاب بمرارة المشاعر تجاه الشيوعية وإثارتها للتقزز والخجل. لكن البديل بقى ضمنها بعد تحوير أخلاقي لها ببعض معايير ومقاييس التاوية الصينية والصوفية الإسلامية. وبالمقابل اعتبر العقيدة كذب ودجل!
وبما انه لا يوجد عند الأديب منظومة، من هنا غلبة الأخلاط على إنتاجه. والتاريخ العربي والعالمي لا يعرف إلا القليل من أولئك الأدباء الذين ارتقى إبداعهم الأدبي إلى مصاف المنظومة، كما هو الحال عند الجاحظ ولحد ما عند برنارد شو وأمثالهم. إن شيء ما من هذا القبيل يمكن العثور عليه عند هادي العلوي ولكن على مستوى العقل العملي وليس النظري. فإذا كانت الفكرة الجوهرية للجاحظ، على سبيل المثال، قد تراكمت من خلال تنظيم وتأسيس فكرة الإرادة المعتزلية، فان الجوهري في تفكير ونوازع العلوي هي فكرة التمرد. لهذا لا يمكننا الحديث عن أخلاط غير متسقة في الأعمال النظرية والعملية للعلوي. أنها متوحدة ضمن سياق فكرة الأدب التي تحدثت عنها. كما أنها متوحدة بهموم الرؤية الأيديولوجية السياسية. فالأديب المعاصر (معلوماتي أو موسوعي). والعلوي يجمع بين الاثنين.
لقد كان العلوي واسع المعرفة، عميق الدراية. انه رجل موسوعي. ويدرك ذلك من يعرف معنى وحقيقة الموسوعية، وكذلك من يعرفه حق المعرفة. لكن ذلك بقي عنده على مستوى الثقافة الشفهية في الأغلب. أما الغلبة عنده فقد بقت للتراث العربي الإسلامي. وهذا كم يصعب الإحاطة به. فهو كنوز هائلة جدا.

***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هادي العلوي ومنهج النقد المتمرد!
- هادي العلوي - شخصية إشكالية
- هادي العلوي –بقايا أبدية!
- الظاهرة الإسلامية في روسيا (6-6)
- الظاهرة الإسلامية في روسيا (5-6)
- الظاهرة الإسلامية في روسيا (4-6)
- الظاهرة الإسلامية في روسيا (3-6)
- الظاهرة الإسلامية في روسيا (2-6)
- الظاهرة الإسلامية في روسيا (1-6)
- الهاشمي أم الهامشي ومعضلة النخبة السياسية في العراق المعاصر
- (وصية) بليخانوف الأخيرة، أم آخر اختراعات -التكنولوجيا القذرة ...
- الفكرة الإصلاحية في (رسالة التوحيد) للشيخ محمد عبده
- شخصية ومصير - الهجويري
- التوتاليتارية وإشكالية الحرية والنظام في العراق
- التوتاليتارية والراديكالية (البعثية- الصدامية) - أيديولوجية ...
- التوتاليتارية – أيديولوجية الطريق المسدود
- نبوة المختار – قدر التاريخ وقدرة الروح!
- السياسة والروح في شخصية المختار الثقفي
- العقيدة السياسية لفكرة الثأر الشامل في العراق (الماضي والحاض ...
- فردانية المعرفة الصوفية ووحدانية العارف


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ميثم الجنابي - هادي العلوي أديب الفكر الحر