أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رابطة اليسار العمالي - تونس - قراءة للوضع الاجتماعي والسياسي الراهن في تونس















المزيد.....

قراءة للوضع الاجتماعي والسياسي الراهن في تونس


رابطة اليسار العمالي - تونس

الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 08:21
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بعد انسداد للآفاق تواصل زهاء نصف قرن، شهدت تونس في ظرف سنة تطورات سياسية على غاية من الأهميّة، لعلّ من أبرزها قيام الثورة، وطرد الدكتاتور، وحلّ الحزب الحاكم وإطلاق الحريات، وإضعاف سلطة الداخليّة، وأخيراً وليس آخراً وصول حزب حركة النهضة الإسلامي إلى السلطة، بعد انتخابات حرّة، كانت الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.

لكن في نفس الوقت، تعمقت الأزمة الاجتماعية، وساءت أحوال الطبقات الشعبيّة أكثر من السابق، خاصّة نتيجة استفحال أزمة التشغيل، حيث بلغ معدّل البطالة ١٨‪,٥‬٪، وطالت ربعَ القوى العاملة المستخدمة في الولايات الغربية والجنوبية، كما طال نقصُ استخدام العمالة ثلثي الناشطين المشتغلين. أمّا الفقر المُدقع فهو يُصيب رُبع السكان، خاصّة منهم سكان الأقاليم الداخليّة.

أمّا النشاط الاقتصادي فقد شهد بدوره ركوداً واضحاً تجلى في تقهقر نسبة النموّ إلى مستوى الصفر. تراجع الاستثمار ومؤشر الانتاج الصناعي، ما أصبح يهدّد بقرب اندلاع أزمة اقتصاديّة لن تزيد الوضع العامّ إلاّ تدهوراً وتعقيداً. ويمكن اليوم التأكيد بأنّ الثورة المضادّة، أي البرجوازية العالمية وتحديداً الأوروبية وحلفاءها المحليين، قد وفقت في وقف اندفاع الثورة والحفاظ على جوهر النظام، وهي تسعى الآن إلى تثبيت سلطة جديدة لملء الفراغ الذي خلفه سقوط الدكتاتور وحل حزبه. لقد كان من الواضح، منذ الساعات الأولى التي تلت فرار بن علي، أن النظام كان همّه الأول هو تفادي فراغ السلطة، ما يفسّر الارتباك الكبير في تعيين خليفة مؤقت لبن علي. كما كان يسعى إلى عزل الحركة الثوريّة وتفادي التحامها بقيادات من المعارضة، حتّى المعتدلة منها. وهو ما يدل عليه السعي إلى إدماج رموز هذه المعارضة في حكومة بن علي، التي بقيت في السلطة مدّة شهر ونصف، بعد سقوط هذا الأخير، ولم تتخلَّ عنها، إلا بعد تنظيم اعتصام القصبة.

إذاً، وبالتوازي مع سعي الثورة المضادة إلى تفادي مُحاسبة النظام، وتحميله مسؤولية الأزمة الاجتماعية، كانت هذه الأخيرة تناور لفرض بديل سياسي لسلطة بن علي المنهارة. وكان من الضروري أن تحصل هذه السلطة الجديدة على موافقة الشعب، وليس الحركة الثوريّة. لذلك كانت الانتخابات أفضل طريق لتحقيق ذلك، مع ضمانات كبيرة، في ما يتعلق بالنتائج. لذلك كان الهدف الأساسي من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تسليح الحكومة بالشرعيّة الانتخابية، التي ستساعدها على إعادة التحكم في الوضع العامّ في البلاد، وليس صياغة دستور جديد كما يزعم الخطاب السّائد. حيث أنّ الطبقات الشعبية وجماهير الشباب لم تثر نتيجة عدم رضاها على الدستور السابق، أو للمطالبة بدستور جديد، بل إن الدافع الأساسي لثورتها إنما كان البطالة والفقر والاحتقان، جراء فساد السلطة الحاكمة وظلمها.

ولضمان حظوظ أوفر للحفاظ على النظام القائم، وإفراز سلطة سياسية جديدة موثوق في ولائها لهذا النظام، أطلقت الثورة المضادة اليد لمليشيات مسلحة تنهب وتسطو وتروِّع السكان، كما ‹أخليت› السّجون من آلاف مساجين الحق العامّ، وكان شعور فقدان الأمان قد خيم بظلاله على جميع ربوع البلاد. ولم يكن من الصعب العثور على مكونات سياسيّة تقبل تقديم خدماتها للنظام القائم. أما قوى اليسار فإنها وجدت نفسها حبيسة لهذا المسار، ولكي تدخل حلبة منافسة سياسية لم تتهيأ لها، ولم تكن تتحكم في قوانينها.

في ظل هكذا ظروف ساد الاعتقاد بأنّ أولويّة الأولويات إنما هي ضمان عودة ‹الأمن› للبلاد، وتحقيق ما اتفق الجميع على تسميته ‹الانتقال الديمقراطي›، الذي سيتأسس على شرعيّة جديدة هي الشرعية الشعبية. وكان الشعار الأكثر تداولاً، خلال الأشهر التسعة التي سبقت انتخابات ٢٢ أكتوبر/تشرين الأول، هو تأجيل المطالب الاجتماعية والاقتصادية، والامتناع عن الاضرابات والاعتصامات. وبذلك نجحت الثورة المضادة في إرباك الحركة الثورية، وفي عزلها، وفي فرض أجندتها الخاصّة.

في هذه الأثناء، بدأ المشهد السياسي الجديد يتشكل، ليظهر مركزية حركة حزب النهضة السلفي، فيما كانت بقية الأحزاب تتصارع، لتضمن لنفسها مكاناً تحت الشمس. ولم يكن من حديث أو نقاش أو جدل إلا عن الانتخابات، والدستور والمجلس التأسيسي، وآليات الانتقال، والقوانين المنظمة لذلك. ونظراً لدقة الوضع، وإلحاحيّة المطالب الاجتماعية والاقتصادية، لم تكن الحكومة المنصبة والفاقدة للشرعية قادرة، بمفردها، على تأمين استقرار الوضع العامّ في البلاد. فكان من الضروري تقديم العون لها، من خلال إيجاد هيكل يضم كل الأطياف السياسية، والمنظمات المهنية والنقابية والجمعيات، يركز اهتمامه على المسائل التقنية المتعلقة بمسار تشكل السلطة الجديدة، ويساعد الحكومة على ترويض الحركة الثوريّة. ما غذى بدوره عزلة هذه الأخيرة، وزاد في ارباكها.

لم تكن أمام الثورة المضادّة خيارات كثيرة في ما يتعلق بالقوى السياسية، التي يمكن لها أن تكون البديل المقنع والمطمئن لسلطة بن علي. ذهبت أنظارها في البداية إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي كانت تتزعمه شخصية سياسية بارزة، لها تاريخ نضالي ضد الدكتاتورية، أعني أحمد نجيب الشابي. لكن هذا الأخير، جعله سعيه المحموم والمفضوح، نحو كرسي الرئاسة، يفقد مصداقيته، على الرغم من الامدادات المالية الضخمة، التي تم تزويده بها. في المقابل، كان من الواضح أن حزب حركة النهضة يتفوق على كل منافسيه، بدون منازع.

لم يكن من السهل تهدئة مخاوف البرجوازية، تجاه هذا الحزب الديني السلفي، الذي كان يبذل مجهودات كبيرة، قصد تبديد هذه المخاوف، وطمأنة الطبقة الرّأسمالية العالمية، والمحلية. لكن الأمر الحاسم هو توقيع حزب حركة النهضة، إلى جانب عشرة أحزاب أخرى، ورقة طريق - ضبطتها الحكومة خلال شهر ماي/أيار- وكانت تتمثل في صيغة معدلة للمخطط ١٢ للتنمية ٢٠١٠ - ٢٠١٤، الذي أصبح مخطط التنمية ٢٠١٢ - ٢٠١٦. وهو معتمد الآن كخطة عمل للحكومة المنتخبة.

بالإضافة إلى ذلك، تم التأكد من نوايا النهضة، ومدى استعدادها للعب دور المعوِّض المطيع لسلطة الدكتاتور، من خلال موافقتها على موازنة الدولة، التي أعدتها حكومة السبسي المنصَّبة، وصادقت عليها.ومن ثم الموافقة على بقاء محافظ البنك المركزي في منصبه، وهو الممثل المباشر للبنك العالمي وللإدارة الأمريكية، وكان تولى هذا المنصب يوم الاثنين ٢١ جانفي/كانون الثاني، قادماً من واشنطن. وهو الوزير الوحيد الذي لم يغادر منصبه إلى اليوم، برغم تعاقب الحكومات والوزراء. وبعد فوز النهضة في الانتخابات، احترمت كافة تعهداتها.

لقد مرّ اليوم ثلاثة أشهر على فوز النهضة في الانتخابات، شكلت خلالها حكومة ائتلافية مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية (وسط)، والمنتدى الديمقراطي للعمل والحريات (يمين الوسط). وفي الأثناء، طفت الأزمة الاجتماعية من جديد إلى السطح، وتأججت المطالب الاجتماعية، في كل مكان، وأصبح المشهد الاجتماعي، اليوم، أقرب إلى أجواء العصيان المدني من أي شيء آخر. لقد تعددت الاضرابات والاعتصامات، وتكاثرت لتشمل القطاعات كافة، وانتشرت عمليات قطع طرق المواصلات، وغلق مداخل الوحدات الانتاجية العمومية الكبرى،وخاصة منشآت الفوسفات والكيمياء، ولم تنجُ من حركة العصيان هذه المصانع الخاصة، مثل مصانع الإسمنت. كما انتشر في الأيام الأخيرة شكل آخر أكثر راديكالية، هو دخول مدن بأكملها في إضرابات عامّة، لا محدودة، كما هو الشأن في مدينة مكثر، إلخ.

وعلى الرغم من نداءات الحكومة المتكررة للهدوء، وطلب إمهالها مدة ستة أشهر، وبرغم الوعود وحملة التجريم للتحركات الاجتماعية، وحتى التهجم عليها، ونعتها بالخيانة والفوضى والتخريب، إلا أن لهيب الحركة ما انفك يزداد يوماً بعد يوم.

لقد ضاقت الطبقات الشعبية ذرعاً، جراء طول الانتظار، وهي التي استنزفت طاقاتها، منذ نصف قرن، قبل أن يخضعها نظام بن علي، إلى سياسة تقشف شرسة، ونسق استغلال اقتصادي غير مسبوق. ولكن الأهم في كل هذا هو عدم امتلاك حكومة النهضة للوسائل، التي من شأنها أن تجعلها قادرة على تهدئة الأوضاع، بعد أن أصبح من الواضح أن هذا الحزب لا يختلف في جوهره عن الحزب الحاكم، سابقاً، المنحل، وليس الخطاب الديني سوى ورقة التوت التي تحاول النهضة التستر وراءها، على هذا العداء المتأصل فيها، لمصالح الغالبية الساحقة من الشعب التونسي، وفي مقدمته شرائحه الأكثر فقرا.

كما يمكن اعتبار معطى اجتماعي آخر، سوف يكون له وزنه في الصراع الاجتماعي، خلال المدة القادمة، وهو مؤتمر المركزية النقابية العمالية، الذي أفضى إلى بروز قيادة جديدة، غير متورطة مع النظام السابق، وملتزمة بمصالح الأجراء، حيث عبّر الأمين العام الجديد، للاتحاد العام التونسي للشغل، عن التزامه بمطالب طبقة الشغيلة، ورفضه تصريف الأزمة على حسابها، وأنّه آن الأوان للسعي، بجدية، نحو نظام يضمن العدالة الاجتماعية، قولاً وفعلا.

وبالتالي، وبالنظر إلى ما آل إليه الوضع الاجتماعي الراهن، من تدهور خطير، وتراجع النشاط الاقتصادي، واعتماد حكومة النهضة الائتلافية ميزانيةً تضع في صدارة عناوينها تسديد خدمة الدَّيْن.. الخارجي، بنسبة ١٪ من الموارد العمومية، وتستجيب شروط المؤسسات المالية الدولية، ومصالح الرّأسمالية الأجنبية، ومن ضمنها الإمعان في التقشف، وتسليع الخدمات الاجتماعيّة، فإن الأوضاع مهيأة للانفجار، مجدداً، وفي كل لحظة، وهو ما يدل عليه في الآونة الراهنة تأجج الاحتجاجات الاجتماعية، في كامل أنحاء تونس.
.



#رابطة_اليسار_العمالي_-_تونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخابات 23 أكتوبر تسرق الثورة...فلتقاطعها الجماهير ولتفرض ح ...
- التكفير مقدمة ضرورية للإرهاب
- أسس البرنامج الانتقالي للثورة الدائمة في تونس
- تونس: الشعب يريد الثورة من جديد، من أجل إسقاط حكومة المبزع/ق ...
- بيان بمناسبة عيد العمال العالمي ليكن 1 ماي 2011 بداية تجذير ...
- لا لحكومة الغنوشي المبزع التجمعية صنيعة أمريكا وفرنسا
- نحن على ذمة ثورة شعبنا المستمرة


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - رابطة اليسار العمالي - تونس - قراءة للوضع الاجتماعي والسياسي الراهن في تونس