أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - دكتاتورية الشيعة وتهميش السنة، وهم أَم حقيقة؟















المزيد.....


دكتاتورية الشيعة وتهميش السنة، وهم أَم حقيقة؟


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3611 - 2012 / 1 / 18 - 12:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دكتاتورية الشيعة وتهميش السنة، وهمٌ أَم حقيقة؟
عبدالخالق حسين

في البدء، أستميح القراء الكرام عذراً على صراحتي في تسمية الأشياء بأسمائها، خاصة فيما يخص السنة والشيعة، إذ لا يمكن أن نساهم في حل مشاكل شعبنا ما لم نكن صريحين دون غموض أو ضبابية، فبلادنا تواجه اليوم أزمة الطائفية بأوضح أشكلها، ولا يمكن حلها بإتباع سياسة النعامة في طمس رأسها في الرمال.
ذكرنا في مقالنا الأخير الموسوم (حول ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية في التضليل )(1)، أن البعث نجح في توظيف الطائفية في العراق لصالحه، فادعى أنه الممثل الشرعي الوحيد، والأوحد للعرب السنة في العراق والمدافع الأمين عن حقوقهم. والمؤسف أن معظم ممثلي السنة في العملية السياسية، الذين تمثلهم قائمة "العراقية"، وحتى الذين عانوا من البعث الصدامي، وقعوا في الفخ البعثي، فوقفوا يدافعون عن البعث، وناهضوا جميع القوانين التي صدرت لإزالة آثاره المدمرة، بل وطالبوا بإلغاء كل ما تحقق بعد 2003، وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه قبل ذلك التاريخ. ولتحقيق غرضهم هذا، اتبعوا تكتيكاً يتسم بالازدواجية، إذ شاركوا في العملية السياسية لإفشالها من الداخل، فلهم رجل مع السلطة، وأخرى مع الإرهاب، وما افتضاح دور طارق الهاشمي في الإرهاب مؤخراً إلا غيض من فيض. وكذلك نتذكر تصريحات الشيخ حارث الضاري، رئيس هيئة علماء المسلمين، الذي قال: "أن القاعد منا ونحن منها".

منذ إسقاط حكم البعث الفاشي، ونحن نسمع باستمرار، ومن وسائل الإعلام العربي، وتصريحات قيادة "العراقية" مقولة مفادها: استحواذ الشيعة على السلطة وتهميش العرب السنة، وصوروا الوضع في العراق الجديد كما لو أن الشيعة كتلة واحدة، وفي حزب واحد، وأنه نسخة كاربونية من حزب البعث الصدامي، وأن رئيس الوزراء، نوري المالكي (الشيعي) "دكتاتور أسوأ من صدام"!!. وللأسف الشديد انطلت هذه الكذبة على الكثيرين، وصدق بها ناس بقصد أو من دونه، وخاصة من العرب السنة، بل وحتى الذين عانوا الكثير من مظالم البعث الصدامي أسوة ببقية مكونات الشعب ولو بنسب متفاوتة، واستخدموا هذه الفرية لتجنيد منظمات الإرهاب في قتل الشيعة.

ونظراً لتعقيدات الوضع العراقي، وإدمان مكونة العرب السنة على التفرد بالحكم ما قبل 2003، وجدوا في هذا الادعاء ضالتهم، وراحوا يؤكدون مظلوميتهم وتهميشهم من قبل الشيعة "عملاء إيران" الذين "احتكروا السلطة"!!. إذ كما جاء في مقال الأستاذ ميثم الجنابي عن الهاشمي: [فهو – أي الهاشمي- لم ير في كل ما يجري في العراق من أحداث دموية أكثر من "أعمال وحشية ضد بني البشر تستخدم ضد العرب السنّة لتهجيرهم. وهناك حملة تطهير مذهبي واسعة النطاق تجري بفعل فاعل وبطريقة منهجية لدفع السنّة لترك العراق وتشييع هذا البلد جملة وتفصيلاً"!! إذن بيت القصيد أو مربط الفرس يقوم في الوقوف ضد "تشييع العراق جملة وتفصيلا".](2).
بينما الحقيقة الناصعة تؤكد أن هناك حرب إبادة ضد الشيعة وليس ضد السنة، فمعظم المفخخات وتفجيرات الانتحاريين تحصل في المناطق الشيعية وضحاياها بالعشرات، بعد أن كانت بالمئات، يومياً من الشيعة. ولكن الهاشمي يعمل وفق ما يقوله أخواننا المصريون: "رماني وبكى، سبقني واشتكى"

لذا، أرى من الضروري مناقشة هذه المسألة لحماية عقول الناس من التضليل. وقبل ذلك، أود التطرق إلى مسألة فكرية نادى بها رواد مدرسة في علم الاجتماع تسمى بـ(ما بعد التركيبية Poststructuralists) مثل جاك دريدا، وميشال فوكو، وماتز الفَسون (Mats Alvesson)، لها علاقة بالموضوع، ألا وهي علاقة اللغة بالواقع المعاش. ففي هذا الخصوص، يقول الفَسون: "إن اللغة تركب الظاهرة بدلاً من عكسها". أي أننا نرى الواقع من خلال اللغة التي نستخدمها لوصفه. فالواقع تتغير صورته في عقل المتلقي حسب الكلمات التي نستعملها لوصفه، لأن الناس يفكرون عن طريق اللغة. فالكلمات المختارة للتعبير عن شيء ما، هي التي تنتج الفكرة التي يراد إيصالها للآخرين.

ويوضح الراحل علي الوردي هذه المسألة بأسلوبه السهل الممتنع قائلاً: "إن اللفظ هو الوعاء الذي توضَع فيه المعاني، فالوعاء يجب أن يكون نظيفاً سهل التناول وفيه من الأناقة الطبيعية ما يساعده على أداء وظيفته. أما إذا كان قذراً مثلوماً فإن النفس تمج الشرب منه على أي حال".

وهذا يعني أنه إذا أراد الكاتب تقديم فكرة معينة يتقبلها المتلقي، فعليه أن يقدمها بكلمات جميلة أنيقة، أما إذا أراد تقبيحها، وينفِّر الناس منها فيقدمها بكلمات بذيئة. وعلى سبيل المثال، وكما في حالتنا العراقية، فأنصار الديمقراطية، الذين يؤيدون مشاركة كافة مكونات الشعب بالحكومة المنتخبة، يسمونها (حكومة الوحدة الوطنية) أو (حكومة الشراكة الوطنية). أما أعداء الديمقراطية وأنصار دكتاتورية المكونة الواحدة الذين خسروا نفوذهم بعد استحواذهم على السلطة لأكثر من سبعة عقود، ويرفضون مشاركة المكونات الأخرى معهم في السلطة وصنع القرار السياسي، فيصفون هذه الحكومة المنتخبة بكلمات بذيئة لتشويه صورتها وتقبيحها لدى المتلقي، فيسمونها بـ(حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية).

وهكذا استخدمت اللغة لإشعال الفتنة الطائفية في العراق بتشويه الواقع في أذهان الناس، فقالوا أن الشيعة بعد 2003، استحوذوا على السلطة وهمَّشوا العرب السنة، وأن عروبة العراق في خطر... وراحوا يرددون هذه العبارات ليل نهار، ومعهم الإعلام العربي وكأنها حقيقة لا جدال فيها!!. وأخيراً دخلت تركيا على الخط، (إضافة إلى السعودية ودولة قطر من قبل)، فراحت تلعب بالورقة الطائفية لإيجاد موطئ قدم لها في العراق، فنقرأ عناوين مثل: (أنقرة: قلقون من تطهير سياسي للسنة...)، وهذا بالطبع تدخل سافر في شؤون دولة تحاول أن تتعافى من تركة نظام همجي تخلصت منه حديثاً، وتسعى لتحقيق الأمن والاستقرار.

كذلك أدعى البعض، أن التمييز الطائفي يمارسه الشيعة فقط منذ سقوط حكم البعث، وأنه لم يكن في العراق أي تمييز طائفي ضد الشيعة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 إلى 2003، وأن الشيعة يلعبون دور الضحية والشكوى لتبرير تفردهم بالسلطة والانتقام من السنة!!. وفي هذا الخصوص قال أحدهم في مقال له، ونكاية بالعراق الجديد: "إن العهد الملكي، في مقارنته بعراق اليوم ... كان عصرنا الذهبي". علماً بأن صاحب هذا القول قضى عشر سنوات من عز شبابه في سجن نقرة السلمان الصحراوي والسجون الأخرى في العهد الملكي بسبب معتقده السياسي المخالف لمعتقد السلطة آنذاك، بينما يمارس الشيوعيون وغيرهم في العهد الحالي معتقداتهم السياسية بكل حرية، وينظمون المظاهرات ضد السلطة، وحتى يحرضون لإسقاطها، ويطالبون باستقالة رئيس الوزراء دون أي خوف أو محاسبة أو ملاحقة، ومع ذلك، فالعهد الملكي في رأيهم هو العصر الذهبي مقارنة بالوضع الحالي!!!
والغريب، أن الأخ الكاتب ينفي ممارسة الطائفية في العهد الملكي، كما وينفي الطائفية عن البعث الصدامي أيضاً، فيستشهد بتولي شخصيات شيعية لمناصب "رفيعة" في عهد صدام، مثل سعدون حمادي ومحمد حمزة الزبيدي الشيعيين لمنصب رئاسة الوزارة..الخ. ولكن السؤال هنا هو: ما دور سعدون حمادي وهو رئيس وزراء، ودور محيي الدين معروف نائب رئيس الجمهورية (الكردي) بصنع القرار السياسي في عهد صدام؟ الجواب: لا شيء، فوجودهم في هذه المناصب كان للديكور فقط. ثم نسي صاحبنا الشعار الذي رفعه حكم البعث: (لا شيعة بعد اليوم) والحملة الفاشية التسقيطية ضد أهلنا في الجنوب.

والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: إذا كان العهد الملكي يمثل العصر الذهبي للعراق، فلماذا حرضتم وألبتم الشعب ضده وعملتم على إسقاطه؟ ففي هذه الحالة يجب محاكمة جميع المثقفين والسياسيين العراقيين مثل الجواهري والرصافي، وجميع أحزاب جبهة الاتحاد الوطني، والذي كان الكاتب عضواً قيادياً في أحدها، لأنهم خدعوا الشعب وعملوا على إسقاط حكم كان يمثل العصر الذهبي للعراق، وبذلك تسببوا في إدخال العراق في نفق مظلم لم يخرج منه حتى الآن!!.

والملاحظ أيضاً، أن الهجمة الستقيطية الشرسة منذ إسقاط حكم البعث وإلى الآن، موجهة ضد المشاركين الشيعة في الحكم فقط، ولدوافع طائفية، واختلط الأمر على الكثير من الكتاب بمن فيهم كتاب شيعة، فراحوا يسبحون مع هذا التيار بدوافع أيديولوجية وأغراض سياسية، ومنها عقد النقص ليثبتوا أنه غير طائفيين، لأنه صار في عرفهم كل مثقف شيعي هو طائفي ما لم يساهم في التهجم على السياسيين الشيعة، أو المشاركة في اضطهادهم إلى كان في الحكم.
وهذا ليس بالأمر الجديد، بل بدأ منذ العهد الملكي. ودليلنا على طائفية العهد الملكي هو أن تشكلت 58 وزارة، الشيعة شكلوا 3 وزارات منها فقط، والسنة شكلوا 55 وزارة، يعني كانت حصة الشيعة سنتين وثلاثة اشهر من38 سنة من عمر العهد الملكي والباقي للسنة. وكان نواب المناطق الشيعية يتم تعيينهم من المناطق السنية، ومع ذلك ينفي هؤلاء السادة سياسة التمييز الطائفي في العهد الملكي. وفي الحقيقة لم يتم تعيين شيعي لرئاسة الوزراء آنذاك إلا عند الأزمات الشديدة لكي يلبسوها برأسه. فقد تم تعيين صالح جبر (الشيعي) رئيساً للوزراء عام 1947 لأنهم خططوا لتوقيع معاهدة بورتسموث المثيرة للصراعات السياسية، وفعلاً عند توقيعها في كانون الثاني 1948، هبت انتفاضة شعبية واسعة أسقطت حكومة صالح جبر، وألغت المعاهدة، ولتهدئة الوضع وامتصاص الغضب، تم تعيين شيعي آخر، وهو السيد محمد الصدر.
وقد أخبرني صديق ثقة عاش تلك الأحداث وراقبها عن قرب، قال إن الانتفاضة ضد حكومة صالح جبر لم تكن تخلو من دوافع طائفية، لأنه حتى بعد إسقاط الحكومة وإلغاء المعاهدة، ولما تم تعيين السيد محمد الصدر، خرجت مظاهرات احتجاجية ضده بعد أيام قليلة من جامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني، وهي تحمل لافتات منددة بالسيد الصدر، ويرددون أهزوجة: (ردناك عون، طلعت فرعون، يا بو لحية النايلون)!!. فلم يتحمل هؤلاء أن يكون شيعي رئيساً للوزراء، وهو ما يجري اليوم أيضاً.
وبالمناسبة، يقول حنا بطاطو، أن عدد القتلى والجرحى لهذه الانتفاضة بلغ أكثر من 400 عدا الذين سقطوا في النهر وماتوا ولم يعرف عددهم. حصل هذا في العهد الملكي الذي يحلو للبعض وصفه بالعصر الذهبي للعراق. فهل قتل أحد في المظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة الحالية؟؟

والمفارقة، أن الكتاب اليساريين الذين يصفون أنفسهم بالتيار الديمقراطي، هم الذين عملوا أكثر من غيرهم على تشويه صورة العهد الملكي، وألبوا عليه حتى وصفوه بالشر المطلق، ولما قضوا عليه في ثورة 14 تموز 1958، صفقوا للثورة وقيادتها لعدة أشهر، ولكن سرعان ما انفرط عقد الجبهة، فانقلبوا على الثورة، وكالعادة، بدأت الصراعات الدموية فيما بينهم إلى أن ذبحوا الثورة وقيادتها الوطنية في 8 شباط 1963، ثم توالت الانقلابات. واليوم نفس الجماعات يعيدون ذات الأدوار التخريبية التي لعبوها في الماضي، وتسببوا في عدم الاستقرار السياسي، وتحت مختلف الذرائع والحجج. ففي العهد الملكي كانت حجتهم العمالة للاستعمار، وفي عهد ثورة تموز الخطر الشيوعي والنفوذ السوفيتي، واليوم الخطر الشيعي، والهلال الشيعي، والعمالة لإيران!!!

إن سبب مواقف هؤلاء المحسوبين على اليسار من الحكومات المتعاقبة، وعلى مختلف العهود، أنهم تربوا ونشئوا كمعارضين مطارَدين، أسسوا أحزابهم السرية في السراديب المظلمة، فأتقنوا صنعة المعارضة السرية والهدم والتخريب، ولم يتعلموا صنعة البناء والمعارضة الديمقراطية الإيجابية تحت شمس الحرية. وإلا، فلماذا هذه الحرب الضروس على العراق الجديد الذي لأول مرة في تاريخه يتمتع الشعب بالحريات الواسعة، وتعددية القوى السياسية، ومشاركة ممثلين عن جميع مكونات الشعب في السلطة، وهناك المئات من الصحف وعشرات الفضائيات والإذاعات، ومعظمها تابعة للقطاع الخاص ومعارضة للحكومة إن لم نقل معادية لها. بل والكثير من الصحفيين، ومن مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، ينتقدون أكبر شخصية في الدولة إلى حد الشتائم، ومطالبة رئيس الوزراء بالاستقالة، واتهام الحكومة والأجهزة الأمنية بالإرهاب، ودفاعهم المستميت عن الإرهابيين الحقيقيين، وإمكان سيدة أن تعرقل أعمال مؤتمر دولي في بغداد وتنتقد الحكومة وتتهمها بشتى الاتهامات وبحضور رئيس الوزراء، وتذهب إلى بيتها آمنه من كل ملاحقة، وتمنح على عملها هذا جوائز دولية.

نعم الوضع العراقي شاذ بسبب تركة البعث الفاشي وتعددية مكوناته غير المتصالحة مع نفسها، بحيث يمكن لأي سياسي أن يكون في السلطة ومع الإرهاب في نفس الوقت، مثل السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، المطلوب للقضاء بسبب تهمة الإرهاب، وصالح المطلق، نائب رئيس الوزراء، الذي يصف رئيس الوزراء بأنه "دكتاتور أسوأ من صدام"، والسيد فخري كريم أن يكون كبير مستشاري رئيس الجمهورية، وفي نفس الوقت يكون العدو اللدود لرئيس الوزراء، ويحرض في صحيفته (المدى) على إسقاط حكومة المالكي. فلو كان المالكي حقاً "دكتاتور أسوأ من صدام"، لكان المطلق أسوأ من جرذ كما كان حاله في عهد صدام، ولبقي طارق الهاشمي مجهولاً لم يسمع به أحد، ولكان فخري كريم مازال لاجئاً عند أسياده في دمشق.

فبعض الكتاب المحسوبين على اليسار تربوا على الهدم والتخريب منذ صباهم، فصارت معارضتهم التخريبية عادة متأصلة في نفوسهم رافقتهم إلى الشيخوخة، يبحثون عن مدن فاضلة طوباوية لا وجود لها على أرض الواقع إلا في مخيلتهم المريضة، لذلك أضاعوا العمر في طلب المحال، فمثلهم كمثل الطفل الذي يطالب والديه بلعابة، وما أن يحصل عليها حتى ويهشمها ثم يبكي عليها. فبعد أن حطموا العهد الملكي راحوا يبكون عليه ويصفونه بالعصر الذهبي وبعد فوات الأوان. ولكن بدلاً من استخلاص الدروس والعبر من خيباتهم نراهم يعيدون ذات الأخطاء الشنيعة وهم في شيخوختهم. إذن، ماذا تعلمتم أيها السادة من هزائمكم، أيها المهزومون دائماً والمخربون دائماً؟ لقد تبرمجت عقولكم بأيديولوجية التخريب ولم تعرفوا المساهمة في البناء، إذ كما تقول الحكمة: (من شبَّ على شيء شاب عليه).

لا ندعي أن الحكومة الحالية بلا نواقص، أو أنها بلغت أوج الديمقراطية الناضجة، ولكن لنكن منصفين، ونسأل: من المسؤول عن الإرهاب وعرقلة العملية السياسية؟ الجواب واضح وهو: إن جميع المعرقلين للعملية السياسية هم من "كتلة العراقية"، وغايتهم التخريب، والإطاحة بشخص واحد اسمه نوري المالكي، لأنه يقف عقبة أمام مخططاتهم الجهنمية لتفتيت العراق إلى كانتونات خاضعة لدول الجوار، باعتراف خلف عليان، أحد قياديي "العراقية". لذلك نراهم يساهمون في خلق المشاكل ويلقونها على المالكي، وفي جميع تصريحاتهم وخطاباتهم يعملون على تسويق فكرة مفادها: (أن "الدكتاتور" نوري المالكي هو سبب عدم الاستقرار، والإرهاب... وهو سبب هروب الكفاءات من العراق، وتشريد الأخوة المسيحيين، والأقليات الدينية الأخرى، والسطو على محلات الصاغة الصابئة المندائيين، ووجوده على رأس السلطة يضع البلد على شفير الحرب الأهلية، وأن من ينقذنا هم السادة الوطنيون والعراقيون الاقحاح مثل: أسامة النجيفي، وصالح المطلق، وطارق الهاشمي، وظافر العاني، وسليم الجبوري، ورافع العيساوي، وأياد السامرائي، وقائدهم أياد علاوي).

حقيقة الاستحواذ والتهميش!!
والآن لنأتي على جوهر الموضوع: هل حقاً استحوذ الشيعة على السلطة وتم تهميش وعزل السنة من المشاركة العادلة في حكم بلادهم؟
من نافلة القول، أن أهم شرط من شروط الديمقراطية هو الانتخابات واحترام نتائجها. ونظراً لأوضاع العراق الخاصة وتعددية مكوناته، وعدم إمكان فوز مكونة واحدة بالأغلبية المطلقة في البرلمان لتشكيل الحكومة لوحدها، لذلك من البديهي، بل ومن الضروري والمفيد، تشكيل الحكومة من ممثلي جميع مكونات الشعب وفق الاستحقاق الانتخابي. وبذلك لم يتم تهميش أية مكونة. وهذا الذي حصل، فالضجة بتهميش السنة هي مفتعلة، لأن جميع مكونات الشعب مشاركة بالسلطة وحسب استحقاقها الانتخابي وهي كالتالي: رئيس الجمهورية كردي سني، رئيس البرلمان عربي سني، ورئيس الوزراء عربي شيعي، إضافة إلى أن معظم الوزراء هم من السنة، وكذلك نائب رئيس الجمهورية، ونائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس البرلمان، وتسع حقائب وزارية من32 حقيبة للقائمة "العراقية" السنية، ومع ذلك ملئوا الدنيا ضجيجاً بأنهم مهمشون.

ومن كل ما تقدم، نفهم أن العرب السنة غير مهمشين، ولكنهم في الحقيقة يرفضون مساواتهم بالمكونات الأخرى للشعب، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. لذلك، رأوا أن الديمقراطية ليست في صالحهم، ولكنهم في نفس الوقت لا يستطيعون التصريح برفضهم للديمقراطية، ولهذا السبب نراهم يشنون حملة شعواء لتشويه صورة الديمقراطية والطعن بنتائج الانتخابات، ولن يهدأ لهم بال إلا بإلغاء الديمقراطية وانفرادهم بالسلطة وإعادة العراق إلى ما قبل 2003. ولتحقيق أغراضهم هذه لجئوا إلى دعم الإرهاب لزعزعة الوضع السياسي، وابتزاز الشعب أنه لا يمكن أن ينعم بالأمن والاستقرار إلا بالتخلي عن الديمقراطية وتسليم الأمر لدكتاتورية المكونة الواحدة، وحسب ما يردد كتابهم: "اعطي الخبز لخبازته!!". الشيعة ما يدبروها، وكأن الشيعة فعلاً انفردوا بالسلطة وحرموا غيرهم من المشاركة.

وفي هذا الخصوص، يقول الباحث اليماني، محمد ناصر البخيتي: "عندما تتعود أي جماعة إنسانية على امتيازات معينة على حساب جماعة إنسانية أخرى تشاركها العيش في نفس المحيط ، فإنه يصعب على تلك الجماعة قبول التنازل فجأة عن تلك الامتيازات حتى ولو كان ذلك من مقتضيات المساواة والعدالة. لذلك نلاحظ معارضة شعبية لنيل الشيعة حقوقهم ومساواتهم بغيرهم من المذاهب سواء في الدول التي يمثل الشيعة فيها الأقلية أو الأغلبية. وهذه الممانعة هي نتيجة لمشاعر طبيعية ويمكن تجاوزها بمنح الشيعة حقوقهم بصورة تدريجية. وما يخرج هذه الممانعة من حدودها الطبيعية إلى حدودها المرضية هو تحولها إلى عقدة نفسية ترفض تقبل إعطاء الآخر أي حقوق حتى في أضيق الحدود."(3)

وهذا بالضبط ما نلمسه في العراق، حيث حصل التغيير ومشاركة الشيعة في الحكم فجأة وحسب نسبتهم في الشعب والاستحقاق الانتخابي. لذلك لم يتحمل الذين أدمنوا على الحكم لوحدهم مساواتهم مع المكونات الأخرى، فاعتبروا المساواة مرادفة للتهميش، ولذلك، فمنذ سقوط حكم البعث عام 2003 نسمع صراخ تهميش العرب السنة من قبل الشيعة والكرد.

والمؤسف حقاً، أن القوى السياسية العلمانية غير الطائفية، وخاصة اليسارية منها، التي لم يحالفها الحظ في الانتخابات الأخيرة، وجدت نفسها في تناغم عجيب مع القوى المعادية للديمقراطية، أي "كتلة العراقية"، فركبوا الموجة في حملة الطعن بالديمقراطية بحجة أن هذه الديمقراطية مشوهة لا تلبي طموحات الشعب!! وأنها جلبت لنا "المحاصصة الطائفية" اللعينة!! بينما في الحقيقة، أراد هؤلاء من ذلك إنقاذ ماء الوجه وتبرير فشلهم في الانتخابات الأخيرة، ليس غير. فهم يعتقدون بأنهم يتمتعون بشعبية واسعة، فلم يصدقوا فشلهم، بينما في الواقع هذه الأحزاب هي الآن عبارة عن قيادات بلا قواعد، وجنرالات بلا جيوش، لذلك فشلت في الانتخابات، ولكنها في نفس الوقت، تتمتع بقدرة فائقة في صنع الضجيج الإعلامي، إذ كما قال إرنست همنغوي: "العربات الفارغة تصنع ضجيجاً عالياً".

الخلاصة والاستنتاج
إن الإدعاء بدكتاتورية الشيعة وتهميش السنة ضجة مفتعلة، الغرض منها إفشال العملية السياسية والقضاء على الديمقراطية. إذ لا يمكن مطلقاً في ظل النظام الديمقراطي الجديد أن تكون هناك دكتاتورية شيعية، أو غير شيعية، ولا تهميش للعرب السنة، لأن توجد في العراق الآن ثلاث كتل سياسية كبرى متكافئة تقريباً، تمثل المكونات الرئيسية للشعب العراقي، وليس بإمكان أية كتلة لوحدها أن تحكم العراق، إذ تتحد التحالفان الآخران ضده. وهكذا، ففي النظام الديمقراطي، وتعددية مكونات الشعب العراقي، لا يمكن احتكار السلطة من قبل مكونة واحدة، بل يفرض الوضع مشاركة جميع مكونات الشعب، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولذلك، أستخدم المتضررون من الديمقراطية، والرافضون للمشاركة العادلة، لغة تسقيطية بذيئة ضد الديمقراطية ومبادئها ونتائجها، فسمَّوا الحكومة المنتخبة بـ(حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية) بدلاً من تسميتها باسمها الحقيقي (حكومة الشراكة الوطنية، أو الوحدة الوطنية). كما وراح البعض إلى القول، بأن الشعب العراقي جاهل لا يصلح للديمقراطية أصلاً!!.
إن الهجمة على الديمقراطية وحكومة الشراكة الوطنية تصب في خدمة المكونة التي مازالت تحلم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لفرض دكتاتوريتها من جديد، وإعادة العراق إلى ما كان عليه الوضع قبل 2003، وهذا مستحيل. لذا أقلوها بصراحة، على العرب السنة التكيف مع الديمقراطية وقبول المساواة مع بقية مكونات الشعب العراقي في الحكم البلاد والعباد. وهذا أجدى للجميع.
ـــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع
1- عبدالخالق حسين: حول ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية في التضليل
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=505

2- ميثم الجنابي : الهاشمي أم الهامشي ومعضلة النخبة السياسية في العراق المعاصر
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=11903

3- محمد ناصر البخيتي: ظاهرة الشيعة فوبيا.. اخطر داء يصيب الوعي العربي - صحيفة صوت الأخدود
http://www.okhdood.com/?act=artc&id=2366



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية في التضليل
- من المستفيد من الإيقاع بين التحالفين الوطني والكردستاني؟
- هل يجوز الحياد بين الإرهاب وضحاياه؟
- الشباطيون يعودون لانقلاب دموي جديد
- محاولة لفهم العلمانية
- العراق وأمريكا، نحو علاقات متكافئة وقوية
- بشار الأسد في نقطة اللاعودة
- فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟
- حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التونسية
- فيدرالية المحافظات وكوارثها المرتقبة
- مخاطر حقيقية تهدد وجود الشعب العراقي
- لماذا المطالبة بفدرالية المحافظات الآن؟
- أيتام صدام يبكون على القذافي
- قراءة في كتاب الأستاذ الدكتور فرحان باقر
- من المسؤول عن المحاصصة (رد على حميد الخاقاني)
- هل كان إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات؟
- هل النظام العراقي ديمقراطي؟
- هل حقاً العراق دولة فاشلة؟
- الديمقراطية والفساد ثانية!
- حول حكومة المحاصصة مرة أخرى


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - دكتاتورية الشيعة وتهميش السنة، وهم أَم حقيقة؟