أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح محمود - وميض الضباب / قصة قصيرة














المزيد.....

وميض الضباب / قصة قصيرة


صالح محمود

الحوار المتمدن-العدد: 3611 - 2012 / 1 / 18 - 22:59
المحور: الادب والفن
    


يتحرك شباب القصبة واحد ، محتجين على محمد الغنوشي وحكومته ، و يصرخون في وجهه " dégage dégage dégage " يرفعون عقائرهم بالغناء "محلا القعدة علمية وماحلا الربيع" راقصين رقصة الصمبا ، يهرعون مقتحمين متحف باردو والفايس بوك ، يدوسون المقعدين والمشلولين الزاحفين وذوي العاهات العميقة بلا رحمة ، عابثين بتاريخ البلاد وحضارته . سحب صفراء تظلل الراقصين في الاحتفالات عبر الألعاب النارية، تتهاطل الأمطار الخاطفة فتتداعى البنايات القديمة والعشوائية التي لا أسس لها وتتهاوى ، االعفن يمتزج بالركام في كل مكان فتعبق الروائح لتخنق المرضى والذين اعتادوا تنفس الأكسيجان بلا كربون بغياب الأشجار والأعشاب بفعل العواصف واندثرت المدن التاريخية ، المياه تفيض في الأنهار والأودية ، تدمر القنوات وتهدم السدود وتجرف الحطام . يعم الطوفان والناس مع ذلك يركضون غير عابئين بالمخاطر المحدقة ، بعد تعيين البوليس السياسي الكاجي بي . الدهماء ، الرعاع ومن لف لفهم من السوقة ثملون يتمايلون في l avenueبأعمدته المرمرية وأقواسه الفنية حملتها الرياح القوية القادمة من كل فج عميق بعد هروبهم من السجون ، الماجنون والمعربدون يزرعون الألغام في الطرقات بقطعها ، والجسور تتحطم وتفجر شظايا ، على صوت سيدي علي الرياحي "زهر البنفسج بكاني خلاني نغني طول عمري" ، يتدخل أصحاب الوجوه القديمة والمستهلكة عبر جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجوبون الطرقات بهرواتهم وعصيهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحرق في كل الزوايا ودخان الكريموجان في كل الأركان لمحاولة احتواء التهديدات الخارجية . الشباب في قلق متزايد ، إلى أن خرج مجمد الغنوشي من متحف باردوا ، يصيح قائلا وهو يقفز " بن علي هرب ، بن علي هرب ، بن علي هرب " ، يتبعه الباجي قايد السبسي . يجيب شباب القصبة "يا غنوشي الشعب يحبك ، يا غنوشي الشعب يريدك ، يا غنوشي الشعب يقبل بك رئيسا للحكومة وحماية الثورة من النهب والإلتفاف " . يصرخ طفل صغير"هاهو بن علي ، هاهو بن علي" ، يلوح بن علي بين الحشود يدفع العربة وعليها جثمان محمد البوعزيزي مسجى فيصيح الشعب "يحيا بن علي ، يحيا بن علي ، عاش التجمع الدستوري الديمقراطي " وهو يلوح لهم ، ويرد التحية "قول تحيى تونس" ، تحول ميليشيات التجمع بينه والجموع وتسعى للإلتفاف على الظاهرة ، بينما جاء من أقصى المدينة جماعة تسعى قد أرهقها السفر وأضر بها الجوع والضمأ ، فأصابها هزال حتى هرمت ، وهي تتساءل عن جثمان محمد البوعزيزي ، فلا تظفر بجواب ، فقد كثرت الروايات وتعددت الإشاعات حتى من يرى أنه في أحد المساجد يصلى عليه صلاة الجنازة .
كثرت الوشاية في كل مكان ، عبر الإعلام ، والسبسي يردد " أريد استتباب الأمن وعلوية القانون ، أريد هيبة الدولة " . يظهر علي شورّب من بين الأسواق العتيقة الضيقة الأنهج ، شباب القصبة واحد يعلن مواصلة الإعتصام رافعا شعار"الشعب يريد المجلس التأسيسي" ، ويصر على الإطاحة بالغنوشي وحكومته .
على المرافئ شباب الحرقة يعدلون عن الحرقة ، متخلين عن الزوارق والقوارب بعد زوال الحدود وإلغاء التأشيرات بين الفضاءات وهم يدندنون بأغنية صليحة "في الغربة فناني عمري راح ، في الغربة فناني عمري راح " فتتعالى الزغاريد وطلقات البنادق ، ظهر إذاك مسلحون ليبيون قدموا من بن قردان وهم يسلمون في جلبة وضوضاء وقد ظهرت على وجوههم وذقونهم وعث الصحراء وجهد السفر " نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت " و يتجهون نحو بنزرت على عرباتهم المكشوفة بأسلحتها الثقيلة لمحاربة الناتو . يمدد السبسي حالة الطوارئ إلى أجل غير محدد ، فالجيش المدجج بالأسلحة يتفكك ويتحول إلى ميليشيات على رأسها زين العابدين ، ويقطع كل الطرقات بحثا عن المخدرات من زطلة و خمر ومسروقات مهربة ، والقبض على تجار العملة ، معتمدا على الكا جي بي ويعيد السجناء الفارين إلى أقبية الزنازين ، ويصدر بيانات التنديد ومحاكم التفتيش . و أخيرا استبشر الناس وخرجوا للإحتفال بخطاب بورقيبة وهو يردد عبر الإذاعات وعلى الفضائيات " نرجعو كيف ما كنا قبل ، نرجعو كيف ما كنا قبل " وهم يضيقون ذرعا بالبراكاجات على كل المسارات ، فيتغنون" يا شهيد الخبزة رجعت" ، يتدخل السجناء الفارين من العدالة وأصحاب السوابق لتنظيم الحركة المرورية . ثم يعطون المثال في دفع العربات ، فصارت سنة وتقليدا في كل مكان ، فالجميع يدفعون عرباتهم وقد ألقوا عليها مشترياتهم ومبيعاتهم عبر الطرقات المبلطة والساحات الضيقة والعرق يتصبب من جباههم حتى الإغماء . أما شباب القصبة واحد فيعتقد أنهم اندثروا منذ أمد طويل ، وصاروا أثرا بعد كائنات لم يتبقى منهم غير شعارات مدونة في كتب التاريخ تحت قصر القصبة ، وآخر متطرف يحفظ أغنيتهم "محلا القعدة عالمية..." مات تحت التعذيب في سجن بأقصى الجنوب منذ نصف قرن.



#صالح_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى الأولى لإندلاع ثورة 17 ديسمبر 2010 التونسية العظيم ...
- كائنات الملح
- قتل معمر القذافي : قتل الرّمز أم قتل الحلم ؟
- المُواطنة في أفق الدّستور التونسي المُرتقب
- تشويه شهداء الثورة التونسية
- الثّورة التونسية إلى أين؟
- تونس لا خوف بعد اليوم
- احتمال (قصة قصيرة)
- يا بحر!!!
- الفايس بوك وجريدة الشروق التونسية
- قراءة معتدلة للساحة الثقافية التونسية بعد الثورة
- سرعة
- قصيدة
- العصور بين التفجر والتحجر
- رسالة
- أسطورة التأله الجزء السابع
- أسطورة التأله الجزء السادس
- أسطورة التأله الجزء الخامس
- أسطورة التأله الجزء الرابع
- أسطورة التأله الجزء الثالث


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح محمود - وميض الضباب / قصة قصيرة