أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد صالح - مثالب وعيوب الدستور المغربي الجديد















المزيد.....


مثالب وعيوب الدستور المغربي الجديد


محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3611 - 2012 / 1 / 18 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة:
بعد التطورات السياسية التي عرفتها المنطقة الإقليمية، والتي أرخت بظلالها على المغرب، ليعرف بدوره حراك اجتماعي لم يعرف البلد نظير له، مما جعل جلالة الملك محمد السادس يسارع إلى إجراء إصلاحات سياسية في محاولة لتجنب ما عرفته البلدان المجاورة، وهكذا في ال 9 من مارس من السنة الماضية خاطة الملك الشعب معلنا عن قرار المراجعة الدستورية كأول الخطوات نحو الإصلاح، وأوكل أمر إعداد مشروع الدستور إلى هيئة استشارية عينها بنفسه، وعين في منصب رئيسها الأستاذ عبد اللطيف المنوني.
وفي 17 من يونيو 2011، ألقى جلالة الملك خطابا أخر، تولى فيه عرض المضامين الكبرى للنص، الذي أحيل على الاستفتاء في الفاتح من يوليوز 2011، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، لم تتوقف الإنتقادات التي وجهة إلى هذا الدستور، من جميع الجوانب، الأمر الذي يفرض ضرورة دراسة الوثيقة والوقوف على مكان الخلل فيها، والأسباب التي أدت إلى ظهور هذه العيوب.
وأثناء تناولنا لهذا الموضوع سوف نتطرق خلال المبحث الأول إلى عيوب دستور 2011 من الناحية الشكلية، في حين سنخصص المبحث الثاني إلى عيوب المضمون.
المبحث الأول: عيوب دستور 2011 من الناحية الشكلية.
أثناء تناولنا لهذا المبحث، سنحاول التطرق إليه من خلال طريقة وضع الدستور وكيف قدم للمغاربة (المطلب الأول)، وكذا إلى دستور 2011 وعلاقته بالديمقراطية ومبادئها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: وضع الدستور
في 17 يونيو 2011 ألقى جلالة الملك خطابا إلى الشعب، عارضا بذلك المضامين الكبرى للنص الذي أحيل على الاستفتاء الشعبي في الفاتح من يوليوز2011، وقد قدم الخطاب ملخصا للدستور، حيث أشار في البداية إلى أنه يتميز بمنهجية إعداده وشكله، حيث تم اعتماد 180 فصل بدل 108 في دستور 1996 واعتبر أن الدستور نجح في هدف، حيث قدم مميزاته من 10 زوايا، التكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن، دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، دسترة كافة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية أي تعيين الحكومة من الحزب الذي تصدر الإنتخابات، سلطة برلمانية تمارس اختصاصات تشريعية رقابية واسعة وإقرار مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، تمكين المعارضة من آليات ناجعة وتخفيض النصاب القانوني لملتمس الرقابة ...إلخ
لكن كل هذا لا يمكن أن يخفي حقيقة أننا لازلنا بعيدين كل البعد من الملكية البرلمانية التي تحدث عنها الدستور في فصله الأول، حيث يمكننا الوقوف على مجموعة من عيوب الشكل التي شابة الدستور خاصة من الناحية المنهجية، إذ نجد أن الملك هو الذي حدد تاريخ إعلان فكرة مراجعة الدستور، وهو الذي عين كافة أعضاء اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد مشروع مراجعة الدستور وعرض على أنظار الملك للبث فيه، وهو الذي حدد كذلك المرتكزات السبع التي يجب أن تقوم عليها المراجعة، وهو الذي حدد تاريخ بداية عمل اللجنة وتاريخ إنتهائه، وتاريخ نشر المشروع وتاريخ الحملة الإستفتائية وتاريخ الإقتراع، ويمكن الوقوف على المسافة الزمنية بين الإعلان الرسمي عن المشروع وتاريخ بداية الحملة الاستفتائية، لم يتجاوز 3 أيام، حتى يتم تضييق الخناق على الأحزاب السياسية التي لن تستطيع دراسة المشروع في هذا الحيز الزمني الضيق، كما أن رؤساء الأحزاب والمركزيات النقابية فرض عليها إبداء رأيها فورا، أما أعضاء اللجنة الاستشارية فتوصلوا بالمشروع في 24 ساعة قبل الإعلان الرسمي عنه، مما حال دون دراستها للتعديلات التي لم تتوقف إلا في اليوم السابق للإعلان الرسمي عنه، مما يؤكد على أن الصياغة تم بشكل ارتجالي ولا يقوم في حقيقة الأمر على منهجية تشاركية سليمة.
ومن جهة أخرى، نجد أن الخطاب الملكي ل17 يونيو 2011 قد عدد الأسباب التي دعت إلى التصويت بنعم على الدستور ولكنه لم يشر بتاتا إلى إمكانية التصويت بلا من الزاوية الحقوقية والديمقراطية على الأقل، مما يعني أن الخطاب لم يشر إلى أن الموطنين أمام خياران إما التصويت بنعم أو بلا، وأنهم أحرار في الاختيار حسب قناعاتهم، بل بلغ الأمر حد الاستعانة بالمساجد، حيث جاءت في الخطبة الموحدة التي فرضتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على جميع الأئمة، دعوة إلى الإقبال على عملية الاستفتاء، والاستجابة لذلك بقول نعم، معتمدين في ذلك على مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مما يوحي أنهم ربطوا الالتزام الدين والالتزام الوطني، معتبرين أو نعم تعني إتباع وصايا الدين الإسلامي بإطاعة أولي الأمر، أما لا فهي حرام وخروج من الدين، مما يؤكد أن الفصل بين الأمور الدينية والسلطة، الذي جاء به الفصلين 41 الذي حدد الأمور الدينية و42 الذي تحدث عن الملك كرئيس للدولة، ما هو إلا ذر لرماد في أعين المواطنين.
كانت هذه بعض العيوب التي شابة الدستور بخصوص طريقة وضعه وصياغته، التي رافقها دعاية قوية من وسائل الإعلام خاصة الرسمية منها، التي اعتبرته خطوة أولى نحو الديمقراطية.
فهل فعلا نحن أمام ترسيخ فعلي للديمقراطية؟ أم هي شعارات دعائية للدستور الجديد؟
المطلب الثاني: الديمقراطية ودستور 2011
كما سبقت الإشارة، ففي إطار الدعاية للدستور الجديد تم التطرق إلى مجموعة من الأشياء التي تم اعتبارها ايجابية بل من اللبنات الأساسية لأي نظام ديمقراطي، قد تم التنصيص عليها في الدستور الجديد، لكن في واقع الأمر فالمؤسسة الملكية لازالت تحضى بدور حاسم في تحديد التوجيهات والاختيارات العامة للبلاد، التي من المفترض أن يحددها الناخب، إذ يمكن القول بأن الملك لازال متحكم في تحديد مسار السلطة التنفيذية، باعتباره رئيسا للمجلس الوزاري، فرغم دسترة مجلس الحكومة وحقه في البث في القوانين العادية والمراسيم التنظيمية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون خارج التوجيهات الإستراتيجية التي حدد المجلس الوزاري بالرئاسة الفعلية الملك، والذي لا يمكن أن ينعقد إلى بمبادرة منه أو بناءا على طلب من رئيس الحكومة، لكن هذا الطلب يمكن أن يقابل بالرفض من لدن الملك، على عكس بعض الدول الديمقراطية حيث نجد أو مجلسها الوزاري أو نظيره ينعقد بشكل دوري، كما نجد تراكم الرئاسات لديه، فهو رئيس مجلس الوزراء، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس العلمي الأعلى، ومجلس الأمن، ويعين 6 من أصل 12 من أعضاء المحكمة الدستورية ويعين رئيسها ونصف أعضاء المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري وجميع الشخصيات التي لا تنتمي إلى سلك القضاء، وتشارك في تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وهنا يطرح سؤال، كيف يمكن للملك أن يكون حكما أسمى بين مؤسسات هو نفسه رئيسها؟ فالحكم المنطقي يجب أن يكون خارجها، لذا يمكن القول بأن الملك هو محور الحياة السياسية والمؤسسية، وهذا يتناقض مع مبدأ الديمقراطية وقواعد الملكية البرلمانية.
ويستشف من فحوى الدستور تنصيصه على العديد من الحقوق، لكن هل هناك ضمانات فعلية من شأنها أن تنزل هذه الحقوق إلى أرض الواقع؟
محاولة منا لتصفح الدستور من أجل الإجابة عن هذا السؤال نجد أن هذه الحقوق مرتبطة بشروط تجعل من الصعب إن لم نقل من المستحيل تطبيقها، وسنتطرق إلى مثال بارز، هو الإعلان من سمو المواثيق الدولية حيث جاء في ديباجة الدستور في بندها ما قبل الأخير "جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة".
نلاحظ بأن سمو المواثيق الدولية يتطلب اجتماع ثلاثة شروط هي : مطابقتها للدستور، ولقوانين المملكة وللهوية الراسخة، تجعل هذا السمو فارغ المضمون، وهناك مجموعة من الفصول (19، 24، 28، 29،108) يخضعها القانون العادي إلى قيود عديدة، فالفصل 19 مثلا أكد على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة، بالحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور وباقي مقتضياته، وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية، إقرارا بذلك لمبدأ المناصفة بينهما، إلا أنه يضيف أن كل ذلك يتم في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، غير مبال إلى كون حقوق المرأة تم ضربها باسم الثوابت.
أما إذا ما ألقينا النظر حول مصير السلطة التأسيسية الفرعية والتي من شأنها التحكم مستقبلا في مصير المؤسسات الدستورية السامية، بل مصير الدستور ككل، والتي كانت في السابق في يد الملك ومجلسي البرلمان حسب الفصل 103 من دستور 1996، لكن في دستور 2011 نجد أنه قد وضع الملك في وضع مريح جدا، حيث حرره من القيود الشكلية حيث كان يتوجب عليه عرض مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي، فإن الفصل 174 الثالثة بشأن المراجعة الدستورية نصت على "للملك، بعد استشارة المحكمة الدستورية، أن يتقدم يعرض بظهير على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور" وفي الفقرة الرابعة "يصادق البرلمان المنعقد بدعوة من الملك في اجتماع مشترك لمجلسيه على مشروع هذه المراجعة بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم" مما يفيد أن اختصاص الملك لا يقتصر على عرض المشروع على البرلمان، بل يمتد إلى مرحلة المصادقة التي لن تتم إلا باستدعاء الملك للبرلمان بالاجتماع المشترك لمجلسيه، وذلك ما يمكن من ضبط الأمور ومعالجتها حتى تكون مواتية للوصول إلى الهدف المرجو.
كانت هذه باختصار بعض العيوب التي تفيد بان الدستور لم يستجب لمتطلبات الديمقراطية، وأنه تعاطى بمنطق المنح والسلب، فمن جهة يمنح الحقوق والمكتسبات بيده اليمنى، ليعود إلى فرض قيود على تنزيلها، سالبا إياها بيده اليسرى.
إذن بعد أن شابة الدستور العديد من العيوب على مستوى الشكل، فهل سلم منها على مستوى المضمون؟ هذا ما سنتطرق له في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: عيوب دستور 2011 من ناحية المضمون.
بعد أن وقفنا عند أهم العيوب التي شابة الدستور من الناحية الشكلية، سنحاول خلال هذا المبحث الوقوف على أهم عيوب المضمون لتي عرفتها الوثيقة الدستورية لسنة 2011،إذ سنتحدث في المطلب الأول إلى أهم الثغرات الدستورية، في حين سنتطرق خلال المطلب الثاني إلى علاقة المؤسسة الملكية بباقي السلطات، على اعتبار أن مسألة فصل السلط من بين المسائل التي أثارت العديد من التساؤلات.
المطلب الأول: الثغرات الدستورية.
لا شك في أن الدستور جاء بإجابة جزئية على بعض المطالب الفئوية، دون أن يمنح للشعب السيادة الكاملة، إذ يلاحظ أن كلمة الشعب حضرة مرة واحدة في التصدير، فالإجابة على مطالب فئوية متناقضة جعل نص الوثيقة متذبذبا في الكثير من مواده ويتضمن بياضات ومقتضيات قابلة للتأويل في اتجاهات متعددة .
ففي الفقرة الثانية من الفصل الأول جاء أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، وهنا يطرح سؤال حول المقصود بالتوازن وهل حقا يمكن الحديث عن تواز السلط؟ كما نجد في الفصل 19 الذي نص على مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة، إذ تحدث على التساوي بينهما في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه يعود ليقيد هذا الحق ويجعله كما أنه لم يكن من خلال حديث عن أن هذا الأمر يتم في إطار ثوابت المملكة وهويتها، أما بخصوص الفصل 41 الذي حدد اختصاصات الملك في الجانب الديني باعتباره أمير المؤمنين وجعله اختصاصا خالصا للملك، في حين أن كل ما يتعلق باختصاصات الملك خارج نطاق الديني، جاء في الفصل 42 لكنه يتميز بعبارات عامة وفضفاضة قابلة للتأويل في اتجاهات متعددة، كاعتبار الملك هو ضامن دوام الدولة واستمرارها، والساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية، مما يمكن أن تأول في اتجاه يمنح الملك صلاحيات واختصاصات أخرى لم ينص الدستور صراحة عليها، ونجد كذلك أن الفصل 47 تحدث عن تعيين رئيس الحكومة من طرف الملك من الحزب المتصدر للانتخابات، لكن إذا ما حدث وحصل حزبين على بالتساوي على الصدارة، لم ينص الدستور عم أي مخرج كما أنه في الفقرة الرابعة والخامسة هناك ضعف في الصياغة، كان يمكن تعويض الفقرتين بفقرة واحدة على الشكل التالي "ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بناءا على استقالتهم الفردية أو جماعية أو بمبادرة منه"، وفي الفصل 51 نجد انه من اختصاص الملك حل البرلمان أو أحد مجلسيه، بمبادرة منه مع احترام مقتضيات الفصول 96،97و98، لكن السؤال إذا ما حل الملك مجلس النواب، وتم انتخاب مجلس أخر في أقل من 60 يوما، حسب الفصل 97 وتم سحب الثقة من الحكومة، مما يعني أن مجلس النواب الجديد وجب حله، وفي هذه الحالة سيتم مخالفة مقتضيات الفصل 98 الذي ينص على ضرورة مرور سنة على حل المجلس السابق، فما المخرج؟، وفي الفصل 61 الذي يتعلق بالترحال نجد أنه تحدث عن تجريد كل من تخلى عن انتمائه السياسي من صفة عضو، وكلمة التخلي هنا تفيد الاستقالة أي الانسحاب من الحزب، لكن إذا ما تم طرد العضو من الحزب، فهل يجرد من صفة العضو؟ حسب هذا الفصل لا يمكن، لأن الأمر يتعلق بالتخلي وليس بالإقالة، أما في الفصل 84 المتعلق بالمسطرة التشريعية بالنسبة للقوانين العادية، فهو يتضمن ضعف في الصياغة يؤدي إلى لبس في فهم الفصل واستيعاب طريقة التداول والمصادقة على القانون العادي، بل من خلال القراءة الأولية يعتقد أن هناك تكرار، بين المقطع الثاني والثالث من الفقرة الأولى مما يثير مسألة وجود تناقض بينهما، أما الفصل 85 المتعلق بمسطرة المصادقة على القوانين التنظيمية، فهو الأخر غير مفهوم، ويتميز بالغموض واللبس لدرجة يمكن معها القول بعدم دستورية الفصليين 84 و85.
المطلب الثاني: علاقة الملك بباقي السلطات.
أ‌- مكانة المؤسسة الملكية
لقد تم التنصيص على فصل السلط في الفقرة الثانية من الفصل الأول "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط..." ويجب ربط هذا النص بالفقرة التي سبقته "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية" ومن هنا نتيجة ورود مصطلح ملكية برلمانية يطرح سؤال هل يؤخذ نظام فصل السلط بمبادئ الملكية البرلمانية؟
تتكون السلطة التنفيذية من الملك والحكومة، ولا مانع في ذلك ما دامت الملكية البرلمانية تقر بازدواجية السلطة التنفيذية، لكن على أساس تخويل الحكومة سلطة اتخاذ القرار في مختلف الميادين، لكن في دستور 2011 نجد أن المؤسسة الملكية حافظت على مكانتها، فالملك أمير المؤمنين (الفصل 41)، وهو رئيس الدولة والممثل الأسمى للدولة، والحكم الأسمى بين المؤسسات (الفصل 42)، كما أن القائد الأعلى القوات المسلحة الملكية (الفصل 53)، ويعين في الوظائف العسكرية، ورئيس المجلس الأعلى للأمن، (الفصل 54).
فبالنسبة للفصل 41و 42 نجد إشكالية التأويل، إذ يمكن تأويلهما لتوسيع اختصاصات الملك، فرغم وجود عبارة "... بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور" (الفصل 42الفقرة الثالثة) لا يمكن الجزم بأن الملك ملزم بموجبها إذ أن دستور 1996، الفصل 29 نص على نفس الأمر " يمارس الملك بمقتضى ظهائر السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور" رغم ذلك فتأويل الفصل 19 مكنه من ممارسة اختصاصات واسعة حتى وإن لم ترد في الدستور، إذن فعبارات الفصل 42 غامضة، ما المقصود بالممثل الأسمى للدولة؟ ساهر على صيانة الاختيار الديمقراطي؟ والحكم الأسمى بين المؤسسات؟ علما أنه من يرئسها، ومن هنا أمكن القول بأن الفصلين 41 و42 لن يتضحا إلا من خلال الممارسة العملية، إذ من الممكن جدا أن يكونا السلاح الفتاك، أو آلة التحكم في اللعبة السياسية وضعة في يد الملك، إضافة إلى الفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء، والذي يمنح للملك الحق في إعلانها بناءا على شروط شكلية فقط، فلم يتم تحديد شروط موضوعية ولا ربطها بفترة زمنية محددة، وخلالها يتحرر الملك من كافة القيود، ويصبح هو الدولة بكاملها ويمارس جميع الاختصاصات.
ب‌- بالنسبة للحكومة:
فهي ظلت تابعة للملك اعتمادا على طريقة تعيينها، (الفصل 47) ورغم أنه لم يعد بإمكان الملك إعفاء رئيس الحكومة من مهامه، إلا انه بإمكانه إعفاء الحكومة كاملة، عدا رئيسها إذا ما أراد أن يضعه في ورطة، بل وله طريقة أخرى تمكنه من إسقاط الحكومة، وإقالة رئيسها وذلك عن طريق حل البرلمان (الفصل 51)، كما أن ممارسة الحكومة لصلاحيتها، لا يمكن أن يتم خارج ما رسمه المجلس الوزاري الذي يرئسه الملك.
ج‌- بالنسبة للبرلمان:
فرغم أن مجال التشريع تم توسيعه، إلا أن الحكومة لازالت تتحكم في جدول أعمال البرلمان بناءا على الفصل 82، كما يمكنها إلزام البرلمان بالتصويت على سؤال الثقة حول مشروع معين مما يؤدي إلى المصادقة دون عرضه كنص على التصويت (الفصل 103)، وكذا إلزام البرلمان بالتصويت على نص بأكمله وذلك برفض كل التعديلات المقترحة من طرف البرلمانيين، إضافة إلى احتفاظ الملك بطلب القراءة الثانية للنصوص التي صوت عليها البرلمان وبإمكانية إعلان حالة الاستثناء وممارسة كل السلط بما فيها السلطة التشريعية.
د- القضاء:
لقد جاء الدستور بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمكان المجلس الأعلى للقضاء، وهذه مبادرة إيجابية، لكن نجد أن الملك هو رئيسه كذلك وهو الذي يعين القضاة وأعضاء هذا المجلس وكذلك خمس شخصيات المنصوص عليها في الفصل 115، ومازالت تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك حسب الفصل 124، وبقي القضاء المغربي خاضعا لمبادئ القانون الإسلامي، الذي يعطي للملك بصفته أمير المؤمنين السلطة القضائية وأن القضاة لا يمارسون مهامهم إلا بتفويض منه.
أما القضاء الدستوري، فرغ أنه أصبح من اختصاص المحكمة الدستورية (الفصل 130)، فالملك يعين نصف أعضائها ورئيسها، مما يجعل الإشكالية المطروحة في انعدام التوازن بين سلطات التعيين.
خاتمة:
فرغم القول بأن دستور 2011 جاء متقدما عن سابقه، لأنه عزز اختصاصات العديد من المؤسسات، فإنه لم يحقق فصلا حقيقيا للسلط رغم إقراره لهذا المبدأ للمرة الأولى في تاريخ الدساتير المغربية، كما أنه جاء متضمنا للعديد من العيوب من الناحيتي الشكل والمضمون، والتي حاولنا الوقوف على أهمها في هذا العرض المتواضع، الأمر الذي يوضح بأن هذا الدستور نظرا للمرحلة السياسية الدقيقة التي جاء فيها، حاول إرضاء الخواطر، أكثر من وضع أسس سليمة لإقامة نظام ديمقراطي سليم، أو على الأقل وضع اللبنة الأولى لبنائه، كما يبرهن على الطابع الارتجالي الذي عرفه أثناء صياغته.




#محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مضمون الوضع المتقدم للمغرب في الإتحاد الأوروبي
- نداء ((حق العودة)) في مرحلة أولى خمسون ألف لاجئ فلسطيني يو ...


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد صالح - مثالب وعيوب الدستور المغربي الجديد