أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - مازال المسيح مصلوبا 15















المزيد.....

مازال المسيح مصلوبا 15


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1070 - 2005 / 1 / 6 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


-15-
لحظة .
لحظة فقط .. وقف أمام الباب وضغط على الجرس .. لحظة أخرى وكان يقف أما فلك ، ضمته إلى صدرها وهي تقول :
- منذ كنت طفلاً لم أحضنك بهذا الاشتياق !
تملص من قبضتها بصعوبة ، ثم قال :
لقد كبرت على ذلك يا أماه !
- ستبقى كما ل الطفل الصغير مهما كبرت .
في المساء ، أَمَّ البيت الأصدقاء والأحبة . هنأوا عبد الله وفلك بتخرج كما ل وسلامة عودته. بعض النسوة اصطحبن بناتهن في أبهى زينة ، اقتربت واحدة من فلك وأسرت في أذنها : ابنتي سمر ترغب في رؤية كما ل وتهنئته بالسلامة . كنت دائماً أحدثها عنه إلى أن تعلقت به.
ضحكت فلك من كل قلبها . وكانت تعرف لماذا تصطحب النسوة بناتهن .
خرج كما ل مصطحباً الرجال إلى الباب ، وعند عودته ، كانت سمر منتصبة بانتظاره . سلمت عليه . قالت :
كيف هي الحياة الأمريكية ؟
- عالم منفتح لا تحاصره الحدود .
- هل تشعر بالغربة هناك ؟ هل يفهمون الصداقة على النحو الذي نفهمه ؟ وهل قررت البقاء هنا أم العودة إلى هناك ؟
- أسئلتك كثيرة والرجال في الداخل ينتظرون .
- اذهب إليهم الآن وبعد أيام سأعود من أجل الحصول على الإجابة.
ذهب كما ل صوب الرجال ، فيما الغبطة حملت سمر على أجنحتها وحلقت بعيداً . كانت الحياة الأمريكية التي سمعت عنها قد ملأت عقلها ، والفضاءات التي تأملتها لا نهائية . وكانت فلك ترقبها بحذر. عرفت على نحو غامض أن ثمة هرماً على وشك البناء استطاعت سمر وضع حجر الأساس له كي ينهض عالياً .
وعندما غادر المهنئون ، اصطخبت الأسئلة في عقل كما ل . داهمه سؤال الغربة الذي لم يفكر به يوماً . أي معنى تحمله هذه الكلمة ، وهل كان حقاً غريباً طالما يستطيع العودة إلى الوطن متى شاء ؟
ولكن صوت فلك الموغل في حضور الأزمنة ، اقتحم عليه المكان ، كثفه في وجوه محددة :
كيف كان انطباعك عن سمر ؟ هل ترقى لمستوى الحلم وبناء الحياة المشتركة ؟
- لم أحمل هذا اللقاء على النحو الذي تفكرين به .
- أنت ما زلت ساذجاً رغم التقاليد الأمريكية !
- ليس هناك من تقاليد أمريكية تفرض قيوداً على أنماط التفكير ونوعية اللقاءات .
عبس وجه فلك فغدا محايداً رغم الانحياز :
نؤجل الحديث في هذا الموضوع إلى وقت لاحق .
- كما تشائين . ولكن أرجوك يا أماه أن تتركيني أفكر بعقلي تبعاً للطريقة التي يرتضيها ، لا أن أفكر بعقلك .
زاد عبوس وجهها ، ثم تركته ونهضت .
* * * *

غيوم داكنة انتشرت في فضاء غرفة النوم . أدرك عبد الله أن دموعاً غزيرة ستبلل الأغطية . احتضنها قبل أن تجرف السيول فرحة العودة وتفسد اللحظة التي انتظراها طويلاً .
وضعا رأسيهما على الوسادة وهما لا يزالان في حالة احتضان . همست فلك في أذن عبد الله :
- كما ل لا يميل إلى الاستقرار . يرغب في البقاء طريداً !
كان عبد الله ينظر إلى ضوء الشمعة الخافت ، الآخذ في التلاشي والساقط على الجدار ، ثم تساءل دون تغيير جهة النظر :
- هل تذكرين يوم كان المسيح مصلوباً على جدران الكنيسة لحظة عقد القران ؟
وقبل أن يأتي ردها واصل :
إنه يشبه نقطة الضوء الساقطة على الجدار مع اشتعال الشمعة.
جاء ردها عيناً تقطر دمعاً .
من زمن بعيد لم نزر الكنيسة . قالت ذلك من بين أمواج الدموع . ولم نمر من أمام أبوابها . رد عليها بجملة موجزة دون أن يعطيها مزيداً من الاهتمام .
* * * *

اجلس هنا ، لا أريد أن تعطي إجابات . قالت فلك لكما ل بعد أسبوع من عودته . أنا من سيتحدث ويرسم ملامح مستقبلك ، وما عليك إلاّ الانصياع لمشيئتي . أتفهم !
انطلق عقل كما ل يبحث في معنى كلمات أمه . اكتشف فيها إصراراً مزعوماً سرعان ما يتقوض بعد الخروج من الحنجرة ، ولكن هل يستطيع أن يواجهها ويجهر بالحقيقة في تلك اللحظة الحرجة ؟
عادت لتهزه بعنف بعدما رأت عينيه زائغتين تخترقان المدى : لقد اخترت لك سمر عروساً يباركها الرب والروح القدس.
انطفأت جمرة الانفعال بعد إلقاء الجملة التقريرية على مسامعه .
- ماذا تقول بعد الذي سمعته ؟
- وهل يحق لي قول شيء بعد رسم ملامح مستقبلي ؟
- إذن أنت موافق .
- على ماذا ؟!
ثارت ثائرتها ، غير أنها تداركت الأمر :
- اسمع . سأمنحك مزيداً من الحرية في اختيار شريكة حياتك على أن أوافق عليها قبل التقرير النهائي .
- فضلك هذا لن أنساه !
- سأدعو الأصدقاء والأقارب لزيارتنا حتى تختار واحدة من بين بناتهن .
- ولكن أرجو تأجيل الموضوع إلى وقت لاحق .
- شرط ألا يكون بعيداً .
- لك ذلك .
* * * *

في اليوم التالي ، جلس كما ل وسمر في مكان قصي بين أشجار تضرب جذورها في أعماق التاريخ ، ومن فوقها تمارس الطيور طقوسها في الغناء والتزاوج وتفرض على المكان شاعرية خاصة قلما تتوافر في أمكنة مختلفة .
غير أن المشاعر والطباع متباينة . سمر الفتاة التي ألفت المكان وارتبطت معه بحميمية ، له وقع خاص على أحاسيسها يزيدها تمسكاً وثباتاً ، ويفجر في أعماقها ينابيع لا تنضب من العشق الساحر الذي يضفي على الروح التجدد والاستمرارية ويفاخر بالهدوء والطمأنينة ، بينما يعتبره كما ل مثل أي مكان آخر، وفي أحسن الأحوال مثل جمعية الشبان المسيحية في أمريكا أو هولندا أو بلجيكا . لا يثير فيه شهوة الالتصاق ورائحة الذكريات . لا يفجر فيه إحساس الطفولة والبراءة واللهو .
هكذا انعكس المكان فباعد من طريقة التفكير بينهما ، ولم تكن الإجابات عن الأسئلة التي طرحتها سمر في لقائها الأول على كما ل تملك قوة الإقناع وتقرب بين وجهات النظر ، فظلت المشاعر جامدة لا يحركها سحر غناء الطيور وجاذبية ألفتها التي ازدادت تألقاً مع بدايات الربيع والانتعاش بالنسائم الطائبة ، وكانت الفتيات والفتية الذين بلغوا سن المرح يلهون بمتعة ويتراكضون بين الأشجار وملاعب الرياضة في أجواء بلغت ذروتها من الاستهتار بهموم الغد ، فأخذت سمر تنظر إليهم وفي عينيها دمعة حبيسة تنتظر لحظة الإفراج والحرية ، وكان عيسى سكرتير عام جمعية الشبان المسيحية بغزة يتحرك بانطلاق ويعطي تعليماته بالكلمة والإشارة حتى يحافظ على الإيقاع المنضبط للأجواء العامة التي درجت عليها الجمعية منذ تأسيسها فلا أحد يخدش الحياء أو يمس مشاعر الآخرين ، عندئذ لم يكن أمام سمر بد للتهرب من استمرار اللقاء الذي يفتقر إلى التجانس والانسجام سوى التذرع بإشارة بدرت من يد عيسى . فقالت :
لقد حان الوقت لإشرافي على الأطفال الذين بدأوا يتدفقون ، وها هو عيسى يطالبني بالاستعداد . في الأيام القادمة حتماً سنلتقي .
- لا أعتقد أن ثمة لقاء قريباً بيننا !
* * * *

بعد يومين ، كان المساء مشتعلاً بالضيوف والفرح في بيت فلك ، فغدت الأكثر توهجاً وتألقاً . نساء من وسط اجتماعي مميز يصطحبن بناتهن في أبهى زينة وثياب . بعض الرجال المتنفذين اجتماعياً كانوا بصحبة عائلاتهم . وكان عبد الله وكما ل يتوسطان الحضور ومحور الحديث .
ضربت كلماتهم مواقع الثابت والمتحرك في رأس المال وأصابت في الصميم بعض المفردات السياسية : الوضع الاقتصادي المقبل بحاجة إلى الجرأة والمغامرة . الحالة السياسية على مشارف المدى واحتمالات النهاية . ولكن لا أحد يعرف طواف الخواتم في أي القنوات يصب .
لم يرق انعطاف الحديث نحو الاقتصاد والسياسة لفلك . تحركت بخفة بين الحضور وقبضت على مفاصل الحوار وأدارته صوب الجهة التي تريد .
اقتربت من كما ل وسألت :
حتى هذه اللحظة لم تحضر سمر وأمها !
- لا تفكري في هذا الأمر يا أماه فلن تحضر .
- إذن ما رأيك في الفتاة التي تجلس على يمينك من الجهة المقابلة ؟
- ……..
ذهبت فلك نحوها وبدأت تحادثها بصوت هامس مما أثار فضول بعض الحضور . وكان كما ل يتأمل المشهد صامتاً في الوقت الذي يعرف يقيناً ما ترمي إليه أمه ، ومع ذلك ، لم يعره اهتماماً . لقد ترك قلبه هناك وينبغي العودة إليه مهما كلف الثمن !
وعندما غادر الضيوف البيت ، اجتمعت فلك مع عبد الله وكما ل بغية تحديد اتجاه التحرك المقبل ، ولكن كما ل ظل صامتاً كأن الأمر لا يعنيه .
بعد يومين سألت :
على من وقع اختيارك ؟
جاء رده من جوف بئر على وشك النضوب :
لقد حان موعد عودتي إلى أمريكا .







-16-

لم يعد لسيرا وجود ، لم تنتزع ساقها من أعماق الهزيمة ، ولم تضعها في قلب النصر . لقد بقيت قرية فلسطينية محايدة في أكناف رام الله . ولكن إعادة إعمارها ظل له معنى .
والمعنى ذاته ظل يحاصر زهرة ويضيق عليها الخناق : الصخرتان اللتان تقفان عند مدخل البيت توقدان في روحها ذكرى عبد العاطي الذي دخل القرية مع الريح والعتمة فصار جزءاً من مصيرها المظلم . آه ! أين أنت الآن يا عبد العاطي ؟ سيرا كبرت في غيابك ولم أعد أقوى على تحمل عبء مسئوليتها وأخاف عليها من الضياع ، أقولها لك وأنا على ثقة بأنك تسمعني وترقب كل خطواتي . فالشهداء يرون ويسمعون مهما تراكم عليهم غبار السنين والنسيان . أقولها لك : ليس بوسعي أن أورثها صخرتين صماوتين تقفان في العراء بلا روح ولا حركة طالما أخذ العمران يزحف نحوهما . سلحني بالرأي : ماذا أفعل؟!
كانت زهرة تحدث نفسها وعيناها تنظران للأفق كأنها مزروعة في صحراء عارية فكستها بالانكسار والقنوط . وكان الصباح يتقدم قوياً ، جريئاً ، واثقاً ، خارجاً من قلب العتمة ، عندما رأت صديق سيرا يقتحم المكان دون أن يلحظها وملامحه تتموج بالبهجة والإشراق كمن يمني نفسه بصباح عذب . بينما كانت سيرا ما تزال تقف أمام المرآة تصفف شعرها وتضع على وجهها المساحيق التي تضفي على الجمال القروي المزيد من الارتباك والحيرة .
وقف أمام البيت ، ثم تقدم ، يضرب الباب بيده . خرجت سيرا كأنها على موعد . ولأول مرة يقفان وجهاً لوجه في صباح طازج لا تعكره الاحتمالات . التصقت الأكف واشتبكت الأصابع وهما يجوبان الكرم بحثاً عن زهرة حتى يستأذناها بالمغادرة ، في الوقت الذي كانت فيه نظراتها أقرب إليهما من الهمسات اللاتي يتبادلانها .
كانت تنظر لنضوج ابنتها متفحصة ، وتقول في سرها : لكل صبية ملاكها الذي يحرك الخاطر الخاص ويدفعها للابتسام فتشعل في الرجل روح التمرد . ولكن حضور عبد العاطي ، رغم غيابه ، كان يقمع كل ملائكتي ويصادر الابتسامة مهما كانت دواعيها !
ولما اقترب منها ، استفاقت الأمكنة والأشياء بما فيها من حواشٍ ، على صخب بدا لوهلة قادماً من عالم آخر غير الذي نعيش فيه .
- إني هنا أنقب في الأرض عن ظلي وبعض الذي كان . قالت ذلك وهي تواصل النبش في التراب بعود ميت انتزعته من شجرة التين .
- إنّا ذاهبان يا أماه . هل تطلبين شيئاً ؟ سنعود قبل انتصاف النهار .
- رافقتكما السلامة . إياكما والطريق !
واصلت تفقد الأمكنة والأشياء القديمة . تأملت الشعبتين الصخريتين اللتين تظللهما أغصان بعض الأشجار البرية الوارفة، ورسمت على الأرض المنبسطة بينهما صورة عبد العاطي متحفزاً حذراً لمواجهة أي طارئ . وقد كان الوصول لهاتين الصخرتين وعراً عصياً على السلوك لمن هو غريب عن تضاريس المكان مهما كانت مهارته . وخلف الشعبتين طريق سالك يفضي إلى مغارة ما زالت توحي بسكون الوحوش فيها رغم مرور السنوات على ، وجودها واقتراب العمران منها . تفحصتها بالنظر فاعتلى وجهها قرار إعادة الترميم لبعض الأجزاء التالفة . خلف المغارة وعلى جنباتها كروم العنب والتين تمتد فوق مساحات شاسعة من الأرض العراء تتقاسمها سلاسل صخرية وضعت باليد تمييزاً بين مالك وآخر .
أمضت معظم الوقت وهي تجوب المكان وتتخذ القرارات من ترميم وتشذيب الأغصان وتسليك الطريق بما يكفل وصول الزائرين إليه دون عناء ، إلى شق طريق وسفلتته وبناء مرفأ يوفر الخدمات الضرورية لأية حركة سياحية بما فيها الإقامة لبضع أيام.
وقبل انتصاف النهار كانت قد أعدت وجبة غداء شهية . ومع أن عشقها الأول لا يتقاسمه أي شخص مع عبد العاطي ، إلاّ أن حالة عشق خاصة تربطها بسيرا ، عشق يتجسد فيه عدم القدرة على الفكاك من قيود المولود البكر والوحيد بكل دلالة ومهما ارتكب من حماقات في ظل غياب المنافسة مع الآخرين .
لم تنتظر طويلاً . جاء متعباً ، ومع ذلك جلس ثلاثتهم يحيطون مائدة الطعام .
* * * *

في الليل العابق بالوحشة والأشباح ، تهمس زهرة في أذن سيرا :
ألم يفاتحك بالزواج ؟
تنهض سيرا من الفراش كالمذعورة :
كيف خطر على بالك في منتصف الليل ؟
- فكرت في أمركما واسترجعت ذاكرتي حديثه . قلت في سري: إنه ملائم لك . ولكن هل تعتقدين أنه يريدك زوجة له ؟
احتضنت سيرا أمها وأشبعتها لثماً وهي تردد :
- إنه ينتظر موافقتك وربما يرسل إليك بعض وجهاء القرية .
حسناً . قالت زهرة ذلك ثم أوت إلى فراشها بعد أن قبلت ابنتها من الجبين ، وقبل أن تتدثر فيه سمعت سيرا أمها تقول :
سيكون فرحك أجمل من كل أفراح المدينة .
ردت عليها بصوت مخنوق :
- كيف والجسد مثخن والروح مجروحة !
* * * *

في الصباح ، دق الباب بقبضته . عرفت سيرا مَنْ يكون الطارق دون أن تراه . خرجت زهرة تستوضح الأمر . وعندما رأته اعتلى وجهها صباح بهي . قال :
جئت أشارككم الإفطار يا خالة .
- فقط !
- وأرى سيرا .
- إلى متى ستعذبان نفسيكما ؟
- حتى تأذني لي بإحضار والدتي والحديث في هذا الموضوع .
جاءت سيرا تحمل بين يديها طعام الإفطار . التهموه بغبطة وهم ينظرون إلى بعضهم البعض ويتبادلون الأحاديث المتنوعة .
وعلى غير توقع قال :
- متى سيكون بإمكان والدتي الحضور والحديث في أمرنا ؟
فجأة كشمس أيلولية اختفت سيرا .
ارتبك . داهمه الخوف . سأل :
- ماذا بها ؟
ردت زهرة في الوقت الذي تبعتها إلى الداخل :
لا عليك . إنها تقف على حواف لحظة قرار مصيرية .
عادتا الاثنتان وعلى وجه كلتيهما تتربع ابتسامة مختلفة .
سأل :
ماذا هنالك ؟
ردت زهرة :
- التجربة الجديدة ، عادة ما تزرع الخوف !
قال في سره : إنه الصراع بين القديم والجديد !
* * * *

اختفت بين الأشجار . تردد صدى الصوت بين ممرات أشجار التين وأفق أوراق العنب التي تحجب أشعة الشمس ، وهو يناديها بصوت تغبطه الفرحة وأمل العثور عليها تطير مع فراشات الربيع .
- اظهري عليك الأمان . لن أسرق منك ندى البسمة !
استلقى فوق الأرض في حضن شجرة رمان مليئة بالحَبّ الصغير والزهر الأحمر ، ثم أخذته زقزقة العصافير في طيوفها .
جاء صوتها من خلف الغبطة وطيوف الدلال :
- أغمض عينيك كي تراني ! إنني أرقبك .
في أقل من لحظة ، كان شعرها يغطي وجهه ورأسه مزروع بين نهديها . وردة بيضاء عائمة فوق جبين المرحلة ونهر يهدر خارج طقوس الاستسلام .
* * * *

كوردة فل بيضاء تعانق سيرا رام الله ، هكذا تبدو للوهلة الأولى .
تقول زهرة لعبد الله :
- في ليلة فرح سيرا كان عبد العاطي يخيم على المكان ويلفه بعباءة الوقار . ربما التاريخ يعيد نفسه !
نشطت ذاكرتي الكسولة وأعادتني إلى الوراء ربع قرن . عصفت بي رياح الماضي وغسلت الأمطار صخور روحي . وكانت سيرا سيدة المكان . صبية غضة مشتعلة بالحيوية والشباب تضيء عتمة الليل .
ولما غادرت مع زوجها ، هجعت القرية تحت ثقل صمتها الرخو ، الهلامي ، كوجوه جنود مدججين بالسلاح أرهقهم حصار مدينة استمر أهلها صامدين إلى أن نفد الطعام .
صمتت لحظة . اعتلى وجهها حزن مخيف في اللحظة التي تلتها . استطردت :
ربما لم يتجرع العالم ، من أقصاه إلى أقصاه آلاماً كالتي تجرعتها هذه القرية . خذني مثلاً : صبية بطعم الفجر لم يمض على زواجها عامها الأول تقدم زوجها شهيداً وتنجب منه طفلة . بعد ربع قرن تتوجها عروساً على المدينة كي تجلو صدرها من الأحزان .
يقاطعها عبد الله وفي صوته نبرة حادة ممزوجة بالمواساة :
ولكن إياك أن تبالغي بالفرح ؟ فالقرية والمدينة وجوارهما ما زالت غارقة في الآلام !
الآن ، الأفراح والأحزان يستنزفها الإصرار . تنز فوق مساحة تتسع للقليل من المغامرات ، وفي الأفق تحلق غمامات تنشر في الجو المزيد من صقيع الهواجس والاحتمالات وتبقى على طعم المرارة في الحلوق عالقاً .
تنهض زهرة . يرتفع صباها باسقاً في ممرات التاريخ . يعبق أفق المرحلة بالعابرين . تنبثق على شفتيها ابتسامة تضيق الخناق على الأحزان وتكسو الأيام المقبلة بالأهازيج !



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -13- مازال المسيح مصلوبا
- مازال المسيح مصلوبا 11
- مازال المسيح مصلوبا
- ما زال المسيح مصلوبا
- ما زال المسيح مصلوباً
- شهادة ابداعية


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - مازال المسيح مصلوبا 15