أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - حوار مع السلفيين















المزيد.....

حوار مع السلفيين


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 19:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يصعب كثيرا التحاور مع الإسلاميين من التيار السلفي، وذلك بسبب إغراقهم في إيديولوجيا دينية انغلاقية متشدّدة، وضيق صدورهم، وعدم احتمالهم الإستماع إلى الرأي المخالف لنهجهم في العمل والتفكير.
كان بين الأستاذين المغربيين محمد شفيق (العلماني الأمازيغي) وعبد السلام ياسين (الإسلامي) حوار عبر مراسلات كتباها قبل ستة عشر عاما من هذا التاريخ، انتهى باقتناع شفيق باستحالة المضي في النقاش مع "الشيخ المرشد"، بسبب انتمائهما إلى عالمين مختلفين ومتباعدين حتى أنهما لا يلتقيان، عالم "المطلق" وعالم "النسبي"، فالشيخ الذي يعتقد في استحالة وجود مرجعية أخرى للتفكير والعمل في المجتمع المغربي غير المرجعية الدينية، أغلق كل الأبواب ، وجعل بينه وبين الآخرين الذين يروم التحاور معهم جدارا صفيقا، بينما يرى محمد شفيق بأن كل حوار مبني في أساسه على وجود اختلاف هو حق مبدئي لكل واحد، وهو اختلاف يمكن أن يكون أيضا في مرجعيات التفكير والعمل باعتبارها مرجعيات بشرية أرضية مهما كانت، لأن تعدّد المرجعيات من مظاهر الحياة الديمقراطية السليمة. غير أنّ اعتبار طرف ما بأن مرجعيته مقدّسة أو سماوية المصدر يجعل كل نقاش لا طائل من ورائه، لأنه يتحوّل إلى نقاش بين بشر وكائنات ميتافيزيقية، وهذا من ضروب المستحيل.
فحتى لا نقع في مثل هذا الطريق المسدود، علينا أن ندرك بأننا أولا بشرٌ مختلفون، لكننا أبناء وطن واحد نتقاسم الفضاء والخيرات الطبيعية والرمزية، ويمكننا ببعض الحكمة أن نتعايش بسلام مختلفين، ما دام لا يمكن أن نكون على شكل واحد: "ولا يزالون مختلفين".
2) إننا ندرك كل الإدراك مكانة الدين الإسلامي في بلادنا، وإن كنا لا نتفق على نسبة "مائة بالمائة" من المسلمين أو 99,99 في المائة المستهلكة لدى البعض، لأنها أرقام لا تدلّ إلا على شيء واحد هو الرغبة في الهروب من كل نقاش في الموضوع وإسكات الرأي الآخر، فالتصنيف بوضوح و بالأرقام للمجموعات الدينية لا يكون إلا في المجتمعات الديمقراطية التي يرتفع فيها الخوف والحرج والإعتبارات الأمنية. لكن الذي ينبغي للسلفيين أن يفهموه هو أننا لا نناقش بتاتا ما إذا كان الشعب مسلما أم لا ، بل موضوع نقاشنا كان دائما هو كيف يفهم الشعب الدين وكيف يعيشه، هل بنظرة عصرنا ومفاهيمه الإجتهادية أم بنظرة القرون الغابرة ومصطلحات التراث الفقهي القديم، وهو نقاش قد يبدو لا جدوى منه مع السلفيين المتشدّدين أو الذين يعانون من محدودية النظر وضيق الأفق، لأن الماضي الغابر عندهم ما زال راهنا ما داموا يعيشونه في الوعي والسلوك، غير أننا لا نقاسمهم ذلك الوعي ولا ذلك السلوك، ولهذا وإن كان المغاربة "في غالبيتهم" مسلمين، مع اختلاف أنواع تديّنهم (وهذا هو التقدير الصحيح)، إلا أنهم ليسوا بالضرورة "سلفيين"، وهو ما يعني أن على هذه الجماعة المحدودة من الناس والتي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة أن تدرك بأنها لا يمكن لها بحكم حديثها عن الشعب المسلم أن تتكلم باسمه أو تمثله، لأننا إن كنا نعرف بلدنا وندرك مكانة الدين فيه ، إلا أننا لا نقبل أي نوع من أنواع التجاوز أو التسلط باسم الدين أو العرق أو اللون أو الجنس، فهذه أمور كانت الأمم والشعوب السابقة تعتمدها في التمييز بين بني البشر داخل المجتمع الواحد، ونتج عن ذلك ظلم عظيم دفع البشرية إلى إنهاء هذا النوع من التجاوزات الخرقاء، وترسيخ المساواة في إطار المواطنة الجامعة.
3) أنّ كون المغرب "دولة إسلامية" في الدستور لا يعني أنه دولة دينية تعمل على "تطبيق الشريعة" حرفيا كما يفهمها السلفيون، لأن هذا مخالف تماما للواقع المغربي الذي عشناه ونعيشه، وإنما المقصود أنه دولة أغلبية سكانها مسلمون (وليسوا "إسلاميين" لأن هؤلاء أقلية وسط عموم المسلمين وغيرهم). فلو كانت إسلامية الدولة تعني التشدّد في الدين وتطبيق نصوصه حرفيا في الواقع المؤسساتي لما أدرجت في الدستور فقرات تتعلق بالتزام الدولة بقوانين وضعية وبمرجعية حقوق الإنسان غير القابلة للتجزيء، كما هي متعارف عليها في العالم كله، وبسموّ هذه المرجعية على التشريعات الوطنية.
4) أن المرجعية الدولية لحقوق الإنسان التي نعتمدها في تناولنا لقضايا الحريات والحقوق نعتبرها مرجعية كونية بمعنيين: الأول أنها نتاج إسهام كل الحضارات والثقافات الإنسانية، والثاني أنها وُضعت لكل الشعوب والأمم بناء على ما يشترك فيه البشر، وهي إنسانيتهم، وإن اختلفوا في الدين والعقيدة واللون والعرق، وأنّ "الخصوصية" دينية كانت أو عرقية لبلد ما لا ينبغي أن تعتبر مانعا من احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها، فحرية المعتقد مثلا لا يمكن خرقها بزعم وجود "حدّ الردّة" عند المسلمين كما يرى عموم السلفيين، لأن هذا الحكم كان مرتبطا بدولة الخلافة باعتبارها دولة دينية، تعتبر رعاياها جماعة منضبطة من المؤمنين من خرج منهم عن عقيدتها اعتبر خائنا يهدد كيان "الأمة"، و قد كان نفس الشيء لدى الأمم والشعوب الأخرى التي كانت محكومة أيضا بدول دينية تحدّد معيار الإنتماء إليها قبل كل شيء بالدين، وهو ما أصبح متجاوزا اليوم في إطار مفهوم المواطنة ومفهوم الجنسية الذي لا يشترط الدّين في بطاقة الإنتماء.
5) أن اختلاف الناس في معاني الحرية والحقوق اليوم بين الإسلاميين والعلمانيين في المغرب، إنما مرجعه إلى الزلزلة التي أحدثها التصادم مع نموذج الدولة العصرية خلال الفترة الكولونيالية، مما جعل الكثير من القيم الإيجابية لعصرنا ـ والتي توجد أيضا في ثقافتنا الأصلية ـ تعتبر قيما أجنبية وترتبط في وجدان البعض بالغزو الأجنبي، وقد ساهم في ذلك ضعف التأصيل لهذه القيم في منظومتنا الثقافية الوطنية، عبر البحث في الثقافة الأصلية بمكوناتها المختلفة الأمازيغية والعربية الإسلامية والإفريقية، عن القيم الإنسانية التي ليست إبداعا غربيا ولا شرقيا بل هي قيم مشتركة.
6) أن تجربة بناء الدولة الوطنية المغربية في السياق العصري قد أدّت إلى ظهور أنماط عيش مختلفة ومتجاورة، فيها من تقاليد الملبس والمأكل والمشرب والعادات ما يرجع إلى الجذور التقليدية، وفيها ما يرتبط بنماذج معولمة، وهي كلها اختيارات فردية لا يمكن أن تخضع لتنميط أو تقنين تسلطي لأن ذلك لا يدوم أبدا، وقد حاول فقهاء المغرب عبر "رابطة العلماء" منذ 1960 تحجيم هذا التفاعل من خلال المطالبة بإجراءات قمعية دون جدوى، مما يجعل الحلّ الوحيد أمام الفقهاء والسلفيين عموما هو سبيل الموعظة الحسنة والتبشير الديني في المجتمع دون ترهيب أو نزعة تسلطية أو انتهاك لحريات الأفراد، وهو حق لا يمكن لأحد منازعتهم فيه.
7) إنّ معنى أن يكون المرء مسلما اليوم، هو أن يؤمن بالدّين الإسلامي بالشكل الذي يرتاح إليه ضميره، ويقتنع به عقله، غير أن ذلك لا يُخوّل له مطلقا أن يستهجن اختيارات الآخرين أو يعتبرها استفزازا لمشاعره، أو أن يسعى بشكل قسري إلى تعميم حالته الفردية كما هي على جميع من حوله، وفرض نمط تديّنه وإيمانه على الآخرين، لأنه يبقى في النهاية اختيارا فرديا حرّا.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الحرية بين العلمانيين والمحافظين
- هل تهدد حكومة الإسلاميين المكاسب الديمقراطية للمغاربة؟
- مستقبل المسلمين بين أردوغان و القرضاوي
- ردود سريعة إلى رئيس الحكومة الجديد
- أمازيغ -الويكيليكس- بين أمريكا والإسلاميين
- نماذج وتجارب من -ديمقراطية الأغلبية العددية-
- الديمقراطية والمشاركة السياسية للإسلاميين
- معنى الديمقراطية بين اليساريين والإسلاميين
- المنتخبون والسلطة
- لماذا تنتهك السلطة دستورها الجديد ؟
- كيف يصبح الدين من عوامل الإستبداد ؟
- الدولة الإسلامية ليست دولة مدنية
- ترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي المكاسب والمعيقات
- المغرب الخليجي هل يقايض التغيير بالمال ؟
- إلى الفاسي الفهري، الأوراغي، بن عمرو وآخرين
- الديمقراطية ليست دكتاتورية الأغلبية العددية
- همسة في أذن -العلماء-
- لماذا ترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي
- مجزرة الجهوية بالمغرب
- ثوابت النظام وسقف المطالب الشعبية


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - حوار مع السلفيين