أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم عطا - قصة قصيرة(الشاهد)















المزيد.....

قصة قصيرة(الشاهد)


جاسم عطا

الحوار المتمدن-العدد: 3602 - 2012 / 1 / 9 - 22:34
المحور: الادب والفن
    


الشاهد
لما ودعت تموز كانت درجة حرارة الجو مرتفعة, ولهيب الشمس يستخرج روائح الأرض, زكمت أنفي رائحة جمل وقذارة خترير, حملت بندقيتي,وفتشت منزلي والشارع, بحثا عن هذين الحيوانين, لكنني لم أجد شيئا, جلست أمام المذياع المخيف فزادني رعبا, بل حتى المدفأة الكهربائية كانت تثقلني شكا, كل شيء يثيرني ويدخلني دائرة الترقب والحذر, مسالم التساؤلات الغامضة والأجوبة المبهمة تزيدني حساسية اتجاه كل شيء, سمعت أصواتا غريبة خارج الدار, خرجت مستفهما الأمر كدت أصعق مكاني, وأنا أشاهد السماء تمطر رجالا حاملين رايات بيضاء وخضراء, وسوداء, أنها تمطر أنبياء وأولياء عليهم السلام, ازدحم المكان وضاق بي, وبينما هم مشغولين بترتيل القران الكريم, قادني الخوف الى حصان ابيض, امتطيته وانطلق مخترقا الموانع والحواجز, والجدران, ملوية سامراء ابتدأت تتلاشي, بينما برج النمرود يظهر أمامي تدريجا الى أن وصلت عنده وعبرته, بركته خلفي يصغر ويصغر حتى اختفى كليا عن ناظري, لو أتوقف إلا عند جنائن بلبل, وارتويت أنا وحصاني من مائها, وانطلقت من جديد اعبر الفيافي والناس والزمان؟ تعب الجري من حصاني, ومل الخوف مني, تصلب حصاني أمام رجل عملاق جالس تحت نخلة, **((كان غير ممكن الفهم ومتعذرا على الإدراك.
أربع كانت عيونه وأربع كانت أذانه,
وحلما تنفرج ضفاهه, تبعث السنة اللهيب .
كبيرة كانت أعضاء سمعه الأربعة, وعيونه
مثلها في العدد, ترى كل شيء.))



توسمني وقال:
- النخلة لا تنحني أبدا.
- وإذا جاءتها عواصف صحراوية؟
- انكسارها محتمل, لكنها لا تنحني؟
- الخوف زائد المجهول, أقوى من كل شيء.
- الخوف يقتل صاحبه, والمجهول لن يبقى مجهول.
- وكيف أتخلص من الخوف؟
- قاوم حتى لو بسعفه, فارض النخيل والزيتون ممكن أن تمرض, لكنها أبدأت لن تموت.
ثم اختفى الرجل وحصاني معا, جلست في مكانه انتظر, شعرت برطوبة تحتي, ولما نظرت وجدت الأرض تنز ماء, رويدا كثر الماء بصورة مخيفة, برقت السماء ورعدت, وصبت مطرا غزيرا, والتقت السيول المائية الجارية معا, محدثة دوامات مرعبة, وأيقنت أنه فيضان, بل طوفان, فالماء غمر الأشجار والتلال, والجبال,** ((ولستة أيام وست ليال عصف الريح وهطل المطر المدرار, وغلفت الزوابع والطوفان والأرض)), ودخل العالم بظلام دامس وغرق بالماء, وبقيت أجاهد بسباحتي, والأمواج تتقاذفني كالكرة, الى أن رمتني أمام سفينة سوداء, تتموج على سطح الماء الثائر, وقد كتب عليها "فلك نوح", فلم أجد ملاذا آخر سواها, وحين صعدت إليها رميت بنفسي على سجحها تعبا, واستسلمت للرقاد.
**((قصر مشيد من خشب السرو والأرز, والعرر, والبقس, والتوت, والفستق, والطرفاء, بنيته منزلا ملكيا لمتعتي الجليلة لكل العصور, وصورت وحوش الجبال والبحار على حجر الكلس, ووضعتها في أبوابه.))
وبينما الأطفال يلعبون حوله, وعلى شرفاته العشاق يتبادلون القبل, احلولكت السماء, وحسبتها ستمطر, ولما دققت النظر رأيت غربانا كثيرة , أمطرتنا بالحجارة, والنار والشر, وأطلقنا آهاتنا وأنيننا متألمين, محتضرين, لكن نعيب الغربان وحسيس النار وأجيجها أعلى من صوتنا, لم أستيقظ من كابوسي إلا على أحدهم وهو يصيح قائلا:
- لقد عادت الحمامة وبفمها ورقة زيتون خضراء.
وبعدما استوعبت ما قاله, قلت بلا مبالاة:
- أية حمامة وأية ورقة هذه؟
أجابني وهو يلوح بورقة الزيتون:
- هذه الورقة عاد بها الحمامة التي أطلقها سيدنا نوح.
وقفت وأنا أتفقد السماء الصافية, وسطح الماء الهادئ, وأينما أرسلت بصري ردني الماء, تناولت الورقة من الرجل, وقسمتها نصفين وشممتها, ثم قلت:
- بابل ما تزال بخير.
نظر الرجل إلي بدهشة قائلا:

- وكيف عرفت أن هذه الورقة من أرض بابل؟
- بها عطر الآلهة والشعراء والتاريخ المزدحم بالأمجاد.
قاطعنا ظهور حوت عملاق يسبح قرب السفينة, وبذيله الجبار أحدث أمواج عاتية, رنحت السفينة بعنف, مما أفقدني السيطرة والاتزان, زلجت من على سطح السفينة, فوجدت الحوت فاتحا فمه ليستقبلني وأنا أصرخ مستنجدا, إلا أنني كنت مندفعا بقوة الى أعماقه المظلمة, وهويت مصطدما بأعضائه المرنة لأستقر بأحشائه, بين الحلم والواقع رأيت نورا يتلألأ بعيدا عني, جريت نحوه مسرعا وأنا أحسبه نافذة للخارج, كدت أجن وأنا أشاهد رجلا عجوزا جالسا أمام نار موقدة, وهو يقرأ القران, قال بعجب حين شاهدني:
- كيف وصلت هنا؟
- لقد سقطت. وأنت؟
- الله أمرني بذلك بعدما كنت بنينوى.
- وكيف حال نينوى يا سيدي؟
- بخير وستبقى بخير.
رن جرس الهاتف, رفع الرجل السماعة, ثم قال:
- المكالمة لك يا بني.
تناولت منه بدهشة, وقبل أن أتفوه بكلمة واحدة, جاءني صوت كاظم الساهر من الطرف الآخر قائلا:
- جفت ضمائرهم.
سقطت السماعة من يدي والدموع من عيني, تراءت لي أزقة بغداد الضيقة, وانهار دجلة والفرات تترف دما, وتستنجد بي, وأنا المحاصر في أعماق هذا الحوت بعيدا عن دروب الحرية, ومشاعل نورها المضيئة منذ بواكير الزمن البدائي, والتي جمعت مراقد الأئمة والقديسين المزدحمة بأهلي الطيبين.
قلت للرجل العجوز والدموع تترقرق في عيوني:
- أريد الخروج من هنا... أريد رؤية وطني.
- في الخارج ستموت كمدا وحزنا.
- وهنا سأموت بلعنة الذنب, فلأرحل لأروي أرضي بدموعي ودمي.
- أغمض عينيك, وستفتحها حيث تريد.
وما نفذت رغبة الرجل, وجدت نفسي واقفا على سور بابل, وأمامي قورش فارس, واليهود المقيدين بالسلاسل يكتبون التوراة, ناولني الإله مردوخ سيفا حينما هاجمني قورش, واليهود يهتفون باسمه كلما وجه ضربة لي, وحين وصلنا عند تمثال الثور المجنح استطعت توجيه ضربة خاطفة أطحت بها رأس قورش, ثم ركبت التمثال المجنح, وطار بي, وعلى بعد مائة كيلو متر أنزلني, سمعت طقطقة حوافر فرس, ولما ألتفت وجدت فارسا مغوليا مقبلا نحوي وهو يلوح لي, وانقض علي بسيفه, رددت ضرباته الى أن سنحت لي الفرصة لأوجه له ضربة أردته قتيلا, ومن مكانه نهض رجل انجليزي وبيده بندقية, ضحك ساخرا وقال:
- الى متى ستضل هكذا؟
- فشل جلجامش بنيل الخلود لحياته, لكنه نجح منحه لهذه الأرض.
وجه فوهة بندقيته نحوي, وأطلق النار علي, لكنه أخطأ الإصابة, كرر التصويب الفاشل, الى أن نفذت ذخيرته, فأخذت هراوة, وتوجهت نحوه مسرعا, وضربته على رأسه, فخر ينزف دودا أسود تسرب داخل الأرض, اكتضت السماء بغيوم داكنة ودخان أسود, وحيثما أسير أتعثر بركام المحروقات والرماد الذي تغوص فيه الأقدام, رأيت مأذنة مسجد تحتضن على الأرض جرس كنيسة, ومقاعد دراسية فوقها تناثرت أجهزة طبية وعلب حليب الأطفال, كما شاهدت رضيعا ميتا ولما حملته كانت عيناه ما تزال تصب دمعا, وقربه ذراع لأمراه شابة, وحين تناولت الذراع ووضعته تحت الرضيع, كفت عيناه عن ذرف الدموع, سمعت عويل وبكاء, توجهت الى مصدر الصوت, وجدت جناح طائرة الشبح يحترق, وقربه جلس حمورابي, وهو يردد:
- لقد دمروا كل شيء.
- نعم دمروا كل شيء, لكننا لن نكون كالهنود الحمر.
شاهدت مبني متراكم نتيجة القصف, من داخله تخرج رائحة شواء, وبعد عدة محاولات استطعت دخوله, وكان كرنفال الحرق والشوي البشري, لمختلف الأعمار, رضع, أطفال, نساء, عجزة, شيوخ, شباب, كلها جثث معطوبة ومفحومة, ومازال الدخان يودعها بتكاسل, وقبل أن تصيبني شظية وتفقدني بصري, أذكر آخر شيء شاهدته هو جدار مكتوب عليه ما يلي:
**((ايه "نانا" ان تلك المدينة قد حولت الى رميم
وتصدعت جدرانها, والناس يئنون
في أبوابها العالية, التي كانوا فيها يتنزهون, رميت
جثث الموتى.
وفي شوارعها المشجرة, حيث كانت تنصب الولائم, استقلوا متناثرين.
وفي طرقاتها, التي كانوا فيها يتترهون, سجت جثث الموتى.
وفي ميادينها, حيث كانت تقام الاحتفالات, استلقى البشر بالأكوام.
وكوت النيران الآباء والأمهات الذين لم يبرحوا منازلهم,
والأطفال المضطجعون في أحضان أمهاتهم,
أواه يا "نانا" لقد دمرت أور وشرد أهلها.))

**موروث من بلاد النهرين قبل الميلاد.



#جاسم_عطا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة(حتى لوكان كابوساً)
- قصه قصيرة


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم عطا - قصة قصيرة(الشاهد)