أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - -الزمن- إذا -تمدَّد-!















المزيد.....



-الزمن- إذا -تمدَّد-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3605 - 2012 / 1 / 12 - 14:16
المحور: الطب , والعلوم
    




إنَّ اكتشاف "تمدُّد (أو تباطؤ) الزمن" لَيُعَدُّ من أهم الاكتشافات في تاريخ الفيزياء.

لقد كان تعريف "الزمن"، أيْ معرفة "ما هو الزمن"، وما زال، أمْراً في منتهى الصعوبة؛ لأنَّ هذا الشيء المسمَّى "الزمن" ليس من الأشياء التي يمكن إدراكها حسِّيَّاً؛ فليس لـ "الزمن" من هيئة الوجود، أو من الخواص والصفات، ما يجعله في متناول حواسِّنا الخمس، وإنْ كُنَّا جميعاً نُدْرِك ونعي وجوده (ووجوده الموضوعي، على ما أعتقد مع كثيرٍ من الناس).

الاكتشاف الأوَّل في أمْر "الزمن" كان إذ اعْتُبِر الزمن بُعْداً رابعاً للكون، يتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع أبعاده المكانية الثلاث (الطول والعرض والارتفاع). وهذه الأبعاد الأربعة للكون سُمِّيت، باتِّحادها، "الزمكان" Spacetime.

أُنْظُر إلى هذا الشَّاب، واسْألْ نفسكَ: هل هذا الشاب الذي تراه الآن هو نفسه (من حيث هيئة وجوده) في ماضيه، وسيبقى على ما هو عليه الآن (من هيئة وشكل وسمات) في مستقبله؟

لو كان هو نفسه في ماضيه، وسيظل هو نفسه في مستقبله، لانعَدَم "الزمن"؛ فإنَّ "الماضي" و"الحاضر" و"المستقبل" هي أشياء لا معنى لها (ولا وجود) إلاَّ حيث نرى الاختلاف والتباين والتغيُّر؛ فـ "هذا الشَّاب" له "ماضٍ"؛ لأنَّه كان في هيئة مختلفة عن هيئته الآن؛ وله "مستقبل"؛ لأنَّه سيكون في هيئة مختلفة عن هيئته الآن (وعن هيئته في ماضيه).

والآن، ما معنى "تمدُّد (أو تباطؤ) الزمن"؟

تخيَّل أنَّكَ في حجرة صغيرة، معزولة تماماً عن العالم الخارجي، وأنَّ هذه الحجرة موجودة في فضاءٍ، يخلو تماماً من مصادِر وحقول الجاذبية، كالنجوم والكواكب، أيْ في فضاء مستوٍ منبسط؛ وأنَّها، أيْ الحجرة، حُرَّة أيضاً من "القوى الخارجية"، فلا تَدْفعها، أو تسحبها، قوَّة ما.

أنتَ المقيم في هذه الحجرة (التي لا نوافذ لها) لا ترى أبداً ما يُوْجَد، أو ما يَحْدُث، في خارجها؛ إنَّكَ ترى، فحسب، ما يُوْجَد، وما يَحْدُث، في داخلها.

وَلْتَتَخَيَّل، أيضاً، أنَّ قوَّة خارقة هي التي نَقَلَتْكَ مع حجرتكَ من كوكب الأرض إلى هذا الفضاء المخصوص، وأنَّ لكَ توأماً بقي على سطح كوكب الأرض.

الآن، سأفْتَرِضْ أنَّ الزمن عندكَ (أنتَ المقيم في هذه الحجرة، الموجودة في هذا الفضاء المخصوص) قد "تمدَّد (أو تباطأ)" لسببٍ ما.

إنَّكَ لن ترى (فيكَ، أو في داخل حجرتكَ) ما يَدُلُّ على أنَّ الزمن لديكَ قد اعتراه هذا التغيير (أيْ التمدُّد، أو التباطؤ).

إذا كان قلبكَ (مثلاً) وأنتَ على سطح الأرض ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعتكَ، فإنَّه يظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعتكَ نفسها، وأنتَ في هذه الحجرة.

وإذا كان اشتعال شمعةٍ (مثلاً) حتى تنطفئ يستغرق على سطح الأرض 60 دقيقة، فإنَّه يظل يستغرق الوقت نفسه (60 دقيقة) في هذه الحجرة.

تخيَّل الآن أنَّ القوَّة الخارقة نفسها قد أعادتكَ إلى سطح الأرض؛ عندئذٍ، تُدْرِك أنَّ الزمن عندكَ، وأنتَ في داخل تلك الحجرة، كان "متمدِّداً (أو بطيئاً)"؛ فتوأمكَ، مثلاً، أكبر منكَ (الآن) بعشر سنوات (مثلاً).

لكن، ما الذي جَعَلَ الزمن عندكَ يتمدَّد (أو يبطؤ) وأنتَ هناك، أيْ في داخل تلك الحجرة (المعزولة تماماً عن العالم الخارجي)؟

أوَّلاً، تَذَكَّرْ، ولا تَنْسَ، أنَّ حجرتكَ (المعزولة تماماً عن العالم الخارجي) موجودة في فضاءٍ حُرٍّ من الجاذبية، وأنَّها (أيْ حجرتكَ) لا تتعرَّض لقوى الدَّفْع أو السَّحْب الخارجية.

حجرتكَ هذه قد تكون في حالة مخصوصة من "السكون" هي الحركة بسرعة ثابتة (لا تزيد، ولا تنقص) وفي خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيم، فلا ترى، من ثمَّ، في داخلها من الظواهر إلاَّ ما يَدُلُّ على "انعدام الجاذبية"، فالجسم (أيُّ جسم) في داخل حجرتكَ يبقى عديم الوزن؛ والكرة التي تدفعها بيدكَ تظل تسير في خطٍّ مستقيم.

متى، وكيف، يتمدَّد (يتباطأ) الزمن عندك الآن؟

إنَّه يتمدَّد (لكن من غير أنْ تعي ذلك) إذا ما "تسارَعَت" حجرتك، أيْ إذا ما دَفَعَتْها، أو سَحَبَتْها، قوَّة خارجية ما، مُغيِّرةً سرعتها، زيادةً أو نقصاناً، كل ثانية، أو إذا ما أخْرَجَتْها قوَّة خارجية ما عن الاستقامة في خطِّ سيرها.

تخيَّل أنَّ قوَّة خارجية ما (تشبه اليد الدافعة) دَفَعَت، واستمرَّت في دَفْع، حجرتكَ، بما جَعَلها تسير بسرعة تزداد عشرة أمتار كل ثانية، مع استمرارها في السَّيْر في مسارٍ مستقيم.

في هذه الحال، لا بدَّ للزمن لديك من أنْ يتمدَّد (أو يبطؤ) لكنَّكَ لن تُدْرِك هذا التغيُّر الذي اعترى الزمن عندكَ ما دُمْتَ في هذه الحجرة المعزولة تماماً عن العالم الخارجي.

سترى اختلافاً أو تغيُّراً من قبيل اكتسابكَ وزناً، واكتساب الحجرة لـ "أرضية" يسقط إليها جسم أسْقَطته من يدكَ، وسَيْر جسمٍ دفعته بيدكَ في خطٍّ مُنْحَنٍ.

لو سألْتَ نفسكَ (وأنتَ العليم بنظرية "النسبية العامة" لآينشتاين) ما سبب هذا الاختلاف أو التغيُّر لأجبتَ على البديهة قائلاً: "ثمَّة سببان اثنان، لا أستطيع أنْ أعرف على وجه اليقين أيهما الذي إليه يعود هذا الاختلاف أو التغيُّر؛ فالسبب إمَّا أنْ يكون قوَّة خارجية دَفَعَت، وتَدْفَع، حجرتي، وإمَّا أنْ يكون سطح كوكب (مثلاً) تَقِف عليه حجرتي الآن".

إنَّ تمدُّد، أو بطء، الزمن لديك، والذي لا تُدْركه، ولا تعيه، يعود إلى هذا السبب أو ذاك؛ لكنَّكَ في هذه الحال، أو تلك، ترى في داخل حجرتك ما ترى من ظواهر الجاذبية (أو التسارع).

ولو أنَّ مراقباً غير متسارِع، موجود في فضاء مستوٍ منبسطٍ، استطاع أنْ يرى ساعتكَ، أو سَيْر الزمن عندك، لَتَبَيَّن له أنَّ الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل (مثلاً) دقيقتين اثنتين عنده؛ لأنَّ الزمن عندك تمدَّد وتباطأ (نِسْبَةً إلى الزمن عنده).

والآن، تخيَّل أنَّ حجرتكَ التي تعوم في حرِّيَّة في فضاء مستوٍ منبسطٍ قد أصبحت في جوار جسمٍ، هائل الكتلة، شديد الجاذبية، وأنَّها، من ثمَّ، شرعت تسقط نحو سطحه سقوطاً حُرَّاً، أو شرعت تدور في مدارٍ حوله.

في هذه الحال، أو تلك، لا بدَّ للزمن عندك من أنْ يتباطأ؛ لكن من غير أنْ تعي ذلك. المراقِب ذاك يستطيع أنْ يرى تمدُّد أو تباطؤ الزمن عندك.

وإنَّكَ أيضاً لن ترى من الظواهر في داخل حجرتكَ ما يَدُلُّ على أنَّكَ، مع حجرتكَ، ما عُدتَّ تعوم في حرِّيَّة في فضاء مستوٍ منبسطٍ؛ لكنَّ المراقب ذاك يستطيع أنْ يرى من الظواهر ما يَدُلُّ على خضوع حجرتكَ، وأنتَ، لسلطان الجاذبية، أو لسلطان انحناء "الزمكان".

إنَّ حجرتكَ، أكانت تسقط سقوطاً حُرَّاً، أم تدور في مدار، لن تعرف (في داخلها، ومن وجهة نظرك أنتَ) من الظواهر إلاَّ ما يَدُلُّ على "انعدام الجاذبية"، أو "انعدام التسارُع الذي تُولِّده قوى خارجية تعرَّضت حجرتكَ لضغوطها".

لقد وَقَفْنا الآن على أحوالٍ أو أحولة أربع يتمدَّد فيها، أو يتباطأ، الزمن؛ اثنتان منها (تعرُّض الحجرة لضغوط قوى خارجية، أو وقوف الحجرة على سطح كوكب مثلاً) يقترن فيهما تمدُّد الزمن بما تراه من ظواهر الجاذبية.

الآن، سنَضَعَكَ في حجرة شفَّافة، أيْ غير معزولة عن العالم الخارجي، وتسمح لك، من ثمَّ، بأنْ ترى ما يُوْجَد من أشياء، وما يَحْدُث من أحداث، في خارجها.

بـ "التسارُع"، المتأتِّي من تعرُّض الحجرة لضغوط قوى خارجية، وليس بـ "السرعة"، يتمدَّد (أو يتباطأ) الزمن؛ وبـ "الجاذبية (أيْ ما يَنْتُج من انحناء الفضاء)"، يتمدَّد (أو يتباطأ) أيضاً.

افْتَرِضْ أنَّ حجرتكَ موجودة في فضاء مستوٍ منبسطٍ، أيْ في فضاء يخلو تماماً من مصادِر وحقول الجاذبية، كالنجوم والكواكب، وأنَّها تسير في هذا الفضاء بسرعة ثابتة (1000 متر في الثانية الواحدة) وفي خطٍّ، أو مسارٍ، مستقيم؛ وافْتَرِضْ، أيضاً، أنَّ طول حجرتكَ 600 ألف كيلومتر.

حجرتكَ هذه إنَّما هي في "حركة منتظَمة"؛ وهذه الحركة لا يمكن تمييزها من السكون.

أنتَ الآن "عديم الوزن"، تعوم في حرِّيَّة في داخل حجرتكَ التي هي أيضاً تعوم في حرِّيَّة في هذا الفضاء؛ والجسم في داخل حجرتكَ يسير (إنْ سار) في مسارٍ مستقيم، وبسرعة ثابتة، ولا يسقط إلى "أرضية" الحجرة"؛ لأنْ ليس لها أرضية.

سرعة الضوء (أيْ سرعة جسيم الفوتون) في داخل حجرتكَ هي نفسها في خارجها 300) ألف كم/ث).

تخيَّلْ الضوء، أيْ جسيم الفوتون، على هيئة "رصاصة"؛ قِفْ في أحد طرفي الحجرة، وأطْلِقْ هذه "الرصاصة"، فتَصِلْ إلى الطرف الآخر بعد ثانيتين اثنتين من انطلاقها؛ ثمَّ قِفْ عند النافذة، وأطْلِق "رصاصة أخرى" في الفضاء، فتتأكَّد أنَّها تسير هنا أيضاً بسرعة 300 ألف كم/ث.

أمَّا "الزمن" لديك فهو "الأكثر تقلُّصاً (أو الأسرع)"؛ لكنَّكَ لا تعي، ولا تُدْرِك، ذلك؛ لأنَّ كل شيء عندكَ، أيْ في داخل حجرتكَ، التي هي "إطاركَ المرجعي"، يَدُلُّ على أنَّ "الزمن" عندكَ يسير سيراً طبيعياً عادياً.

"المراقب الأرضي" يرى الدقيقة الواحدة عندكَ (أو في ساعتكَ) تَعْدِل تسعة أعشار الدقيقة عنده؛ والمراقِب في كوكب آخر، جاذبيته أعظم من جاذبية الأرض، يرى الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل خمسة أعشار الدقيقة عنده.

وكلا المراقِبَيْن يرى "المتر" عندكَ أطول من "المتر" عنده؛ ويرى، أيضاً، طول حجرتك يزيد عن 600 ألف كيلومتر. حتى سرعة الضوء في داخل حجرتك، أو حولها، يراها (كلاهما) تزيد عن 300 ألف كم/ث.

و"السرعة بحدِّ ذاتها" لا تٌنْتِج فَرْقاً ما دامت ثابتة؛ فما تراه أنتَ، وما يراه كلا المراقِبَيْن، يظل هو نفسه، أكانت السرعة الثابتة لحجرتك 1000 متر في الثانية، أم 100 ألف كيلومتر في الثانية؛ على أنْ تظل حجرتكَ تسير في مسارٍ مستقيمٍ.

والآن، سنرى كيف تشرع الأشياء والظواهر تختلف.

تخيَّل أنَّ "يَدَاً قوية (كناية عن "القوَّة الخارجية")" قد دَفَعَت حجرتكَ، واستمرت في دَفْعِها، بما يَجْعَل سرعتها تزداد 9 أمتار، كل ثانية؛ لكن مع بقاء حجرتكَ تسير في مسارٍ مستقيمٍ.

حجرتكَ الآن، أو من الآن وصاعداً، تتسارَع؛ فسرعتها تزداد 9 أمتارٍ كل ثانية.

في داخل حجرتكَ هذه، ترى كل ما كنتَ تراه من ظواهر الجاذبية على سطح الأرض؛ فأنتَ اكْتَسَبْتَ الوزن نفسه، وأصبح لحجرتكَ "أرضية" تَسْقُط إليها الأجسام، وانحنى كل مسارٍ (يسير فيه جسم ما) في داخلها.

"الزمن" لديكَ "تمدَّد (أو تباطأ)" قليلاً؛ لكنَّكَ لا تعي، ولا تُدْرِك، ذلك؛ إنَّ مراقباً غير متسارِعٍ يرى أنَّ الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل (مثلاً) 70 ثانية عنده.

بهذا التسارُع قد تَصِل سرعة حجرتكَ، بعد مرور زمن طويل، إلى 100 ألف كم/ث؛ لكن "تمدُّد (أو تباطؤ)" الزمن لديك لن يزداد؛ فالمراقِب غير المتسارِع يظل يرى الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل 70 ثانيةٍ عنده؛ ما يزداد وينمو إنَّما هو فحسب الفَرْق بين عُمْرَيْكِما.

لو أنَّ "اليد" نفسها جَعَلَت سرعة حجرتكَ (التي تسير في مسارٍ مستقيم) تزداد 100 متر كل ثانية لرأى المراقب غير المتسارِع الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل (مثلاً) 30 دقيقة عنده؛ فَمَع جَعْل التسارع أكبر يتمدَّد، أو يتباطأ، الزمن أكثر.

افْتَرِضْ الآن أنَّ سرعة حجرتكَ (والتي تزداد 100 متر كل ثانية) قد وصلت، بعد مرور زمن طويل، إلى 250 ألف كم/ث، وأنَّ تسارعها قد توقَّف، عندئذٍ، وأنَّها ظلَّت، من ثمَّ، تسير في هذه السرعة الثابتة (250 ألف كم/ث) في مسارٍ مستقيم. إنَّ المراقِب غير المتسارِع سيرى الآن الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل دقيقة واحدة عنده؛ لكنَّ الفَرْق بين عُمْرَيْكِما أصبح من العِظَم بمكان.

نظرياً، يمكن أنْ يتمدَّد الزمن في حجرتك، إذا ما كان تسارعها هائلاً، بما يَجْعَل الدقيقة الواحدة عندكَ تَعْدِل ملايين السنين الأرضية!

وهذا التسارُع (الذي تسبَّبت به تلك "اليد"، أيْ "القوَّة الخارجية") يمكن تشبيهه بالتسارع المتأتِّي من الجاذبية عند سطح "ثقب أسود"، والذي تتعرَّض له حجرتكَ وهي على مقربة من هذا "السَّطح"، تَسْقُط نحوه سقوطاً حُرَّاً.

افْتَرِضْ الآن أنَّ حجرتكَ تَقِف على سطح كوكب الأرض، وأنَّها تُوْشِك أنْ تنطلق منه نحو كوكب يَبْعُد عن الأرض 10 ملايين سنة ضوئية؛ فكيف لكَ أنْ تَصِل إليه، وأنْ تعود منه إلى الأرض، وأنتَ الذي لن تعيش أكثر من 100 سنة مثلاً؟!

كيف لكَ أنْ تَصِل إليه، وأنْ تعود منه، وحجرتكَ لن تسير، مهما تسارعت، بسرعة تَعْدِل سرعة الضوء؟!

قبل اكتشاف "تمدُّد" الزمن لا يُمْكننا إلاَّ أنْ نقول (في هذا المثال الافتراضي التخيُّلي) إنَّ وصول حجرتكَ إلى ذاك الكوكب سيستغرق 12 مليون سنة، على افتراض أنَّها تسارعت حتى سارت في سرعة تُقارِب (ولا تساوي) سرعة الضوء، وإنَّ عودتها ستستغرق 12 مليون سنة أيضاً، أيْ أنَّ الرحلة (ذهاباً وإياباً) ستستغرق 24 مليون سنة.

ومع اكتشاف "تمدُّد" الزمن لا بدَّ لنا من أنْ نُغيِّر قَوْلنا ذاك، وأنْ نقول إنَّ رحلتكَ (ذهاباً وإياباً) قد تستغرق 60 دقيقة بحسب ساعتكَ أنتَ، مع أنَّ سرعة حجرتك (التي بَلَغَتْها بعد تسارُع) لم تَزِدْ (من وجهة نظركَ أنتَ) عن 280 ألف كم/ث (مثلاً).

عُمْرك لم يَزِدْ (في كل رحلتك) إلاَّ 60 دقيقة؛ وعند عودتكَ إلى الأرض يتأكَّد لكَ (مع ذلك) أنَّكَ قد غادَرْتَ الأرض قبل 24 مليون سنة، بحسب ساعة الأرض؛ ولو كان لكَ توأم لقالوا لكَ إنَّ توأمكَ قد مات قبل 24 مليون سنة (على الأقل).

في أثناء رحلتكَ كلها نبض قلبكَ 4200 نبضة؛ فهو ظلَّ ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعتكَ.

وإذا كنتَ تُدخِّن سيجارة واحدة كل 15 دقيقة فإنَّكَ (وبحسب ساعتكَ) دَخَّنْتَ في رحلتكَ كلها 4 سجائر فقط.

وفي أثناء رحلتكَ، أجْرَيْتَ من التجارب والاختبارات ما أكَّدَ لكَ، وأثْبَت، أنَّ سرعة حجرتكَ قد ظلَّت دون سرعة الضوء، وأنَّ طول حجرتكَ لم يَزِدْ، ولم ينقص، وظلَّ 600 ألف كيلومتر، وأنَّ سرعة الضوء في داخل حجرتكَ قد ظلَّت 300 ألف كم/ث، وكأنَّ المسافة التي قطعتها، ذهاباً وإياباً، لم تكن تَعْدِل 20 مليون سنة ضوئية؛ وإنَّما 1000 مليون كيلومتر تقريباً.

أمَّا المراقب الأرضي فَلَهُ قَوْلٌ مختلف تماماً؛ فهو يرى (مثلاً) أنَّ طول حجرتكَ كان ينكمش في استمرار في اتِّجاه حركتها؛ وأنَّ الزمن عندكَ قد تمدَّد وتباطأ كثيراً؛ فالثانية الواحدة عندكَ تَعْدِل آلاف السنين الأرضية؛ وأنَّ "المتر" الذي معكَ، والذي تقيس به الأطوال، قد انكمش هو أيضاً، وأصبح أصغر كثيراً من "المتر الأرضي"؛ وأنَّ سرعة حجرتك تتضاءل في استمرار؛ وأنَّ الضوء في داخل حجرتك يسير في سرعة تقلُّ كثيراً، وكثيراً جدَّاً، عن 300 ألف كم/ث؛ فجسيم الفوتون المنطلق من أحد طرفيِّ حجرتكَ يصل إلى الطرف الآخر بعد آلاف السنين الأرضية من انطلاقه؛ وأنَّ آلاف السنين الأرضية تَفْصِل بين كل نبضتين من نبضات قلبكَ.

و"الجاذبية"، لجهة شِدَّتها، تعطي من النتائج ما يعطيه هذا التسارُع المتأتِّي من "قوى خارجية".

بـ "الساعة"، أو بما يشبهها "وظيفياً"، نقيس، ونَحْسِب، "الزمن"؛ وبـ "المتر (الذي على هيئة "قضيب معدني" مثلاً)" نقيس "الطول"، أو "الأطوال".

نظرياً، وعملياً، أي في تجارب فيزيائية أجْرِيَت، بات في حُكْم المؤكَّد، أنَّ "الزمن" يمكن أنْ يبطؤ، وأنَّ "المتر" يمكن أنْ يتقلَّص (ينكمش، يَصْغُر).

وهذا "التقلُّص" وذاك "البطء" يتلازمان دائماً؛ فحيث يبطؤ "الزمن"، يتقلَّص "المتر"؛ و"نِسْبَة تمدُّد الزمن" تساوي "نِسْبَة تقلُّص المتر".

أمَّا ما يتسبَّب بظاهرة "بطء الزمن ـ تقلُّص المتر" فهو "التسارُع" أو "الجاذبية (في اشتدادها وتعاظمها)".

وكلا العاملين ("التسارع" و"الجاذبية") إنَّما يَخُصُّ "الموضِع (المَحَل، المختبَر)" الذي فيه تُرْصَد وتُراقَب تلك الظاهرة؛ أمَّا "الراصِد"، أو "المراقِب"، فهو الموجود في "موضِع (مَحَل، مختبَر) آخر".

إذا "تأخَّرت" الساعة فهذا إنَّما يعني أنَّ "الزمن (المقاس بتلك الساعة)" قد "تباطأ"، أو أصبح "بطيئاً"؛ و"بُطْء الزمن" إنَّما يعني أنَّ كل شيء، وكل حَدَث، قد تباطأ حيث تباطأ الزمن (وحيث تأخَّرت الساعة).

مَنْ يُدْرِك، ويعي، ويرى، ظاهرة "بطء الزمن ـ تقلُّص المتر"؟

إنَّه ليس المراقِب (أو الشخص) الذي تباطأ الزمن لديه (أي في موضعه) أو تقلَّص متره؛ وإنَّما المراقِب الذي رَصَدَ وراقَب هذه الظاهرة من موضع مضاد، أي من موضع كان فيه الزمن أسرع، والمتر أطول.

تخيَّل أنَّ الجاذبية عند سطح الكرة الأرضية، ولسببٍ ما، قد اشتدَّت وعَظُمَت. إذا حَدَثَ ذلك فإنَّ العاقبة الحتمية المترتبة عليه هي بطء، أو تباطؤ، الزمن لديكَ أنتَ الموجود على سطح الأرض، وانكماش وتقلُّص "المتر".

إنَّكَ، و"ضِمْن" هذا "الزمكان الجديد" الخاص بكَ، لن ترى من نتائج التجربة (أو التجارب المختلفة) ما يَصْلُح دليلاً على حدوث هذا التغيير (في "الساعة" و"المتر") فإنَّ كل شيء، "ضِمْن" حيِّزكَ الأرضي هذا يَحْدُث وكأنْ لا جديد تحت الشَّمس.

وحده المراقب الخارجي، أي الموجود ضِمْن "زمكان مختلف"، أو على سطح كوكب آخر، جاذبيته أضعف مثلاً، هو الذي في مقدوره إدراك هذا التغيير "الزمكاني" الذي تعرَّضتَ له، وعواقبه.

ضِمْن "زمكانكَ الجديد"، لن يختلف عليكَ شيء من الأحداث والظواهر، فقلبكَ يظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، حتى بحسب ساعتك الجديدة؛ وتظل تنام 8 ساعات، كما اعتدت من قبل، وتظل تُدخِّن سيجارتكَ في خمس دقائق.

في "الفراغ (Vacuum)"، يسير الضوء بسرعة ثابتة (لا تزيد، ولا تنقص) مقدارها بالضَّبْط 299.792.458 (أي 300.000 تقريباً) كيلومتر في الثانية الواحدة؛ على أنْ يقيسها "مراقِب مخصوص"، وليس أي مراقِب؛ وهذا "المراقِب المخصوص" هو "المراقِب غير المتسارِع، الحُرُّ من الجاذبية، والموجود هو نفسه في الفراغ، أو الفضاء الفارِغ من المادة، أي في خارج حقول الجاذبية، وبعيداً عنها".

تخيَّل أنَّكَ موجودٌ في حجرة صغيرة شفَّافة (أيْ غير معزولة عن العالم الخارجي) موجودة في فضاء يخلو تماماً من مصادِر وحقول الجاذبية (أيْ من "المادة"، أي من النجوم والكواكب مثلاً). وهذا "الفضاء المثالي" هو (على وجه الخصوص) الفضاء بين مجموعتين من المجرَّات (مع أنَّ هذا الفضاء هو الذي يتمدَّد، ويتسارَع تمدُّداً).

حجرتكَ هذه تسير (افتراضاً) في خطٍّ، أو مسارٍ، مستقيم؛ وسرعتها ثابتة (لا تزيد، ولا تنقص). وهذه السرعة الثابتة قد تكون (مثلاً) 1000 متر في الثانية، أو 100 ألف كم/ث، أو 280 ألف كم/ث.

وافْتَرِضْ، أيضاً، أنَّ عشرات الحجرات "القصورية، أيْ غير المتسارِعة" موجودة، وتسير، في الفضاء نفسه.

فجأةً، رأيْتَ ضوءاً، أو "فوتوناً"، يسير في هذا الفضاء؛ ولكَ أنْ تتخيَّل هذا الضوء، أو الفوتون، على هيئة "رصاصة (أو قذيفة)".

إنَّكَ تريد الآن أنْ تَحْسِب سرعة هذه "الرصاصة"؛ ولقد حَسَبْتها، فوجدتها 300 ألف كم/ث.

ولو حَسَبْتها غير مرَّة فلن تتغيَّر (لن تزيد، ولن تنقص). ستظل سرعتها 300 ألف كم/ث، مهما كان الاتِّجاه الذي تسير فيه هذه "الرصاصة"، ومهما كانت سرعة حجرتكَ، على أنَّ تظلَّ هذه السرعة "ثابتة"، وعلى أنْ تظل حجرتك تسير في مسارٍ مستقيم.

ولو حسَبَها كل مراقب "قصوري، أيْ غير متسارِع"، موجود في هذا الفضاء، لوجدها 300 ألف كم/ث (مهما كانت سرعته "الثابتة").

ولن يختلف الأمر (أيْ نتيجة حساب سرعة هذه "الرصاصة") لو كانت "الرصاصة" تسير في داخل حجرتكَ، أو في داخل أيِّ حجرة من عشرات الحجرات (القصورية) تلك.

إنَّ سرعة الضوء (في الفراغ) ومهما كان اتِّجاهها لا تتأثَّر أبداً بسرعة المراقب (الموجود في خارج حقول الجاذبية) ما دام هذا المراقب غير متسارِع؛ وبهذا المعنى نفهم سرعة الضوء على أنَّها "سرعة مُطْلَقَة"؛ فسرعة الضوء لا تعتمد على سرعة المراقب (غير المتسارِع) الذي يقيسها.

هذا المراقب يكفي أنْ "يتسارع" كأنْ يزيد سرعته (أو يحيد عن الاستقامة في خطِّ سيره) حتى تتغيَّر سرعة الضوء في الفراغ (أيْ حتى تزيد، من وجهة نظره هو).

عندئذٍ تصبح الثانية الواحدة عند مراقبنا (المتسارِع هذا) أطول كثيراً من الثانية الأرضية (من وجهة نظر المراقب الأرضي) ويصبح متره، الموجود على هيئة قضيب معدني، أقصر كثيراً من المتر الأرضي (من وجهة نظر المراقب الأرضي أيضاً).

افْتَرِضْ أنَّ مراقبنا المتسارع هذا قد قاس سرعة الضوء في الفراغ فوجدها 500 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. إنَّ هذه الزيادة النسبية (أي نسبةً إليه) في سرعة الضوء (في الفراغ) هي النتيجة المترتبة حتماً على تباطؤ الزمن، وتقلَّص المتر، لديه، أيْ ضِمْن "إطاره المرجعي الجديد"، أيْ ضِمْن "زمكانه الجديد".

الآن، أراد مراقبنا غير المتسارِع، والموجود في الفضاء الفارغ، أو في خارج حقول الجاذبية، أنْ يقيس سرعة الضوء الذي يسير ليس في الفضاء الفارغ وإنَّما على مقربة من "ثقب أسود"، أي في الفضاء الأقرب إلى سطح "الثقب الأسود"، والمسمَّى "أُفْق الحدث"؛ لقد قاسها، فوجدها تساوي بضعة أمتار في الثانية الواحدة.

لِنَفْتَرِضْ أنَّ هذا المراقب انطلق نحو "ثقب أسود"؛ ثمَّ شرع يسقط سقوطاً حرَّاً نحو سطحه.

إذا أراد مراقبنا الآن، حيث يسقط سقوطاً حرَّاً، قياس سرعة الضوء الذي يسير على مقربة من سطح "الثقب الأسود" فسوف يجدها تقلُّ كثيراً عن سرعته الاسمية؛ فلنتخيَّل أنَّ مراقبنا هذا يقف الآن على هذا السطح.

من موضعه الجديد هذا (أي من "إطاره المرجعي" الجديد، أو من "زمكانه" الجديد) قاس سرعة الضوء في خارج حقول الجاذبية، فوجدها، مثلاً، 1000 (أو 100000) مليون كيلومتر في الثانية الواحدة؛ وهذا الرقم الهائل إنَّما يعكس البطء الشديد للزمن عنده، والتقلُّص الهائل لمتره.

إذا نظر المراقب غير المتسارع (الموجود في "الفضاء الفارغ"، بعيداً عن "المادة" وحقول الجاذبية) إلى ضوء يسير في الفضاء الأقرب إلى سطح كوكب شديد الجاذبية، وإلى ضوء آخر يسير في الفضاء الأقرب إلى سطح كوكب ضعيف الجاذبية، فسوف يجد أوَّلاً أنَّ سرعة الضوء في كلا الكوكبين تقلُّ عن سرعة الضوء عنده (أي تقل عن 300 ألف كيلومتر في الثانية). وسوف يجد، من ثمَّ، أنَّ الضوء في الكوكب الأوَّل أبطأ من الضوء في الكوكب الثاني.

تخيَّل أنَّكَ في داخل حجرة شفَّافة، طولها 600 ألف كيلومتر، وأنَّ هذه الحجرة تسير بسرعة ثابتة، وفي مسارٍ مستقيمٍ، في فضاءٍ مستوٍ منبسطٍ، يخلو تماماً من مصادِر وحقول الجاذبية، كالنجوم والكواكب؛ وتخيَّل، أيضاً، أنَّ صديقاً لكَ موجود في داخل حجرة شفَّافة، طولها 600 ألف كيلومتر، وأنَّ هذه الحجرة تَقِف على سطح جسم شديد الجاذبية.

في حجرة صديقكَ هذا (أيْ ضِمْن "زمكانه"، أو "إطاره المرجعي") تمدَّد الزمن كثيراً، وتقلَّص المتر كثيراً؛ وهذا التقلُّص، وذاك التمدُّد، تراهما أنتَ، ولا يراهما صديقك.

لقد أخبركَ صديقكَ (في طريقة سحرية) أنَّ قلبه ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعته هو.

أنتَ لا ترى ما يراه صديقك؛ فَقَلْبُه، على ما ترى أنتَ، ينبض 35 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعتكَ أنتَ (فإنَّ ما تراهُ من بطء سَيْر عقارب ساعة صديقكَ يَعْكِس بطء الزمن عنده، أيْ يَعْكِس بطء كل ما يقع عنده من أحداث).

إنَّكَ ترى الدقيقة الواحدة عند صاحبكَ تَعْدِل دقيقتين اثنتين عندكَ.

أخْبَرَكَ أنَّ طول حجرته ظلَّ 600 ألف كيلومتر، بحسب متره هو؛ أمَّا أنتَ فتخبره أنَّ طول حجرته تقلَّص، فأصبح 300 ألف كيلومتر؛ لأنَّ متره تقلَّص هو أيضاً فأصبح يَعْدِل 50 سنتيمتر، بحسب متركَ أنتَ.

أخبركَ أنَّ سرعة الضوء في داخل حجرته 300 ألف كم/ث؛ فهو أطلق فوتوناً من أحد طرفيها فوصل إلى الطرف الآخر بعد ثانيتين (بحسب ساعته هو) من انطلاقه؛ أمَّا أنتَ فتُخْبِره أنَّ سرعة الضوء في داخل حجرته 75 ألف كم/ث، بحسب قياسكَ أنتَ لها؛ فهذا الفوتون لم يَقْطَع مسافة 600 ألف كيلومتر، وإنَّما مسافة 300 ألف كيلومتر؛ وقد قطعها في أربع ثوانٍ، بحسب ساعتكَ أنتَ، وليس في ثانيتين اثنتين.

أخْبَرَكَ أنَّ الكرة التي دَفَعها بيده قد سارت بسرعة ستَّة أمتار في الثانية؛ أمَّا أنتَ فتُخْبِره أنَّها سارت بسرعة متر ونصف المتر في الثانية.

أنتَ تُخْبِره الآن أنَّ قلبكَ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة؛ أمَّا هو فيُخْبِرك أنَّ قلبكَ ينبض 140 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعته هو.

أنتَ تخبره أنَّ طول حجرتكَ 600 ألف كيلومتر؛ أمَّا هو فيُخْبِرك أنَّ طولها (من وجهة نظره هو) 1200000 كيلومتر.

أنتَ تُخْبِره أنَّ سرعة الضوء في داخل حجرتكَ 300 ألف كم/ث؛ أمَّا هو فيُخْبِركَ أنَّ سرعته 1200000 كم/ث.

أنتَ تُخْبِرَه أنَّ الكرة التي دَفَعْتَها بيدكَ سارت بسرعة ستَّة أمتار في الثانية؛ أمَّا هو فيُخْبِرك أنَّ سرعتها 24 متراً في الثانية.

كم تَبْعُد الشمس عن كوكب الأرض؟

إنَّها تَبْعُد نحو 150 مليون كيلومتر؛ وهذه المسافة يقطعها الضوء في 8 دقائق، أيْ في 480 ثانية. وتخيَّل هذه المسافة على هيئة "أُنبوب شفَّاف" يمتد من الشمس إلى الأرض.

الآن، جاءت قوَّة خارقة، وضغَطَت كوكب الأرض، فقلَّصت حجمه كثيراً، زائدةً كثافته كثيراً. وهذا إنَّما يعني أنَّ نصف قطره قد تقلَّص كثيراً، وأنَّ جاذبيته السطحية قد زادت كثيراً، أيْ أنَّ الفضاء الأقرب إلى سطحه قد انحنى وتقوَّس كثيراً.

أنتَ الآن المقيم على سطح كوكب الأرض (الجديد) أصبحت في "إطار مرجعي مختلف"، أو في "زمكان مختلف"؛ فالزمن عندك أصبح أكثر تمدُّداً، والمتر أكثر تقلُّصاً؛ لكنَّكَ لن ترى من الظواهر ضِمْن "إطارك المرجعي الجديد" هذا ما يؤكِّد لكَ حدوث هذا "التقلُّص" وذاك "التمدُّد".

لكن، هل تظل الشمس تَبْعُد عنكَ 150 مليون كيلومتر؟

لقد قِسْتَ طول ذلك "الأُنبوب الشفَّاف (الممتد بين الشمس والأرض)"، فوجدته (مثلاً) 300 مليون كيلومتر. ووَجَدْتَّ أنَّ الفوتون المنطلق من الشمس (عبر هذا الأُنبوب) يصل إلى الأرض (الجديدة) في 4 دقائق (أيْ 240 ثانية) بحسب ساعتكَ (الجديدة). وهذا إنَّما يعني أنَّ سرعة هذا الفوتون (أو الضوء) 1250000 كم/ث (بحسب قياسكَ أنتَ لها).

ولو قِسْتَ سرعة الضوء عندك، أيْ ضِمن "إطارك المرجعي الجديد"، لوجدتها 300 ألف كم/ث. أمَّا لو قاسها مراقِب قصوري، غير متسارِع، موجود في الفضاء بين الشمس والأرض، لوجدها (مثلاً) 75 ألف كم/ث.

ولو أنَّ المراقِب نفسه قاس طول ذلك "الأُنبوب"، أيْ المسافة بين الشمس والأرض (الجديدة) لوَجَدَه 150 مليون كيلومتر؛ ولوَجَدَ، أيضاً، أنَّ الضوء يجتاز هذا "الأنبوب"، أو هذه المسافة، في 8 دقائق (بحسب ساعته هو).

لنَعُدْ الآن إلى الأرض القديمة التي تَبْعُد عن الشمس 150 مليون كيلومتر (من وجهة نظر المراقب الأرضي). ولنَفْتَرِضْ أنَّكَ انْطَلَقْتَ من الأرض في مركبة فضائية نحو الشمس، وأنَّ هذه المركبة قد تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء.

متى تَصِل هذه المركبة إلى الشمس؟

من وجهة نظرك أنتَ، تَصِل إليها بعد 60 ثانية من انطلاقها، فالزمن عندكَ تمدَّد كثيراً بسبب هذا التسارع لمركبتكَ.

أمَّا من وجهة نظر المراقب الأرضي فلن تَصِل إليها بعد 8 دقائق، أو 10 دقائق، من انطلاقها؛ وإنَّما بعد 50 دقيقة (مثلاً) لأنَّ من عواقب تمدُّد الزمن لديكَ أنَّ سرعة مركبتكَ تتضاءل من وجهة نظر هذا المراقب.

أنتَ المسافِر متأكِّد تماماً (بحسب كل التجارب والاختبارات التي أجريتها) أنَّ السرعة القصوى لمركبتكَ (والتي بَلَغَتْها بعد التسارع) كانت (مثلاً) 280 ألف كم/ث، وأنَّها لم تبلغ أبداً سرعة الضوء (300 ألف كم/ث).

ولو سُئلْتَ عن المسافة التي قطعتها مركبتك لأجبت على البديهة قائلاً إنَّها نحو 16 مليون كيلومتر؛ فـ "المسافة" تنكمش، وتتقلَّص، من وجهة نظركَ، في الاتِّجاه الذي تتسارع فيه مركبتكَ؛ وإنَّ "طول" مركبتك ينكمش ويتقلَّص، أيضاً، في اتِّجاه حركتها، أو تسارعها؛ لكنَّكَ لا ترى شيئاً من هذا التغيير في طولها؛ لأنَّكَ مسافِرٌ فيها.

إذا كنتَ في حجرة غير متسارعة، في فضاءٍ خالٍ تماماً من مصادِر وحقول الجاذبية، فإنَّ "الزمن" عندكَ لن يتمدَّد (لن يتباطأ). و"المتر" عندك لن يتقلَّص.

"الزمن" عندك يتمدَّد، و"المتر" يتقلَّص، إذا ما تسارعت حجرتكَ، بقوى (دَفْعٍ أو سَحْبٍ) خارجية، أو إذا ما تأثَّرت بمَصْدَر من مصادِر الجاذبية، كأنْ تسقط سقوطاً حُرَّاً نحو سطح جسم شديد الجاذبية، أو تدور في مدارٍ حوله، أو تَقِف على سطحه.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة تثيرها -الأزمة السورية-!
- مِنْ أوجه -الأزمة- في -الربيع العربي-!
- مِنَ -الكوزمولوجيا الدينية- إلى -الديانة الكوزمولوجية-!
- -إيران الشمشونية- قَيْد الصُّنْع!
- تسمية خادعة ل -استئناف المفاوضات-!
- -القصور الذاتي- في -فضاءٍ مُنْحَنٍ-
- الديمقراطية الطوباوية!
- الفضاء -الآخر- Hyperspace*
- معنى -النجاح- في مهمَّة -المراقبين العرب-!
- كيف نفهم -الكون-
- -معارِضون- يجب نبذهم!
- -الإصلاح- في الأردن.. طريق أخرى!
- -فلسطين- في -الربيع العربي-!
- اقرأوا هذا الكِتاب!
- -الموت- و-الحياة-!
- -ديمقراطية- أم -فسادقراطية-؟!
- -اللحظة الضائعة- في ثورة مصر!
- العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!
- -الدكتاتور المثالي- في -مرافعته الإعلامية-!
- الجريدة اليومية في عصر جديد!


المزيد.....




- ريابكوف: روسيا تعد مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو لمنع س ...
- كيف أثر التغير المناخي على شدة أمطار الإمارات وعُمان؟ دراسة ...
- الرواد الروس يخرجون بأول مهمة إلى الفضاء المفتوح لهذا العام ...
- انفجار هائل يغطّي مجرّة بأكملها.. تبعد عنا 12 مليون سنة ضوئي ...
- مشاحنات روسية أميركية بمجلس الأمن بشأن تسليح الفضاء
- الإمارات: حالات -محدودة- مرضت بسبب التأثر بالمياه الناجمة عن ...
- بوتين: النجاح في ساحة المعركة يعتمد على السرعة في حل المشكلا ...
- الجزائر.. منتدى تكنولوجيا الإعلام
- ما مشروع -نيمبوس- الذي ضحت غوغل بموظفيها وسمعتها من أجله؟
- رجل مصاب بالسرطان.. نمت رموشه بطريقة نادرة


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - -الزمن- إذا -تمدَّد-!