أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم العبيدي - سوزان ابراهيم و (لعبة الأنا).. قراءة تحليلية في مجموعتها الشعرية الجديدة (كثيرة أنت)















المزيد.....

سوزان ابراهيم و (لعبة الأنا).. قراءة تحليلية في مجموعتها الشعرية الجديدة (كثيرة أنت)


عبدالكريم العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3616 - 2012 / 1 / 23 - 00:04
المحور: الادب والفن
    


سوزان إبراهيم و (لعبة الأنا)

قراءة تحليلية في مجموعتها الشعرية الجديدة (كثيرةٌ أنتِ)

عبدالكريم العبيدي

قد تبدو صورة (الارتداد الحسي) إلى الأنا من داخل المؤالفة بين الحدوس والإدراكات مرتبكة في أوهن أحوالها، فهي، ورغم الاتفاق على (حالتها المرضية) تدلل على إقصاء أحادي للوجود، وطمس لفاعلية الآخر، والإيمان بسيادة مطلقة للأنا، وكل هذه الأعراض، شاءت أم أبت ستصنع ذاتا محبطة في أكثر أطوارها اعتدالاً ما بين الهي والأنا العليا، باعتبارها، وبحسب (ديكارت): النّفس التي أنا بها ما أنا.
ووفقا لهذا الغطاء المعرفي تتجلى بوضوح ظاهرة الجنوح تلك في المجموعة الشعرية: (كثيرةٌ أنتِ)، باعتبار أن (الأنا الشعري) كما هو حاله دائما يعد الأوسع (حرية) في تفاعلاته اللامحدودة مع الذات التي غالبا ما تنتج أنا ثالثة مغايرة ومخترعة، ومع الآخر رغم طمس فاعليته، والوجود رغم إقصائه.
كثيرةٌ أنتِ
نساءٌ في امرأة
فمن أسجنُ, ومن أنفي؟
من أكرهُ منهنَّ, ومن أحبُّ

ورغم (أنوثة الأنا المقموع أصلا) وشراسة ما تعرض له عبر العصور إلا أنه يبدو منبهرا هنا في ارتداده ونظرته إلى أناه (المتصور) حين وجده حزمة من الذوات العديدة داخل ذات مركبة متعالية، أسست له فضاء جديدا لدكتاتورية متوارثة للأنا (الإمبراطور) الذي بات بوسعه أن يتحكم في جزئيات أناه ويبعثرها كيفما شاء، لكنه لم يخرج أبدا من عباءة القمع الأفعوية، فحالما شعر بالكثرة، رمز الاعتداد وأول خيوط النرجسية حتى انتابته الحيرة في تصنيف (أتباعه) وإحالتهم إما إلى السجن، (سلب) حريتهن، أو إلى النفي، (تهجيرهن قسرا)، بل أن حيرته (المزعومة) لامست ثوابت الكره قبل أن تتفاعل مع الحب، ذلك لأن الأنا، رغم انفلاته الحر وحيوده النرجسي مازال (مقمطا) بسلطة الجبروت والذكورية التي قمعته عبر الدهور.

لم تعدِ الوحدةُ تناسب مقاسي
هل تشاركني الزمان؟

وفي أوج طغيانها الوجودي (تنتفخ) الأنا هنا، في تفاعلاتها وتشابكاتها مع أنصال نرجسيتها الحادة كاشفة عن ملامح تكوينية في كنه تواجدها النصي ومؤسسة لبنية كليّة متكوّنة نديّة وتضاديّة حينًا، وتوحدية حينًا آخر وفق مُشْغَلاتها التي غالبا ما اتكأت على مُتَّسَعَات إيحائية وهمية جعلت الأنا يجاهر بنفوره من وحدته/أحاديته التي تجاوزها ليتجه بسؤال زمكاني إلى الوجود برمته الذي غدا متوحدا معه في مركبه الجديد المتصور.

أشهدُ أن لا أنا إلاّ أناي
حاملُ غيم الخطيئة,
المبشرُ بالخلود..

طغيان آخر مفضوح للأنا الشعري هنا، ففي (نرجسية حادة) تشهد الأنا بما يشبه تراتيل صلاة بواحديتها وتوحدها المطلق مع أناها، نافية أن لا أنا غيرها في الوجود، وهو إعلان عن (اكتفاء ذاتي) كاذب لن يصمد طويلا، وهو ما سيتبين لنا لاحقا، كما أنه، وفي هذه الجزئية الاجهارية تتبنى مزاعم جديدة (تضخيم الأنا) تشمل حملها لغيم الخطيئة وكونها المبشرة بالخلود، ووفقا لهذه التصريحات الأنوية نجد أن الأنا دخل طور التشهد، وهي مزية ثبوتية جديدة أراد من خلالها إيهام أناه بصدقية فرضياته الحسية المشيدة على تصور نرجسي داخلي يدغم (يتوحد) من خلاله بالأنا العليا المركبة الجديدة التي تنفي وجود أنا غيرها أولا، وأنها امتلكت من المؤهلات الخارقة التي تؤهلها للمجاهرة بالعلو والعظمة كونها غدت النذير المبشر بالخلود، ذلك الطور السرمدي الذي طالما أقلق الإنسان منذ فجر تواجده وتفاعله مع الوجود، لكن (أنا سوزان) أخفق قبل هذه البشارة المزعومة بجملة (حامل غيم الخطيئة) كون التي تحمل الغيم هي الريح أولا، والريح التي لا لون لها رمز التلاشي واللاجدوى، كونها تنعت سلبا للفشل والإخفاق، كما أنها تعد من المحسوسات وليس من المرئيات فكيف توصف بأنا غدا نذيرا ومبشرا!؟، كما أن ما يحمله هو الغيم، رمز الإخصاب والعطاء والجمال، فهو حامل المطر وصانع الظلال ولؤلؤ السماء، ومن غير المستساغ أن يلامس الخطيئة المتصفة ببشريتها، والأقرب إلى (الغراب) دينيا وأسطوريا وفلكلوريا.
المبشرُ بالخلود..
ولكن أي خلود هذا الذي يبشر به أنا سوزان؟
من الواضح أن نرجسية الأنا تمادت بفعل (الحرية الشعرية) المنغمرة بها لتجاهر بمرتقيات رسالية اعجازية طالما أخفق فيها الإنسان عبر العصور، وهذه المجاهرة/اللعبة تغافلت عجز الأنا عن عثوره على استقراره أصلا، وراحت تزعم بقدراتها (الواهية) أنها كفيلة بصنع خلود لم تجده لأناها (المريض) وهو دليل آخر على حجب حالتي الانكسار والضعف الذي تعانيه، ومحاولة لإيجاد بديل أقل حرجا وخيبة وان كان كاذبا.

أنا المفردُ
لا الإلهُ
هو كلُّ ما يؤولونَ
ولي تأويلٌ واحدٌ فقط

بعد هذا العجز الواضح يرتد الأنا ثانية، خصوصا بعد فشله المركب، (المتعدد)، ويعود إلى لبوس إيحائي (انطوائي)- أنا الفرد، ولكن بمن؟، هل هنا القضية عددية؟، إنها أكبر من ذلك رغم عدديتها الصحية، فهي تكشف عن اعتداد عليل لأنا فقد شرعيته بسبب تعدد إخفاقاته، وتسفر عن أحادية متحسسة في العجز وعن شعور (سرعان) ما ينط من جوانيته في خطوط متفرعة متعددة الاتجاهات للاصطفاف مع (الأحد) الذي ليس كمثله شيء وإجراء مقارنة ومضاهاة بين الكينونتين اللتين يكشف التماثل بينهما عن حيود افتراضي لمسار التفاعل الحسي، وفرض قراءة أحادية (لأحد) متعدد التأويلات، بحسب الأنا الذي يصر على أنه (متفوق) كونه ذو تأويل واحد، لم يبينه، وهذا إخفاق آخر، بل هو في حقيقته عاجز عن الإفصاح عنه، علاوة على أن التأويل لابد أن يصدر من (آخر) مازال الأنا ينكره ولا يعترف بوجوده.

لن تأخذَ مني
لن تضيفَ إليَّ
مكتفيةٌ أنا مثل كمالِ البحر
لا غيمٌ يجزرُ مدّاً
لا نهرٌ يمدُّ جزْرا

كإشارة إلى (المتنبي)، أكبر شخصية شعرية عربية نرجسية نجد أنه (ينفي) منذ صباه وجود آخر يضاهيه: (أمط عنك تشبيهي بما وكأنما، فما أحد فوقي ولا أحد مثلي)، هذه النرجسية في أبهى صورها نجد لها صدى فيما ذهبت إليه (أنا سوزان الشعرية) بإلغاء الآخر الذي لم يعد بنظرها يضيف أو ينقص شيئا، باعتبار أن الأنا باتت: (مكتفيةٌ أنا مثل كمالِ البحر)!، الذي (الأنا/البحر) لم يعد يعنيه ما يحدث في السماء (لا غيمٌ يجزرُ مدّاً) ولا ما هو متجسد في الأرض تبعا لذلك (لا نهرٌ يمدُّ جزْرا).

بحثتُ عني
لم أجدني

في هذه الجملة الشعرية القصيرة المتكئة على (الفذلكة اللغوية) التي طالما مالت لها (سوزان) في (كثيرةٌ أنتِ) وربما أجادت فيها، تخفي في هذه الكلمات الوجيزة صورة (بهلوانية السيرك) الظاهرة صورة ظلامية الخيبة الكامنة، ليس بنسقها السلبي رغم سطوته، ولكن، وهذا هو الأقرب، بطغيانها الوجودي (المساءلاتي) الجدلي بين الوجود والعدم، فالأنا الباحث، الساعي، (المضطرب) يحاول إثبات هيجان وجوده بسبب افتقاده للتوازن الاستقراري من خلال عملية البحث والاستقراء والتفاعل عن أناه، وليس عن أي ذات أو آخر، لكأنه يبدو جازما، بسبب (نرجسيته) على أن العثور على أناه هو الحل، وأن مفاتيح استقراره مع نفسه تكمن بإيجاد ذلك المفقود (الفقيد) الذي يستوضح غيابه لاحقا (لم أجدني)، وهو اصطدام (طبيعي) بالعدم مؤلف من شقين أولهما (مرضي) بفعل نرجسيته والثاني مضطرب بسبب اختلال الرؤية، وفي كلي الحالتين يغدو الفعل (البحث) غير مجدي، ويطغي هزاله (خيبته) على مؤثرات الدفع الكامنة التي ما عادت توازن بين هيجانها المحسوس الكامن وبين البناء المتصور الخارجي- بتشديد وفتح الواو، مما سيولد حتما المزيد من الطعنات لأنا محاصر ومكبوت أصلا.

امرأة أنا يا أمي
صندوق عرسِكِِ لا يلزمني
أكرهُ أساورَكن,
قلائدَكن,
خواتمَكن,
وكلَّ ما يشتهي الإحاطةَ بي

يقول الفيلسوف جون بول سارتر: (الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي وهو مفتاح لفهم ذاتي والإحساس بوجودي)، ولكن قليلا، وربما نادرا ما يتفاعل (أنا سوزان الشعرية) مع آخر، وان حصل ذلك فلابد أن يتبنى نظرة فوقية على مقاساتها، متخذة مسارا حذرا ومتعاليا من الأعلى إلى الأسفل، حتى لو كانت (الأم) هي ذلك (الآخر)، فالأنا بخيلائها (تعترف) بكونها امرأة ولكن ليست (أنثى)!!، (سنرى لاحقا أنها ليست امرأة أيضا)!!، ولكن هي (امرأة) افتراضا الآن، لتكن، لكنها تنبذ (قشور الأنثى): (صندوق العرس، الأساور، القلائد، الخواتم، بل و (وكلَّ ما يشتهي الإحاطةَ بي)، بنظر هذه الأنا (المتغطرسة) تكون كل تلك الإكسسوارات دلائل ضد (عظمة) الأنا النرجسية التي خلعت ثوب الأنوثة لتغدو كائنا آخر، أنا غير معنية بوسطها قدر سباحتها في هوس ثورتها المليئة بالطعنات والخيبات، ذلك الهوس الذي لم تتبلور ملامحه سوى بالمزاعم والشعور الدفين بالانكسار، ذلك لأنها منشغلة بصناعة ثالوث أنوي سنعثر عليه الآن.
لأنني
أرتّبُ تفاصيلَ حكايةٍ أخرى.

إذن هذا ما يشغلها منذ سنين، (الحكاية الأخرى)، تأسيس كائن افتراضي، غير مجنس، لا ينتمي للمرأة ولا للرجل، قدر انتمائه لذات نرجسية لن تكف عن إطلاق الادعاءات التي ستقودها حتما إلى الوحدة والانكفاء ولكن ببقاء مزاعم واهية لا تنتهي.
وحيدةً
ولي ما ليسَ لهنَّ

هكذا إذن، وحيدة، ولكن (لي ما ليسَ لهنَّ)، وما لديها؟، لا شيء، عدا ذلك التصور الذي أخفقت في قراءته:

أليس الإنسانُ انعكاسَ المطلق على الأرض؟!

وبحسب كانط فان (الأنا المفكّر يرافق بالضّرورة كلّ تمثّلاتي)، وهذه المرافقة أسفرت في سياحة أنا سوزان داخل أناها طيلة عشر سنوات عن محاولة ليس غير

لعشر سنواتٍ ذهبن
حاولت فيهن
أن أكون أنا.

عشر سنوات إذن، وستعقبها سنوات لاحقة قد تنضج بعدها تلك الأنا العليلة التي حاولت (ولها أجر محاولتها) لتطرز في الشعر تحولات إبداعها بفاعلية أكثر ارتقاء.

كاتب وإعلامي عراقي
[email protected]



#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرفيقة (أم امتاني)
- بيت علي الشباني. محطة الشيوعيين.. شهادة
- العراقيون يتكيفون مع الحر ويحولون معاناتهم إلى نكات!
- شهادة دموية مكتوبة برائحة شواء لحم العراقيين
- مفردات برلمانية تغزو الشارع العراقي الآن
- 1/7 تاريخ كاذب لمواليد العراقيين على مدى قرن
- صورة -فكاهية- من داخل المعتقلات الصدامية
- البعث و ضرورة المراجعة الذاتية


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم العبيدي - سوزان ابراهيم و (لعبة الأنا).. قراءة تحليلية في مجموعتها الشعرية الجديدة (كثيرة أنت)