أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي















المزيد.....

(1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1066 - 2005 / 1 / 2 - 09:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دمرت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية المجتمع المدني بلا رأفة، وخربت بصورة تامة فكرة الدولة، وسحقت بقسوة لا مثيل لها المضمون الاجتماعي والسياسي والحقوقي للهوية الوطنية. واصبح من الصعب الآن تحديد ماهية الوطني والقومي، ومن هو العربي والكردي والتركماني والكلداني – الآشوري؟، ومن هو الشيوعي والشيعي؟ ومن هو الديني والدنيوي؟ ومن هو الإسلامي وغير الإسلامي؟ ومن هو السني الوهابي والشيعي الجعفري؟ وهي ظاهرة تعكس في الواقع صعوبة تحديد العراقي. فالسؤال الأكثر جوهرية الآن بالنسبة للعراق ومعاصرة المستقبل فيه يقوم في تحديد ماهية العراقي. فهي القاعدة التي ينبغي أن يرتكز عليها بناء الدولة الشرعية والمجتمع المدني والنظام الديمقراطي والثقافة البديلة.
إن الانطباع العام الذي يمكن للمرء أن يلاحظه في مجرى الحديث والأخذ والرد والاستماع إلى الناس بمختلف أجناسهم هو أن العراقي الحالي من يشكو ويشتكي ويتشاكى. لقد جعلت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية الإنسان العراقي كيانا مسحوق الهوية، وبعثرت هويته الوطنية وسحقت عناصر تكونه التاريخي. فقد عملتا من اجل كسر معنويات الوجود التاريخي للشخصية العراقية وتدمير بنية وعيها الذاتي، وسحق إرادتها الحرة، وتهشيم روابطها الثقافية. ووجدت في ذلك "مهمتها التاريخية" لإنجاز أمور عظيمة على قدر ما كان يحلم بها حمورابي ونبوخذنصر وهارون الرشيد. الا أن نتيجتها الفعلية هي تخريب مسلة الحقوق، ووقوع العراق في الأسر، وألف ليلة وليلة من المآسي! وهي حالة تشير إلى ظاهرة مزدوجة من حيث مقدماتها ونتائجها. انها تشير إلى طبيعة النقص الجوهري في "الشخصية العراقية" التي شكلت الصدامية أحد أشكالها المشوهة.
فقد كانت الصدامية مسخا عراقيا أيضا! وهو مسخ لا تخلو دولة وشعب منه، كل على قدر ما فيه. فقد كان المسخ الصدامي الوجه الآخر لحقيقة الشخصية العراقية العميقة والعريقة في كل شئ! وفي حصيلته يشير إلى أن الخطر الكامن بالنسبة لتدمير الشخصية الوطنية تقوم في انتقال الأطراف إلى المركز، وصعود الهامشية إلى هرم السلطة، واستحواذ الأقلية على مقاليد الأمور. فهي الظاهرة التي تفسد في نهاية المطاف الجميع وتجعل من الدولة والمجتمع ضحية حماقات يصعب تفسيرها بمعايير المنطق والأخلاق! وهي نتيجة تعادل من حيث رمزيتها فعل الأعاصير والزلازل والجراد. بمعنى انك ترى صورة الجحيم دون إدراك مغزى العقاب فيه! أما في الواقع، فان كل ما يجري هو نتاج لما فينا. ومن ثم فان كل ما يحدث هو استعداد لما فينا، فما أثر فينا غيرنا، كما كان الشيخ الأكبر ابن عربي يحبذ القول.
وهو إدراك ينبغي أن يوضع في عمق الرؤية العملية للبديل الديمقراطي في العراق. بمعنى العمل من اجل قطع الطريق أمام إمكانية انتقال الأطراف إلى المركز، وصعود الهامشية إلى هرم السلطة، واستحواذ الأقلية على مقاليد الأمور. وهي عملية ممكنة من خلال صياغة رؤية استراتيجية عند الأحزاب السياسية نفسها ليس فقط فيما يتعلق بتذليل العناصر الراديكالية في معتقداتها وشعاراتها وتربيتها الذاتية، بل ومن خلال الربط العملي الدائم لشعاراتها السياسية بالمتطلبات الملموسة والضرورية لمختلف الشرائح والفئات الاجتماعية والمهنية. ومن ثم تحويل الفكرة السياسية نفسها إلى بؤرة جذب واستقطاب للنشاط الاجتماعي الفعال. فهو الأسلوب الوحيد القادر على تفعيل خلايا ومكونات المجتمع المدني. ومن ثم الأسلوب الحقيقي لقطع الطريق أمام المغامرة الفردية والجماعية والحزبية. كما انه الأسلوب الذي يهشم النزعة اللاعقلانية للهامشية الاجتماعية والسياسية ونزوعها الراديكالي. وبالتالي تفريغ شحنة الاحتجاج الاجتماعي من إمكانية الانغلاق والانعزال، الذي عادة ما يشكل المادة النشطة للأقلية الاجتماعية والسياسية والقومية والدينية.
فقد كانت وما تزال اغلب المشاكل والعقد المتوترة في العراق نتاجا لانتقال الأطراف إلى المركز واستحواذ الأقلية على مقاليد الأمور وصعود الهامشية إلى هرم السلطة، مما أدى إلى تجزئة الكينونة الاجتماعية والسياسية والروحية للهوية العراقية. فقد تعرضت الشخصية العراقية في غضون عقود عديدة إلى عملية تدمير هائلة جعلت اغلب مكوناتها ضعيفة ومتوترة في نفس الوقت. وهي مكونات متناقضة عادة ما تلازم خروجها إلى النور من قبو التوتاليتارية ونموذجها الدكتاتوري في "الإدارة"! وهو الأمر الذي يجعل من مهمة إعادة بناء الشخصية العراقية وهويتها الوطنية القضية الأكثر تعقيدا. كما انها المهمة الاستراتيجية الكبرى في البناء الديمقراطي للمجتمع والدولة والثقافة، بوصفها مفتاح العمران الحقيقي ومعاصرة المستقبل في العراق.
وهي مهمة ترتكز بقدر واحد على ثلاثية الدولة الشرعية والمجتمع المدني والثقافة العقلانية البديلة. وهذه بدورها جميعا مهمة ما ادعوه بفلسفة الاستعراق. بمعنى انه من الصعب إدراك الأبعاد الاستراتيجية وتحقيقها العملي في ظروف العراق الحالية دون التمسك بالحد الأدنى للاستعراق، باعتباره فلسفة الرؤية الثقافية للهوية الوطنية والشخصية العراقية. وهي مهمة سياسية وأيديولوجية وثقافية كبرى يمكن تأسيسها بمعايير مختلفة ومتنوعة من جانب الأحزاب الوطنية والقومية والدينية والدنيوية، كل بمقاييس تجاربه الخاصة ورؤيته الذاتية. الا أن الاستعراق ينبغي ن يكون الحد الأقصى للرؤية الوطنية والقومية والدينية والدنيوية والاجتماعية والطبقية فيما يتعلق بمضمون الهوية العراقية.
والشرط العملي والضروري لذلك هو تحويل فكرة الاستعراق إلى مرجعية متغلغلة في ذهنية ونفسية الأفراد والجماعات والقوميات والأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والجمعيات والنقابات. وهي مرجعية لا يمكنها العمل في ميدان السياسة وبناء الدولة والمجتمع والثقافة دون تحديد مكوناتها وقواعدها الأساسية العامة والالتزام بها في النظرية والتطبيق كل بمعايير تجاربه الخاصة. ومن أهم هذه المكونات والقواعد تجدر الإشارة إلى ما يلي : إن العراق ليس تجمع أعراق؛ وانه هوية ثقافية سياسية؛ وانه غير معقول ولا مقبول خارج وحدة مكوناته الرافدية العربية الإسلامية؛ وان العربية الإسلامية جوهر ثقافي؛ وان الهوية الثقافية المفترضة للعراق والعراقية هي الاستعراق؛ وان الاستعراق هو الحد الأقصى للقومية في العراق، وأنه فلسفة الحد الأدنى الضروري للوحدة الوطنية؛ وان الاستعراق هو أيديولوجية البيت الذي يمكن أن تتعايش فيه جميع القوميات بصورة متساوية ومنسجمة؛ وإن الاستعراق من حيث كونه نمط حياة عام هو ضمانة البقاء ضمن الهوية التاريخية الثقافية للعراق والاحتفاظ بالأصول القومية الذاتية له، وان الخروج على الاستعراق من حيث كونه أيديولوجية وطنية ونمط حياة عام هو رجوع إلى العرقية،أي خروج على منطق الهوية الثقافية للعراق والعراقية وعلى مكونات وجودهما الجوهرية؛ وأن الخروج على الاستعراق بهذا المعنى هو خروج على الحكمة الثقافية والسياسية لتاريخ العراق، وبالتالي فهو خروج على القانون بالمعنى التاريخي والثقافي والحقوقي أيضا.
وليس المقصود بان العراق ليس تجمع أعراق نفي التمايز العرقي والقومي فيه، بقدر ما يعني الإشارة إلى خصوصية تكون الأقوام والأمم فيه. فالعراق يمتلك تاريخا عريقا في المدنية، وتراثا حضاريا هائلا، قادر على صهر مختلف الأقوام في بوتقة كينونته الثقافية. إذ استطاع أن يبدع في مجرى بناء مدنياته المتنوعة وحضاراته العديدة مرجعيات متسامية كانت تعيد إنتاج نفسها مع كل انعطاف كبير في حياته. وهي ظاهرة لها جذورها الأولية يما يمكن دعوته بالأبعاد الثقافية للقومية في العراق.
أما في ظروف العراق الحالية، وبالأخص من وجهة نظر معاصرة المستقبل فيه، فان البقاء ضمن حيز العرقية والقومية الضيقة، مهما كانت الأسباب والبواعث والمبررات، لا يعني سوى الانجرار صوب بقايا النفسية البدائية، أي نفسية ما قبل الدولة والتاريخ السياسي الاجتماعي. وهو الأمر الذي يجعل من الضروري تحويل الوحدة الثقافية لتاريخ العراق الذاتي إلى مرجعية سياسية لجميع أقوامه. لا سيما وأنها وحدة لها مقوماتها في نفس الهوية العراقية، بوصفها هوية ثقافية سياسية.
فالهوية الثقافية السياسية للعراق هي سلسلة تتكون حلقاتها من حضارات سومرية وبابلية وآشورية وعربية، إضافة إلى مكونات جزئية عديدة شارك فيها مختلف الأقوام والشعوب قديما ومعاصرة من عبرانيين وإيرانيين وتركمان وأكراد، وكذلك مساهمات تنوعت من حيث مداها ونوعيتها من جانب أقوام وأمم وثقافات اضمحلت مكوناتها المباشرة كما هو الحال بالنسبة للحيثيين والإغريق والتتر المغول والأتراك العثمانيين وكثير غيرهم. كل ذلك يشير إلى تنوع وتداخل مختلف المكونات في نسيج وعيه الذاتي. مما أدى إلى أن تتبلور في مزاجه الاجتماعي وعقائده الكبرى نظرة ثقافية تجاه هذه المكونات، باعتبارها أجزاء منه لها قيمتها التاريخية والوجدانية، أي أننا نلاحظ غياب مزاج الرؤية العدائية أو الموقف من مكوناته الجوهرية والإضافات الكبرى لها. وليس مصادفة أن يتحول العراق إلى مركز الحضارة الإسلامية وبؤرة إبداعها الثقافي. بمعنى تصيره مكانا قادرا على استقطاب مختلف الأجناس والأقوام والأمم في إبداع ثقافة كونية من حيث منطلقاتها وغاياتها. ذلك يعني انه استعاد الأبعاد الرمزية لبرج بابل، لا بالمعنى المقلوب الذي صورته كتب اليهود على انه المكان الذي تبلبلت فيه ألسنة الناس، أي المكان الذي تنوعت وانعزلت فيه أصوات الناس والأجناس بعضها عن البعض، بل المكان الذي تنوعت فيه اللغات وتوحدت في برج الإبداع المشترك للأمم. وهي حالة سوف تعيد إنتاج نفسها عندما تحولت بغداد إلى "دار السلام" و"دار الإسلام"، أي إلى مركز الاستقطاب الثقافي العالمي والمنفتح على الجميع. وهو استقطاب كان يتمثل عربيا (من حيث اللغة) تقاليد العراق الرافدية، واسلاميا (من حيث العقيدة). وفي هذا كان يكمن استمرار التقاليد العريقة للعراق وخصوصيتها في الوقت نفسه، بوصفه كينونة ثقافية.
فقد كان التوليف الجديد للعربية الإسلامية الصيغة التاريخية المضافة والمكملة لتقاليد العراق القديمة عن أولوية وجوهرية المكون الثقافي على المكونات الأخرى أيا كان نوعها. وهو الأمر الذي يجعل من غير المعقول ومن غير المقبول إدراك ماهية وحقيقة العراق خارج أو بدون وحدة مكوناته الرافدية العربية الإسلامية. فهي هو وهو هي.
طبعت العربية الإسلامية العراق بحقائقها الجوهرية، وجعلت منه كيانا واحدا لا يمكن عزل مكوناته المتنوعة. وهو واقع يفرض على الفكر السياسي العراقي المعاصر تمثل هذه الحقيقة التاريخية والثقافية من خلال إدراك وتجسيد الهوية الثقافية المفترضة للعراق بوصفها استعراقا. بمعنى الانطلاق من ضرورة تمثل الهوية الثقافية للعراق. وهي هوية ليست عرقية أو قومية ضيقة، بل ثقافية من حيث مرجعياتها وغاياتها تراكمت تاريخيا وتكاملت ثقافيا من مكونات عدة يصعب حصرها جميعا، الا انها تصب في الإطار العام ضمن ما ادعوه بالمكونات الرافدية العربية الإسلامية. وهي هوية تحتوي بهذا المعنى على مختلف المكونات الحضارية والثقافية للأقوام والأعراق المنتشرة في تاريخ العراق وأراضيه، الا انها كينونة واحدة غير مجزئة من حيث محتواها.
فقد تعرضت الهوية العراقية، شأن كل كينونة تاريخية كبرى، إلى تحولات وهزات عنيفة في مجراها العريق. لكنها عادة ما كانت تعيد توليف ذاتها وتفعيلها من جديد مع كل انعطاف حاد. وهي حالة يقف أمامها العراق المعاصر بعد تعرضه لأحد أقسى الاهتزازات العنيفة في تاريخه المعاصر، التي تعادل من حيث مأساتها ما جرى له أثناء سقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر. ومع أن الاختلاف بين الحدثين كبير من حيث المقدمات والنتائج، الا انه يشير من وجهة النظر المتعلقة بظاهرة اهتزاز الهوية إلى ماهية الضعف البنيوي الذي أدى إلى اهتزازها الأخير. ولعل السبب الرئيس لهذا الاهتزاز الأخير يقوم في طبيعة الخلل البنيوي الذي أحدثته التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية بالنسبة للهوية العراقية. إذ أدتا بها إلى التفكك والتفتت والتهشيم والتهميش شبه الشامل لمكوناتها الثقافية. وهو السبب القائم وراء الانبعاث الجزئي والنسبي والقوي أحيانا للصيغ التقليدية السابقة لتاريخ الدولة مثل الطائفية والقبلية والجهوية والمذهبية وغير من الأشكال التقليدية المتخلفة عن حقيقة الدولة العصرية بشكل عام والشرعية بشكل خاص. ولا يعني ذلك سوى ظهور "هويات" جزئية ومتخلفة على هامش مكوناتها الجوهرية، كما تظهر الفطريات إلى جوار الجذوع الضخمة للأشجار الحية. وهي "هويات" ضعيفة وهشة من حيث مناعتها على المقاومة، الا انها شرسة ومرهقة في الوقت نفسه. وهي لا تعمل في نهاية المطاف الا على التآكل الذاتي لقواها وقوى الكينونة التاريخية للهوية التاريخية الثقافية للعراق، أي لهويته الخاصة. وفي هذا تكمن مقدمة ما ادعوه بضرورة أن يكون الاستعراق الحد الأقصى للقومية. وليس المقصود بالحد الأقصى هنا سوى حد التلقائية الضرورية للتطور الاجتماعي في الرؤية القومية للقوى الاجتماعية والحركات الفكرية والأحزاب السياسية. بمعنى الانطلاق في تناول مختلف قضايا الفكرة القومية في العراق من زاوية تلقائيتها الاجتماعية والثقافية بالنسبة لمعاصرة المستقبل فيه، وليس حصرها في إطار عرقي أو قومي ضيق.
إن إدراك هذه الحقيقة يؤدي أولا وقبل كل شئ إلى الانفتاح على النفس، ومن خلالها على الآخرين. وهو الأسلوب الوحيد القادر على بناء مؤسسات الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. كما انه أسلوب تحرير النفس من أسر العرقية عبر الانتقال بها إلى مصاف الرؤية الثقافية للنفس والآخرين. وهو الأمر الذي يشير إلى أهمية إدراك الأبعاد العملية (الأيديولوجية) للاستعراق، أي النظر إلى الاستعراق باعتباره أيديولوجية الكينونة العراقية التي يمكن أن تتعايش فيها جميع القوميات والأعراق والأديان والمذاهب بصورة متساوية ومنسجمة.
إن مرجعية الاستعراق بالنسبة للوعي السياسي الاجتماعي والقومي في العراق لا تكمن فقط في طابعها العملي والعقلاني، بل وفي قدرتها على تكوين نمط خاص ومتميز للعراق في المنطقة. وهي مهمة معقدة نسبيا، لكنها ضرورية بالنسبة لاستراتيجية معاصرة المستقبل. وبهذا المعنى يمكن لنمط الحياة هذا أن يكون نموذجا يحتذي به لحل القضايا القومية العالقة، وضمانة لحرية واستقلال المنطقة ودورها الفعال على المدى البعيد. وفي هذا السياق يمكنه أن يكون ضمانة البقاء الفعلي ضمن الهوية التاريخية الثقافية. لاسيما وأنها الهوية الوحيدة القدرة على توليف القيم المتسامية في التنوع القومي والثقافي. أما الخروج على الاستعراق من حيث كونه أيديولوجية ونمط حياة فهو رجوع إلى العرقية، ومن ثم فهو خروج على منطق الهوية الثقافية للعراق وعلى مكونات وجوده الجوهرية. وذلك لان الخروج على منطق الهوية التاريخية الثقافية له سوف يؤدي بالضرورة إلى السقوط في مستنقع التعصب القومي بمختلف أشكاله الشوفيني والضيق أو الانغلاق العرقي وما يترتب عليه من نفسية الانعزال ورذائلها العديدة.
فالتاريخ هو ليس مجرد فكرة وعبرة، بل وشرط معاصرة المستقبل في العراق، بسبب المأساة الشاملة التي لحقت به من جراء الخروج على مضمون الحكمة التاريخية السياسية المتراكمة فيه. وهو الأمر الذي فسح المجال أمام صعود الهامشية والراديكالية والأقلية إلى السلطة والعمل بمقاييسها الضيقة. أما النتيجة الجلية لذلك فهو خروج تام على القانون. وهي نتيجة لم تتصف بها التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية فقط، بل ومرشح لها كل من يهمل تأمل نتائجها في حال الخروج عن الحكمة الثقافية السياسية في العراق. لان إهمالها وتجافيها يؤدي بالضرورة إلى الخروج على القانون بالمعنى التاريخي والثقافي والحقوقي أيضا.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر والشاعر وإشكالية الحرية
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي