أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ضياء عيسى العقابي - إنتهى الوجود العسكري الأمريكي في العراق فما هي القصة من الأساس؟















المزيد.....


إنتهى الوجود العسكري الأمريكي في العراق فما هي القصة من الأساس؟


محمد ضياء عيسى العقابي

الحوار المتمدن-العدد: 3601 - 2012 / 1 / 8 - 10:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



دخلت قوات الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية العراقَ في 19/3/2003؛ وإحتلت بغداد وأسقطت النظام البعثي الطغموي(!) في 9/4/2003.
عُقدت إتفاقية بين العراق وأمريكا في شهر كانون أول من عام 2008 تَحَدَّدَ بموجبها موعدُ إنسحاب آخر جندي أمريكي من الأراضي العراقية بتأريخ 31/12/2011.
تم الإنسحاب الفعلي لآخر جندي ليلة 17 على 18/12/2011. خسرت الولايات المتحدة في العراق قرابة 5000 جندياً وقرابة 32000 جريحاً وما يقرب من 800 مليار دولار.
لم تخسر الولايات المتحدة حربها في العراق عسكرياً. إنها قد إنتصرت إنتصاراً باهراً. لكن أمريكا خسرت صفقة شاملة مع الشعب العراقي. وهذه هي المعضلة التي يصعب فهمها على الكثيرين خارج العراق بالأخص في العالمين العربي والإسلامي، وداخل العراق بقدر أقل. لا يستطيع، وبعضهم لا يريد، أن يفهم أن العراقيين دخلوا مع أمريكا في صفقة ورهان وربحوهما لحسن تقديراتهم لتوازن القوى المحلية والإقليمية والعالمية؛ بينما خسرت الولايات المتحدة الصفقة لسوء تقديراتها وسوء بعض نواياها وإصطددامها بمفاجئات لم تكن في حسبانها.
عُقدت "صفقة إفتراضية" بين الطرفين، الأمريكي والعراقي، لم يجرِ الحديث عنها ولم يُتفاوض عليها بل إعلن كلا الطرفين إيمانَهما بوجود أسلحة دمار شامل لدى النظام البعثي الطغموي، الذي أوحى من جانبه بصدقية إمتلاكه لذلك السلاح، لأغراض دعائية محلية وإقليمية، ولم يعبأ بالتهديدات لأن رأس النظام كان واثقاً من عدم رغبة أمريكا الإطاحة به نظراً لإعتقاده بحاجتها للبضاعة التي قدمها لأمريكا مرتين: مرة في شن الحرب على إيران ومرة في إحتلال الكويت، وأوحى بإستعداده لتقديم المزيد عند الطلب؛ هذا إضافة إلى ضمان كبح جماح أي تحرك أمريكي قد يكون غير متوقع ضده، عن طريق إسرائيل التي أقمتُ الدليل على عقد صفقة بينها وبين صدام، حصراً، لحماية نظامه مقابل موافقته على توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق؛ علماً أن مطلب الفلسطينيين بعودة اللاجئين لديارهم شكل ويشكل واحداً من أهم العقبات التي تقف في طريق حل القضية الفلسطينية (قضية الشرق الأوسط) وفق التصور الإسرائيلي.
أعتقد أن الأمريكيين كانوا على علم بعدم وجود تلك الأسلحة، ولكن العراقيين صدقوا إلى حدود بعيدة، من باب الإفتراض أساساً، أن هناك أسلحة دمار شامل. لكن كلاً من الطرفين حَسَبَ حساباته الحقيقية من حيث الأهداف ومن حيث وسائل التحقيق، بعيداً عن صحة أو خطأ وجود الأسلحة، وإنخرط في الصفقة معتقداً بأن الغلبة ستكون له.
أدرج فيما يلي حيثيات الصفقة، حسب تقديراتي، وحسابات كل طرف مجردة من ذكر الأدلة والقرائن التي سبق لي أن سقتها في العديد من مقالاتي المنشورة منذ عام 2006.
ألأهــداف الأمـريكيـــة:
أرادت أمريكا تحقيق ما يلي من وراء غزوها العراق:
- الإقتراب من منابع البترول العراقي ليضاف إلى بترول وغاز السعودية والخليج وليبيا والجزائر واليمن والسودان ودول أخرى حيث لأمريكا هيمنة تتراوح بين السيطرة التامة وبين التأثير الكبير.
أراد المحافظون الجدد هذا من أجل لي ذراع أوربا لحملها على قبول أمريكا كالقوة الأعظم والقطب الأوحد في العالم في عصر العولمة بعد تفكك الإتحاد السوفييتي وخروج أوربا واليابان من الخيمة الأمريكية التي إحتميا بها من "البعبع" السوفييتي أثناء الحرب الباردة. أرادت أمريكا ذلك الموقع العالمي لضبط إيقاع التناقضات في المصالح البينية الغربية التي تفجرت في أعقاب توقف الحرب الباردة بعد أن كانت، تلك التناقضات، مكبوتة وخاضعة لصالح التناقض الأعظم مع المعسكر الإشتراكي.
- جعلُ العراق قاعدة إنطلاق للإطاحة بالنظم التي لا تنسجم والستراتيجية الأمريكية والغربية عموماً في عهد العولمة. فارادوا عبرالعراق، أي بغطاء عراقي، الإطاحةَ بالنظامين السوري والإيراني و ياسر عرفات وحماس وحزب الله.
- جعل العراق قاعدة متقدمة لجذب إرهابيي القاعدة إليها ومقاتلتهم على أرض العراق بدل توجههم إلى أمريكا.
- تأسيس نظام ديمقراطي لتوجيه انظار الرأي العام في كل مكان نحوه تغطية للفشل في العثور على أسلحة دمار شامل؛ وليكون ذلك النظام الديمقراطي ملبياً للمصالح الأمريكية ومثالاً للمنطقة لإنهاء النظم الشمولية التي لا تنسجم ومرحلة العولمة وتشكل عبئاً أخلاقياً على الغرب من جهة مطالبات منظمات حقوق الإنسان بالتخلي عن هذه الأنظمة، ومن جهة كونها مصنعاً للتطرف والكراهية وفكر الإرهاب والإرهابيين.
- إقامة قواعد عسكرية دائمية ومؤقتة في أنحاء العراق ذي الموقع الستراتيجي الهام.
الوســائــل المتـــاحـــة:
أدوات التنفيذ والعوامل المساعدة للضغط على العراقيين لتحقيق الأهداف الأمريكية بعد إسقاط النظام البعثي الطغموي:
- قوات عسكرية بلغ تعدادها أكثر من (150) ألف جندي على أرض العراق مفوضة من الأمم المتحدة كقوة إحتلال متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة.
- الإفتراض بأن العراقيين أصبحوا في حالة من التفكك والإنهيار والذل والجوع والمرض على يد النظام البعثي الطغموي، لدرجة فقدانهم المقدرة على أي تحرك مقاوم للإرادة الأمريكية في ترتيب أوضاع العراق، ناهيك عن إمكانية تنظيم إنتفاضة على غرار إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية.
- خضوع العراق لطائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتراكم ديون كبيرة عليه.
- وجود طغمويين وجيش طغموي وقوى أمن بمختلف المسميات كلها تكافح من أجل إستعادة سلطتها المفقودة بأي ثمن، وهي قابلة للإستغلال.
- قوى الإرهاب التكفيري الطائفي(2) العنصري المحلية والإقليمية التي تحالفت مع الطغمويين ضد الشعب العراقي.
- إمتلاك الطغمويين والتكفيريين عقلية متخلفة جداً فهي تختزن كماً هائلاً من الكراهية والإصرار على رفض الآخر ورفض الإعتراف بحقوق الإنسان وسواسية المواطنين والبشر والديمقراطية، وإعتمدت ستراتيجية إثارة حرب أهلية طائفية.
- محيط إقليمي كاره للديمقراطية ومساند للإرهاب ضدها بحجة رفض الإحتلال.
- تدني الروح الوطنية لدى العراقيين عموماً بسبب سياسات النظام البعثي الممعنة في رفض الآخر والإقصاء والتهميش والقمع والإجرام.
- التعويل على سمات سلبية غير قليلة لدى العراقيين، وخاصة لدى الطبقة المثقفة التي تعوزها الواقعية والتأمل والإستقلالي الفكري.
الأهـــداف العراقيـــــة:
أراد العراقيون تحقيق ما يلي من وراء عدم مقاومة الغزو وعدم الدفاع عن النظام وإعتبار إطاحة النظام تحريراً:
- إطاحة النظام البعثي الطغموي الطائفي العنصري الذي ما عاد قادراً على إطاحته سوى الله أو أمريكا نظراً لتحصنه، بأموال النفط العراقي المسروق من الشعب، والقمع الذي فاق الخيال شاملاً سياسة التطهير الطائفي والعرقي والإقصاء والتهميش، وكانت سياسة مبرمجة وممنهجة إعتمد النظام في تنفيذها جرائم الإبادة الجماعية والتهجير الجماعي، الداخلي والخارجي، وجرائم ضد الإنسانية منها إستخدام السلاح الكيميائي المحرم دولياً ونشر مئات المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها. كما إنتهج سياسة العدوان في الخارج فشن حرباً على جار وإحتل جاراً آخر وتسبب في حربين دوليتين ضد العراق وحصار دولي جائر خلّف الجوع والمرض والموت والفساد والجريمة في المجتمع العراقي ووفر للنظام الرفاهية والقصور والتحكم في قوت الناس؛ وأدت كل تلك السياسات الرعناء والجرائم إلى تلوث هواء وأرض ومياه العراق ودمرت زراعته وإقتصاده حتى هبطت قيمة الدينار بمقدار (7000) مرة ووضع العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي لم يستطع التخلص منه حتى يومنا هذا؛ وحمّله ديوناً قذرة باهضة مازال الشعب العراقي يتحمل أعباءها بسبب تلك العقوبات.
- تأسيس نظام حكم ديمقراطي فيدرالي وهو نظام الحكم الوحيد القادر على تحقيق السلم الإجتماعي بين مكونات الشعب العراقي الفسيفسائية ودرء الإقصاء والتهميش والقمع والموت والإبادة عن أيٍّ منها ويحقق قدراً مهماً من العدالة الإجتماعية ويحترم حقوق الإنسان بكل جدٍ وإهتمام وتفتح؛ وهذا هو الأساس المادي الذي يجعل الديمقراطية صالحة للمجتمع العراقي رغم عدم إقتراب هذا المجتمع منها، عدى بالإسم، منذ نشأته السومرية.
- إستعادة السيادة العراقية كاملة غير منقوصة.
- عدم التفريط بثروات العراق النفطية، علماً أن جميع التقديرات إنصرفت إلى إفتراض أن النفط كان الهدف الأول من وراء الغزو الأمريكي للعراق.
- عدم السماح بإقامة قواعد عسكرية أجنبية بأي شكل كان.
- مساعدة العراق على إطفاء ما يمكن من الديون الخارجية عليه، والتخفيف من وطأة الفصل السابع تمهيداً لللخروج من طائلته، وإعادة إدماج العراق في المجتمع الدولي والإقليمي ليلعب دوره الحضاري والسلمي بأقوى مما فعله في أية فترة سابقة في تأريخه.
- إقامة علاقات صداقة شفافة متكافئة قائمة على المصالح المشتركة والإحترام المتبادل مع الولايات المتحد الأمريكية، وهي دولة التكنولوجيا الأولى في العالم التي لها الفضل الكبير في إسقاط النظام البعثي الطغموي الفاشي وتأسيس النظام الديمقراطي وإحترام إرادة الشعب العراقي بالإنسحاب.
الوســــائل المتــاحـــة وأدوات التنفيذ والعوامل المساعدة:
- قوة جماهيرية واسعة، دينية وعلمانية، منضبطة إلى حدود كبيرة ملتفة حول مرجعية النجف الدينية ومرجعية كردستان القومية حول مسائل إطاحة النظام البعثي الطغموي وإقامة نظام ديمقراطي فيدرالي والمحافظة على ثروات البلد النفطية وإسترجاع السيادة الوطنية.
- الصراع الأوربي – الأمريكي حول مسألتي أحادية القطبية في العالم وإحتلال العراق دون إذن من الأمم المتحدة.
- حساسية الأمريكيين أزاء أي تحرك شعبي عراقي ضدهم، ناهيك عن تنظيم عصيان مدني واسع، حيث يُفترض فيهم أن يكونوا محررين للشعب العراقي ويكونوا في حالة إنسجام معه. لذا فأي إصطدام به سيحسب لصالح أوربا ويحرج الإدارة الأمريكية أوربياً وداخلياً.
- الخلاف الأمريكي – الإيراني يجعل أمريكا حذرة في تعاملها مع العراقيين من إحتمال دفعهم بإتجاه إيران.
الحصيلـــــــــــــــــــــــــة:
منذ الأيام الأولى للإحتلال ولربما بتخطيط مسبق، وخاصة بعد إنتقال الملف العراقي من وزارة الدفاع (البنتاغون) حيث يتركز المحافظون الجدد، إلى وزارة الخارجية، دأبت الإدارة الأمريكية على محاولة تطبيق صيغة جعل حاكم البلد المحتل، أي العراق، بيد أقلية ضعيفة تضطر للإعتماد على المحتل لحمايتها مقابل حماية مصالحه. وبذلك يتبادل الطرفان المصالح.
غير أن هناك فارق هذه المرة عن الحالة التقليدية التي درج عليها الإستعمار والإمبريالية بصدد تبادل المصالح مع الحكومات العميلة. فقديماً كان التنصيب يتم عن طريق القسر والفرض الدكتاتوري وفي أحسن الأحوال كان يتم عن طريق إنتخابات مزيفة كما كان يجري في العراق إبان العهد الملكي الطغموي.
أما في عام 2003، وقد دخل العالم مرحلة العولمة، أصبح لزاماً على أمريكا إسباغ نوع من الديمقراطية على النظام الجديد. وبالفعل حاول الحاكم المدني ، السيد بول بريمر تأسيس نظام ديمقراطي يناسب أهداف الولايات المتحدة. لذا حاول، السيد بريمر، دفع الإنتخابات إلى سنين نحو الأمام بحجة أن إجرائها المبكر قد يسمح للبعثيين أو الدينيين للفوز في الإنتخابات. كان السيد بريمر يهدف إلى توفير فرصة لنفسه كي يتمكن من صهر وإعادة تشكيل عقلية العراقيين بما يلائم أهداف إدارة بلاده. أعتقد أن إطالة أمد مشكلة نقص الكهرباء هي عمل متعمد قُصد منه إحداث عملية الصهر وإعادة التشكيل.
قبل تصريح السيد بريمر هذا، إنتزعت المرجعية الدينية في النجف، ممثلة بالسيد علي السيستاني، من الأمم المتحدة إقراراً مفاده أن صناديق الإقتراع خير وسيلة للتعبير عن إرادة الشعب العراقي. وبناءً على هذا الإقرار، أجبرت المرجعية الحكومةَ المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي المدعوم أمريكياً وعربياً على كتابة الدستور من قبل مجلس نيابي إنتقالي منتخب بالتوقيت الذي حددته المرجعية.
وبالفعل تم إنتخاب مجلس نواب إنتقالي قام بتشكيل حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري الإنتقالية، كما كتب مسودة للدستور عرضها على الشعب بعد إقرارها. وتم إجراء إستفتاء شعبي على الدستور في 15/10/2005، ثم جرى تشكيل حكومة دائمة بموجب الدستور وهي حكومة السيد نوري المالكي الأولى.
بلورت حكومتا الجعفري والمالكي الخطوط الستراتيجية العامة لتوجهات البلد في الميادين المختلفة. فداخلياً عززتا البناء الديمقراطي وأكدتا السير على نهجها. وأصبحت السياسة الخارجية للعراق تعتمد مبدأ نبذ المحاور ورفض إستخدام العراق منطلقاً للعدوان على الغير ومد يد الصداقة للجميع ومنع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لأية دولة.
لم تستسلم الولايات المتحدة للأمر الواقع بل حاولت وحاول الطغمويون معها، على طول الخط حتى الأيام الأخيرة من تواجدها العسكري، تفتيتَ وحدة الشعب العراقي وتشويه الديمقراطية بالعمل على محورين متوازيين:1) فك تحالف الأحزاب الديمقراطية الدينية والقومية الكردية، 2) تفرقة الأحزاب الدينية وتشتيت جماهيرها، لا لأنها دينية كما أوحت أمريكا لبغض السذج بل لأنها الوحيدة القادرة على الوقوف بوجهها ووجه أهدافها.
فشلت جميع المحاولات الطغموية التكفيرية أساساً والمدعومة من الجانب الأمريكي بمديات وطرق متباينة – فشلت في عزل الأحزاب الدينية الديمقراطية أو لإختطاف السلطة منها عن طريق تزوير إنتخابات 7/3/2010 أو محاولات الإنقلاب في 25/2/2011 و22/12/2011 لسبب بسيط جداً وهو إدراك الجماهير البسيطة بكونها مستهدفة في أمنها وسلامتها من قبل الإرهاب الطغموي التكفيري الذي لم يخفِ عزمه على الإبادة الجماعية سواءً بممارسة الإرهاب فعلاً أو بالوعيد الذي يطلقه علناً وعلى رؤوس الأشهاد. لذا كانت الجماهير تزداد إلتفافاً حول تلك الأحزاب، كلما إذدادت الأعمال الإرهابية والتآمرية وأعمال التشويه والتضليل والتعطيل والتخريب. من جانبها فإن إخلاص الأحزاب الدينية للشعب والديمقراطية ومرونتها وحسن مناورتها ساعدتها على دفع المجتمع العراقي إلى شاطئ الآمان.
ليس صحيحاً الظن أن الأمريكيين لم يحاولوا البقاء عسكرياً في العراق، رغم الوعد الإنتخابي للرئيس أوباما بسحب القوات حسب إتفاقية عام 2008 التي عقدت في عهد الرئيس جورج بوش، إذ أن تجاوز أو التملص من الوعد الإنتخابي أمر هين في دنيا السياسة. فبالإمكان إفتعال حدث ما بمساعدة الطغمويين لتخويف الجمهور العراقي والأمريكي على حد سواء وجعلهما يضغطان بإتجاه إبقاء القوات. ولو تم ذلك فسوف لا يكون هذا الإلتزام الإنتخابي الأول ولا الأخير الذي يتم تجاوزه بصورة أو أخرى. حتى المحاولات المخيفة، حاول الطغمويون إفتعالها لكنها لم ترعب الحكومة والجماهير العراقية، لذا قدر وقرر الأمريكيون ضرورة المضي في إجراءات الإنسحاب.
لقد أغاظ هذا الإنسحاب الغلاة في إئتلاف العراقية فراحوا يترنحون ويتخبطون؛ فأصدروا رسالتهم الكارثية التي نشرت في النيويورك تايمز متشبثين بقشة لا أعتقد أنها قادرة على إنقاذ مطامحهم غير المشروعة بأي قدر. لقد هجروا وإستفزوا الرئيس أوباما وإدارته والحزب الديمقراطي بتوجههم، في موسم بدء الحملة الإنتخابية الرئاسية التي لا يرغب الأمريكيون أن يتدخل الأجانب فيها، إلى ممثلي اليمين الأمريكي المحافظ الممثل للإحتكارات النفطية والرأسمالية الكبرى التي جرحها الإنسحاب، كما جرح الرأسمالية البريطانية المؤسسة للدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي ما منحت نفسها بسببه الحق في "وجوب" التدخل في الشأن النفطي العراقي خاصة وأن عملائها جاهزون للتخريب والإبتزاز، - جرحهم الإنسحابُ وتركُ العراقيين يتصرفون كما يشاؤون بثرواتهم النفطية في جولات التراخيص على أساس عقد الخدمة.
عوّل أولئك الغلاة أيضاً على الجنون الذي ضرب السعودية وتركيا بعد خروج القوات الأمريكية وإفتضاح أمر بعض "حلفائهم" المتهمين بالإرهاب. ثانيةً، لا أعتقد أن تدخل السيد رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، لدى نائب الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن، وحديثه عن "التسلط" في العراق سوف لا ينفعه ولا ينفع إئنلاف العراقية ولا ينفع السيد الهاشمي بشيء.
إن الشعب العراقي قد صبر طويلاً وضحى كثيراً وسوف لا يطيق ولا يسمح بأي تدخل خارجي، وإذا إستجلب أي عراقي أي تدخل فسيكون عميلاً.
وهكذا كسب العراقيون الصفقة، على أنها ليست الصفقة الأخيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية.

مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والتهجير الداخلي والخارجي والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.

(2): الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها. طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي.

الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية.



#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا توجد ملفات أمنية سرية غير مفعلة؟
- توقفوا عن التأجيج الطائفي يا أصحاب المشروع -الوطني-
- حافظوا على سلامة السيد طارق الهاشمي من الإغتيال الكيدي
- هل الدكتور أياد علاوي يتستر على الإرهاب أم متورط فيه؟
- أفيقي من أحلام اليقظة يا سيدة ميسون
- متى يستقيم وضعنا يا مثقفون؟
- الديمقراطية ليست هامبركر يا سيد صالح المطلك!!
- الثورة السورية والعراق والربيع العربي والجامعة
- ما لم يقله وكيل الداخلية للإستخبارات حول التخطيط البعثي
- lموقف الجادرجي من قيادة ثورة 14 تموز
- ماذا وراء تصريحات وزير الدفاع الأمريكي؟
- لو حرصوا حقاً على مصالح الشعب
- القرار الإتهامي ليس إختباراً لهيبة الدولة اللبنانية
- الإنتخابات المبكرة ليست مخرجاً للأزمة
- تباً لهكذا منظمات مجتمع مدني!!
- إئتلاف العراقية يعلن الحداد
- المقاصد الضيقة تغلبت على المصلحة الوطنية
- خاطرة حول العراق ومصر والسعودية
- تعقيب على تعليقين حول مقال -إسقاط الحكومة بين الجد والهزل ال ...
- إسقاط الحكومة بين الجد والهزل القاتل


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ضياء عيسى العقابي - إنتهى الوجود العسكري الأمريكي في العراق فما هي القصة من الأساس؟