أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان محمد - .الَفْكرُ المُنَاضِلْ : أينَ تَقَع المَاْركِسية؟ قراءة في الأزمة السودانية















المزيد.....

.الَفْكرُ المُنَاضِلْ : أينَ تَقَع المَاْركِسية؟ قراءة في الأزمة السودانية


محمد عثمان محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 00:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


فالفكر المناضل ليس واحد المسير ، ولا واحد المصب ، لكنه في العام تقدمي ، وفيما يخصنا بالخاص: علمي ماركسي ، وكلاهما يقع كثيره في دائرة الخطاب المأزوم حين ينزلق لمواقع تفكير الخصم ، ويحاول نقده من داخل شروط لعبته ، فيتحول لخطاب انتخابي ، إنتهازي ، مفرط البراغماتية ( فالبراغماتية أداة من ادوات المعرفة) . والماركسية هنا ، هي الماركسية وفق الخطاب الفكري للحزب الشيوعي السوداني ، كملح خاص ، يطعم الحياة العامة ، ويتطعم منها ، ولا يخلق "رغم علات كثيرة" من النموذج "واقعا" ، فالماركسية مثلها مثل أي فكر إنساني تخضع لمحددات الواقع والمنجزات المعرفية ، ولا تنفصل عن القراءة الكليانية للتراث البشري ، وليس لها ان تخلق القطيعة المطلقة مع التاريخ ، فليست الماركسية بداية للفكر المناضل ولا نهاية له ، ومتى ما ادركنا الوظيفة الحقيقية للماركسية السودانية أدركنا موقعها من /في الفكر المناضل.
والماركسية جزء من الفكر السوداني بمكوناته المختلفة : الدينية ، والأفريقية ، أو المستعربة الوافدة (وليس في لفظ الإستعراب خصومة بل هو تدليل الإستفعال أي الإختلاط الآتي في واقع يسبقه ) ، ورغم تأثر كل هذه المكونات جميعا بمشارب أخرى إلا مظاهر الإستقلال نجحت في الظهور مبكرا ، فالإله أباداماك كأول إله محلي ، وظهور ابجدية اللغة المروية والنوبية، والتميز على مستوى الحضارات(نبتة ، كرمة ،سنار،..) . وبالمثل تمايزت الماركسية ، فلم تأتي وافدة غريبة ، بل وجدت لها جذورا في الثقافات السودانية والقيم المجتمعية ، ونشأت في كنف الحركة الوطنية بل وتفاعلت فيها أيما تفاعل( عدد من المراجع يشير إلى وجود شيوعيين وسط حركة اللواء الأبيض ، وأن البطل علي عبد اللطيف كان يستلم منشورات شيوعية مطبوعة باستكوكهولم)ونحن لاندلل لهذا تسولا لوطنية ، فالشيوعيون والتقدميون بوجه عام ، لهم اسهاماتهم في النضال ضد المستعمر قبل ميلاد الحزب الشيوعي ، وعلى الرغم من أن عدد من القراءات التاريخية تشير إلى أن المؤلفات الأولى للماركسية غلبت عليها كتابات ستالين باختزالها المخل إلا أن العقل الجمعي للشيوعيين السودانيين ساهم في تكوين رؤية لمشروع تقدمي واسع ، تجاوز الكتابات و الخطب الجافة والإختزال ، بل أدرك بوعي تام ، دور الجماهير ، وبنى رؤيته للماركسية على هذا الأساس ، فكثير من عضوية الحزب قد تكون ولجت إليه ليس إيمانا بالماركسية ، بل بقيم الديمقراطية والحرية والإشتراكية والتقدم الإجتماعي فيما يختص بحقول الواقع السوداني وهذا إن كان له إيجاب ، فله الآثار السالبة في ضعف البنى الفكرية اللاحقة لتطوير المشروع الوطني الديمقراطية وتوهان الماركسية عن موقعها بين متشبث أعمى بكليتها وشمولها ، وبين متنازل مستكين يود التخلي عنها بذات الكلية .. وإذا تحدثنا عن قضية محورية مثل قضية الديمقراطية فلم يكن العقل الجمعي للشيوعيين السودانيين ثابتا على أمر فيها ، بل تطور "قد طور الشيوعيون نظرية للديمقراطية تكاد ان تكون نظرية كاملة، وتعتبر ثورة فكرية عظيمة وتطورا نوعيا لما كان مطروحا من قبلهم ومن الحركة الشيوعية في المنطقة الافريقية والعربية. وما نحتاجه الآن هو ان نصوغ تلك النظرية بشكلها المتكامل وان نخرجها من بطون وثائق اللجنة المركزية والبيانات الجماهيرية والاحاديث المتفرقة لقادة الحزب لتصبح خطابا ايديولوجيا وبرنامجيا واضحا، حينئذ ستطرح امامنا مهام جديدة اكثر تحديدا" ، والعجز عن الصياغة ، عجز القادرين على التمام ، لكن ليس سببا ذاتيا ، فطبيعة الصراع السياسي في السودان أدخلت الشيوعيين السودانيين في معارك اليومي من السياسة وضنك الحياة ، فتحول الخطاب المتشرف الآفاق الجديدة إلى خطاب يومي ، أقرب لرد الفعل ، من الفعل ، وكل هذا في ظل ضعف حقيقي في الرؤى الفكرية إما لأن هذه الرؤى فوقية ، نخبوية أو لأن قطاعات عريضة ترى الفصل " الواجب" بين السياسي والفكري ، وكلاهما باطل حنِتْرِيبْ.
وفي حَقَل الصِرَاع الأيديُولوجي بالسّودَان ، هُناك فِكرين ، لا يتقابلان بشكل هندسي ميكانيكي ، بل يتداخلان ويتحوران ، نسبة لظروف التناقضات الإجتماعية ، فلا يتناقضان سياسيين : حكومة ومعارضة ، ولا يظهر الإختلاف إلا عندما تطرح قضية التغيير السياسي الإجتماعي الشامل ..هناك جوانب في الأزمة بضرورة الخطاب تتعلق بالماركسية ، كمنهج تحليلي ، وفي ذلك هي تتملك أدوات ليست في أي فكر آخر (وليس في ذلك ايضا إدعاء تفرد وفوقية) لكنه جزء أصيل من البنى الداخلية للخطاب العلمي ، والعطب الذي يصيبه هو بالتألي علاقة جدلية: بين النظرية والتجربة ، الأطروحات والتطبيق الخلاق ، والحزب كعقل جمعي للشيوعيين السودانيين متى ما أصابه العطب فإنه لا يقتصر على الجدران الداخلية بل يتمدد أثره حتى يصل إلى بنية الخطاب ذاته فيأتي مهترئا ، بائسا ، فاقدا لملحه الخاص ، ويفقد أهم ما فيه : علميته وتميزه النظري عن باقي الأطروحات . يجد الماركسيون أنفسهم في مأزق نظري حين يجابهون بأطروحات علمية أخرى خرجت من كنف التحليل العلمي ، أهمها اطروحات " التحليل الثقافي" فيما يتعلق بعلاقات الهامش والمركز ، فيتركز الخطاب المناقض هنا ، لا في المضي قدما في مراجعة القراءات التحليلية في العلاقة المادية الضرورية بين الأزمة وعلاقات الإنتاج ، علاقة جدلية ، تفكك أو تماسك أحد طرفيها يؤثر على الأخرى ، فهجرة قيادات من الطائفية إلى السلطة ليست هجرة جوفاء غير خاضعة للتفسير أو تقرأ في إطار"المكايدات" البحتة ..بل هي من صميم هذه العلاقة ، في تلاقي نقائض السياسة على طاولة المصالح ، التي هي أساسا التمظهر الأساس للوعي الطبقي القائم على البنية الإجتماعية للبورجوازية في السودان والتي وجدت في وقوفها القلق اللا مستقر على خط النار وجبهة الخلاف هزيمة لمشروعها الكبير ، وتغييبا لوجودها الرأسمالي في عملية الإنتاج ، ومتى ما فقدت الطبقة الوعي بوجودها تلاشت أو " تماهت" في مصالح طبقية أخرى ، سرعان ما تبدأ التناقضات بالظهور فيعاد تشكل وعيها مجددا ، ولكن بشكل مختلف . فمثلا كانت لبنة قيام حركة العدل والمساواة في غرب السودان ، قائمة على إرهاصات المفاصلة السياسية بين أنصار السلطة وأنصار الترابي/ الحركة الإسلامية بمفهومها النظري ، وكان د.خليل إبراهيم أحد أركان النظام خصوصا على الجبهة العسكرية الجهادية..ولأن المصالح في الأساس كانت مزيفة بالإنتماء لحركة سياسية ذات خطاب إقصائي البنية ، ذو عمى فكري تجاه قضايا الهامش/الآخر (ترتبط قضية الهامش جذريا وبينويا بطرح الآخر في الخطاب والممارسة ) ثم بتهشمها كان التحول ( لكن وفق مصلحة متماهية أخرى) في إطار إستمراره هو الذاتي في القبول بالطرح الإسلامي دون إهمال جميع المؤثرات الاصيلة ذات الصلة بأزمة دارفور بشكلها الموضوعي التاريخي / الإجتماعي.
وللنظر إلى موقع الماركسية في الفكر المسيطر ، بتطلب هذا نظرة إلى الماركسية ذاتها ، وما علق بها من بداهات ومسلمات في سيرورتها التاريخية ، وكسر البداهات هنا يرتبط ، بتحديد نظرتنا للماركسية : هل هي نظرية إجتماعية مرتبطة بطبقة معينة ، أم هي علم لا تنحصر قراءاته في إطار الطبقة المعينة فحسب ؟ المسألة ليست تمدد أو تقلص الماركسية ، فالماركسية ليست كيانا ماديا ، لكن كما يقول ماركس : الأفكار تصبح قوة مادية عندما تتملكها الجماهير ، وبالتالي التقلص والتمدد مربوط بالوعي الطبقي ، كأساس ينهض عليه العقل الجمعي للشيوعيين تجاه دراسة الواقع وتحليله وهم في ذلك ينال بعضهم إضطراب :في أين ييممون شطرهم ؟ أ نحو الماركسية ، أم نحو الواقع ؟وهم بذلك يطرحون ثنائية مفترضة ويتمادون في سوء الظن إلى طرحها كثنائية لا تتلاقى ولا تتقابل ،أي كأن النظر للماركسية ترف يمنعنا من النظر إلى الواقع ، فهم ينظرون إلى التجريد إلى الماركسية كموضوع مستقل عن كل محددات الواقع وتفاعله مع الصراع الإجتماعي ، إنهم لا يقرأون المعرفة في حقلها البشري ، بل يضربون أسوار الأكاديمية عليها وهذا هو الترف الحقيقي ، المناقض لخطاب الجماهير الشعبية كما يسمي غرامشي (ودور المثقف في ذلك سنتناوله في جانب آخر) ، ولا يمكن كذلك إذا كنا ماركسيين أن ننظر إلى الواقع دون الماركسية كأداة تحليل إجتماعي.. فماهي الأرض التي يقف عليها الماركسي في تحليله؟ أسئلة كثيرة لا نملك الإجابة الشافية عنها كلها ، ولكن لنقل في صدد ذلك أمرا ما: والماركسية إذا تعاملنا معها بالمعرفي فيها وتقاطعاته بالتاريخي ، لا بد تتشكل فيها عدد من الوثوقيات ، فكيف يمكن تجاوز هذه الوثوقيات ؟ بتجاوز الماركسية ككل ، هذا حل مستسهل ممن يودون حرق المراحل والقفز بالزانة فوق عملية التفكير ، وهم بذلك يمارسون أفحش رذائل التفكير ، ضيق الأفق..فكيف إذن يكون يكون المسار نحو التقدم ، يقول أدونيس مقتبسا عن " كانت" : (( ان العصفور الذي يضرب الهواء بجناحيه لكي يطير يتصور أنه لو لم يكن هناك هواء لكان طيرانه أسهل ، والحقيقة أنه لو لم يكن هناك هواء لما استطاع أن يطير )) وقد علق على ذلك محمود أمين العالم بقوله أنه "لا سبيل إلى التقدم والإبداع في فراغ..ولا سبيل إلى النقدم وإلى القطيعة الجدلية الحقيقية إلا من خلال الذاكرة التراثية . فلكي نطير أبعد من الهواء ، ولكي نتجاوزه ، لا نستطيع لك إلا من خلال الهواء وبفضل الهواء وعلى الرغم من الهواء" وبذلك لا يمكن معالجة الأزمة في موقع الماركسية ، من حيث هي ، فكر ثوري إلا من خلال تاريخانيتها ، من خلال حقله الأيدلوجي المخصوص ، في الإطار الذي ندرس فيه الصراع الإجتماعي في بلادنا ، لا بالتجاوز الأعمى الإستهلاكي على غرار خذه أو أرفضه Take it or leave it..فنحن لا نخضع الماركسية أو أي فكر بشري آخر لسرير بروكروست الأسطوري . لنا في هذه النقطة أن نتحدث أيضا عن بداهة واجبة الهدم في تناولنا للفكر الماركسي وأظن أن كثيرين يساقون إليها سوقا ، بقدر من الإرتباك المعرفي والأيدلوجي وفي ذلك يكون افتراضنا قائما على "حسن النوايا " وهي تميمة " تجديد الماركسية " ، وقد كان هناك نقاش كثير كنت طرفا فيه سواء على أرض الواقع ، أو من خلال الإسفير ، لكن كان هناك سؤال محوري تكرر في كل النقاشات بنمط واحد: ماذا نريد أن نجدد؟ وهذا السؤال بقدر ما هو مشروع فهو مفخخ : مفخخ بالتابو ، بالألغام المزروعة في حقل التفكير البشري ، من المغامرين والإستسهاليين ، فهم يريدون التجديد المفضي إلى الإلغاء والحزب الجديد والنظرية الثورية الجديدة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فهناك الألغام التي يزرعها التراثيون ، الذين توقفوا منذ فترة عن التفكير الخلاق ، فهم يفكرون نعم كنشاط ذهني ، لكن وفق سقوفات نظرية معينة ، ولا يستطتيعون الخروج عن القرطميس إياه لأنهم ومن خلال الممارسة الذهنية والعملية قد وضعوا خطوطا ليست للتجاوز وهم بذلك يتساوون من حيث ثنائية التفكير والتكفير= الإقصاء مع كافة الجماعات السلفية والمتطرفة .
ويضعف في السودان المنهج النقدي ، خصوصا عند قراءتنا التاريخ ، فمنهجنا خصوصا لتقاطعاتها/استلابها تجاه منظومة الثقاقة الاسلامية العربية - هي (( قاصرة عن كشف العلاقة الواقعية الموضوعية غير المباشرة ، بين القوانين الداخلية لعملية الانجاز الفكري وبين القوانين العامة لحركة الواقع الاجتماعي..)) ، ومن ينحون تجاه حمل لواء تجديد الماركسية من باب طرح نظرية ثورية جديدة هم لا يتصدون في واقع الأمر للقوانين الداخلية التي تطرح وجود أزمة في الماركسية ، بل هناك أمر أكثر أهمية ، في ما يتعلق بتحديد الأزمة: هل هي في الماركسية في بينتها وخطابها ، أم هي أزمة الماركسية ككل ؟ وبالتالي يتطلب الأمر تحولا في النموذج ؟ إن تطور الفكر الإنساني وإعتناقه منذ فترة طويلة الحرية ، والعقلانية وحدة جدلية لنمو تطور العقل في مواجهة التيارات اللا عقلانية لم يعد قابلا لمساحة كبيرة من الوثوقيات والأسبقيات التي تجعل العالم الموضوعي بداهات متكررة ، وظواهر بلا باطن ، وهي رذيلة ضيق الأفق ذاتها والتي تمارس وفق الأيدلوجيا البورجوازية: أيدلوجيا الذات والتي تنحو إلى تفسير التاريخ كحوادث فردية تتعلق بذوات وليس جماعات ، وتخلص إلى النتائج بلا قراءة الأسباب . إن الأزمة في رأيي هي أزمة " في الماركسية" ، جزء من أزمة العقل ، أي التفكير العقلاني في السودان ، فالماركسية لم تنمو في السودان كما أسلفنا مقطوعة نسب ، بل كان هناك ظروف موضوعية لنموها ، لكن هذا النمو كان مشروطا ومسقوفا ، محدودا بحدود إمكانيات تطور العقل الإستراتيجي ، لحساب الفكر"اليومي" التكتيكي ، وتحول أفق الماركسية إلى برنامج سياسي وسط جماهير متوسطة الحال والثقافة ، وقضايا لها ضغطها الآني ، ولا نقرأ في التراث الماركسي - وفق نظر هؤلاء -إلا كل ما يستحق القطيعة دون طرح نظرة شاملة لقراءة الأزمة في شكلها الأشمل " إن إفتقاد هذه النظرة الشمولية يقف حائلا دون تلمس حركة التاريخ . كل النظريات خرجت من رؤية شمولية . ولعل أسطع مثال نظرية كروية الأرض . فلولا رؤية الأرض في إطار حركتها الشاملة مع الكواكب الأخرى لبقيت شيئا مسطحا ثابتا لا حراك فيه ، تشرق عليها الشمس وتغيب عنها." إن طرح وجود أزمة تستوجب الحل هكذا قول يلقى على عواهنه ، إذ أنه لا ينفذ إلى القول طارحا الأمر كمشكلة ، يل يطرحه ضمنا كحل ، على غرار الحل في " الحل" ،ولا يتم قراءة هذا التراث واجب التنقيح في ضوء تاريخيته أي علاقته بالبنية الإجتماعية السابقة التي أنتجته ، أو الظروف التاريخية التي أنتجت بدورها تلك البنية ، ومن الناحية المقابلة قد يشترك التراثيون في نقض مثل هذه الإتجاهات ، لكن في نقضهم هذا يسلكون منحى مرتبكا واجب النقد : فكرة الماركسي الحق ، وهم بذلك يصفعون التاريخ صفعة كبرى ، فكم شهدنا وقرأنا معاركا اصطف فيه الماركسيون على ضفتين متقابلتين ليس في صراع فكري فحسب ، بل بصراع جسدي وصل حد التصفية والإعتقال والنفي ، بين بليخانوف ولينين1917 ،وكاوتسكي ولوكسمبورج 1919 ، والشيوعيون والحزب التوحيدي الماركسي في برشلونة 1936 وغيرها من الأحداث ..وإن كان من طبيعة الفكر الثوري "الحسم" ففي الفكر البشري وفي تطوره التاريخي صوب العقلانية لا مجال للحدود الفاصلة الحادة : لا مجال للمطلق والثبات . وقد تساءل المفكر المجري جورج لوكاش عن هذه " الماركسية الأصيلة" وهو يقول :
" إن الماركسية الأصيلة لا تعني تسليما أعمى بنتائج بحث ماركس ولا تعني الإيمان بنظرية أو بأخرى ولا تأويل كتاب مقدس ، إن الأصالة نسبة للماركسية ترجع على نقيض ذلك المنهج بشكل حصري " .
لا يمكن معالجة الأزمات معزولة بعضها عن بعضها ولا عن طريق منهج تناول أحادي حسب ترتيبات وتقديرات ذاتية ، لا ننظر إلى أزمة الخطاب الثوري وموقع الماركسية فيه ، بمعزل عن الأزمة الوطنية الشاملة ، والتي تطرح خطابها المازوم في مواجهة خطاب تصدره الأزمة ، يتبلور كل يوم ويتطور ، لكنه عاجز أن يطرح خطابه بشكل متماسك لإفتقاده الخطاب العلمي والثوري في بنيته الداخلية .. ومن ثم يضحي الحديث واجبا عن " تأمل القامات" المعرفية استقامة وانحناء ، وهي ليست دعوة بلاغية كدعوات التجديد ، التي لا تطرح ماذا تود أن تجدد وإلى ماذا تود أن تخلص..بل تعني النظر إلى ماركسية الشيوعيين السودانيين في حقلهم المخصوص ، قراءة تاريخية ناقدة تهزم الهتافيات والوثوقيات ، وتنأى عن الطرق الإستهلاكية البورجوازية البنية للحلول
وهو من صميم مهام النقض للفكر المناضل .لنقرأ مهدي عامل على ضوء هذه الأطروحة : " فالنقض هذا هو عملية استخراج الواقع من ظاهر يحجبه . ولا بد في هذه العملية من إنتاج الأدوات النظرية الضرورية لها ، والتي هي منظومة المفاهيم العلمية . هذا ما سيقوم به ابن خلدون في "مقدمته" . ثمة ارتباط ضروري ، إذن، بين تحديد الواقع التاريخي وتحديد العلم التاريخي بمعنى أن بنية هذا الواقع ، الذي هو موضوع معرفة ، هي التي تحدد شكل مقاربته" هكذا لنقرأ الأحداث ، فإذا كنا توقفنا في المقال السابق عند موقف الشيوعيين تجاه قضية الديمقراطية فلا يمكن قراءة أطروحات " الديمقراطية الجديدة" أو " الشعبية" مثلا من حيث ظاهرها أزمة ، في ذاتها ، وللماركسية ككل وبالتالي خلوصا لحلها ، لنلغي الماركسية .. بل بقراءتها ضمن الأسس الإجتماعية والتاريخية التي نهضت عليها هذه الأطروحة ، هكذا يكون المنهج العلمي ولو لم يكن ماركسيا ، وليس بالضرورة بل هو من الخطأ ، أن نضع النتيجة مسبقا بأن القراءة التاريخية للماركسية كفكر ثوري في السودان ، تعني الإلغاء أو التمسك ،بالماركسية ، كدليل أو مرشد حسب صيغة البرنامج الحالي للحزب الشيوعي السوداني (وربما يكون تحديد هذه الصيغة مربوطا بشكل أو بآخر بالتكتيكي وليس الإستراتيجي) فلتنتصر الضرورة العلمية على كل البداهات وبغض النظر عن مخرجات التفكير الناقد ، ما دام العلم خفاق الراية ..هذه هي مهمة النقض في مواجهة الفكر المسيطر . تضع مهام الفكر المناضل في بلورة أطروحات ماركسية حول الأزمة الوطنية مؤثرات عدد من البداهات داخل البنية الفكرية للماركسية ذاتها ، ومتوهمة من قبل التراثيين أو الإستسهاليين في سلوك الدروب الوعرة ، وكلا الطرفين في تعميماته لا ينطلق من مناهج استقراء الحقل السوداني



#محمد_عثمان_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ه.ب.لافكرافت..الرعب الذي(لا إسم له)
- نص ما..!
- بين لينين وماركس:كيف تموت الأفكار وتبعث
- مواقف إستقرائية نحو دراسة للتحولات الطبقية في الدولة السودان ...


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان محمد - .الَفْكرُ المُنَاضِلْ : أينَ تَقَع المَاْركِسية؟ قراءة في الأزمة السودانية