أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف حسين الحلبي - حلم كنانة















المزيد.....

حلم كنانة


نايف حسين الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3607 - 2012 / 1 / 14 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


حلم كنانة


كالعروس التي تلبس فستانها الأبيض تركض هنا وتقفز هناك، تربط شعرها في عفوية المكان، تلهو هنا وتفرح وتلعب هناك تحطم لعبتها تارة وتقبلها تارة أخرى وتضمها بشغف وحنو، لا تريد أن تبتعد عنها

خطت أنوثتها وهي تعبث بريشتها التي تلون بها وجه حبيبها، فتارة ترسمه حصاناً جامحاً، وتارة ترسمه فارساً وسيماً ، حصانها الأبيض يحرك شجنها وصورة حبيبها الذي يحتضنها ويطير بها إلى البعيد، تملئ شغاف قلبها. ترسمه مرة هنا بين الورود منتصب كأشجار السنديان، وأخرى هناك يتوه بين زرقة عينيها وكروم العنب، ليكبر حلمها أكثر، فتراه نوراً آتياً من بعيد، وتشدو نغما وحبا ملئ قلبها.

وما بين محراث أبيها الذي يقطع السكون وحلمها البعيد راحت منسدحة تفترش الأرض ، تقترب من أحلامها ثم تبتعد، تلوح بعصاها تارة، وتخلد للنوم أخرى، وتستكين، طفلة المكان، تصرخ حينا، وتبكي عندما يضيع منها حلمها، أو عندما لا تجد لعبتها الجميلة التي تحدثها عن أسرارها وعشقها، تقطع الزهور بنرجسية المكان لتصنع باقة من الورد وهي تلهو،
تقطع مسبحة أبيها، وتعبث بحباتها ثم تلملمهم، وهكذا تريد العبث بكل شيء.... تريد أن تخرج من ثوبها لتطير، فهي تعشق الطيران، وتعشق البحر، ولكنها لم تقوى على ذلك، وهواجسها تشدها للوراء وتعكر صفو المكان وتعكر مزاجها...

بدأت أنوثتها تخترق جسدها، وشيء ما بداخلها بدأ يتغير، وبدا الخجل يرتسم على وجنتيها معلنة أنها لم تعد طفلة، ولكنها لم تستطع التخلص من براءتها وشقاوتها، ولم تكن تدرك إن شيء ما قد تغير بداخلها.

عندما تقترب من شاطئ البحر يتملكها الخوف وتحمر خدودها ويربكها صوت الضفدعة النقاقة الذي بداخلها..
إن كل النسائم التي كانت تهب عليها، لم تستطع قراءتها، لأنها تبحث عن موجة قوية تقذفها للأعماق، لتطفئ ظمأها، وتروي عطشها، وشواطئ كبيرة حيث حلمها وحصانها وفارس أحلامها..

روحها طبعت بالمكان، نبض وحياة، ومشاعر فياضة، لا يمكن فهمها إلا من قبل عالم يبحر عبر محيطها، ويغوص بأعماقها، ليرصد عالمها المجنون...

لوحة شاعرية وصورة جمال في ربيع أيامها تكاد تنطق.

كان للبحر عطره الخاص حينها، ولم تدرك أعماقه ولغة سحره، كانت تعيش بين طيات كتبها وأقلامها وترسم حولها بعبثية المكان أنغاماً وظلالاً..

وما بين ابتسامة ثغرها الجميل، وجيدها، وخصلات شعرها التي تهفهف على أردافها، يسكن عالم جميل، ومابين زرقة عينيها والبحر لغة أخرى، وعالم أخر، ومشاعر لم تذوي هنا، ولم تخبو هناك، فكانت صورة متدفقة كالبحر في شراييني

ولكن هناك رؤى، لم نستطع البوح بها، وهناك شجن يسكن بالمكان، ويعيش لأيام لم تكتحل بها أعيننا، كانت للطفولة فيها أماكن لم تقوى على إيلاجها، ولا الانفلات منها، ولكنك ما أن تدخل مضجعها، وتكتحل عينيك في عيونها، حتى ترتسم أمامك روح تعشق الغد، وجسد يركع للصلاة، وفكر يغوص عبر الزمن...

تبحث عن حلم ضاع منها، وأوراق ودفاتر قد كتبت هناك في البعيد
وترتحل عبر صحراء قاحلة ترتقب بها صوت بلبل، أو عين ماء،

أربكها المسير، وأربكتها هواجسها وتخوفاتها، وصورة أمها وأبيها تلاحقها في كل مكان تأوي إليه، وحلمها يكبر، وهي تكبر معه، وتتفتح براعمها، ويتهدج صدرها، وتتغير ملامحها بالقرب من دالية العنب التي كانت تستظل تحتها وتغفو..

كان تعلقي بها كتعلقها في ربطة شعرها، وحسن هندامها، ورتابة ذوقها، وحسن طالعها، كانت حيثما تسير تجد الحياة تسير معها، والنشاط والجمال يرافقانها.
راحت كنانة تلهو في خصلات شعرها ثانية.

شيء ما يشدني إليها، في جلسة أو في نظرة عابرة تترك فرحا يعتمر قلبي.. تمنيت حينها أن ألهو معها وأبعثر أقلامها وأشدها من يدها كما في الأحلام وأداعب خصلات شعرها، ولكني لم استطع.
تمنيت أن أقول لها شيئاً ما، ولكن ذلك لم يحدث، قال ذلك بحرقة صبي متمرد، فهو لا يقوى معها على شيء وتسبب له إرباكا، وهو كذلك يخاف صوت أمه وصراخ أبيه الذي يذكره وعلى الدوام بالأصبع المشارة إليه، افعل هذا..!!! ولا تفعل ذاك...!!! تم قتل طفولتي في مهدها ونحرها بكلمات لم يدركوا أبعادها، " أنت رجل "

يسبر أغوار عقلي صمت روحها، وتسبر روحي عمق بحارها، لتشعل شمعة تبدد الظلمة بالمكان.

وفي لحظة ينتفض المارد من داخلها لتحطم كل الأحلام وكل الأشياء وتبعثر كل الأماني، لحظة كان الزمن لديها قد توقف، فحطمت لعبتها التي كانت لا تطيق فراقها، وبدأت معها رحلت الإبحار، ولكنها لم تفهم لغة البحر بعد، ولم تتعلم العوم، واخذ الموج يمخر عبابها ويتلاعب في خصلات شعرها وحلمها وحنينها ...

لا تجد بالمكان إلا عبق ريحها وعالم عشق وجودها وسحرها،

لم استطع الإبحار هناك، أشرعتي كانت محطمة، وجناحاي لم تقوى على الطيران بعد، ويأكلها العطب.

مسحت من على وجنتيها بأصابع وجلة وخوف، تعب السنين، وأيقظت بداخلها مارد أخر وحياة كانت تحتضر،
فرحت ملامساً روحها، ومندساً في عمق أفكارها، وبين طيات كتبها وأقلامها التي عبثت بهم، لأعيد ترتيب أوراقها من جديد، و قراءة كتبها المدرسية، وربطة عنقها، وأعبث في خصلات شعرها لأيقاظ روحها من سبات عميق، وأعيد إليها فرحتها، ولعبتها، وحبات مسبحة أبيها، وصوت محراثه الذي يقطع الصمت، ليحرك ارض بوار ويبعث الحياة بها من جديد ...

صورتها تدوي بالمكان وعيناها ترتسم عبر ناي....... يشتم رائحة الحزن تارة، ويعزف لحن الخلود تارة أخرى، وتارة يحطم الأغلال، ولكنه لم يقوى على الطيران، ولن يقوى على التحليق بعيداً ، لأن الخوف يأكل حشاشة كبده

ولكن إن قدر لك أيتها الطفلة الصغيرة، وان استطعت الغوص في عالم البحار هذا، لن تجد غير صورتك معلقة هناك، وجسد يركع للصلاة ويرتل تراتيل السماء...

كنتِ جسدا نورانيا، فصرتِ سماءً تعشقها نفسي، ورحتِ تبحرين من جديد في ليالِ عتمتي، ودروب عشقي..
فكنت نورا يلفه النسيان عبر غربتي، ومزامير عشق تنبعث من عمق الوجود، فصرتي صمتا يجتر آلامي، ويزيل هواجسي، ويذيب الجليد من تحت أقدامي كما يذيب الصقيع المتجمد عبر مفاصلك.

اقبل وجنتيك تارة، وألملم شتاتي تارة أخرى، وأغوص بك غوص عشق منفلت من عقال الزمن، وارتشف من معينك حبا، ومن ثغرك بلسما وشفاء، ومن جيدك وخصلات شعرك حكاية لأطبعها عبر جدران الزمن، وارسمها في خارطة وجداني " حلم "

كما البحر يعشق سره هناك عشقتك
وكما المياه تغطي هواجس الشطآن، انثر عطري ليلامس جيدك ورياح جنونك..
وكما الروح لا تعشق إلا السلام أعشق سمائك.
وكما الليل يكتحل بالنجوم، أكحل عيناي في أناشيد سحرك
ألوذ بك إلى الصمت، وتلوذين بي إلى الحرية والانفلات......." حٌلم "



#نايف_حسين_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة - وجهتي الاولى بيروت
- اخاف ان تخضعني لتجربتك
- لحظة ملل
- جلسة على شاطئ بنيدر


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف حسين الحلبي - حلم كنانة