أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر جاسم محمد العبيدي - -الانامل الفضية-















المزيد.....

-الانامل الفضية-


عمر جاسم محمد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3621 - 2012 / 1 / 28 - 20:22
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
يسير بمحاذاة النهر،يقلب كفيه على ما فاته، ويسير معه كلب اسود مبيض الوجه،يلهث كأنه يظهر لصاحبه أنه يشاطره الحزن فوفاء صاحبه له جدير بمشاركته الأحزان،ينظر إلى كلبه كأنه يريد أن يقول له ياصاحبي لاتحزن فإن الأمور ستؤول إلى خير لامحالة،وبينما كانا يسيران إذ بجواله يرّن ،فينطلق وجهه بنظرة باسمة،تشبه نظرة المزارع إلى السماء عندما تهطل الأمطار ،ليبتهج بها ويرقص على أنغام القطرات،التي تحمل كل واحدة منها عنواناً لقصيدة غزلية ،تنتظرها كل ذرة من رمال أرضه التي تزينت للقاء الحبيب الأول ،لتلد له الفرح.
رفع سماعة هاتفه،فإذا بصوت يزمجر كأنه إيقاع لفرقة الموسيقى العسكرية التي تحتفل بذكرى الاستقلال،ابتهج مراد بذلك الصوت ،وأدرك أن عقدته فكت رباطها،لتنطلق بما كان يحلم به طول مدة بقاءه دون وظيفة،واصدر كلبه عواءاً ليعلن انه يشاطر صاحبه الفرح،فمراد يرتجي الحصول على وظيفة جديدة ،بعد أن فقدها عندما انهار بنيان حلمه المقدس الذي لم يشأ أن يحث نفسه يوماً في احتمالية اختراق قطرة ماء تنزل من أعلى السماء لسقف بنيانه المحصن بطبقات من الإسفلت المعدّل الذي تحول بمرور الزمن إلى اللون الأبيض - مع كونه قيراً - فهو لم يراه ابيض اللون فحسب،بل يحمل ألوانا تباهي بحسنها وزهاءها ألوان الطيف البهية ،رغم كونها إلهية المصدر،فهذا البنيان قد حماه من كل ما يمكن أن يؤذيه،وهذا السقف قد استند على أربعة جدران تتشابه تماماً في زخارفها وألوانها،ولكن هذه الجدران التي تحمي السقف من السقوط لاتستطيع أن تصمد دون وجود ذلك العمود في وسط البنيان هذا العمود المرصع بهالة من نور فاق في سطوعه نور موسى الذي ألقاه مغشياً.
أجاب مراد على صاحبه سرمد الذي اخبره بأنه وجد له وظيفة في وزارة التخطيط في بغداد،فزع مراد من شدة تأثير الخبر عليه،ورقص كلبه،وهز ذيله فهو الذي سينال الخير الوفير من تلك الوظيفة ،فطعامه لم يعد يأتي من الدمن المجاورة لبنيان مراد،رد عليه مراد قائلاً:((لن أنسى لك هذا المعروف يا سرمد،فأنت أنقذتني من الهلاك،ونفثت فيّ روحاً جديدة،تلك الروح التي هربت مني بعد أن سقط عمود بيتي المثمن الأضلاع الذي تعرفه جيداً،واعدك بان أردَّ لك ذلك المعروف في اقرب فرصة)).
فرد عليه سرمد بأنه مافعل مثل هذا الأمر إلا لأنه يشعر في أعماقه أن الواجب يحتم عليه أن يفي لرفاقه مايوجبه عليه المبدأ،لان مراد هو الشخص الوحيد من رفاق مراد لم يفقد وظيفته ،بل أصبح في مركز اكبر من السابق،وبعد أن أنهى مراد الاتصال ضحك سرمد ضحكة كشفت عن أنيابه،فسرمد لايرجع الى نفسه ليسألها لماذا فعلت كذا،وإنما ينام في فراشه ليلاً بسهاد ودعة ويتعايشها مع وسادته المصنوعة من ريش النعام،ليستيقظ من نومه فيجد نفسه الى جانب غانية،تنتهي مهمتها بمجرد الاستيقاظ من النوم،فهو لم يحدثها طيلة فترة بغائه معها وإنما قام بفعله بصمت.
كان مراد مسروراً الى الحد الذي جعله يستيقظ من الفجر الذي لم يعهد نفسه يوماً من الأيام انه استيقظ في مثل هذا الوقت الذي لايألفه كثيراً ولا يشعر براحة نفسية إذا ما استيقظ في هذا الوقت،رغم مايحمله هذا الوقت من نسيم عليل يعطي الراحة لمن يشرب من كأسه،فهي لذة لايستمتع بها مراد بقدر استمتاعه بكأس الليل،لكنه في هذا اليوم سيقابل سرمد للذهاب الى الوظيفة الجديدة فكان لابد أن يستيقظ مبكراً وأدرك أن استيقاظه سيكون شعاع نور ينبعث في نفسه المظلمة.
بعد أن أكمل مراد استعداده للقاء سرمد،جاء ماكان ينتظره أخيرا فقد وعده سرمد بان يتصل به ليبلغه بمكان اللقاء للحديث عن شروط قبوله في الوظيفة الجديدة ،اتصل سرمد وابلغه بالمكان الذي سيلتقيان به مع شخص آخر،وأكد عليه ألا يتحدث قبل أن يسمح هو له بالحديث،لم يأبه مراد بما قاله سرمد فَهَمُهُ الوحيد هو الحصول على الوظيفة،أعطى لكلبه (عظمة)يشبع بها مؤقتاً معدته التي لم تعد ترضى بما يجلبه له رفيقه من دمنته المجاورة ،إلا انه تلقفها وهو يعلم بأنها ستكون آخر (قذارة)سيأكلها،بعد أن كان يلهث للحصول عليها.
كان سرمد يقف عند باب معرض بغداد الدولي مع رجل ذو كرش ممتد الى الأمام وساقان كغصن البان،وشعر مجعد بدا واضحاً أن المشط لم يخرطه منذ سنين.
-السلام عليكم يارفيق:قالها مراد.
فارتعد ذو الكرش هلعاً مما سمعه،فاستدرك سرمد الأمر بقوله:
-أن أبا كاظم لايقصد ماقاله.
فبدا الغضب على وجه سرمد وحنق على مراد ،وأرسل إليه إشارة كانت واضحة من خلال تجاعيد وجهه ،بان لايتحدث قبل أن يسمح له بذلك،انتهى اللقاء بإصدار قرار يقضي بتعيين مراد سكرتيراً في العلاقات العامة في وزارة التخطيط.رحل ذو الكرش فبدا وكأن رحيله بالنسبة لمراد كأنه يوم العيد فقد خشى مراد أن لايحصل على وظيفة جراء ماقاله ،فوبخ نفسه،وقال في نفسه إن ماكان يقوم به في السابق لن يجدي نفعاً اليوم ،وتذكر كلبه المسكين لوانه لم يحصل على الوظيفة.ركب مراد وسرمد في السيارة ،وبدأ سرمد يصدر سلسلة من الأوامر،لم يكن لمراد أن يرفضها ،لان فضل سرمد عليه كفضل القمر ليلة البدر على النجوم.
-اسمع يامراد أما الآن وقد حصلت على الوظيفة،فلابد أن ترد لي المعروف.
-اطلب مني ما تشاء ياسرمد.
-أنا لا اطلب منك وإنما هذا حق عليك وهو دين لابد أن ترده لي.
تغيرت ملامح مراد وبدأ يتمتم في كلامه ،فقد كان يعتقد أن سرمد إنما فعل هذا الأمر لأنه يؤدي واجبه تجاه رفاقه،إلا انه أراد أن "يحافظ على ريشه من النتف"فقال:
-انت تأمرني أمر عيوني بس گول و تدلل.
-أي أريدك هيجي تگول،انسى الماضي ،ذاك الماضي الاگشر،الي ما خلانا نتفس.
-صدك والله،حجيك ذهب.
وكأن مراد ليس هو مراد الذي كان قبل يومين يتحدث الى نفسه عن حسرته لانهيار ذلك البنيان الشاهق الذي فاق في ارتفاعه ،البرج الذي بناه هامان لفرعون.
-اسمعني زين مراد،أريدك تدخل مثل نسيم الهوا بداخل المكتب الى راح تتعين بيه،مثل ما كنت تسوي گبل،افتمهتني،أريدك تعرف كلشي يصير ،وتبلغني أول بأول.
-صار مولاي تأمرني أمر.
-أي شخص يدخل ويخرج من الدائرة أريدك تعرف ليش دخل.افتهمت.
-تدلل،هاي بسيطة.
إنها فعلا سهلة بالنسبة لمراد ،فلديه مراس في المراقبة.
-سرمد أريد اگلك فد شي.
-گول.
-أريد تدبرلي فد بيت جديد يكون صغير ،يعني على گد حالي.
-لك انت شتدحجي،ولك راح تلعب بلفلوس لعب.
-صصصدگ دتحجي الله عليك.يييعني راح ارجع مثل گبل.
-لعد شتحسب احنا دنلعب.
في اليوم التالي ذهب مراد لاستلام وظيفته،وكان لابد أن يترك لنفسه فسحة ليأخذ مجاله في الدخول الى قلب المؤسسة ،فهو رغم خبرته الإدارية التي كان يؤديها في المؤسسة التي عمل فيها ،الا أن حسن الإدارة في الوضع الجديد لايجدي نفعاً،فمن الواجب عليه أن يجد وسيلة يستحصل فيها على رضا المدير العام،وأن يكون ذو شأن،وأن يُحسب لرأيه ألف حساب كما قال هو،بدأ عمله في مكتبه سكرتيراً في العلاقات العامة ،وبدأ الزوار والمراجعين يفدون الى المكتب ،لكنهم من نوع آخر ليسوا كباقي البشر ،وجوههم لامعة،أصابع أيديهم طويلة،سيقانهم رشيقة،يحمل كل واحد منهم صحائف أعماله بيده الوسطى،ومراد ينظر إليهم ولسان حاله يقول:((إن الأجناس البشرية وفقاً لأحسن نظرية استطيع أن أكونها،تتألف من جنسين:جنس يقترض وجنس يقدم القروض))،فأدرك انه لابد أن يستفيد من هذا الأمر،فالمدير يأخذ راتباً رمزيا قدره بضعة ملايين الدولارات،فضلاً عن العمولات التي يستحصلها من اولئك البشر ذوي الأيادي الثلاث.
-أليس لي حق في جزء ولو يسير من هذه الخيرات.
قالها مراد وهو يسند رأسه عند باب المدير ليسترق السمع،فيعلم مايجري من أحداث داخل الغرفة،فمديره وحش هائج ،وزواره طيور كاسرة،ولان الأشجار في الحديقة لاتعلم مراد شيئاً ،فقد سمح لنفسه بان يقوم بمثل هذا الأمر.
خرج الزوار من عند المدير،فتلقاهم مراد عن اليمين وعن الشمال،فقال لأوسطهم:
-هل لي أن أقدم مساعدة بسيطة لأجلكم.
قالوا جميعاً:
-لن تستطيع معنا صبرا.
فقال أوسطهم وهو ينظر الى مراد بنظرة ملؤها الاحتقار:
-منو استادك.
فتردد مراد في الإجابة،الا انه سرعان ما أدرك معنى الكلمة،فقال بلهفة:
-استاد سرمد.هل تعرفوه،انه هو الذي اوجد لي هذه الوظيفة،فأنبئوني بمالديكم،علّي اطلع على الأسباب،فلاتينكم بخير لاقبل لكم به.واستطيع أن اعقد معكم صفقة أفضل من التي عقدها معكم المدير،فانا لي خبرة أكثر منه،وباستطاعتي أن أعطيكم ماتريدون ووفق الشروط التي تضعونها.
تهامس ذوي الأيادي الثلاث،واتفقوا مع مراد على عقد الصفقة،ففرح مراد بهذا الأمر،وابلغ سرمد بما حدث.
ولما سبر مراد غور مهنته الجديدة،وجاءه الخير من كل الجهات،وأصبح بعقد الصفقات مع الآخرين دون إعلام سرمد بالأمر،أدرك انه لابد أن يتخذ مساعدين،فكلبه باسط ذراعيه في البيت ينتظر منه العناية،فاتصل بأحد رفاقه القدامى وفعل معه كما فعل سرمد،فأصبح مراد سرمد جديد،وبذلك يكون مراد قد بلغ مابلغه سرمد،وبقي الحال كما هو ،فمن جاء بعد مراد فعل كما فعل مراد.
وبالتالي نال مراد من كلبه الرضا ، وحقق مبتغاه.



#عمر_جاسم_محمد_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكهرباء و النتاج الفكري في العراق (صراع دائم)
- من وحي التجديد (قصص قصيرة جدا)
- الصراع البريطاني – الروسي على ايران
- الفرنسيون وعدالة التمثيل السياسي من خلال المؤرخ المصري عبد ا ...
- نافذة على النظام التعليمي الفرنسي العلماني
- النزعة الانسانية عند المفكرين الايطاليين في بداية عصر النهضة
- شمس وخمر ( قصة قصيرة لم تكتمل)
- مشكلة الصحراء الغربية في السياسة الاقليمية للجامعة العربية
- العراق والسلطة -اربعة انظمة ومنهج واحد- 1914-2011
- العقل العربي بين السياسة وامريكا
- الحركة الوهابية (الاصولية المعقدة)
- الاقليات الاسلامية التاريخ والمصير (البوسنة والهرسك)
- التطورات السياسية في سوريا من الملكية الى الاستقلال 1918-194 ...
- مزامير مرهونة
- تركيا والاحلاف العسكرية الدولية والاقليمية(الحليف الاستراتيج ...
- الهزل المقدس
- عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ الحملة الفرنسية يبشر بالعلمانية في م ...
- الكنائس والاديرة في الموصل العهد العثماني (1516-1918) ثنائية ...
- كيسنجر والصراع العربي-الاسرائيلي (رؤية لما قبل الربيع العربي ...
- نظام التعليم في فرنسا (ظهور العلمانية واختفاء الدين)


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر جاسم محمد العبيدي - -الانامل الفضية-